خبيرة استراتيجية: الاستثمار في ليبيا أصبح واجباً وطنياً لحماية ثرواتنا
تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT
دعت الباحثة والخبيرة في الدراسات الاستراتيجية الإقليمية والدولية، الأستاذة حميدة رمضان الجمل، إلى ضرورة توفير المناخ المناسب للاستثمار في الداخل الليبي، والعمل على إزالة العقبات الأساسية التي تواجه هذا الاستثمار؛ الإدارية منها، أو المالية، أو الاقتصادية، أو القانونية كذلك.
ولفتت الجمل في مقال لها أنها قد استلهمت حديثها عن الاستثمار الداخلي من حديث نُشر في صحيفة (القدس العربي) اللندنية للسيد مصطفى أبو فناس الرئيس الحالي لمجلس إدارة محفظة ليبيا إفريقيا للاستثمار، وهو الحوار الذي شدد فيه بحكم خبرته الاقتصادية الواسعة، وسابق عمله كوزير للاقتصاد الليبي على “أهمية استثمار أموال المحفظة في الداخل؛ نظرًا لما تتمتع به ليبيا من موقع جغرافي متميز، وما تمتاز به من إمكانات وموارد”، مشيرًا إلى أن النتائج الإيجابية الملموسة التي بدأت في الظهور تباعًا نتيجةً لتبني تلك السياسة الجديدة في المحفظة هي ما قد دفعته لدعوة الدولة للاهتمام بالاستثمار الداخلي الذي يُعد على حد وصفه بمثابة طوق نجاة للاقتصاد الليبي؛ خاصةً بعد التحولات الكبيرة في موازين القوى الاقتصادية العالمية، والتحول نحو الأسواق الناشئة.
وقدمت الجمل استنادًا إلى خبرتها العلمية والبحثية العميقة وصفة أكاديمية ذات ثقل، من شأن تطبيقها تشجيع الاستثمار الداخلي، وتنشيط الاقتصاد الليبي الذي يعاني جراحًا غائرة تراكمت عبر سنوات الأزمة السياسية في البلاد.
ورأت الجمل أن خيار الاستثمار الداخلي في ليبيا تفرضه عنوة العقبات التي تواجه الاستثمار في الخارج، وتكالب بعض الدول على أموال مؤسسة الاستثمار الليبية؛ مما يجعل الاستثمار في الداخل حلاً عقلانيًا لمواجهة ذلك، ووسيلة لاستعادة الاتزان.
وأشارت إلى أن إنجاح عملية الاستثمار بالداخل يتطلب إعطاء دور للمصارف التجارية في زيادة معدلات التنمية الاقتصادية من خلال التوسع في الاستثمار، منوهة إلى أهمية الاستقرار السياسي والأمني كعامل أساسي لا يمكن الغنى عنه.
وبحسب الجمل؛ فإن التخطيط السليم لسياسات الاستثمار الداخلي يتطلب توفير قاعدة بيانات شاملة وجامعة، تضمن معرفة دقيقة لمكونات وحجم السوق المحلي، ونسب البطالة، ومعدلات الأسعار، وموارد للاقتصاد الليبي، بالإضافة لإجمالي الناتج المحلي، وكذلك متوسط نصيب الفرد من ذلك الناتج، وحجم التوسع الحكومي في الإنفاق على البنية التحتية؛ كالطرق والمواصلات والاتصالات.
ونوهت خبيرة الدراسات الاستراتيجية إلى أن التوجه لتنويع مصادر الإيرادات العامة يُعد ركيزة يمكن الارتكان إليها في تحديد خطة الاستثمار، كما أشارت إلى ضرورة وضع الجهاز الضريبي في الحسبان كشرط أساسي لضمان استدامة تلك الخطة، وألقت الضوء على وجوب الاهتمام بالقطاع المصرفي الذي يعد دعامة أساسية لبناء أي اقتصاد حر؛ مُعتبرة أن بنية القطاع المصرفي الليبي “بصيغتها الحالية” تُكبل المصارف بالكثير من القيود الرقابية والإدارية دون جدوى فعالة.
ثم عادت وجددت التأكيد على أهمية الاستقرار السياسي والأمني؛ مُوضحة أن المستثمرين في حاجة إلى بيئة آمنة ومستقرة تضمن مستقبل أنشطتهم، كما شددت على ضرورة تفعيل سوق الأوراق المالیة؛ حتى يُفسح المجال للنشاط المالي، وما لذلك من أثر إيجابي في دفع وتوسع الاستثمارات في مختلف القطاعات.
وفي سياق مقالها، عرجت الجمل على عدة نقاط رئيسية من الضروري الالتفات إليها لدفع عجلة الاستثمار الداخلي؛ منها التوجه الصادق نحو تحقيق تنمية بشرية فعالة تعتمد على التعليم النوعي الذي اعتبرته هو الأساس لخلق كوادر قادرة على تطوير القطاع الاقتصادي، وكذلك الحاجة لمراجعة التشريعات والقوانين المُتعلقة بالاستثمار المحلي والأجنبي، للتأكد من تركيزها على إيجاد خطط واضحة وشاملة لبرامج الاهتمام بالاستثمار بعيدًا عن منطق الجباية.
كما استعرضت المحاولات التي تناولت ملف الاستثمار في ليبيا مثل “استراتيجيات ورؤية ليبيا 2040” المُعدة من قبل مجلس التخطيط الوطني، وكذلك رؤية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا للفترة ما بين 2019-2020، لافتة إلى أن جميع هذه المحاولات شابها القصور وبعيدة عن أرض الواقع؛ لكونها وضعت التركيز على مجالات محدودة دون قراءة عميقة ومُفصلة للتحديات والمشاكل الحقيقية بالداخل الليبي، علاوة على غياب التنسيق بين الجهات المعنية بملف الاستثمار.
وقد أكدت أن السبيل لمواجهة تلك التحديات التي تواجهها الدولة الليبية يتطلب العمل على حوار مجتمعي فعال وشامل لكل أطياف المجتمع الليبي، ويتناول أهم الموضوعات التي يجب مُعالجتها بموضوعية؛ وخاصةً المُلحة منها مثل “محاربة الجريمة في القطاع المصرفي، ومكافحة تهريب السلع والبشر والوقود”، وضرورة وضع آليات وحلول لمشكلة فروقات سعر الصرف بين السوق الرسمية والموازية لها، وكذلك حتمية مواجهة الفساد المنتشر في كل مفاصل الدولة.
وفي ختام مقالها، عددت الباحثة الجمل أهم معوقات الاستثمار في ليبيا؛ ومنها عدم تحقيق الاستقرار السياسي والأمني، وغياب الخطط الواضحة لبرامج التنمية، وضعف التشريعات واللوائح المنظمة للاستثمار، وكذلك نُدرة المزايا والإعفاءات الضريبية، بالإضافة لتعقيدات الإجراءات الإدارية، وافتقاد التمويل اللازم لتكوين المشروعات، وضعف المؤسسات المصرفية التي تقع ضحية لغياب الخارطة الاستثمارية وهشاشة الضمانات الكافية للسلامة.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: الاستثمار الاستثمار الداخلي الاستثمار في ليبيا محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار الاستثمار فی فی لیبیا إلى أن
إقرأ أيضاً:
ما تأثير العقوبات الأمريكية على رئيس البنك المركزي بصنعاء على القطاع المصرفي؟
أثار قرار الولايات المتحدة فرض عقوبات على رئيس البنك المركزي في صنعاء، الموالي لجماعة الحوثيين، وعدد أخر من الكيانات المصرفية، تساؤلات عدة عن تداعيات وتأثيرات هذا القرار على القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الجماعة.
وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد أعلنت قبل أيام عن فرض عقوبات على عدد من الكيانات والمسؤولين في جماعة الحوثي بينهم هاشم المداني المعين رئيسا للبنك المركزي في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة، بتهمة "غسيل الأموال لصالح جماعته وتسهيل وصول الأموال إليها".
تحجيم دور الحوثي المصرفي
وفي السياق، قال الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي، وفيق صالح، إن إدراج محافظ البنك المركزي بصنعاء على لائحة العقوبات من قبل وزارة الخزانة الأمريكية، يحمل دلالات هامة، كونها تأتي لأول مرّة منذ حدوث الانقسام النقدي والمصرفي، الذي كرسته مليشيا الحوثي بصورة نهائية في أواخر 2019.
وأضاف صالح في تصريح خاص لـ"عربي21" أن هذه العقوبات وفقاً لما أعلنته الخزانة الأمريكية " تُمثل جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى شل الموارد المالية للحوثيين" وهو ما يعكس تغيير لافت في الموقف الأمريكي تجاه الأزمة باليمن، خصوصاً على مستوى الأوضاع الاقتصادية والمالية.
وأشار "هذه العقوبات أعتقد أنها سيكون لها تداعيات مباشرة على تحجيم الدور الذي تقوم به جماعة الحوثي في التأثير على القطاع المصرفي والأوضاع النقدية في البلد بشكل عام".
وتابع الصحفي الاقتصادي اليمني: "كما ستضع القطاع المصرفي والبنوك التجارية التي تتواجد مراكزها الرئيسية في صنعاء، أمام تحديات جديدة، حيث من المحتمل أن تزيد الضغوطات التي تواجهها هذه البنوك خصوصا مع استمرار الانقسام النقدي والمصرفي، وإصرار الحوثيين على استخدام سياسات مالية ومصرفية تضع القطاع المصرفي تحت مقصلة العقوبات والعزلة الدولية".
وبحسب صالح فإن هذه العقوبات التي طالت الكيانات المالية للحوثي، "قد تعزز من دور البنك المركزي اليمني في عدن المعترف به دولياً في إدارة السياسة النقدية"، موضحا أنها تشكل دفعة مساندة قوية للسلطات النقدية في الحكومة الشرعية، لاتخاذ أي خطوات في إطار مهامها وأنشطتها لإعادة ضبط الوضع النقدي والمصرفي، وإصلاح الإختلالات التي تعرضت لها المنظومة المصرفية، بفعل الانقسام وازدواج القرارات.
شل الموارد المالية للجماعة
من جانبه، رأى الباحث الاقتصادي اليمني، وحيد الفودعي، أن الخطوة الأمريكية ليست مجرد إجراء عقابي بل جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى شل الموارد المالية للجماعة الحوثية ومحاسبة من يسهم في استمرار الحرب والدمار في اليمن.
وقال الفودعي في منشور على حسابه بموقع "فيسبوك" إن هذه العقوبات تسلط الضوء على ضرورة تعاون دولي أوسع لمكافحة الأنشطة المالية غير المشروعة التي تغذي الحروب والنزاعات في المنطقة، ولتعزيز الأمن والاستقرار لشعوبها.
وحول مدى تأثير قرار العقوبات الأمريكية على البنوك التي تعمل في صنعاء، أكد على أن هذه البنوك تعمل تحت مظلة أو بتوجيهات من البنك المركزي في صنعاء، فإن التداعيات المحتملة قد تكون متعددة الأبعاد.
وتابع الفودعي بأن البنوك التجارية والمصارف التي تعمل في صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين تواجه بالفعل ضغوطًا معقدة نتيجة الانقسام السياسي والاقتصادي في اليمن، وقد يؤدي هذا القرار إلى تعميق عزلتها الدولية.
وذكر أن "أي تعاملات مالية مع الأفراد أو الكيانات المدرجة على لائحة العقوبات قد تضع هذه البنوك في دائرة الاشتباه، مما يعرضها لخطر فقدان ارتباطها بالنظام المصرفي الدولي".
وأضاف الباحث الاقتصادي اليمني أن الأنظمة المالية العالمية تتطلب الالتزام الصارم بمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وأي انتهاك لهذه المعايير قد يؤدي إلى فرض قيود إضافية أو حتى عقوبات على هذه البنوك".
كما لفت أيضا إلى أن التعاون بين هذه البنوك والبنك المركزي في صنعاء، الذي يُتهم بالضلوع في أنشطة غير مشروعة، قد يجعلها عرضة للتدقيق الدولي.
وإذا تبين وفقا للفودعي "إن هذه البنوك تسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تنفيذ سياسات مالية تخدم مصالح الجماعة الحوثية أو تُستخدم كأدوات لتمرير الأموال المشبوهة، فقد تواجه إجراءات صارمة تشمل تجميد أصولها أو الحد من تعاملاتها مع البنوك الدولية".
وعلى المستوى المحلي، أوضح الباحث الفودعي أن هذا القرار قد يؤدي إلى تعقيد العمليات المصرفية في صنعاء، مما يزيد من التحديات التي تواجهها البنوك في ظل بيئة اقتصادية هشة.
ولفت إلى أن التعاملات التجارية قد تتأثر نتيجة انخفاض الثقة وزيادة القيود، مما ينعكس سلبًا على العملاء المحليين والشركات التي تعتمد على البنوك للحصول على التمويل أو تسهيل التجارة، وفق قوله.
كما شملت العقوبات الأمريكية "هاشم إسماعيل المداني"، محافظ البنك المركزي الموالي للحوثيين في صنعاء، الذي اعتبرته الوزارة "المشرف الرئيسي على الأموال المرسلة إلى الحوثيين من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وقد تعاون مع المسؤول المالي الحوثي المدعوم من فيلق القدس، الجمل، لإجراء أنشطة تجارية لصالح الحوثيين".
ومن بين الأشخاص المشمولين بالعقوبات " أحمد محمد حسن الهادي"، وهو مسؤول مالي كبير يقوم بالتنسيق وتسهيل نقل الأموال الحوثية نيابة عن جماعته.
وبحسب الخزانة الأمريكية فإن الحوثيين استخدموا شركات خدمات مالية مقرها صنعاء تحت سيطرتهم لنقل مبالغ كبيرة والالتفاف على العقوبات منها "شركة محمد علي الثور للصرافة (الثور للصرافة)"، التي قامت بجلب تحت إشراف المسؤول المالي الحوثي المدرج على قائمة الولايات المتحدة الأمريكية عبد الله الجمل، ملايين الدولارات نيابة عن شبكة الجمل إلى اليمن لتمكين عمليات غسل الأموال مع فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
وبالمثل، وفقا للوزارة "قام خالد الحزمي وشركته العامة (الحزمي للصرافة) بتحويل أموال إلى شركة دافوس للصرافة والتحويلات المالية (دافوس للصرافة) الخاضعة لسيطرة الجمل والمدرجة على قائمة الولايات المتحدة الأمريكية (دافوس للصرافة) في أوائل عام 2024 لتغطية أصول دافوس للصرافة الخاضعة للعقوبات ومساعدة شبكة الجمل في الالتفاف على العقوبات.
وأضافت الخزانة الأمريكية أن الحوثيين استخدموا أيضا شركات الخدمات المالية للوصول إلى التمويل في الخارج، استخدمت شبكة الجمل أيضًا العملات المشفرة للالتفاف على العقوبات.
وتابعت : "اليوم، أضاف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية خمسة عناوين محفظة يستخدمها الجمل وشبكته إلى قائمة الأشخاص المحظورين والمواطنين المعينين خصيصًا لتعطيل هذه التدفقات المالية".
وفي وقت سابق الشهر الحالي أدرجت واشنطن رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى التابعة للحوثيين، عبدالقادر المرتضى في قائمة العقوبات المفروضة على الأفراد والكيانات المتورطة بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وفي آب/ أغسطس الماضي، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، عن فرض عدد جديد من العقوبات ضد شبكات تجارية تابعة لحركة "أنصار الله"، وتنظيم "حزب الله" اللبناني، وذلك في "إطار السعي إلى زيادة الضغوط على إيران وأذرعها".
وأوضحت الوزارة، عبر بيان لها حينئذ، أنّ "العقوبات استهدفت شركات وأفرادا وسفنا متّهمة بالتورّط في شحن سلع إيرانية، بما في ذلك النفط والغاز المسال، إلى اليمن والإمارات نيابة عن شبكة تابعة لمسؤول مالي حوثي".