لجريدة عمان:
2024-09-30@11:45:38 GMT

محو الأمية في الذكاء الاصطناعي

تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT

دائما ما كانت هناك أمية يعاني منها البشر لفترات قد تطول أو تقصر مع كل وسيلة من وسائل التواصل والمعرفة. ودائما ما كانت التكنولوجيا الجديدة تترك الملايين من الناس في الخلف، نتيجة عدم قدرتهم على استيعابها وحرمانهم من تعلم مهارات التعامل معها والاستفادة منها لأسباب اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية. من هنا ظهرت برامج محو الأمية التي بدأت بمحو الأمية الهجائية (تعلم القراءة والكتابة)، التي ما زالت قائمة في العديد من دول العالم بنسب تتراوح بين 2 إلى 90 بالمائة من السكان، وبعدد يصل إلى 763 مليونا، منهم نحو 70 مليون أمي في العالم العربي، وفقا لإحصاءات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الكسو».

وما زالت تلك الأمية رغم انتشار التعليم في تزايد مستمر نتيجة عوامل متعددة مثل الفقر والحروب والنزاعات العالمية. وعلى سبيل المثال ورغم إنفاق الملايين على برامج محو الأمية، فقد زاد عدد الأميين هجائيا في الدول العربية من حوالي 61 مليونا سنة 2016 إلى ما يقارب 70 مليونا سنة 2020 أمّي وأمّية من الفئة العمرية 15 سنة فما فوق، وتتوقع المنظمة وصول هذا العدد إلى 100 مليون أمي وأمية في عام 2030. ومن هنا تتسع وتتضخم الفجوة المعرفية التي تجعل الفقراء معرفيا أكثر فقرا، بينما يزداد الأغنياء معرفيا غنى.

بعد ظهور الإنترنت وانتشارها في العالم بدأ الحديث عن الأمية الرقمية، التي أحدثت فجوة داخل الدولة الواحدة، وبين الدول بعضها البعض، في تبني واستخدام التكنولوجيا الجديدة والاستفادة من ثمارها المعرفية والاقتصادية والاجتماعية. وتعرف اليونسكو الأمية الرقمية بأنها «عدم القدرة على الوصول والإدارة والفهم والتكامل والتواصل وتقييم وإنشاء المعلومات بشكل آمن ومناسب من خلال استخدام التكنولوجيا والتقنيات الرقمية». وقد صممت الدول والمنظمات الدولية المعنية برامج لمحو الأمية الرقمية تستهدف تأمين وصول أكبر عدد ممكن من الناس إلى شبكة الإنترنت، واستخدام منصات الإعلام الرقمي ومصادر المعرفة الرقمية. ولم تنجح تلك البرامج في تضييق الفجوة الرقمية، سواء على مستوى الدولة أو على مستوى دول ومناطق العالم، فمازالت الفجوة قائمة بل وتتسع بين العواصم والمدن الكبرى وبين الأقاليم البعيدة داخل الدولة الواحدة، وما زالت قائمة أيضا وتتسع بين الدول الغنية وبين الدول الفقيرة وبشكل عام بين الدول المتقدمة وبين الدول النامية.

ومع ظهور برامج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي ظهر الضلع الثالث من أضلاع مثلث الأمية، وهو أمية الذكاء الاصطناعي والتي تبدو أكثر تعقيدا من سابقيها. والواقع أنه منذ أن أصبح ما يعرف بالذكاء الاصطناعي التوليدي سائدًا مع مولدات النصوص والصور والفيديو، شعر المستخدمون أو المتبنيون الأوائل لتلك التكنولوجيا بالقلق من الإجابات الخاطئة أو غير المترابطة وغير الموثقة والمتلاعب بها التي تقدمها برامج الذكاء الاصطناعي، بينما كان من المفترض أن تُحدث روبوتات الدردشة ثورة في حياتنا من خلال كتابة رسائل البريد الإلكتروني، وكتابة بطاقات عيد الميلاد، ورسائل التهنئة وعبارات التأبين، إلى جانب تبسيط نتائج البحث، وإبقائنا على اتصال مستمر بالمعارف الصحيحة والموثوق بها في مختلف مجالات الحياة.

ومن المسلم به، وكما يقول خبراء الذكاء الاصطناعي، فإن ظهور تقنية الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة مثل نقلة نوعية كبيرة في الاتصال الرقمي، وثبت من خلال برامجها العديدة أنها تقنية قوية ذات استخدامات مفيدة للبشرية. في المقابل فإن إمكانات الذكاء الاصطناعي الكبيرة والمثيرة للجدل، جاءت مصحوبة بجدل واسع حوله نتيجة الاختراقات الأخلاقية الضخمة التي تسبب فيها، والتي دفعت الكثير من المراقبين إلي التعبير عن مخاوفهم منه ويطالبون بوقف تطوير برامجه لمدة تصل إلي خمس سنوات يقوم خلالها العالم بوضع قوانين وعهود دولية ملزمة لحدود التعامل معه سواء على مستوى التطوير أو على مستوى الاستخدام، بعد أن ثبت أنه يتم استخدامه على نطاق واسع في تزييف الحقائق والدعاية السوداء كما حدث في التلاعب الذي تم كشفه في فيديوهات حرب غزة، والتي ثبت أنها تندرج ضمن التزييف العميق الذي توفره برامج الذكاء الاصطناعي.

لا يزال محو الأمية في مجال الذكاء الاصطناعي في بداياته، على أساس أنه ما زال يمر بفترة انتقالية تتطلب دائمًا فترة من التكيف البشري معه، وتعليم استخدامها الرشيد للناس. ولذلك أصبح تعليم مهارات التعامل مع برامج وآليات الذكاء الاصطناعي ضرورة عالمية ووطنية خاصة في ظل الخطر الوجودي الذي تمثله تلك البرامج والآليات على البشر، إذا استمر في مساره الحالي المتسارع، الذي قد ينتهي بخروجه عن سيطرة البشر. ويتوقع بعض الخبراء أن يطغى عالم الذكاء الاصطناعي على قدرة البشر خلال عام واحد أو عامين أو خمس سنوات على اكثر تقدير.

وفي تقديري أن نقطة البدء في محو أمية الذكاء الاصطناعي يمكن أن تبدأ بالتركيز على تعلم الكشف عن الصور المزيفة أو لقطات الفيديو التي يتم التلاعب بها باستخدام الذكاء الاصطناعي لنسبة أفعال إباحية لبعض الأشخاص وابتزازهم وهو ما يتفق الجميع على كونها أمرا سيئا يجب إيقافه. وإذا تمكن العالم من التعامل الصارم مع التزييف العميق، فقد تتاح له الفرصة للتصدي للمخاطر التي يفرضها الذكاء الاصطناعي. والواقع أن المدخل المناسب للتعامل مع هذا التزييف الذي تضيع بسببه الحقيقة، ليس ملاحقة المستخدمين النهائيين فقط، وهو ما يحاول الأشخاص الذين يستفيدون ماليًا من وجود التزييف العميق الترويج له، وهم من يجب استهدافهم مع غيرهم ممن يشاركون في صناعة وبناء هذه التكنولوجيا. لا يكفي إذن معاقبة الأشخاص الذين يستخدمون التكنولوجيا الضارة، ويجب أن يشمل العقاب الأشخاص الذين ينتجونها، والذين يوزعونها، والذين يستضيفونها على مواقعهم وتطبيقاتهم.

في مارس من العام الماضي، انتشر مقطع فيديو يظهر الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، وهو يطلب من شعب أوكرانيا إلقاء أسلحتهم والاستسلام لروسيا. لقد كان التزييف العميق واضحا جدا في مقطع الفيديو الذي استخدم فيه الذكاء الاصطناعي لتبديل الوجوه أو إنتاج نسخة رقمية لصورة شخص ما. ولكن لأن تطورات الذكاء الاصطناعي تجعل من إنتاج فيديوهات التزييف العميق أمرا سهلا، فقد بات اكتشافها بشكل سريع أمرا أكثر أهمية وإلحاحا.

خلاصة القول إن العالم أمام مفترق طرق وخيارات محدودة للغاية في التعامل مع ثورة الذكاء الاصطناعي وخفض خطورتها الواضحة على الدول والمجتمعات، إما أن ينظم هذا المجال بحيث يرشد تطويره ونتائجه أو أن يترك الأمور على ما هي عليه مما قد يؤدي على المدى المتوسط إلي فوضى أخلاقية وطغيان الآلة على البشر. وحتى تصبح برامج محو الأمية في مجال الذكاء الاصطناعي متاحة على المستوى الوطني فإن ما ننصح به هو ألا تثق أبدًا في أن النموذج الذي تستخدمه للإجابة عن أسئلتك والحصول على المعلومات سوف يقدم إجابة صحيحة. فكل ما تقدمه لك حتى الآن كما يقول بعض الخبراء هو «هراء متماسك» يقدمها في لغة تبدو موثوقة ولكنها في الواقع ليست سوى «ثرثرة»، إذا مررت نتائجها إلى الآخرين دون التحقق من صحتها، فقد ينتهي بك الأمر إلى مشاركة أشياء غير صحيحة أو مسيئة.

أ.د. حسني محمد نصر كاتب وأكاديمي مصري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی التزییف العمیق محو الأمیة التعامل مع على مستوى بین الدول

إقرأ أيضاً:

انطلاق منتدى "دور الذكاء الاصطناعي في تحقيق التنمية المستدامة".. اليوم

مسقط - الرؤية

يرعى صاحب السُّمو السيد محمد بن ثويني آل سعيد، انطلاق منتدى "دور الذكاء الاصطناعي في تحقيق التنمية المستدامة"، وذلك صباح اليوم الأحد، في فندق جراند حياة مسقط، بتنظيم من سفارة مملكة البحرين لدى سلطنة عُمان، وبالتعاون مع جمعية الصداقة العُمانية البحرينية والجمعية العُمانية لتقنية المعلومات.

ويناقش الملتقى عدة محاور من أبرزها: استخدامات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وتجارب دول المنطقة في الذكاء الاصطناعي، وأهم التحديات التي تواجه التوسع في استخدامات الذكاء الاصطناعي، وحاضر ومستقبل الذكاء الاصطناعي وآثاره ونتائجه على فرص العمل في دول المنطقة وغيرها. ويأتي تنظيم هذا الملتقى احتفالا باليوم الدولي للعلم والتكنولوجيا والابتكار، والذي تحتفل به الأمم المتحدة ودول العالم في شهر سبتمبر من كل عام، وإيمانًا من المُنظِّمين بأهمية دور الذكاء الاصطناعي في تحقيق التنمية المستدامة والرؤى الاقتصادية للدول.

وقالت ردينة بنت عامر الحجرية رئيسة مجلس إدارة جمعية الصداقة العمانية البحرينية إن المنطقة العربية شهدت تحولاً تكنولوجيًا وابتكارًا هائلاً في العقد الماضي، ومع ذلك، تتمتع الدول العربية بظروف داخلية متميزة، وتنعكس بوضوح في طموحاتها لتبني التقدم التكنولوجي، وخاصة الذكاء الاصطناعي، في سياساتها واستراتيجياتها ومؤسساتها. وقد تحركت بعض دول المنطقة بسرعة لتبني أحدث التقنيات والمؤسسات والمعايير والاستراتيجيات لتوطين واستخدام الذكاء الاصطناعي، ما أدى إلى تحسين تصنيفاتها العالمية. ومن ناحية أخرى لا تزال بلدان أخرى في مرحلة مبكرة للغاية دون استراتيجيات واضحة للذكاء الاصطناعي. وأكدت رئيسة جمعية الصداقة العمانية البحرينية أن الذكاء الاصطناعي برز كأداة قوية في النهوض بأهداف التنمية المستدامة. إذا تم نشره بكفاءة وأخلاقية، فإن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على خلق نمو شامل ومستدام وتحسين الحياة من خلال تطبيق مسؤول في العديد من القطاعات بما في ذلك الصحة والتعليم وتغير المناخ والمياه والغذاء والطاقة.

وأشادت الحجرية بجهود سفارة مملكة البحرين لدى سلطنة عُمان في الدعم اللامحدود لإنجاح فعاليات الجمعية وأنشطتها وخاصة في تنظيم هذا المنتدى، مُثمنة التعاون المثمر مع الجمعية العُمانية لتقنية المعلومات.

وقالت الحجرية إنَّ هذا المنتدى يُعد الأول من نوعه الذي تقيمه الجمعية عن الذكاء الاصطناعي، وأن نتائج ومخرجات هذا المنتدى ستنعكس على رواد الأعمال الذين تستهدفهم الجمعية، وذلك باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مؤسساتهم الصغيرة والمتوسطة  بهدف تحقيق التنمية المستدامة.

وثمنت الحجرية مشاركة متخصصين وخبراء من عدة دول خليجية وعربية في المنتدى، حيث يبلغ عدد المتحدثين نحو 20 متحدث ومتحدثة، لافتة إلى أن المنتدى يضم ثلاثة جلسات ونحو 12 محورا ومن أبرزها إستراتيجيات الذكاء الاصطناعي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، والسياسات الحكومية ودورها في تمكين الابتكار التكنولوجي، والتعاون الدولي والإقليمي لتحقيق التنمية المستدامة من خلال الذكاء الاصطناعي. واعتبرت أن هذا المنتدى فرصة لفتح آفاق جديدة وتبادل الافكار والخبرات بين المشاركين، فضلا عن إقامة  جسور وشراكات جديدة للجمعية.

من جانبه، ثمن المكرم د. سالم بن سلطان الرزيقي رئيس مجلس إدارة الجمعية العمانية لتقنية المعلومات، فكرة تنظيم منتدى دور الذكاء الاصطناعي في تحقيق التنمية المستدامة، في هذه المرحلة الذي بات فيه التركيز على دور الذكاء الاصطناعي من جانب دول المنطقة لما له من فوائد واستخدامات في التنمية المستدامة للدول والأفراد.

وأشار الرزيقي إلى أن الجمعية العمانية لتقنية المعلومات تؤدي دورًا مهمًا بالتنسيق والتعاون مع الجهات المعنية الحكومية في نشر الثقافة والوعي في مجال تقنية المعلومات للجميع في السلطنة،الى جانب إشراف الجمعية على جميع البرامج والتقنيات بالسلطنة ، والمجالات المتعلقة بتنقية المعلومات، فضلا عن المساهمة بالمشورة لأي جهة طالبة سواء كانت في وضع الاستراتيجيات أو التخطيط أو العمل التقني، وايضا الإسهام في التعريب ونشر الثقافة العربية في مجال تقنية المعلومات والإنترنت، واحتضان متخصصي تقنية المعلومات في السلطنة المستخدمين منهم أو ذوي الخبرة لتبادل الخبرة والمعرفة.

وأوضح أنه من حسن الطالع أن يتواكب تنظيم هذا المنتدى مع إطلاق سلطنة عمان "البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية المتقدمة" ضمن رؤية "عُمان 2040"، والتي تسعى لجعل تقنية المعلومات والاتصالات من بين القطاعات الأساسية والمحفزة للاقتصاد العماني. ويمتد البرنامج من عام 2024 حتى نهاية عام 2026، ويشمل عددًا من المبادرات والمشروعات المواكبة للمتغيرات العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي.

مقالات مشابهة

  • كيف أجاب الذكاء الاصطناعي عن تفاصيل اغتيال نصر الله ؟
  • الذكاء الاصطناعي: هكذا اغتالت إسرائيل حسن نصر الله
  • غوغل تضيف ميزات جديدة لأداة الذكاء الاصطناعي نوتبوك إل.إم
  • وايدبوت تطلق AQL-7B نموذج لغوي عربي يعتمد على الذكاء الاصطناعي
  • حلقة عن الذكاء الاصطناعي بتعليمية الداخلية
  • هذه الدول الخليجية تريد أن تصبح قوى عظمى في الذكاء الاصطناعي.. ما هي؟
  • سامسونج تطلق أقوى حواسيب جالاكسي بتقنيات الذكاء الاصطناعي (فيديو)
  • انطلاق منتدى "دور الذكاء الاصطناعي في تحقيق التنمية المستدامة".. اليوم
  • الذكاء الاصطناعي ما له وما عليه
  • «ستاندرد آند بورز»: الإمارات تضخ استثمارات ضخمة في الذكاء الاصطناعي