يتوقع خبراء الأسواق العالمية وبعض المحللين، احتمالات هبوط سلس للاقتصاد الأمريكي تبلغ نسبتها 70% أو 80%، بعد ظهور إشارات سلبية متزايدة تثير المخاوف حيال استمرار قوة المستهلك الأمريكي الذي يشكل إنفاقه نحو ثلثي النمو الاقتصادي، ما قد يلقي بظلاله على الاقتصاد الأكبر في العالم.

وأبدى كثير من المحللين وقادة البنوك الأمريكية الكبرى مخاوفهم من تصاعد خطر الركود في الولايات المتحدة، مع القلق المرتبط بوضع المستهلك الأمريكي.

وكشف مسح صادر عن بنك «ويلز فارجو» الأسبوع الماضي أن نحو 67% من الأمريكيين قالوا إنهم خفضوا إنفاقهم، بينما ذكر 45% من المشاركين أنهم اضطروا لتأجيل خطط مرتبطة بالمعيشة.

رأي رئيس أكبر بنك أمريكي

ويوضح «جيمي ديمون» رئيس بنك جيه بي مورجان (أكبر بنك أمريكي)، أن خطر الركود يرجع إلى المخاطر التي لا تزال تواجه الولايات المتحدة والتي تشمل تشديد السياسة النقدية بمعدلات فائدة قد تستمر عند مستويات مرتفعة لفترة أطول، إلى جانب الصراعات الجيوسياسية، لكن «ديمون» أشار إلى أن فرصة تجنب الركود تعد نصف هذه الاحتمالية وفقًا لـ «أرقام»، هيئة إحصاءات العمل، سي إن بي سي، رويترز.

وأرجأت الأسواق المالية توقعاتها لموعد ووتيرة خفض معدلات الفائدة الأمريكية هذا العام، إذ تشير أداة «فيد وتش» إلى أن الفيدرالي سيخفض الفائدة في يونيو المقبل، مع توقعات بثلاث عمليات خفض في إجمالي 2024، مقابل توقعات سابقة بست عمليات خفض.

تباطؤ نمو الإنفاق الشخصي

وأظهرت بيانات صادرة الأسبوع الماضي تباطؤ نمو الإنفاق الشخصي في الولايات المتحدة بوتيرة ملحوظة ليبلغ 0.2% في شهر يناير الماضي مقابل صعود 0.7% خلال ديسمبر2023. تزامن ذلك مع تراجع مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي المؤشر المفضل لقياس التضخم من جانب الاحتياطي الفيدرالي إلى 2.4% في فبراير الماضي من 2.6% يناير. كما أظهرت بيانات منفصلة تراجع مبيعات التجزئة في الولايات المتحدة بنسبة 0.8% في شهر يناير الماضي على أساس شهري، لتكون أسوأ من التوقعات.

في موازاة ذلك، انخفضت طلبات السلع المعمرة في الولايات المتحدة 6.1% فبراير الماضي على أساس شهري، في أسوأ وتيرة هبوط خلال أربع سنوات، وهبط مؤشر «ميشيغان» لثقة المستهلك الأمريكي في فبراير للمرة الأولى في ثلاثة أشهر إلى 76.9 نقطة في الشهر الماضي من 79 نقطة في يناير، مع تصاعد المخاوف حيال مسار التضخم والانتخابات الرئاسية الأمريكية المرتقبة في نوفمبر.

تراجع النشاط في سوق العمل

وخلاصة ذلك، تشير إلى اتساع رقعة التوقعات السلبية خلال الفترة المقبلة، إذ رجحت وكالة فيتش تباطؤ وتيرة نمو إنفاق المستهلكين الأمريكيين خلال العام الجاري، مع تراجع النشاط في سوق العمل وتباطؤ نمو الأجور وتداعيات معدلات الفائدة المرتفعة على الاقتصاد.وارتفعت طلبات إعانة البطالة الأولية في الولايات المتحدة إلى 215 ألف طلب الأسبوع الماضي من 202 ألف في الأسبوع السابق له.

وقال روب هاوورث كبير مديري استراتيجية الاستثمار في إدارة الثروات في «يو إس بنك» إن 2023 كان عام تسارع الزخم الاقتصادي بدلاً من التباطؤ الذي توقعه الكثيرون، بدعم قوة إنفاق المستهلكين بشكل خاص، لكنه يرى أن بيانات شهر يناير الماضي لفتت إلى تراجع الإنفاق الاستهلاكي الأمريكي، رغم استمرار عدد من الإشارات الاقتصادية الإيجابية في بيانات أخرى.

وذكر أن السؤال الكبير الذي قد يقود الأسواق ويحدد موعد خفض معدلات الفائدة هو ما إذا كان بإمكان المستهلكين الاستمرار في الإنفاق بوتيرة كافية للحفاظ على نمو الاقتصاد.وأفادت بيانات رسمية أن معدل الادخار الشخصي- حصة الدخل الذي يدخره الأمريكيون- بلغ 3.8% في يناير، ما يعتبر أقل كثيرًا من الذروة المسجلة في شهر مايو الماضي عند 5.3%، ومقابل 7% قبل وباء «كورونا».

ويرى جوس فوشر كبير الاقتصاديين في «بي إن سي فاينانشيال سيرفيس» أن المستهلكين سيتعاملون مع تراجع مدخراتهم من خلال ادخار المزيد من الأموال هذا العام، ما سيؤدي إلى هبوط الإنفاق.

ورفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة بإجمالي 525 نقطة أساس خلال 18 شهرًا، لترتفع تكاليف الاقتراض لأعلى مستوى منذ عام 2001، في إطار محاولات السيطرة على التضخم.

التضخم الأمريكي.. يتباطئ

إلى ذلك، تباطأ التضخم الأمريكي في شهر يناير بوتيرة أقل من التوقعات، وصعد مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 3.1%، في حين كانت التوقعات تشير إلى تسجيل 2.9%.. كما أشار «ديفيد سولومون» الرئيس التنفيذي لبنك جولدمان ساكس إلى أن العالم لا يرى سوى احتمالية الهبوط السلس، لكنه يعتقد أن هناك القليل من عدم اليقين حيال هذه الفرضية. وقال سولومون إن الكثير من قادة الأعمال أخبروه أن الإنفاق تراجع في أوساط المستهلكين من ذوي الدخل المنخفض، مع وجود بعض الضعف في جزء من الاقتصاد الأمريكي.

من جهتها، قالت «إلين زينتنر» كبيرة الاقتصاديين الأمريكيين في «مورجان ستانلي» أنه من المؤكد أن يشهد الاقتصاد الأمريكي حالة ركود، رغم توقعات الأسواق ببدء تيسير السياسة النقدية من جانب الاحتياطي الفيدرالي هذا العام. وأشارت زينتنر إلى أن الهبوط الصعب للاقتصاد الأمريكي يعد أمرا لا مفر منه بسبب التأثير التراكمي المتوقع لتداعيات رفع معدلات الفائدة.

إشارات إيجابية تحيط بالاقتصاد الأمريكي

في المقابل- حسب أرقام- لا تزال هناك الكثير من الإشارات الإيجابية التي تحيط بالاقتصاد الأمريكي وتدعم وجهات النظر التي ترى أن أكبر اقتصاد في العالم قد يواصل تحدي رهانات الركود، وواصل الاقتصاد الأمريكي النمو خلال الفصول الستة الأخيرة، رغم معدلات الفائدة المرتفعة والأزمات التي واجهت قطاعي المصارف المحلية والعقارات التجارية.

وفي الربع الرابع من العام الماضي، حقق اقتصاد الولايات المتحدة مستويات نمو قوية، بالرغم من تخفيض وزارة العمل تقديراتها للنمو بشكل طفيف إلى 3.2% مقابل تقديرات سابقة عند 3.3%.. ورفع اقتصاديو وكالة «إس آند بي جلوبال» للتصنيف الائتماني توقعاتهم لنمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 2.4% في العام الجاري من التقديرات السابقة الصادرة في نوفمبر عند 1.5%. وكان صندوق النقد الدولي قد رفع توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكي في العام الجاري إلى 2.1%، بزيادة 0.6% عن تقديراته الصادرة في أكتوبر، لكنها لا تزال أقل من مستويات 2023 البالغة 2.5%.

اقرأ أيضاًرغم تراجع التضخم العالمي.. تباطؤ وتيرة نمو الاقتصاد الأمريكي

بنك الكويت الوطني يتوقع بقاء الاقتصاد العالمي تحت ضغوط التأثير المتأخر لرفع الفائدة خلال 2024

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الاقتصاد العالمي الأسواق العالمية الاقتصاد الأمريكي آفاق الاقتصاد العالمي اقتصاد الولايات المتحدة الامريكية سوق العمل في الولايات المتحدة اقتصاد الولايات المتحدة جي بي مورغان ركود الاقتصاد الأمريكي

إقرأ أيضاً:

البنوك المركزية والتضخم وخفض أسعار الفائدة

ترجمة: قاسم مكي -

دونالد ترامب لديه تفسيره الخاص به للخفض الكبير الذي قرره بنك الاحتياطي الفيدرالي لسعر الفائدة، لقد كان تفسيرًا متشائمًا كطبيعة صاحبه. فقد اعتبر المرشح الرئاسي الجمهوري قرار الأربعاء 18 سبتمبر بخفض سعر الفائدة بنصف نقطة مئوية -وهذه نسبة ضخمة على نحو غير معتاد- مؤشرًا على أن اقتصاد الولايات المتحدة في حالة "سيئة جدا"، داخل جدران البنك الفيدرالي يُنظر إلى المستقبل الاقتصادي للولايات المتحدة بطريقة مختلفة تماما، ففيما أشار البنك المركزي الأمريكي إلى أن ثمة مزيدا من القرارات القادمة بخفض سعر الفائدة؛ عبَّر رئيس البنك جيروم باول عن نظرة متفائلة حول العافية الاقتصادية للولايات المتحدة، لقد صرح للصحفيين قائلا: "اقتصاد الولايات المتحدة في وضع جيد وقرارنا اليوم اتخذناه لإبقائه هكذا"، كما أوضح باول أن قرار الخفض كان "إعادة ضبط" لسعر الفائدة بعدما حافظ البنك عليه لأكثر من سنة عند أعلى مستوى له خلال 23 عامًا ولم يكن تحرُّكا "مذعورا" لدعم الطلب، على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي تواجه البنوك المركزية الأوروبية خلفية أقل تفاؤلا إلى حد كبير، لكنها أيضا شرعت في الانتقال إلى دوراتها التيسيرية الخاصة بها؛ فالبنك المركزي الأوروبي خفَّض سعر الفائدة قبل أيام للمرة الثانية في هذا العام، فيما خفض بنك إنجلترا أسعار الفائدة في الشهر الماضي، وأشار مسؤولوه اليوم إلى أنه سيجري تخفيضات أخرى هذا العام، والمأمول ليس فقط أن التضخم قد تم الإجهاز عليه ولكن أيضا تحقيق هذا الانتصار دون سقوط الاقتصادات في انكماش.

وضع فريد

الوضع الحالي متميز ولافت لأن دورات خفض سعر الفائدة في العقود الأخيرة كانت تميل إلى الاقتران بتراجعات اقتصادية حادة، على سبيل المثال في أوائل العشرية الأولى من هذا القرن أو أثناء الأزمة المالية في عام 2007 وما بعدها. قبل عامين ومع شروع الأسعار في الارتفاع عقب الصدمة الاقتصادية التي أحدثتها جائحة كوفيد-19 واحتدام حرب أوكرانيا كانت هنالك تحذيرات قوية بأن التضخم إما سيخرج من السيطرة أو سيفسح المجال لهبوط حاد في نشاط الاقتصاد. وفيما يظل اندلاع المزيد من الاضطرابات الجيوسياسية مهدِّدًا ثابتا إلا أن البنوك المركزية تسمح لنفسها في الوقت الحاضر بتنفس الصعداء، يقول جينز لارسن الخبير بمجموعة أوراسيا: عبَرنا دورة التشديد المالي العالمية العنيفة حقا دون أن تنفلت الأمور، أعتقد أن البنوك المركزية تعاملت مع الوضع بشكل جيد جدا، وستهنِّئ نفسها بشدة على نجاحها. يمكن القول إن مناورة البنك المركزي الأمريكي الأكثر نجاحا لكبح جماح التضخم في الفترة الأخيرة كانت في منتصف التسعينيات برئاسة آلان جرينسبان؛ وقتها ضاعف البنك الفيدرالي سعر الفائدة إلى 6% خلال حوالي عام قبل أن يخفضه برفق دون دفع الاقتصاد إلى الانكماش، حسب تعريفه بواسطة المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية في الولايات المتحدة.

لكن واضعي السياسات حينها كانوا يحاولون التغلب على ضغوطات سعرية أقل شدة من تلك التي واجهت جيروم باول ومسؤولي البنوك المركزية الآخرين بعد الجائحة وارتفاع أسعار السلع، لقد تجاوز التضخم في الاقتصادات المتقدمة معدل 7% في عام 2022 فيما اقترب من 10% في البلدان الصاعدة، ومع ارتفاع أسعار الفائدة الرسمية في عام 2022 كان البنك الدولي من بين المؤسسات التي تحذر من خطر تراجع اقتصاد العالم، ويظهر تحليل أجرته "أكسفورد اناليتكس" أن الدورات التي اقترنت بانكماش اقتصادي الدورات فاقت تلك التي لم تقترن به بنسبة 2% إلى 1% في 42 دورة من دورات رفع سعر الفائدة منذ خمسينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا أو منطقة اليورو واليابان، لكن بدلا عن ذلك ساعدت الولايات المتحدة اقتصاد العالم على تحمُّل دورة الرفع المتزامن لأسعار الفائدة (بواسطة البنوك المركزية) على نحو أفضل من المتوقع مع تنبؤ صندوق النقد الدولي بمعدل نمو عالمي "محترم" عند 3.2% هذا العام. يقول سيث كاربنتر كبير خبراء الاقتصاد العالمي في بنك مورجان ستانلي والذي قضى 15 عاما في بنك الاحتياطي الفيدرالي: هذه دورة تيسير مختلفة جدا عن معظم الدورات الأخرى معظم دورات التيسير الأخرى تحدث بسبب الانكماش".

الاقتصاد يتعافى

الاقتصاد الأمريكي يتوسع بسرعة وثبات؛ فمعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي سيرتفع إلى حوالي 3% في الربع الثالث من هذا العام، حسب تقديرات البنك الفيدرالي في أتلانتا مؤخرا، نعم فقدت سوق العمل الأمريكية بعضا من زخمها مع تراجع التضخم من ذروة بلغت حوالي 7% في عام 2022 إلى 2.5% في يوليو قياسا بمؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، وتباطأ الطلب على العاملين في قطاعات الاقتصاد الهامشية مع ارتفاع معدل الباحثين عن عمل، لكن معظم هذا الارتفاع وراءه ازدياد العرض في سوق العمل بسبب تصاعد الهجرة، وفقا لخبراء الاقتصاد، قال باول يوم الأربعاء 18 سبتمبر: "لا أرى أي شيء في الاقتصاد في الوقت الحالي يوحي بتزايد احتمال تراجع الاقتصاد"، طبقا لذلك تم تأطير قرار اعتماد خفض كبير لسعر الفائدة (نصف نقطة مئوية) والذي يشكل مفارقة للتخفيضات التقليدية بمعدل ربع نقطة مئوية كمحاولة لتأمين متانة سوق العمل وليس لتحاشي تراجعٍ اقتصادي خطير، وقال باول للصحفيين هنالك تفكير بأن أنسب وقت لدعم سوق العمل هو حين تكون السوق قوية وليس عندما يبدأ تسريح العاملين. بعثت النسبة الكبيرة التي خفَّض بها البنك الفيدرالي سعر الفائدة برسالة فحواها أن البنوك المركزية الكبيرة تعود إلى "الوضع العادي"، كما يقول بين ماي مدير أبحاث الاقتصاد الكلي العالمي بالشركة الاستشارية إكسفورد أيكونومكس وذلك بالتركيز أساسا على مستقبل النمو وبقدر أقل على الاستغراق في قراءات التضخم، ويضيف ماي: "هذا يدعم توقعاتنا بتخفيضات منتظمة ومستدامة بداية من الآن".

الوضع في أوروبا

أوروبا بالمقارنة مع الولايات المتحدة في وضع اقتصادي أكثر فتورا إلى حد بعيد مع توسع الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو بنسبة 0.2% فقط في الربع الثاني من العام، وهو ما يساوي ثلث نسبة أمريكا، لكن بعد ارتفاع غير متوقع هذا الربيع يقترب معدل التضخم من ملامسة هدف البنك المركزي الأوروبي وهو 2% مما يخفف الضغوط على نمو الدخل العائلي، حيث يشير يانيس ستورناراس محافظ بنك اليونان إلى أن التضخم في منطقة اليورو هبط من 10.6% في أكتوبر 2022 إلى 2.2% الآن قائلا: "قلَّصنا التضخم خلال 18 شهرا فقط واستطعنا تحقيق هبوط ناعم في الاقتصاد". حقيقة أن البنك المركزي الأوروبي أمكنه من منتصف عام 2022 رفع سعر الفائدة بنسبة غير مسبوقة بلغت 450 نقطة أساس (4.5%) خلال 14 شهرا دون دفع الاقتصاد إلى هاوية (الانكماش) إنجاز لافت، بحسب بِيَت هاينز كريستيانسين الخبير الإستراتيجي للبنك المركزي الأوروبي ببنك دانسكه، ويضيف كريستيانسين قائلا: "قبل سنتين معظم الاقتصاديين كانوا سيقولون مثل هذه الزيادة المثيرة سينتج عنها انكماش عميق"، حتى العضو الأكثر تشددا في لجنة اتخاذ القرار بالبنك المركزي الأوروبي تخلى عن موقفه؛ فمحافظ البنك المركزي النمساوي روبرت هولزمان وهو العضو الوحيد الذي صوَّت ضد أول خفض لسعر الفائدة في يونيو أيَّد قرار البنك بخفضه للمرة الثانية في سبتمبر، وقال للفاينانشال تايمز بعد الاجتماع: إنه يتصور وجود مجال لمزيد من الخفض بحوالي 100 نقطة أساس بحلول منتصف عام 2025. أكبر موضع للهشاشة في أوروبا يتمثل في تراخي الطلب المحلي وهو ما يجعلها عُرضة بقدر كبير لتقلبات الاقتصاد العالمي، مع ذلك يظل البنك المركزي الأوروبي متحفظا من الحديث بشكل حاسم عن وتيرة تخفيضات سعر الفائدة مقارنة ببنك الاحتياطي الفيدرالي الأكثر تجاوبا وانفتاحا. الإجماع وسط الاقتصاديين هو أن البنك المركزي الأوروبي إذا لم تكن هنالك مفاجآت سيخفض سعر الفائدة بنسبة ربع نقطة مئوية كل ربع عام، لكن "الخيار هو اسم اللعبة"، كما يؤكد ستورناراس (بمعنى أن البنك ليس مكرها على هذا الخفض بل له الخيار في ذلك- المترجم). بنك إنجلترا الذي يقوده المحافظ أندرو بيلي أكثر حذرا في تيسير سياسته النقدية من نظرائه حيث أجرى خفضا واحدا فقط بمعدل ربع نقطة في أغسطس بعد عام لم يشهد تغييرا، وهذا أقل من تخفيضات سعر الفائدة التي أجراها حتى الآن كل من بنك الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي وبنك كندا والبنك الوطني السويسري. اختار بنك إنجلترا الحفاظ على ثبات سياسته النقدية عاكسا بذلك استمرار القلق من التضخم المتواصل في قطاع الخدمات ورسوخ نمو الأجور، كما اتخذ البنك خطوة مبدئية نحو توضيح توقعات سعر الفائدة مشيرا إلى أن التخفيضات "التدريجية" في تكاليف الاقتراض قيد النظر الآن وذلك إذا لم يتعرض الاقتصاد إلى صدمات غير متوقعة، لكن بعد أن ألمحت لجنة السياسة النقدية في البنك بخفضٍ آخر في نهاية العام زادت من ضبابية التوقعات بطرح 3 سيناريوهات للتضخم أطلق عليها اسم "حالات" أكدت هذه السيناريوهات وجود انقسامات عميقة وسط واضعي سعر الفائدة حول مدى سرعة تيسير السياسة النقدية.

سعر الفائدة المحايد

وفيما تفكر البنوك المركزية حول مدى هبوط أسعار الفائدة فإن السؤال المفتاحي الذي يواجهها هو: أين يتموضع سعر الفائدة "المحايد"؟ وهو سعر نظري لا يقيَّد نمو الاقتصاد ولكن أيضا لا يحفزه، قدّر مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي منذ مدة طويلة سعر الفائدة المحايد عند 2.5% أو أقل من ذلك، لكن حتى قبل الجائحة عبَّروا عن قدر ضئيل من الثقة في مثل هذه التقديرات، كما يراهن واضعو السياسات النقدية الآن بأن السعر المحايد ارتفع أمام سلسلة من العوامل بما في ذلك أعباء الدَّين الكبيرة والعوامل والأحداث التي تضغط على سلسلة التوريد، وقال باول يوم الأربعاء 18 سبتمبر عن السعر المحايد: "يُحتمل أنه كان أعلى بقدر مهم" بعد الجائحة، على نحو مماثل، كانت إيزابيل شنابل عضو المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي تحاجج لشهور بأن سعر الفائدة المحايد يرتفع بعد هبوطه لعقود عديدة، وقالت في مارس الماضي: إن الاستثمارات الضخمة في الطاقة النظيفة والبنية الأساسية الرقمية والدفاع وأيضا الانتكاسات التي تعرضت لها تجارة سلاسل التوريد العالمية "ربما كان لها تأثير إيجابي ومستمر على السعر الطبيعي (المحايد) للفائدة"، وهذا يوحي بأن مجال خفض سعر الفائدة أقل رحابة مما كان في الماضي. قرار البنوك المركزية بالشروع في دورة التيسير النقدي دون وجود علامات واضحة على انكماش الاقتصاد جعل من الصعب رسم المسار الأفضل الذي ينبغي اتخاذه في المستقبل لافتقارها إلى المقياس الدقيق في ضبط وتيرة خفض سعر الفائدة، يقول داريو بيركنز خبير الاقتصاد الكلي العالمي بشركة "تي اس لومبارد": من الصعب جدا أن تحدد البنوك اللحظة التي تكف فيها عن خفض أسعار الفائدة بعد أن بدأت في خفضها، ويقول: "إذا واجهت سوق العمل متاعب حينها ستخفض البنوك أسعار الفائدة بوتيرة متسارعة جدا وسنعود مرة أخرى إلى دورات رد الفعل المضاد للتشديد النقدي، وإذا لم يحدث ذلك وبدأت أوضاع الوظائف في التحسن مرة أخرى حينها أعتقد أن البنوك ستتوقف عن الخفض وستظل لدينا أسعار فائدة مرتفعة"، هنالك عدد قليل من مسؤولي البنوك المركزية ممن هم على استعداد لإعلان الانتصار الآن؛ فمخاطر التضخم الناشئة من التغير المناخي والتقدم التقني والانتكاسات في التكامل التجاري العالمي موجودة ومتفشية، حسبما ذكرت كريستين لاجارد في خطابٍ يوم الجمعة قبل الماضي بواشنطن، حيث قالت لاجارد: لا زال العالم يترنح من "أسوأ جائحة منذ عشرينيات القرن الماضي وأسوأ حرب في أوروبا منذ الأربعينيات وأسوأ صدمة طاقة منذ السبعينيات، كل هذا غيَّر بنية الاقتصاد وشكَّل تحديا لكيفية تقييمنا لأثر السياسة النقدية"، إثارة هذا الخوف من ارتفاع جديد في الأسعار وراءه تيسير الأوضاع المالية وصعود أسواق الأسهم توقعا مزيدا من التخفيضات في تكاليف الاقتراض. وفي الولايات المتحدة خصوصا يمكن أن تَحِدّ السياسة المالية الميسَّرة من قدرة بنك الاحتياطي الفيدرالي على التيسير النقدي، مع احتمال تجدد الصدمات العالمية في فترة تشهد تقلبا جيوسياسيا وتوترات تجارية متصاعدة سيجعل المسار أكثر وعورة، فمثلا يمكن أن تكون عودة ترامب إلى سدَّة الحكم نذيرا بفرض رسوم جمركية شاملة وتجدد الحروب التجارية مع الصين، تقول لاجارد: "سيظل هنالك مستوى عالٍ من عدم اليقين، ونحن بحاجة إلى تدابير أفضل".

مقالات مشابهة

  • 1.4 % ارتفاعًا في سعر الذهب العالمي خلال تداولات الأسبوع الماضي
  • جولد بيليون: 1.4% ارتفاعًا في سعر الذهب العالمي خلال تداولات الأسبوع الماضي
  • «جولد بيليون»: 1.4% ارتفاعا في سعر الذهب عالميا خلال تداولات الأسبوع الماضي
  • بعد أسبوع من خفض الفائدة.. كيف انعكس قرار الفيدرالي الأمريكي على الاقتصاد العالمي؟
  • البنوك المركزية والتضخم وخفض أسعار الفائدة
  • جولد بيليون: أول تراجع للذهب هذا الأسبوع بنسبة 0.4% بالبورصة العالمية
  • مسجلا 2663 دولارًا للأونصة.. أول تراجع للذهب هذا الأسبوع بالبورصة العالمية
  • الاقتصاد الألماني يتجه لانكماش جديد خلال 2024
  • العراق يصدر أكثر من 105 ملايين برميل نفط خلال شهر آب الماضي
  • مخاوف من تراجع الاهتمام العالمي بما يجري في غزة والضفة