عندما تجمعنا أنا وأصدقائي في عامنا الجامعي الأول، في مكتبة آفاق الشويخ، وشاركنا نصوصنا في نادي المبدعين الجدد التابع لرابطة الأدباء الكويتيين، الأمر الذي دفعنا فيما بعد لتأسيس نادٍ لقراءة الشعر الحديث، أصبح ولفترة ليست قصيرة وجهة لاكتشاف الشعر الحداثي في الكويت بأسرها، الأمر الذي وضعنا في مرمى التصنيف، فمن عساه ينافح عن الحداثة في الشعر؟ لم يزعجنا هذا في ذلك الوقت، ملأتنا أحلامنا التي تساوقت مع الثورات والتغيير في العالم العربي، كان لدينا شيء لنقوله، لنشاركه، وكنا متحفزين لملاحقة هذه الأحلام.
نجح مبارك كمال من مجموعتنا هذه في إصدار نوفيلا رائعة، تشكل عملًا مهمًا ومركزيًا في ظني في الأدب الكويتي الذي أتابعه، والخليجي بطبيعة الحال، فروايته «انتحار بطيء» الصادرة قبل أشهر عن دار جدل الكويتية، تواجه وبوضوح العنف في الحياة اليومية، ذلك الذي يعد عنفًا هيكليًا أو مؤسسيًا وليس عنفًا واضحًا، هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فهو يسمي الفضاءات الحضرية التي يتحرك فيها، ويؤرخ لجيلنا وأحلامه والأفخاخ التي سقط فيها مرارًا.
تمثل الوكالة الصحفية التي تعمل فيها الشخصية الرئيسية في الرواية، المصنع في «مسخ» كافكا، ولها حضور مركزي في تكثيف المواجهة مع شروط العيش في المدينة. يذكرني هذا العمل بـ «الحالة الحرجة للمدعو ك» للروائي السعودي عزيز محمد، إلا أن عزيز لا يحدد مكانًا للرواية، فنحن لا نعرف هل هي الرياض أم الخبر، أم أن ذلك لن يعني شيئًا، هو الآخر يتحدث عن العمل وعلاقاته فيه وعن علاقته بأمه، التي يكتب عنها مبارك في «انتحار بطيء» بطريقة جارحة ومترددة، لأنه ليست ثمة أفكار راسخة ومسلم بها، القلق هو ما يحرك كل شيء. تحضر الشويخ وكيفان، كلية الآداب بجامعة الكويت سابقًا، والتي حولت الآن لمنطقة الشدادية، مقهى كوفي بين المقابل لبوابة كلية الآداب، وهو المعلم الوحيد الذي لم يتغير في المنطقة التي أصبحت ملاذا للأنشطة التجارية المتنقلة كعربات الطعام وما إلى ذلك. أستطيع أن أدرك كيف يعيد مبارك عبر هذا النص علاقتنا مع كل هذه الأماكن، يعيد اختراعها وتشكيلها في وعي من عاشوا تلك المرحلة.
يبدو أن الخوف من قواعد المجتمع هو الهاجس الأول للشخصية الرئيسية، فما الذي يعنيه النجاح حقًا؟ ما المعايير ومن وضعها ليتحدد من منا نجح أو فشل.. لكن من السهل أن نعرف بأن الشخصية الرئيسية نفسها تقع في مأزق تعريفات النجاح هذه، فيمكننا أن نشعر بأنها ليست واثقة مما تريده حقًا، ومن خياراتها في الحياة، تصبحُ وطأة النجاح ظلاً يجثم على تحركاتها. يبدو أنها ودون أن تعرف تستسلم للمجتمع وللمفهوم الذي صنعه عن النجاح.
ولأنني كتبتُ عن القلق والتردد، فثمة اشتغال واع على هذا المستوى داخل النص، لقد اختار مبارك مثلًا اسمًا واحدًا للفتاة التي سيحبها وستغير حياته للأبد، ولابنة خالته التي تنمرت عليه وضربته وآذته كثيرًا في طفولته، كلتيهما وعلى الرغم من قلة عدد شخصيات العمل اسمهما «سارة». وهنا ألا يقول لنا الكاتب أننا في حلقة واحدة تبدأ من النقطة نفسها وتعود إليها، وأن سعيه المحموم نحو الحقيقة وانكشاف الذات يُكرهه على نبذ التزويق، أو حتى إبداء الرغبة في اصطناع الأشياء!، مالكم وما تفكرون فيه؟ صدفت بأنهما سارة فقط، الحقيقة مجردة وبسيطة ومباشرة إلى هذه الدرجة.
ثمة لعبة سردية أخرى وهي الزمن داخل الرواية، فالقصة تحدث في المستقبل، في 2040، ولا أجد تفسيرًا لهذا أكثر من قتامة القصة التي لا تستطيع أن ترى في المستقبل أكثر من هذه اللحظة المظلمة، إن الأعوام القادمة هي مصيرُ اللحظة التي تنحسر الآن. وبينما نعيشها سنحاول في كل مرة أن : نبدأ من جديد! وأن نسخر من أنفسنا في اليوم التالي على سذاجة تفكيرنا.
يكتب مبارك عن انشغالات الناس من جيله في المجتمع، عن الشوارع المتهالكة وزحمة المرور التي لا يمكن التعامل معها، وهو يعي تمامًا العنف الذي تمثله. يسأل عن الجدوى، معنى الأشياء، معنى أن تكون كاتبًا، ليس كاتبًا فحسب، كاتب سيئ أو جيد، كاتب متشكك أو متيقن، ينفر من رطانة المثقفين ورغبتهم في لفت انتباه الناس، في نفاقهم واستخدامهم المعاني الكبيرة من أجل تحقيق رغباتهم الدنيئة فحسب.
أثر فيّ وبشكل خاص اللحظات التي يكتب فيها عن دفن والده، عن حالة الغياب التي تدفع المرء للرغبة في أن يشعر بجسده هناك، أن يكون له يد يراها أو قدمان، أو حتى صوتًا، كما هو الحال عندما عامله المدير بتعال عبر الطيبة المصطنعة التي أطبقت الخناق عليه، فكتب «لو اكتفى بالصراخ مثلًا لاكتفيت أنا بالخروج حزينا، شعور واضح أستطيع التعرف عليه» مثل كل شيء من حوله، مثل الخوف والخذلان والهزيمة والعنف والنكوص التي لا تعلن عن نفسها صراحة رغم أنها تُسير الجميع وكل شيء.
أمل السعيدية كاتبة وقاصة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
نهيان بن مبارك يؤكد اهتمام “شتاء صندوق الوطن” بتعزيز الهوية الوطنية
اختتم برنامج “شتاء صندوق الوطن” فعالياته التي نظمها “الصندوق” على مدى أسبوع في كل من أبوظبي ورأس الخيمة والفجيرة وعجمان وأم القيوين والعين، وشارك فيها أكثر من 5000 من أبناء وبنات الإمارات من المدارس الحكومية والخاصة.
ونظمت الفعاليات برعاية معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش رئيس مجلس إدارة صندوق الوطن.
وركزت الأنشطة التي أقيمت بالتعاون مع المدارس والمراكز الإبداعية التابعة لوزارة الثقافة ومراكز وزارة الشباب والعديد من المؤسسات المحلية والاتحادية والخاصة، على تعزيز الهوية الوطنية لدى الأجيال الجديدة وتعريف الطلبة بالرموز الوطنية الإماراتية من خلال برنامج “قدوتي”، وبرنامج “لغة القرآن”، كما حرص البرنامج على اكتشاف الموهوبين وتشجيع الابتكار والإبداع لدى الطلبة، إضافة إلى أنشطة تتعلق بالاستدامة والزراعة والذكاء الاصطناعي والحفاظ على البيئة واكتشاف المواهب.
وتم من خلال أكثر من 120 فعالية متنوعة، اكتشاف العديد من المواهب الطلابية سواء في مجال الكتابة أو الرسم أو التصميم، أو المشاركة بالأعمال الفنية؛ إذ شهد اليوم الأخير تنظيم معارض فنية في مقرات البرنامج تبرز إنجازات الطلاب خلال مشاركتهم في الأنشطة وورش العمل، فضلا عن تنظيم ورش لتعريف الطلاب بأساسيات العمل بالزراعة من خلال خبراء متخصصين، إضافة إلى العروض المسرحية التي طافت مقرات البرنامج، وكذلك البرامج التراثية والألعاب الرياضية.
وعبر معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، عن سعادته بالنجاحات الكبيرة التي حققها برنامج “شتاء صندوق الوطن” في موسمه الثاني، مؤكدا أنه فخور بمستوى رضا الطلبة وأولياء الأمور والمدرسين وضيوف البرنامج عن هذا الحدث من حيث أهدافه والمحتوى المعرفي الذي قدمه، والنظام الذي اتبعه، ومستوى الفريق الذي أشرف على الحدث تخطيطا واستعدادا وتنفيذيا، ومشيدا بتبني برنامج “شتاء صندوق الوطن” لتعزيز الهوية الوطنية لدى الأجيال الجديدة باعتبارها هدفا ساميا، وكذلك برنامج “لغة القرآن” الذي قدم مزيجا من القيم الإسلامية الراسخة وجماليات وإبداعات اللغة العربية.
وقال إن صندوق الوطن حريص على عقد شراكة فاعلة مع المؤسسات كافة التي ترغب في دعم مبادراته في المجالات المختلفة لصالح أبناء وبنات الإمارات، مشيدا بدور المدارس في أبوظبي والعين ورأس الخيمة والمراكز الإبداعية لوزارة الثقافة في نجاح برنامج “شتاء صندوق الوطن” في تحقيق أهدافه كافة، ومعربا عن سعادته بالتطور المستمر في المحتوى المعرفي والترفيهي والعلمي للبرامج، وتركيزه على الثقافة الإماراتية، وقيم المجتمع الإماراتي، والتاريخ والرموز الإماراتية، والاستفادة من التقنيات الحديثة لمواجهة التحديات.
واختتم معاليه بتوجيه الشكر للشركاء والمشرفين، والضيوف الذي أثروا برنامج “شتاء صندوق الوطن” بخبراتهم ومواهبهم وقدراتهم الإبداعية وجهودهم المخلصة، معربا عن سعادته بأن برنامج شتاء صندوق الوطن استطاع من خلال أنشطته اكتشاف عشرات المواهب في الفنون واللغة والتراث والألعاب الرياضية، والتي يمكن تنميتها وتطويرها لتكون نجوما في المستقبل.
من جانبه أكد سعادة ياسر القرقاوي، مدير عام صندوق الوطن، أن فعاليات برنامج “شتاء صندوق الوطن” ركزت على أن تصل بقيم وعناصر الهوية الوطنية إلى المشاركين بكل صورها كاللغة والقيم والتراث، مشيرا إلى استخدام كل الإمكانات الممكنة لهذا الغرض ومنها ، الفن والأدب، والذكاء الاصطناعي والابتكار، ووسائل الاتصال الحديثة، من أجل ترسيخ قيم الهوية الوطنية لدى الأجيال الجديدة.
وأكد القرقاوي أن صندوق الوطن يضع تعزيز الهوية الوطنية بعناصرها كافة، كواحد من المجالات المهمة التي يركز عليها الصندوق خلال المرحلة الحالية إضافة إلى تمكين أبناء وبنات الدولة من القطاع الخاص، وتعزيز ثقافة الإبداع والابتكار لدى الشباب، مؤكدا أن صندوق الوطن برئاسة معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، حريص على استدامة وتعزيز والحافظ على اللغة وموروثنا الشعبي، باعتبارهما من أهم عناصر هويتنا الوطنية.وام