تتعمّد واشنطن تهدئة التصعيد، وتتهرب من استهداف قيادات بارزة وأهداف عسكرية وصناعية تابعة لمليشيا الحوثي، في ظل أمل زائف يحدوها بتحقيق اختراق دبلوماسي مع إيران، ما أكسب طهران إحراز تقدمات عبر أذرعها، وتكوين صداقات خصوصاً مع بكين، في ظل الانقسام "غير المعلن" بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

التهدئة الأمريكية، وما يقابلها من تخادم حوثي، لم يعد سراً أو حبيس كواليس الأروقة السياسية والدبلوماسية، وإن تدثرت بتهديدات وقرارات نارية، إلا أن حدود فاعليتها لا تتجاوز وسائل الإعلام، في الوقت الذي تستغل طهران هذه اللعبة لتحقيق مكاسبها الخاصة.

أكدت المحامية والخبيرة الأمريكية المتخصصة في شؤون الأمن القومي إيرينا تسوكرمان، أن "لدى الولايات المتحدة القدرة على القضاء على وجود جماعة الحوثيين بالكامل، لكنها اختارت عدم القيام بذلك".

وأوضحت تسوكرمان، في حديث لوكالة خبر، أن "جزءاً من ذلك يعود إلى التفاني المستمر في الأمل الزائف (لدى الولايات المتحدة) بتحقيق اختراق دبلوماسي مع إيران".

في الواقع، استفادت إيران سياسيًا من سياسة الاسترضاء التي تنتهجها إدارة بايدن من خلال نهج العصا والجزرة.

وفي الواقع، أيضاً، تتصرف إيران هنا وكأنها سيد الدمية، حيث تتلاعب بالجميع لتنفيذ أوامرها. وعلى الجانب الآخر من التلاعب، جلبت الصين قواتها البحرية، بزعم "حراسة" مصالحها الاقتصادية، ولكن في الواقع بالتنسيق مع طهران، لإبراز القوة في المنطقة، وإرسال إشارة واضحة للوجود العسكري الأمريكي، حسب تسوكرمان.

خارطة تحالفات جديدة

الخبيرة الأمريكية المتخصصة في شؤون الأمن القومي، كشفت كيف استطاعت طهران خلق ولاءات في منطقة الشرق الأوسط، وتكوين علاقات دولية آسيوية وأوروبية، في ظل رسم الدول العظمى خارطة تحالفات عالمية جديدة.

وأوضحت أن "إيران قامت بمعايرة سياساتها في المنطقة بعناية استنادًا إلى ردود الفعل تجاه الغرب"، مشيرة إلى أن طهران "لاحظت الانقسام بين القوى الغربية، حيث كانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على وجه التحديد معزولتين تقريبًا في استعدادهما لاتخاذ إجراء هجومي محدود، بينما قامت القوى الأوروبية بإنشاء قوة بحرية دفاعية بديلة مما يشير إلى انقسام في السياسة عن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة".

كل ذلك "يمنح إيران فرصة للتلاعب بكل جانب ضد الآخر من خلال التهديد بحرب إقليمية أخرى في حالة التصعيد، على الرغم من أن إيران والحوثيين لديهم قوة أقل من الولايات المتحدة، أو حتى المملكة المتحدة"، وفقا لتسوكرمان.

وعلاوة على ذلك، تستخدم إيران التردد لصالحها لإنشاء رؤية لحلفاء وموارد بديلة إضافية لصالحها، مثل البحرية الصينية.

وترى تسوكرمان، أنه رغم ان انضمام الصين إلى إيران والحوثيين في أي مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة ما زال محل شك؛ قد لا تكون الصين مستعدة للظهور في الوقت الراهن من حيث قدراتها البحرية. كما أنها ترى أن "تقسيم قواتها (الصين) بين بحر الصين الجنوبي وخليج عدن هو اقتراح محفوف بالمخاطر حتى لو كان يضع ضغطا إضافيا على الولايات المتحدة".

كما أن طهران استفادت وتستفيد من توقيف التصعيد المتعمد من قبل الولايات المتحدة، حيث "يمنحها الوقت الكافي للتحضير والتكيف مع التكتيكات الحوثية والخاصة بها لتغير الظروف، على سبيل المثال، من خلال إخفاء أسلحة أكثر خطورة في أعماق اليمن بحيث يصعب الوصول إليها من خلال الضربات الجوية، ونقل الأسلحة الإضافية، وتعويض القيود في قدرات جمع المعلومات بعد الهجوم السيبراني على سفينة التجسس الإيرانية التي ساعدت الحوثيين في تحديد الأهداف، أو مساعدة الحوثيين في ضبط قدراتهم الحالية لتصبح أكثر كفاءة وفعالية في الهجمات".

وتستعرض تسوكرمان أمثلة عديدة على استفادة طهران ميدانياً ومعنوياً، عبر أذرعها في المنطقة من محدودية ذلك التصعيد، منها "نجح الحوثيون في إغراق سفينة شحن ترفع العلم البريطاني، وهو الأمر الذي كان ينبغي في العادة أن يغير قواعد اللعبة ويثير رد فعل أكثر فتكا من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ولكن في ظل هذه الظروف لم يؤد إلا إلى بيان دبلوماسي بائس".

بالإضافة إلى ذلك، "هناك عنصر نفسي آخر هنا؛ حيث يظهر الحوثيون استعدادات لـ"حرب طويلة" مع الولايات المتحدة، مما يرسل رسالة عامة بأنهم في الواقع أقوياء بما فيه الكفاية لتحدي الولايات المتحدة لفترة طويلة وتقديم أنفسهم كقوة إقليمية، تقريبًا بمثابة جيش رسمي، بدلاً من مليشيا إرهابية إقليمية".

لعبة البوكر

في الواقع، هذا الإطار السردي الذي يُصوَّر فيه الدور الحوثي هو مجرد خدعة؛ فإيران تلعب لعبة البوكر، ليس الشطرنج، من وجهة نظر الخبيرة الأمريكية المتخصصة في شؤون الأمن القومي.

وتشير إلى أن الحوثيين "لديهم قوة عسكرية ضعيفة جدًا؛ في حين أن مليشياتهم جميعها على مستويات مختلفة من الخبرة على الرغم من تحسنها مع مرور الوقت - ولكن فقط بالمقارنة مع القوى الإقليمية، وليس لديهم إلمام كبير بالحروب غير المتماثلة؛ بالتأكيد ليس لديهم قدرات أو تدريب مماثلان تمامًا كقوات العمليات الخاصة الأمريكية أو حتى القوات العادية".

ولذا في نهاية المطاف، فإن الحرب هي نفسية بقدر ما تتعلق بالأسلحة المتقدمة والتقنيات العسكرية.

وتحذر تسوكرمان، الولايات المتحدة من "الانخراط في معركة طويلة الأمد مع الحوثيين أو إيران، مؤكدة أنه "من خلال النزول إلى مستوى الحوثيين والسماح لهم بالتعامل مع الولايات المتحدة إلى أجل غير مسمى، ترسل الولايات المتحدة إشارة ضعف لا تؤدي إلا إلى المزيد من العدوانية".

تمتلك واشنطن القدرة على التركيز على أهداف رئيسية مثل قادة الحوثيين والقادة الإيرانيين الرئيسيين والأهداف العسكرية والاتصالاتية المهمة والقضاء عليها بدقة دون التضحية بأي من قواتها ومع إرسال إشارة واضحة إلى كل من طهران والصين، بأن العواقب وأي هجمات أخرى ستكون مؤلمة ولا رجعة فيها.

هذا ما تؤكد عليه الخبيرة الأمريكية تسوكرمان، رغم أن الولايات المتحدة حتى اللحظة لم تقرر استهداف قيادات حوثية أو أهداف عسكرية مهمة، مشيرة إلى أن "الولايات المتحدة لا تحتاج إلى القتال بقوة أكبر؛ كل ما تحتاجه هو القتال بشكل أكثر ذكاءً وفهم أن التصورات في الشرق الأوسط لا تقل أهمية عن الواقع وغالباً ما تساعد في تشكيل الواقع نفسه".

أهداف أمريكية حساسة

الخبير في الشؤون العسكرية والدفاعية، والضابط الإيراني المنشق، بابك تقوايي، اتفق مع تسوكرمان، في عدم جدية واشنطن باستهداف قيادات المليشيا الحوثية وأهدافها العسكرية الهامة، لا سيما والأخيرة تحذو نفس النهج.

وقال تقوايي لوكالة خبر: "للأسف، لم تبدأ الولايات المتحدة وحلفاؤها بعد في القضاء على قادة حركة الحوثي الإرهابية. وإذا قاموا بما فعلوه مع كتائب حزب الله العراقي في العراق وسوريا الشهر الماضي (من خلال استهداف قادتها) لكنا بالتأكيد شهدنا هجمات إرهابية حوثية أقل".

كما أن الخبير الإيراني جيسون برودسكي، وهو مدير السياسات في منظمة متحدون ضد إيران النووية، وباحث غير مقيم في برنامج إيران التابع لمعهد الشرق الأوسط، يوافق كليهما على ذلك، مرجعا سبب عدم ضرب أهداف أمريكية حساسة "لأن الولايات المتحدة لم تضرب بعد قادة الحرس الثوري الإيراني والرؤس الحوثية الكبيرة".

ومن أجل ردع القيادة الإيرانية بشكل فعال، يؤكد برودسكي لوكالة خبر، أنه "سيتعين على الولايات المتحدة وحلفائها ضرب أهداف لها قيمة بالنسبة للحكم الديني"، موضحاً: "تشمل هذه قواعد الحرس الثوري الإيراني في إيران وقادة الحرس الثوري الإيراني في اليمن والمنطقة".

وبسبب الصراع الأمريكي الإيراني على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط تحولت المنطقة إلى ساحة حرب سياسي وعسكري يلتزم خلالها الطرفان بقواعد الحفاظ على مصالحها المشتركة. ودفعت اليمن ثمناً باهظاً جراء هذه المشاريع التوسعية، لم ينج منها المواطن الذي لا يزال يعاني من أتون حرب محلية على وشك أن تفتح صفحة عامها الثامن بعد أيام قليلة من الآن، اليد الطولى فيها كانت لهذين الطرفين.

المصدر: وكالة خبر للأنباء

كلمات دلالية: الولایات المتحدة والمملکة المتحدة الشرق الأوسط فی الواقع من خلال

إقرأ أيضاً:

الصين تتعهد بدعم الصحة العالمية بعد انسحاب الولايات المتحدة منها

سرايا - تعهدت الصين الثلاثاء بدعم منظمة الصحة العالمية بعدما وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد تنصيبه الإثنين مرسوما يسحب بلاده من الهيئة التابعة للأمم المتحدة والتي انتقدها بشدة لإدارتها لأزمة وباء كوفيد.


وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية غوو جياكون "من الواجب تعزيز دور منظمة الصحة العالمية وليس إضعافه" مضيفا أن "الصين ستدعم كما فعلت على الدوام منظمة الصحة العالمية للاضطلاع بمسؤولياتنا" والعمل من أجل "الصحة للبشرية".


 

إقرأ أيضاً : سموتريتش وبن غفير يشيدان بقرار ترامب رفع العقوبات عن المستوطنينإقرأ أيضاً : يثير قلق الضيوف .. ما قصة "الزر الأحمر" على مكتب ترامب؟إقرأ أيضاً : ترامب يقيل أربعة مسؤولين حكوميين ويهدد بإقالة ألف آخرين



تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 1737  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 21-01-2025 12:08 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
أناقة بلا علامات تجارية .. سر و"سعر" إطلالة ميلانيا في حفل تنصيب ترامب 10 قتلى و32 جريحًا بحريق اندلع في فندق بتركيا العثور على 24 جثة في مقبرة جماعية في المكسيك بسبب قطتها .. صينية تخسر وظيفتها ومكافأتها السنوية بالفيديو .. سائقو شاحنات الملاحة يشكون الانتظار... من المكتب مع هاشم الخالدي .. ليلة القبض على مستثمر... أمانة عمان تطبق قرار الضمان الاجتماعي القاء القبض على السائق المتسبب بوفاة خمسيني في الزرقاء السجن 10 سنوات لمواطن اربعيني سرق خلوي من عامل... سموتريتش وبن غفير يشيدان بقرار ترامب رفع العقوبات...يثير قلق الضيوف .. ما قصة "الزر الأحمر"...ترامب يقيل أربعة مسؤولين حكوميين ويهدد بإقالة ألف...915 شاحنة مساعدات دخلت غزة بعد وقف إطلاق النارصدمة في الإحتلال من صمود غزة وحضور القسام .. تفاصيللماذا أثار أداء ترامب للقسم فضول الأميركيين على...ترامب: إسبانيا عضو في "بريكس" وليس في..."غير واثق" .. ترامب يعلق على اتفاق غزةترامب يلغي العقوبات على المستوطنين الإسرائيليين أحمد حلمي يستعد لتقديم مسرحيته الجديدة بني آدم عيد ميلاد رحمة رياض مختلف هذا العام لهذا السبب! بعد 22 عاماً .. محمد سعد يكشف سرّاً عن فيلم... نظرات متبادلة بين ياسمين صبري وباريش أردوتش تحدث بلبلة العبداللات يطلق "أدمنت صوتك" جماهير برشلونة تتوعد مدربًا .. وتهدده بالقتل منتخب النشامى يلاقي فريق زينيت الروسي .. اليوم يوفنتوس يسعى للاقتراب من ثمن النهائي .. وأتلتيكو يأمل الفوز على ليفركوزن مواجهات نارية في قرعة ربع نهائي كأس ملك إسبانيا أنشيلوتي يقرر الرحيل عن ريال مدريد ثروة 10 مليارديرات تزيد 100 مليون دولار يوميا هل يصنع المال السعادة؟ جريمة بشعة جديدة تهز تونس .. زوج يذبح زوجته وابنه بعد ما يقارب العام .. أي من زوجتي الرئيس السينغالي فازت بلقب السيدة الأولى؟ مئات الإيطاليين يتسابقون على "شراء أعمى" لطرود لم يتسلّمها أصحابها بسبب قطتها .. صينية تخسر وظيفتها ومكافأتها السنوية بسبب هاتف محمول .. مصري يقتل والدته خنقاً في الدقهلية كسر انف طالبة بمشاجرة فتيات بمدرسة مصرية بكسبة زر واحدة .. قطة تتقدم بطلب استقالة صاحبتها نيابة عنها ترند على تيك توك يقتل طفلاً لبنانياً

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • رد فعل الحوثيين على تصنيفها كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة
  • الدعم الأميركي للفلبين والصراع في بحر الصين الجنوبي.. أسباب تعمق التوتر بين واشنطن وبكين
  • الولايات المتحدة تصنف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية
  • هجوم حماس دمّر المفاوضات مع واشنطن..ظريف يهاجم حلفاء إيران
  • الصين تحث الولايات المتحدة على رفع حصارها ضد كوبا
  • بكين: لا فائز في الحروب التجارية بين الولايات المتحدة والصين
  • بعد توقف مؤقت.. عودة تيك توك للعمل في بعض الولايات الأمريكية
  • الصين تتعهد بدعم الصحة العالمية بعد انسحاب الولايات المتحدة منها
  • الصين: نآمل في التعاون مع واشنطن بشأن التجارة خلال ولاية ترامب
  • الصين: سنواصل دعم منظمة الصحة العالمية بعد انسحاب الولايات المتحدة