لجريدة عمان:
2025-01-31@03:17:50 GMT

محو الأمية في الذكاء الاصطناعي

تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT

دائما ما كانت هناك أمية يعاني منها البشر لفترات قد تطول أو تقصر مع كل وسيلة من وسائل التواصل والمعرفة. ودائما ما كانت التكنولوجيا الجديدة تترك الملايين من الناس في الخلف، نتيجة عدم قدرتهم على استيعابها وحرمانهم من تعلم مهارات التعامل معها والاستفادة منها لأسباب اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية. من هنا ظهرت برامج محو الأمية التي بدأت بمحو الأمية الهجائية (تعلم القراءة والكتابة)، التي ما زالت قائمة في العديد من دول العالم بنسب تتراوح بين 2 إلى 90 بالمائة من السكان، وبعدد يصل إلى 763 مليونا، منهم نحو 70 مليون أمي في العالم العربي، وفقا لإحصاءات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الكسو».

وما زالت تلك الأمية رغم انتشار التعليم في تزايد مستمر نتيجة عوامل متعددة مثل الفقر والحروب والنزاعات العالمية. وعلى سبيل المثال ورغم إنفاق الملايين على برامج محو الأمية، فقد زاد عدد الأميين هجائيا في الدول العربية من حوالي 61 مليونا سنة 2016 إلى ما يقارب 70 مليونا سنة 2020 أمّي وأمّية من الفئة العمرية 15 سنة فما فوق، وتتوقع المنظمة وصول هذا العدد إلى 100 مليون أمي وأمية في عام 2030. ومن هنا تتسع وتتضخم الفجوة المعرفية التي تجعل الفقراء معرفيا أكثر فقرا، بينما يزداد الأغنياء معرفيا غنى.

بعد ظهور الإنترنت وانتشارها في العالم بدأ الحديث عن الأمية الرقمية، التي أحدثت فجوة داخل الدولة الواحدة، وبين الدول بعضها البعض، في تبني واستخدام التكنولوجيا الجديدة والاستفادة من ثمارها المعرفية والاقتصادية والاجتماعية. وتعرف اليونسكو الأمية الرقمية بأنها «عدم القدرة على الوصول والإدارة والفهم والتكامل والتواصل وتقييم وإنشاء المعلومات بشكل آمن ومناسب من خلال استخدام التكنولوجيا والتقنيات الرقمية». وقد صممت الدول والمنظمات الدولية المعنية برامج لمحو الأمية الرقمية تستهدف تأمين وصول أكبر عدد ممكن من الناس إلى شبكة الإنترنت، واستخدام منصات الإعلام الرقمي ومصادر المعرفة الرقمية. ولم تنجح تلك البرامج في تضييق الفجوة الرقمية، سواء على مستوى الدولة أو على مستوى دول ومناطق العالم، فمازالت الفجوة قائمة بل وتتسع بين العواصم والمدن الكبرى وبين الأقاليم البعيدة داخل الدولة الواحدة، وما زالت قائمة أيضا وتتسع بين الدول الغنية وبين الدول الفقيرة وبشكل عام بين الدول المتقدمة وبين الدول النامية.

ومع ظهور برامج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي ظهر الضلع الثالث من أضلاع مثلث الأمية، وهو أمية الذكاء الاصطناعي والتي تبدو أكثر تعقيدا من سابقيها. والواقع أنه منذ أن أصبح ما يعرف بالذكاء الاصطناعي التوليدي سائدًا مع مولدات النصوص والصور والفيديو، شعر المستخدمون أو المتبنيون الأوائل لتلك التكنولوجيا بالقلق من الإجابات الخاطئة أو غير المترابطة وغير الموثقة والمتلاعب بها التي تقدمها برامج الذكاء الاصطناعي، بينما كان من المفترض أن تُحدث روبوتات الدردشة ثورة في حياتنا من خلال كتابة رسائل البريد الإلكتروني، وكتابة بطاقات عيد الميلاد، ورسائل التهنئة وعبارات التأبين، إلى جانب تبسيط نتائج البحث، وإبقائنا على اتصال مستمر بالمعارف الصحيحة والموثوق بها في مختلف مجالات الحياة.

ومن المسلم به، وكما يقول خبراء الذكاء الاصطناعي، فإن ظهور تقنية الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة مثل نقلة نوعية كبيرة في الاتصال الرقمي، وثبت من خلال برامجها العديدة أنها تقنية قوية ذات استخدامات مفيدة للبشرية. في المقابل فإن إمكانات الذكاء الاصطناعي الكبيرة والمثيرة للجدل، جاءت مصحوبة بجدل واسع حوله نتيجة الاختراقات الأخلاقية الضخمة التي تسبب فيها، والتي دفعت الكثير من المراقبين إلي التعبير عن مخاوفهم منه ويطالبون بوقف تطوير برامجه لمدة تصل إلي خمس سنوات يقوم خلالها العالم بوضع قوانين وعهود دولية ملزمة لحدود التعامل معه سواء على مستوى التطوير أو على مستوى الاستخدام، بعد أن ثبت أنه يتم استخدامه على نطاق واسع في تزييف الحقائق والدعاية السوداء كما حدث في التلاعب الذي تم كشفه في فيديوهات حرب غزة، والتي ثبت أنها تندرج ضمن التزييف العميق الذي توفره برامج الذكاء الاصطناعي.

لا يزال محو الأمية في مجال الذكاء الاصطناعي في بداياته، على أساس أنه ما زال يمر بفترة انتقالية تتطلب دائمًا فترة من التكيف البشري معه، وتعليم استخدامها الرشيد للناس. ولذلك أصبح تعليم مهارات التعامل مع برامج وآليات الذكاء الاصطناعي ضرورة عالمية ووطنية خاصة في ظل الخطر الوجودي الذي تمثله تلك البرامج والآليات على البشر، إذا استمر في مساره الحالي المتسارع، الذي قد ينتهي بخروجه عن سيطرة البشر. ويتوقع بعض الخبراء أن يطغى عالم الذكاء الاصطناعي على قدرة البشر خلال عام واحد أو عامين أو خمس سنوات على اكثر تقدير.

وفي تقديري أن نقطة البدء في محو أمية الذكاء الاصطناعي يمكن أن تبدأ بالتركيز على تعلم الكشف عن الصور المزيفة أو لقطات الفيديو التي يتم التلاعب بها باستخدام الذكاء الاصطناعي لنسبة أفعال إباحية لبعض الأشخاص وابتزازهم وهو ما يتفق الجميع على كونها أمرا سيئا يجب إيقافه. وإذا تمكن العالم من التعامل الصارم مع التزييف العميق، فقد تتاح له الفرصة للتصدي للمخاطر التي يفرضها الذكاء الاصطناعي. والواقع أن المدخل المناسب للتعامل مع هذا التزييف الذي تضيع بسببه الحقيقة، ليس ملاحقة المستخدمين النهائيين فقط، وهو ما يحاول الأشخاص الذين يستفيدون ماليًا من وجود التزييف العميق الترويج له، وهم من يجب استهدافهم مع غيرهم ممن يشاركون في صناعة وبناء هذه التكنولوجيا. لا يكفي إذن معاقبة الأشخاص الذين يستخدمون التكنولوجيا الضارة، ويجب أن يشمل العقاب الأشخاص الذين ينتجونها، والذين يوزعونها، والذين يستضيفونها على مواقعهم وتطبيقاتهم.

في مارس من العام الماضي، انتشر مقطع فيديو يظهر الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، وهو يطلب من شعب أوكرانيا إلقاء أسلحتهم والاستسلام لروسيا. لقد كان التزييف العميق واضحا جدا في مقطع الفيديو الذي استخدم فيه الذكاء الاصطناعي لتبديل الوجوه أو إنتاج نسخة رقمية لصورة شخص ما. ولكن لأن تطورات الذكاء الاصطناعي تجعل من إنتاج فيديوهات التزييف العميق أمرا سهلا، فقد بات اكتشافها بشكل سريع أمرا أكثر أهمية وإلحاحا.

خلاصة القول إن العالم أمام مفترق طرق وخيارات محدودة للغاية في التعامل مع ثورة الذكاء الاصطناعي وخفض خطورتها الواضحة على الدول والمجتمعات، إما أن ينظم هذا المجال بحيث يرشد تطويره ونتائجه أو أن يترك الأمور على ما هي عليه مما قد يؤدي على المدى المتوسط إلي فوضى أخلاقية وطغيان الآلة على البشر. وحتى تصبح برامج محو الأمية في مجال الذكاء الاصطناعي متاحة على المستوى الوطني فإن ما ننصح به هو ألا تثق أبدًا في أن النموذج الذي تستخدمه للإجابة عن أسئلتك والحصول على المعلومات سوف يقدم إجابة صحيحة. فكل ما تقدمه لك حتى الآن كما يقول بعض الخبراء هو «هراء متماسك» يقدمها في لغة تبدو موثوقة ولكنها في الواقع ليست سوى «ثرثرة»، إذا مررت نتائجها إلى الآخرين دون التحقق من صحتها، فقد ينتهي بك الأمر إلى مشاركة أشياء غير صحيحة أو مسيئة.

أ.د. حسني محمد نصر كاتب وأكاديمي مصري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی التزییف العمیق محو الأمیة التعامل مع على مستوى بین الدول

إقرأ أيضاً:

خلال ساعات.. الصين تكشف عن اختراع مذهل وتبهر العالم وتهز عرش التكنولوجيا الأميركية وتسقط أسهم الذكاء الاصطناعي

مقالات مشابهة تقرير يكشف تفاصيل مرعبة: جوجل تعمّق تعاونها التقني مع الجيش الإسرائيلي في حرب غزة

‏3 أيام مضت

علماء: أنظمة الذكاء الاصطناعي تتجاوز الخط الأحمر وتحذيرات من “التكاثر الذاتي”

‏3 أيام مضت

“أوبن إيه آي” تطلق برنامج ذكاء اصطناعي لتنفيذ المهام عبر الإنترنت

‏3 أيام مضت

إنجاز نووي جديد للصين: “الشمس الاصطناعية” تسجل 100 مليون درجة في 1000 ثانية

‏3 أيام مضت

بسبب الذكاء الاصطناعي.. ماسك وألتمان في مواجهة مفتوحة

‏3 أيام مضت

بعد حظر “تيك توك”.. تطبيق صيني بديل يغزو أمريكا

‏أسبوع واحد مضت

شهدت الأسواق العالمية هزة قوية عقب الإعلان عن إطلاق تطبيق الذكاء الاصطناعي الجديد “ديب سيك” (DeepSeek) التابع لشركة صينية ناشئة تحمل الاسم ذاته. وتمكنت الشركة، التي تتخذ من مدينة هانغتشو مقراً لها، من تحقيق نجاح مذهل خلال الساعات الأولى من إطلاق تطبيقها، مما أدى إلى خسائر ضخمة في أسهم شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى.

شركة ناشئة تهدد عمالقة التكنولوجيا
تأسست “ديب سيك” قبل عامين كمشروع جامعي يهدف إلى تطوير ذكاء اصطناعي عام بمستوى قريب من ذكاء الإنسان، وهو هدف لم تحققه حتى الآن أي من الشركات التكنولوجية الكبرى. تعتمد الشركة نموذجاً فريداً يقلل من استهلاك الذاكرة ويخفض التكاليف التشغيلية بشكل كبير، ما جعل تقنيتها تنافس تطبيقات كبرى مثل “تشات جي بي تي” (ChatGPT) من شركة “أوبن إيه آي” (OpenAI).

تطبيق يجذب الملايين في ساعات
أصبح تطبيق “DeepSeek AI” الأكثر تحميلاً على متجر تطبيقات أبل في بريطانيا وعدة دول أخرى، بفضل تقديمه خدمات ذكاء اصطناعي مجانية كانت تتطلب اشتراكات مالية لدى المنافسين. وأشاد خبراء بقدرته على معالجة المهام المعقدة، مثل الرياضيات والبرمجة، باستخدام قوة حوسبة أقل بكثير.

ردود فعل السوق: خسائر بالمليارات
مع انتشار أخبار التطبيق الجديد، تعرضت أسهم شركات التكنولوجيا الأميركية لضغوط هائلة، حيث تكبدت شركة “إنفيديا” خسائر قياسية تجاوزت ضعفي القيمة السوقية لشركة مثل “كوكاكولا”. كما شهدت شركات كبرى أخرى، مثل “أوبن إيه آي” و”ميتا” و”غوغل”، تراجعاً في أسهمها نتيجة القلق من قدرة “ديب سيك” على تقليص التكاليف وتقديم خدمات منافسة.

رسالة من الصين
ليانغ وينفينغ، مؤسس “ديب سيك” والمدير السابق لصندوق تحوط كمي، صرّح قائلاً: “لقد اعتادت الشركات الصينية لفترة طويلة على تقليد الابتكار الغربي، لكننا الآن نتجه لأن نصبح قادة عالميين في مجال الذكاء الاصطناعي”.

تداعيات على المدى البعيد
بينما تواجه الشركات الأميركية ضغوطاً لإعادة تقييم استثماراتها، استفادت شركات مثل “أبل” من هذا التحول، وسط توقعات بأن النموذج الجديد قد يغير قواعد اللعبة في سوق الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، يبقى التساؤل مطروحاً: هل ستتمكن الشركات الأميركية من الرد على هذا التحدي الصيني في الوقت المناسب؟

ذات صلة

الوسومchat gpt DeepSeek الذكاء الاصطناعي الصين تطبيق ديب سيك الصيني ديب سيك

السابق هل تُنهي بطاريات الألمنيوم عصر الليثيوم؟ ابتكار جديد يُعيد تشكيل مستقبل تخزين الطاقةاترك تعليقاً إلغاء الرد

يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.

آخر الأخبار خلال ساعات.. الصين تكشف عن اختراع مذهل وتبهر العالم وتهز عرش التكنولوجيا الأميركية وتسقط أسهم الذكاء الاصطناعي ‏دقيقة واحدة مضت هل تُنهي بطاريات الألمنيوم عصر الليثيوم؟ ابتكار جديد يُعيد تشكيل مستقبل تخزين الطاقة ‏ساعة واحدة مضت خطوة بخطوة.. كيف تقرأ رسائل واتساب المحذوفة على Android وiOS؟ ‏يومين مضت دولة عربية تضغط للدفع بالسعودية نحو التصعيد باليمن.. ما هو السبب؟؟ ‏يومين مضت عاجل وردنا الان: شاهد أول صورة لضبط قاتل المعلمة نسرين بعد فراره من عدن إلى صنعاء ‏يومين مضت الخضيري يكشف حقيقة الأساس العلمي لفوائد خلط التين بزيت الزيتون ‏يومين مضت بشرى سارة لمستخدمي ثريدز.. ميتا تكشف بدء الإعلانات على المنصة مع ميزات جديدة ‏3 أيام مضت تقرير يكشف تفاصيل مرعبة: جوجل تعمّق تعاونها التقني مع الجيش الإسرائيلي في حرب غزة ‏3 أيام مضت سامسونج تُعلن أسعار هواتف Galaxy S25 وS25 Ultra في الأسواق العربية ‏3 أيام مضت عطور بريطانية فاخرة تُصنع من الصرف الصحي.. مفارقة غريبة ‏3 أيام مضت اكتشاف قمم عملاقة مدفونة تحت الأرض تفوق ارتفاع إيفرست بـ100 مرة ‏3 أيام مضت “واتساب” يطلق ميزة ثورية للمحادثات المقفلة.. طريقة تفعيلها ‏3 أيام مضت © حقوق النشر 2025، جميع الحقوق محفوظة   |   لموقع الميدان اليمني

مقالات مشابهة

  • “سدايا” تستعرض مستقبل الذكاء الاصطناعي العام والتحديات التي تواجهه بمشاركة أكثر من 16 جهة حكومية
  • وزير الأوقاف يبحث التعاون مع جامعة محمد بن زايد للعلوم في الذكاء الاصطناعي
  • الجامعة العربية تنظم دائرة حوار حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي ..الأحد
  • جامعة كفر الشيخ تعلن نتائج برامج الذكاء الاصطناعي
  • كل ما تريد معرفته عن DeepSeek نموذج الذكاء الاصطناعي المجاني الذي أطاح بـ"شات جي بي تي"
  • خلال ساعات.. الصين تكشف عن اختراع مذهل وتبهر العالم وتهز عرش التكنولوجيا الأميركية وتسقط أسهم الذكاء الاصطناعي
  • المشاط: الذكاء الاصطناعي يُعيد صياغة نماذج النمو الاقتصادي والتنمية على مستوى العالم
  • اعتماد نتائج برامج المستوى الأول بكلية الذكاء الاصطناعي في جامعة كفر الشيخ
  • الحوسبة اللغوية.. مبادرات جامعية مبتكرة ركيزتها الذكاء الاصطناعي
  • «الحوسبة اللغوية».. مبادرات جامعية مبتكرة ركيزتها الذكاء الاصطناعي