الولايات المتحدة شريك في مذابح غزة الجماعية ـ وبوسع أوروبا أن تغير ذلك
تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
أوروبا محاطة بحربين بشعتين تجري في كلتيهما مذابح جماعية (فغزة في نهاية المطاف على بعد 578 كيلومترا فقط من قبرص)، والحربان يشنهما متعصبون يمينيون لديهم نوايا إمبريالية أو استعمارية، وقد أصبحت الحرب بالنسبة لأولئك مرتبطة بشكل لا ينفصم بالتشبث بالسلطة السياسية. إحدى الحربين تتعلق بالأمن الأوروبي بشكل مباشر، والأخرى فرصة لاستعراض صوت أوروبا في العالم.
من اللافت للنظر مدى التشابه بين صور غزة وماريوبول. فكلتاهما تعرضتا للقصف وللتدمير، كلتاهما كسيرة شأن جثث آلاف المدنيين القتلى تحت القنابل الروسية في مكان، والقنابل الإسرائيلية في مكان آخر. وكل منهما لديها رعبها الخاص، ففي أوكرانيا يتمثل الرعب في جحافل الأطفال المختطفين والمنقولين، وفي غزة، يتمثل في مواجهة ما يقارب مليوني شخص خطر الجوع الجماعي المتفشي الآن. فهل يرى زعماء أوروبا هذه التماثلات؟ وهل يرون أن التحدي المشترك في كلتيهما يتلخص في النهج المتناقض الذي تتبناه الولايات المتحدة؟ وهل هم مستعدون للاحتمال الحقيقي بأن ترامب قد يفوز في نوفمبر، فيصبح التناقض شؤما ببساطة؟
في المرحلة الأولى من حرب أوكرانيا، كانت الولايات المتحدة تفعل الصواب، ومع تراجع دعمها الآن، اضطر الاتحاد الأوروبي إلى التغلب على عناد فيكتور أوربان (واعتراضه على المساعدات) وإيجاد حلول بعيدة المدى لتعويض الغياب الأمريكي. ومن المفارقات أن الاتحاد الأوروبي في حال كونه أقل اعتمادا على الولايات المتحدة في دعم أوكرانيا فإنه الاتحاد الأوروبي الأكثر حرية في الضغط على الولايات المتحدة في موضع آخر.
في غزة، تستمر الولايات المتحدة في تمكين شيء متزايد البشاعة، ولكن، كما هو الحال مع أوكرانيا، بوسع الاتحاد الأوروبي أن يتصرف بمفرده، وبطرق قد تجبر إدارة بايدن على تغيير استراتيجية فشلت تماما في حماية أرواح المدنيين (ثم إنها منافية للمنطق في الحسابات الانتخابية، ففي نهاية المطاف لا يخفي السياسيون العنصريون الأشد تطرفا في إسرائيل رغبتهم في رؤية ترامب فائزا مطلِقا يدهم أكثر مما هي الآن).
وفيما يتعلق بروسيا، تظل الضغوط الدولية مركزة على الحرب في أوكرانيا ذاتها التي لم يكن لروسيا فيها ـ خلافا لإسرائيل ـ أي منطق لزعم حق الدفاع عن نفسها. فلا يشكك غير قليلين في شرعية وجودها أو يطالبون بتحرير أراضيها المحتلة. ولكن إسرائيل ـ خلافا للكرملين ـ تزعم لنفسها مكانة بوصفها دولة ديمقراطية ليبرالية وحليفا للغرب برغم أنها في ظل بنيامين نتنياهو تسارع في الاتجاه المعاكس تماما. صحيح أن حماس اختارت المعاناة الفلسطينية بدلا من إطلاق سراح كافة الرهائن المتبقين. ولكن الحكومة الإسرائيلية أيضا كانت لها خياراتها الخاصة في الرد على ذلك، فطالبت سكان غزة بالفرار ثم قصفت الأماكن التي يفرون إليها، وشنّت غارات جوية أدت إلى مقتل مدنيين أكبر بكثير من الولايات المتحدة عندما استولت على الرقة في سوريا من داعش، فقتلت أطفالا وأطباء وصحفيين بمعدل أسرع مما شهده أي صراع آخر في القرن الحادي والعشرين ومنعت جميع المساعدات إلا القليل برغم عدم وجود أي شيء في الأساس.
برغم وقف إطلاق النار المؤقت المعلق، أشار نتنياهو إلى أنه سيواصل الحرب في رفح، حيث يتجمع 1.5 مليون لاجئ متضرر في بضع عشرات من الكيلومترات المربعة، وأعلن صراحة عن خطته للسيطرة الدائمة على غزة على المدى الطويل - وهو ما لا يتوافق مع أي نوع من السلام الدائم أو العدالة الحقيقية. ويتعين على الاتحاد الأوروبي الآن أن يضع كل ما لديه من نفوذ على الطاولة علنا من أجل منعه ومن أجل إنهاء الحرب. (أو، في ظل احتمال غياب الإجماع، يتعين على دول أوروبية منفردة أن تعمل بالتنسيق في ما بينها).
ولكن ما الذي يمكن أن تفعله؟ ما أوراق القوة التي تمتلكها أوروبا ولا تمتلكها الولايات المتحدة؟ أخشى أنها محدودة حتى لو أن الضغط تنامى منذ واقعة الأسبوع الماضي حينما لقي ما لا يقل عن 110 فلسطينيين مصرعهم وهم في انتظار قافلة مساعدات. ولكن من خلال اتخاذ موقف أقوى ضد الحرب، وإبراز العواقب الملموسة، قد يدفع الاتحاد الأوروبي بايدن إلى حيث لا يبقى له من خيار إلا أن يتجاوز محض إدانة نتنياهو سرا أو يسقط مساعدات غذائية طارئة من الجو على أهل غزة.
أولا التجارة، وهذا مجال طبيعي أن يتحرك الاتحاد الأوروبي فيه، لأنه أكبر شريك تجاري لإسرائيل، والمسؤول عن قرابة 30% من التجارة الدولية لها. في الشهر الماضي، طلبت أيرلندا وأسبانيا من مفوضية الاتحاد الأوروبي مراجعة وربما تعليق اتفاقية التجارية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في حال انتهاك إسرائيل لالتزامات حقوق الإنسان التي تنص عليها الاتفاقية. في نوفمبر أكد الاتحاد الأوروبي خط أنابيب إيستميد المخصص لنقل الغاز الطبيعي من حقل اللوثيان المشترك بين إسرائيل وقبرص إلى القارة، بوصفه مشروع بنية أساسية ذا أولوية. دعكم من حالة الأولوية، لا بد من إلغائه.
ومن بعد، بوسع الاتحاد الأوروبي أن يفرض مثل عقوبات وحظر السفر على مستوطني الضفة الغربية الممارسين للعنف مثلما قننت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا ذلك أخيرا. ويجب أن تمضي قدما، بأن تعكس حكم محكمة العدل الدولية بأن «إسرائيل لا بد أن تتخذ جميع الإجراءات المتاحة لها لتمنع وتعاقب التحريض المباشر العلني على ارتكاب الإبادة الجماعية» لتفرض عقوبات فردية على الساسة من أمثال إيتمار بن غيفير وبتساليل سموتريتش وغيرهما، ومنهم نتنياهو نفسه، ممن يبدو أنهم ارتكبوا بالفعل مثل هذا التوجيه بالإبادة الجماعية أو التطهير العرقي.
وأخيرا، بوسع الاتحاد الأوروبي أن يوضح أنه سوف يعترف من طرف واحد بدولة فلسطينية قائمة على حدود عام 1967 مع النص على تبادل أراض مستقبلي (ولا يوجد نقص في المقترحات المتعلقة بقضية الحدود). وقد اعترف الاتحاد الأوروبي بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير منذ عام 1980، وقد حان الوقت لأن يتصرف بموجب هذا المبدأ.
ليس من المحتمل بالطبع أن تغير أوروبا مسار الأمور بمفردها. لكن وضع هذه العواقب والأفعال على الطاولة من شأنه أن يمثل حرجا لبايدن، وبخاصة في ضوء النقطة الهشة التي يجد نفسه فيها في ائتلافه الانتخابي. فسوف يحاكمه ذلك الائتلاف بمزيد من القسوة في حال إظهار حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين أن من الممكن التحرك ويظل هو متقاعسا عن عمل أي شيء. واقع الأمر أنه يحتمل أن يكون التهديد الجاد في السر كافيا لأن يجعل البيت الأبيض يستغل قوته الخاصة للسيطرة على نتنياهو فتكون تلك في السياسة الخارجية نسخة من خطة «مهما كلف الأمر» التي اتبعت مع ماريو دراغي في 2012 لإنقاذ اليورو.
وقد تنفذ مثل هذه الإشارات الواضحة من أوروبا إلى الشعب الإسرائيلي الذي يزداد انكفاء على نفسه، لكنه على أقل تقدير يزداد غضبا على حكومته. فلعل أثر الدومينو أن يزعزع ائتلاف نتنياهو الحاكم ويفضي إلى سقوطه.
إن الرأي السائد هو أن الاتحاد الأوروبي ينضج في الأزمات، ولقد ثبتت صحة ذلك الرأي مرارا في العقد الراهن. ونحن الآن في لحظة طارئة يجب أن ينضج فيها الاتحاد الأوروبي من جديد.
ألكسندر هيرست من كتاب أعمدة الرأي في جارديان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی أن الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
شبيبة الاتحاد بفرنسا تطالب بطي صفحة الولايات الثلاث لإدريس لشكر
أعلنت الشبيبة الاتحادية بفرنسا « رفضها أي وصاية مفروضة على حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وقراره السياسي، سواء من داخله أو من خارجه »، معلنة أنها « ستواصل النضال لإسقاط كل أشكال الوصاية، والدفاع عن الاختيار الديمقراطي كحق أساسي لكل اتحادي واتحادية »، ومطالبة بما وصفته « طي صفحة الولايات الثلاث لإدريس لشكر، الكاتب الأول ».
وعلى بعد سنة من انعقاد المؤتمر الوطني الثاني عشر، واستباقا لكل المناورات التي تهدف إلى تأجيل موعده إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية لسنة 2026، أو فتح المجال لولاية رابعة للكاتب الأول إدريس لشكر، أعلنت الشبيبة الاتحادية بفرنسا رفضها المطلق والواضح لكل أشكال « التلاعب بإرادة جميع الاتحاديين داخل التنظيم وخارجه، وذلك من أجل طي صفحة الولايات الثلاث، بما لها وما عليها، والتوجه نحو المستقبل برؤية وأفق ديمقراطي جديد يعيد الأمل ويستأنف مسار النضال ».
وشددت الشبيبة في بيان توصل به « اليوم 24″، على « ضرورة احترام موعد انعقاد المؤتمر الوطني الثاني عشر، في أقصى حد قبل يوم 28 يناير 2026، وذلك طبقًا للمادة 49 من القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية، والمادة 71 من النظام الداخلي للحزب ».
ودعت المنظمة الشبابية، إلى « انتخاب لجنة تحضيرية مستقلة للمؤتمر وفق معايير واضحة تضمن النزاهة والشفافية ».
كما طالبت شبيبة الاتحاد في فرنسا، بـ »تحيين قائمة المؤتمرين ونشرها قبل ستة أشهر من انعقاد المؤتمر لضمان الشفافية وإتاحة الفرصة لكل الاتحاديين للاطلاع عليها ».
قالت الكتابة الإقليمية للشبيبة الاتحادية بفرنسا، إن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، انزلق من مفهوم “القيادة” كمسؤولية جماعية إلى قيادة قائمة على السلطة الفردية، التي أصبحت تتمثل أساسًا وبشكل مطلق في الكاتب الأول للحزب، إدريس لشكر ».
حسب بيان الشبيبة، « بعد مرور ثلاث سنوات على انعقاد المؤتمر الوطني للاتحاد، لا يزال مناضلو الحزب في الخارج، وتحديدًا في فرنسا، ينتظرون تفعيل تمثيليتهم السياسية داخل المجلس الوطني ». معتبرة أنها تؤدي بذلك ضريبة « رفضها الواضح كتنظيم شبيبي، للولاية الثالثة للكاتب الأول، باعتباره موقفًا مبدئيًا نابعًا من إيمانها بأهمية التناوب وما يتيحه من إمكانيات لكسر الجمود وفتح المجال أمام أفكار وقوى جديدة ».
بالنسبة لشبيبة الاتحاد في فرنسا، فإن هذا الوضع الذي يعيشه الحزب، يدفع إلى « التساؤل حول معنى القرار السياسي، وحدوده، ومن يملك حق تحديده، في ظل تراجع الدور الجماعي للمؤسسات الحزبية، وتهميش الأصوات المعارضة داخل الحزب ».
وتساءلت الشبيبة ذاتها، كيف »يمكن التفرّيط في مكتسبات الحزب التي جسدتها معركة نضال وطني استمرت لأكثر من ستين سنة، وقدم خلالها مناضلو الحزب الجزء الأكبر من التضحيات، لنرى أفكاره تتحقق على أرض الواقع؟ وكيف لنا أن نقبل بالتضحية بديمقراطيتنا الداخلية بدل تطويرها؟ ».
واستغربت الكتابة الإقليمية للشبيبة الاتحادية بفرنسا، كيف يمكن السماح « ببيع الحزب وقراره السياسي للمفسدين وأصحاب رؤوس الأموال الذين أوصلونا إلى وضع تغيّرت فيه هوية الحزب، وما لذلك من تأثير مباشر على بلادنا؟ ».
وقالت الشبيبة في بيانها، « ماذا ينتظر المكتب السياسي من أجل طرد العشرات من الوافدين الجدد على الحزب، الذين مُنحوا التزكية خلال انتخابات 2021، واستفادوا من الرصيد والطاقة النضالية للمناضلين في القواعد خلال الحملة الانتخابية، والذين أدينوا أو يُتابعون أمام المحاكم بتهم تتعلق بتبديد الأموال العمومية، الفساد، التزوير، أو حتى الاتجار الدولي في المخدرات؟ ».
فبدلًا من توحيد الصف الداخلي وضمان حق كل مناضل في التعبير عن آرائه، حتى لو كانت أقلية، أضافت الشبيبة، أصبح « الاختيار الديمقراطي الداخلي »، مرادفًا لما وصفته الهيئة الشبابية « تمركز السلطة وفرض الوصاية على إرادة المناضلين من خلال تجميد التنظيمات رسميًا أو عمليًا، والتنكر لصفة المناضل لكل من رفض منطق البيعة، وطرد من تجرأ على قول كلمة الحق، مما دفع بعض الإخوة إلى اللجوء للقضاء، الذي لم يتوانَ في إنصافهم ».
بالنسبة للمنظمة الشبابية، إن بعضا من القوى داخل الحزب، « تريد، وبكل وضوح، أن ترث الحزب بتاريخه وإنجازاته »، مشددة أن « ورثة الحزب الحقيقيين هم المناضلون الاتحاديون أنفسهم، والشعب المغربي الذي ناضل من أجله وضحّى لأجل مبادئه ».
وفي الأخير، وعلاقة بهذه المواقف، شددت المنظمة، على أن « مواقف الشبيبة الاتحادية بفرنسا لا تلزم إلا أعضاءها ومناضليها ».
كلمات دلالية الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الشبيبة فرنسا