محو الأمية في الذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT
دائما ما كانت هناك أمية يعاني منها البشر لفترات قد تطول أو تقصر مع كل وسيلة من وسائل التواصل والمعرفة. ودائما ما كانت التكنولوجيا الجديدة تترك الملايين من الناس في الخلف، نتيجة عدم قدرتهم على استيعابها وحرمانهم من تعلم مهارات التعامل معها والاستفادة منها لأسباب اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية. من هنا ظهرت برامج محو الأمية التي بدأت بمحو الأمية الهجائية (تعلم القراءة والكتابة)، التي ما زالت قائمة في العديد من دول العالم بنسب تتراوح بين 2 إلى 90 بالمائة من السكان، وبعدد يصل إلى 763 مليونا، منهم نحو 70 مليون أمي في العالم العربي، وفقا لإحصاءات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الكسو».
بعد ظهور الإنترنت وانتشارها في العالم بدأ الحديث عن الأمية الرقمية، التي أحدثت فجوة داخل الدولة الواحدة، وبين الدول بعضها البعض، في تبني واستخدام التكنولوجيا الجديدة والاستفادة من ثمارها المعرفية والاقتصادية والاجتماعية. وتعرف اليونسكو الأمية الرقمية بأنها «عدم القدرة على الوصول والإدارة والفهم والتكامل والتواصل وتقييم وإنشاء المعلومات بشكل آمن ومناسب من خلال استخدام التكنولوجيا والتقنيات الرقمية». وقد صممت الدول والمنظمات الدولية المعنية برامج لمحو الأمية الرقمية تستهدف تأمين وصول أكبر عدد ممكن من الناس إلى شبكة الإنترنت، واستخدام منصات الإعلام الرقمي ومصادر المعرفة الرقمية. ولم تنجح تلك البرامج في تضييق الفجوة الرقمية، سواء على مستوى الدولة أو على مستوى دول ومناطق العالم، فمازالت الفجوة قائمة بل وتتسع بين العواصم والمدن الكبرى وبين الأقاليم البعيدة داخل الدولة الواحدة، وما زالت قائمة أيضا وتتسع بين الدول الغنية وبين الدول الفقيرة وبشكل عام بين الدول المتقدمة وبين الدول النامية.
ومع ظهور برامج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي ظهر الضلع الثالث من أضلاع مثلث الأمية، وهو أمية الذكاء الاصطناعي والتي تبدو أكثر تعقيدا من سابقيها. والواقع أنه منذ أن أصبح ما يعرف بالذكاء الاصطناعي التوليدي سائدًا مع مولدات النصوص والصور والفيديو، شعر المستخدمون أو المتبنيون الأوائل لتلك التكنولوجيا بالقلق من الإجابات الخاطئة أو غير المترابطة وغير الموثقة والمتلاعب بها التي تقدمها برامج الذكاء الاصطناعي، بينما كان من المفترض أن تُحدث روبوتات الدردشة ثورة في حياتنا من خلال كتابة رسائل البريد الإلكتروني، وكتابة بطاقات عيد الميلاد، ورسائل التهنئة وعبارات التأبين، إلى جانب تبسيط نتائج البحث، وإبقائنا على اتصال مستمر بالمعارف الصحيحة والموثوق بها في مختلف مجالات الحياة.
ومن المسلم به، وكما يقول خبراء الذكاء الاصطناعي، فإن ظهور تقنية الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة مثل نقلة نوعية كبيرة في الاتصال الرقمي، وثبت من خلال برامجها العديدة أنها تقنية قوية ذات استخدامات مفيدة للبشرية. في المقابل فإن إمكانات الذكاء الاصطناعي الكبيرة والمثيرة للجدل، جاءت مصحوبة بجدل واسع حوله نتيجة الاختراقات الأخلاقية الضخمة التي تسبب فيها، والتي دفعت الكثير من المراقبين إلي التعبير عن مخاوفهم منه ويطالبون بوقف تطوير برامجه لمدة تصل إلي خمس سنوات يقوم خلالها العالم بوضع قوانين وعهود دولية ملزمة لحدود التعامل معه سواء على مستوى التطوير أو على مستوى الاستخدام، بعد أن ثبت أنه يتم استخدامه على نطاق واسع في تزييف الحقائق والدعاية السوداء كما حدث في التلاعب الذي تم كشفه في فيديوهات حرب غزة، والتي ثبت أنها تندرج ضمن التزييف العميق الذي توفره برامج الذكاء الاصطناعي.
لا يزال محو الأمية في مجال الذكاء الاصطناعي في بداياته، على أساس أنه ما زال يمر بفترة انتقالية تتطلب دائمًا فترة من التكيف البشري معه، وتعليم استخدامها الرشيد للناس. ولذلك أصبح تعليم مهارات التعامل مع برامج وآليات الذكاء الاصطناعي ضرورة عالمية ووطنية خاصة في ظل الخطر الوجودي الذي تمثله تلك البرامج والآليات على البشر، إذا استمر في مساره الحالي المتسارع، الذي قد ينتهي بخروجه عن سيطرة البشر. ويتوقع بعض الخبراء أن يطغى عالم الذكاء الاصطناعي على قدرة البشر خلال عام واحد أو عامين أو خمس سنوات على اكثر تقدير.
وفي تقديري أن نقطة البدء في محو أمية الذكاء الاصطناعي يمكن أن تبدأ بالتركيز على تعلم الكشف عن الصور المزيفة أو لقطات الفيديو التي يتم التلاعب بها باستخدام الذكاء الاصطناعي لنسبة أفعال إباحية لبعض الأشخاص وابتزازهم وهو ما يتفق الجميع على كونها أمرا سيئا يجب إيقافه. وإذا تمكن العالم من التعامل الصارم مع التزييف العميق، فقد تتاح له الفرصة للتصدي للمخاطر التي يفرضها الذكاء الاصطناعي. والواقع أن المدخل المناسب للتعامل مع هذا التزييف الذي تضيع بسببه الحقيقة، ليس ملاحقة المستخدمين النهائيين فقط، وهو ما يحاول الأشخاص الذين يستفيدون ماليًا من وجود التزييف العميق الترويج له، وهم من يجب استهدافهم مع غيرهم ممن يشاركون في صناعة وبناء هذه التكنولوجيا. لا يكفي إذن معاقبة الأشخاص الذين يستخدمون التكنولوجيا الضارة، ويجب أن يشمل العقاب الأشخاص الذين ينتجونها، والذين يوزعونها، والذين يستضيفونها على مواقعهم وتطبيقاتهم.
في مارس من العام الماضي، انتشر مقطع فيديو يظهر الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، وهو يطلب من شعب أوكرانيا إلقاء أسلحتهم والاستسلام لروسيا. لقد كان التزييف العميق واضحا جدا في مقطع الفيديو الذي استخدم فيه الذكاء الاصطناعي لتبديل الوجوه أو إنتاج نسخة رقمية لصورة شخص ما. ولكن لأن تطورات الذكاء الاصطناعي تجعل من إنتاج فيديوهات التزييف العميق أمرا سهلا، فقد بات اكتشافها بشكل سريع أمرا أكثر أهمية وإلحاحا.
خلاصة القول إن العالم أمام مفترق طرق وخيارات محدودة للغاية في التعامل مع ثورة الذكاء الاصطناعي وخفض خطورتها الواضحة على الدول والمجتمعات، إما أن ينظم هذا المجال بحيث يرشد تطويره ونتائجه أو أن يترك الأمور على ما هي عليه مما قد يؤدي على المدى المتوسط إلي فوضى أخلاقية وطغيان الآلة على البشر. وحتى تصبح برامج محو الأمية في مجال الذكاء الاصطناعي متاحة على المستوى الوطني فإن ما ننصح به هو ألا تثق أبدًا في أن النموذج الذي تستخدمه للإجابة عن أسئلتك والحصول على المعلومات سوف يقدم إجابة صحيحة. فكل ما تقدمه لك حتى الآن كما يقول بعض الخبراء هو «هراء متماسك» يقدمها في لغة تبدو موثوقة ولكنها في الواقع ليست سوى «ثرثرة»، إذا مررت نتائجها إلى الآخرين دون التحقق من صحتها، فقد ينتهي بك الأمر إلى مشاركة أشياء غير صحيحة أو مسيئة.
أ.د. حسني محمد نصر كاتب وأكاديمي مصري
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی التزییف العمیق محو الأمیة التعامل مع على مستوى بین الدول
إقرأ أيضاً:
الشراكات الدولية وتعزيز الريادة الإماراتية في الذكاء الاصطناعي
تُعد دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من أبرز الدول الرائدة في تبني وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، حيث تسعى بخطى ثابتة إلى تعزيز مكانتها كمركز عالمي للابتكار والتكنولوجيا. وتؤدي الشراكات الاستراتيجية الدولية دوراً محورياً في تحقيق أهدافها الطموحة في هذا المجال، حيث أدركت الدولة أهمية التعاون مع الجهات الدولية الفاعلة، بما في ذلك الشركات التكنولوجية العملاقة، والجامعات المرموقة، والمراكز البحثية المتخصصة، لدفع عجلة التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي.
وفي هذا السياق، جاء الإعلان عن توقيع “إطار العمل الإماراتي الفرنسي للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي” والذي تم توقيعه خلال زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة “حفظه الله”، لفرنسا يوم 6 فبراير 2025، قبل قمة الذكاء الاصطناعي التي عُقدت في باريس يومي 10 و11 من الشهر نفسه بمشاركة نحو 100 دولة، للتركيز على إمكانات الذكاء الاصطناعي. ويناقش هذا المقال الجهود الإماراتية لتعزيز شراكاتها في مجال الذكاء الاصطناعي، وتأثيرها في رؤية الدولة للريادة في هذا المجال.
شراكة مع فرنسا:
يرسم “إطار العمل الإماراتي الفرنسي للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي” مساراً واعداً لتعزيز التعاون بين دولة الإمارات وفرنسا في هذا المجال الحيوي الذي سيُعيد تشكيل العالم في السنوات المقبلة. وينص هذا الاتفاق الإطاري على التعاون بين البلدين في العديد من مجالات العمل المشترك في الذكاء الاصطناعي، ومن ذلك التخطيط لاستثمار ما بين 30 إلى 50 مليار يورو في إنشاء مجمع للذكاء الاصطناعي بسعة 1 غيغاوات في فرنسا، ومن المُقرر أن يتكون هذا المجمع من 35 مركزاً لتجميع معلومات وتأمين قدرات حوسبة هائلة يتطلبها الذكاء الاصطناعي. كما ينص على بناء شراكة استراتيجية في مجال الذكاء الاصطناعي واستكشاف فرص جديدة للتعاون في المشروعات والاستثمارات التي تدعم استخدام الرقائق المتطورة والبنية التحتية لمراكز البيانات وتنمية الكوادر، إضافة إلى إنشاء “سفارات بيانات افتراضية” لتمكين البنية التحتية للذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية في كلا البلدين.
ويأتي هذا التعاون في إطار توسع دولة الإمارات في قطاع الذكاء الاصطناعي، وبصفة خاصة في إنشاء وتطوير مراكز البيانات، حيث تستثمر بالفعل في مشروعات ضخمة مثل مشروع “ستار غيت” لإنشاء مراكز بيانات في الولايات المتحدة، ويحظى هذا المجال تحديداً باهتمام خاص بالنظر إلى أن مراكز البيانات تمثل الوقود الذي تحتاجه عملية تطوير الذكاء الاصطناعي.
وستخدم هذه الشراكة المصالح الإماراتية الفرنسية، حيث إن بناء مجمع للذكاء الاصطناعي في فرنسا سيساعد على جمع بيانات أكثر ومعالجتها بشكل دقيق؛ ومن ثم تسخيرها في تطوير وتعليم برامج الذكاء الاصطناعي، وهو أمر يعزز مكانة ودور البلدين في هذا المجال ويسهم في جعل تقنيات الذكاء الاصطناعي متاحة لمزيد من الدول، فضلاً عن خلق برامج ذكاء صناعي تحترم المواثيق الدولية والأوروبية.
كما توفر الشراكة الإماراتية الفرنسية في مجال الذكاء الاصطناعي دفعة قوية لتطوير البنية التحتية الرقمية في البلدين، حيث يستفيد كل منهما من الاستثمارات الضخمة لإنشاء مجمعات متطورة للذكاء الاصطناعي؛ مما يعزز قدرتها على معالجة البيانات الضخمة وتطوير تقنيات الحوسبة السحابية. ويتيح الاتفاق أيضاً تبادل الخبرات مع باريس، خصوصاً في مجالات الرقائق المتقدمة ومراكز البيانات؛ مما يسهم في تسريع تبني حلول الذكاء الاصطناعي وتحقيق تقدم استراتيجي في القطاعات الحيوية. إضافة إلى ذلك، يعزز الاتفاق تنمية الكوادر الإماراتية؛ مما يدعم تنشئة جيل جديد من المتخصصين في الذكاء الاصطناعي، ويعزز مكانة الإمارات كمركز عالمي رائد في هذا المجال.
وتعكس هذه الخطوة التزام دولة الإمارات بتنويع اقتصادها وتعزيز مكانتها كمركز عالمي للذكاء الاصطناعي. فيما تسعى فرنسا إلى ترسيخ مكانتها في هذا المجال بالرغم من التحديات التي تواجهها في منافسة الشركات الأمريكية والصينية. وقد أكدت الرئاسة الفرنسية أن نطاق الأنشطة وحجم تطوير البنية التحتية المقررة في إطار اتفاقية الإطار للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي بين فرنسا ودولة الإمارات، يوضح ثراء وديناميكية العلاقة بين البلدين، ويضع فرنسا في موقع رائد في مجال الذكاء الاصطناعي في أوروبا، مشيرة إلى أن الزعيمين اتفقا على مراقبة تطور مشروعات التعاون المختلفة في مجال الذكاء الاصطناعي عن كثب في الأشهر المقبلة.
شراكة مع الولايات المتحدة:
تُعد الشراكة بين دولة الإمارات والولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي الأهم في هذا المجال، حيث شهد التعاون بين البلدين تنامياً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، في ضوء التفوق الأمريكي في هذا المجال. وشكلت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة “حفظه الله”، إلى الولايات المتحدة في سبتمبر 2024، تتويجاً لهذا التطور المتنامي بين البلدين في مجال الذكاء الاصطناعي.
وخلال العامين الأخيرين، تم توقيع العديد من اتفاقيات الشراكة والاستثمار بين البلدين في المجال التكنولوجي والذكاء الاصطناعي. ففي ديسمبر 2024، أعلنت حكومة الإمارات عن شراكة استراتيجية مع شركة “يو آي باث” (UiPath)، التي يقع مقرها الرئيسي في نيويورك والمتخصصة في مجال الأتمتة المؤسسية والذكاء الاصطناعي، لتعزيز حلول “الأتمتة الوكيلة” – النهج المبتكر للأتمتة القائمة على الذكاء الاصطناعي. وتهدف هذه الاتفاقية إلى تطوير الأتمتة الذكية، وتدريب الكوادر الإماراتية بمهارات متقدمة. كما تشمل تنفيذ مشروعات تجريبية وورش عمل لتعزيز وعي الجهات الحكومية بفوائد الذكاء الاصطناعي، وبما يتماشى مع رؤية الحكومة لأن تصبح دولة الإمارات رائدة عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2031.
وفي سبتمبر الماضي، وقّعت دولة الإمارات ثلاث اتفاقيات ضخمة في قطاع الذكاء الاصطناعي، شملت “اتفاقية الشراكة العالمية للاستثمار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي” باستثمارات ستصل إلى 100 مليار دولار، وقّعتها شركة “إم جي إكس” (MGX) الإماراتية وشركات “بلاك روك” و”غلوبال إنفراستركتشر بارتنرز” و”مايكروسوفت”، إلى جانب اتفاقية بين شركة “جي 42” (G42) وشركة “مايكروسوفت” لتأسيس مركزين للأبحاث في أبوظبي لدعم قطاع الذكاء الاصطناعي المسؤول، واتفاقية أخرى بين “جي 42″ و”إنفيديا” لتأسيس مركز عمليات جديد ومختبر للمناخ التقني في أبوظبي؛ لتطوير التكنولوجيا المناخية وتحسين توقعات الطقس والمناخ لمساعدة ملايين البشر على الاستعداد للظواهر المناخية والكوارث الطبيعية قبل حدوثها.
وفي يونيو 2024، وقعت شركة “وورلد وايد تكنولوجي” (World Wide Technology)، وهي شركة تكامل تكنولوجي رائدة مقرها الولايات المتحدة، اتفاقية استراتيجية مع (NXT Global)، لإنشاء وتطوير أول مركز تكامل للذكاء الاصطناعي في مدينة مصدر بدولة الإمارات، الذي سيكون أحد أكثر التطورات الحضرية استدامة في العالم.
كما أعلنت “مايكروسوفت” و”جي 42″، في مايو الماضي، عن مجموعة واسعة من الاستثمارات في مجال التكنولوجيا الرقمية في كينيا، وجاءت هذه الخطوة كجزء من مبادرة بالتعاون مع وزارة المعلومات والاتصالات والاقتصاد الرقمي في جمهورية كينيا، حيث تقود “جي 42″، في إطار شراكة مع “مايكروسوفت” وشركاء رئيسيين عدة، مبادرة طموحة لضخ استثمارات تصل إلى مليار دولار، وتهدف هذه الاستثمارات إلى تنفيذ مشروعات رئيسية ضمن حزمة شاملة من الاستثمارات تشمل إنشاء مركز بيانات بيئي متطور في كينيا، والذي ستشرف على بنائه شركة “جي 42” وشركاؤها من أجل تشغيل خدمات “مايكروسوفت أزور” ضمن منطقة سحابية جديدة تخدم شرق إفريقيا. وفي إبريل الماضي، أعلنت “مايكروسوفت” عن استثمار استراتيجي بقيمة 1.5 مليار دولار في شركة “جي 42″؛ مما يعزز التعاون المتزايد في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا.
وبالإضافة إلى الولايات المتحدة وفرنسا، تصدر ملف الذكاء الاصطناعي أجندة التعاون والشراكات الإماراتية مع مختلف دول العالم مثل الصين والمملكة المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها.
تعزيز ريادة الإمارات:
يُشكل بناء الشراكات الدولية جزءاً رئيسياً في استراتيجية دولة الإمارات لتعزيز ريادتها في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تسعى الدولة من خلال هذه الشراكات إلى تطوير حلول مبتكرة تعالج التحديات المحلية والعالمية، وتعزز كفاءة القطاعات الحيوية مثل الصحة، والتعليم، والطاقة، والنقل، فضلاً عن تعزيز اقتصادها القائم على المعرفة والابتكار، والاستفادة منها في جذب الخبرات الدولية، وتدريب وتأهيل الكوادر الوطنية في هذا المجال المهم.
وتخدم الشراكات الدولية بصورة خاصة تحقيق مختلف أهداف استراتيجية دولة الإمارات للذكاء الاصطناعي، والتي تستهدف أن تصبح الدولة رائدة عالمياً في توظيف الذكاء الاصطناعي بنسبة 100% بحلول عام 2031 في مختلف الخدمات وتحليل البيانات؛ مما يعزز الإنتاجية ويخفض التكاليف التشغيلية. وتشمل هذه الأهداف أن تكون حكومة الإمارات الأولى عالمياً في استثمار الذكاء الاصطناعي بمختلف قطاعاتها الحيوية وخلق سوق جديدة واعدة في المنطقة ذات قيمة اقتصادية عالية، ودعم مبادرات القطاع الخاص وزيادة الإنتاجية، إضافة إلى بناء قاعدة قوية في مجال البحث والتطوير، بجانب استثمار أحدث تقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي وتطبيقها في شتى ميادين العمل بكفاءة رفيعة المستوى واستثمار كل الطاقات على النحو الأمثل، واستغلال الموارد والإمكانات البشرية والمادية المتوفرة بطريقة خلاقة.
وكان لهذه الشراكات، ضمن الرؤية الشاملة لدولة الإمارات، دورها في تعزيز ريادة الدولة في هذا الملف، حيث أصبحت الإمارات من أكثر الدول جذباً للمهارات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، مع زيادة عدد المتخصصين في هذا المجال بنحو 40% منذ عام 2022. كما أحرزت الدولة مركزاً ريادياً ضمن قائمة أفضل 10 دول عالمياً، من حيث عدد شركات الذكاء الاصطناعي لكل مليون نسمة، وذلك وفقاً لمؤشر تنافسية الذكاء الاصطناعي العالمي الصادر عن المنتدى المالي الدولي “آي إف إف” (IFF) ومجموعة المعرفة العميقة.
خلاصة الأمر، تواصل دولة الإمارات ترسيخ مكانتها كمركز عالمي للذكاء الاصطناعي، مستندة إلى رؤية طموحة تدعم الابتكار والتطوير المُستدام. ومن خلال استراتيجيتها الوطنية وشراكاتها الدولية الكبيرة، تفتح الدولة آفاقاً جديدة للاستثمار والتنافسية، مع التركيز على تنمية المواهب والبنية التحتية المتقدمة. وبالرغم من التحديات، يبقى التزام دولة الإمارات بتطوير التشريعات وتعزيز الاستدامة عاملاً رئيسياً في ريادتها؛ مما يجعلها نموذجاً يُحتذى به في مستقبل الذكاء الاصطناعي.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”