لجريدة عمان:
2024-10-05@14:15:50 GMT

انتحار بطيء

تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT

عندما تجمعنا أنا وأصدقائي في عامنا الجامعي الأول، في مكتبة آفاق الشويخ، وشاركنا نصوصنا في نادي المبدعين الجدد التابع لرابطة الأدباء الكويتيين، الأمر الذي دفعنا فيما بعد لتأسيس نادٍ لقراءة الشعر الحديث، أصبح ولفترة ليست قصيرة وجهة لاكتشاف الشعر الحداثي في الكويت بأسرها، الأمر الذي وضعنا في مرمى التصنيف، فمن عساه ينافح عن الحداثة في الشعر؟ لم يزعجنا هذا في ذلك الوقت، ملأتنا أحلامنا التي تساوقت مع الثورات والتغيير في العالم العربي، كان لدينا شيء لنقوله، لنشاركه، وكنا متحفزين لملاحقة هذه الأحلام.

كان من بيننا الصديق مبارك كمال، الذي يقرأ الشعر لكنه يكتب القصة، مبارك كمال الحساس والساخر، المنكفئ على نفسه، والذي يبادر أحيانًا فيما سنعرف لاحقًا أنه محاولاته «للبدء من جديد» في هذا العالم.

نجح مبارك كمال من مجموعتنا هذه في إصدار نوفيلا رائعة، تشكل عملًا مهمًا ومركزيًا في ظني في الأدب الكويتي الذي أتابعه، والخليجي بطبيعة الحال، فروايته «انتحار بطيء» الصادرة قبل أشهر عن دار جدل الكويتية، تواجه وبوضوح العنف في الحياة اليومية، ذلك الذي يعد عنفًا هيكليًا أو مؤسسيًا وليس عنفًا واضحًا، هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فهو يسمي الفضاءات الحضرية التي يتحرك فيها، ويؤرخ لجيلنا وأحلامه والأفخاخ التي سقط فيها مرارًا.

تمثل الوكالة الصحفية التي تعمل فيها الشخصية الرئيسية في الرواية، المصنع في «مسخ» كافكا، ولها حضور مركزي في تكثيف المواجهة مع شروط العيش في المدينة. يذكرني هذا العمل بـ «الحالة الحرجة للمدعو ك» للروائي السعودي عزيز محمد، إلا أن عزيز لا يحدد مكانًا للرواية، فنحن لا نعرف هل هي الرياض أم الخبر، أم أن ذلك لن يعني شيئًا، هو الآخر يتحدث عن العمل وعلاقاته فيه وعن علاقته بأمه، التي يكتب عنها مبارك في «انتحار بطيء» بطريقة جارحة ومترددة، لأنه ليست ثمة أفكار راسخة ومسلم بها، القلق هو ما يحرك كل شيء. تحضر الشويخ وكيفان، كلية الآداب بجامعة الكويت سابقًا، والتي حولت الآن لمنطقة الشدادية، مقهى كوفي بين المقابل لبوابة كلية الآداب، وهو المعلم الوحيد الذي لم يتغير في المنطقة التي أصبحت ملاذا للأنشطة التجارية المتنقلة كعربات الطعام وما إلى ذلك. أستطيع أن أدرك كيف يعيد مبارك عبر هذا النص علاقتنا مع كل هذه الأماكن، يعيد اختراعها وتشكيلها في وعي من عاشوا تلك المرحلة.

يبدو أن الخوف من قواعد المجتمع هو الهاجس الأول للشخصية الرئيسية، فما الذي يعنيه النجاح حقًا؟ ما المعايير ومن وضعها ليتحدد من منا نجح أو فشل.. لكن من السهل أن نعرف بأن الشخصية الرئيسية نفسها تقع في مأزق تعريفات النجاح هذه، فيمكننا أن نشعر بأنها ليست واثقة مما تريده حقًا، ومن خياراتها في الحياة، تصبحُ وطأة النجاح ظلاً يجثم على تحركاتها. يبدو أنها ودون أن تعرف تستسلم للمجتمع وللمفهوم الذي صنعه عن النجاح.

ولأنني كتبتُ عن القلق والتردد، فثمة اشتغال واع على هذا المستوى داخل النص، لقد اختار مبارك مثلًا اسمًا واحدًا للفتاة التي سيحبها وستغير حياته للأبد، ولابنة خالته التي تنمرت عليه وضربته وآذته كثيرًا في طفولته، كلتيهما وعلى الرغم من قلة عدد شخصيات العمل اسمهما «سارة». وهنا ألا يقول لنا الكاتب أننا في حلقة واحدة تبدأ من النقطة نفسها وتعود إليها، وأن سعيه المحموم نحو الحقيقة وانكشاف الذات يُكرهه على نبذ التزويق، أو حتى إبداء الرغبة في اصطناع الأشياء!، مالكم وما تفكرون فيه؟ صدفت بأنهما سارة فقط، الحقيقة مجردة وبسيطة ومباشرة إلى هذه الدرجة.

ثمة لعبة سردية أخرى وهي الزمن داخل الرواية، فالقصة تحدث في المستقبل، في 2040، ولا أجد تفسيرًا لهذا أكثر من قتامة القصة التي لا تستطيع أن ترى في المستقبل أكثر من هذه اللحظة المظلمة، إن الأعوام القادمة هي مصيرُ اللحظة التي تنحسر الآن. وبينما نعيشها سنحاول في كل مرة أن : نبدأ من جديد! وأن نسخر من أنفسنا في اليوم التالي على سذاجة تفكيرنا.

يكتب مبارك عن انشغالات الناس من جيله في المجتمع، عن الشوارع المتهالكة وزحمة المرور التي لا يمكن التعامل معها، وهو يعي تمامًا العنف الذي تمثله. يسأل عن الجدوى، معنى الأشياء، معنى أن تكون كاتبًا، ليس كاتبًا فحسب، كاتب سيئ أو جيد، كاتب متشكك أو متيقن، ينفر من رطانة المثقفين ورغبتهم في لفت انتباه الناس، في نفاقهم واستخدامهم المعاني الكبيرة من أجل تحقيق رغباتهم الدنيئة فحسب.

أثر فيّ وبشكل خاص اللحظات التي يكتب فيها عن دفن والده، عن حالة الغياب التي تدفع المرء للرغبة في أن يشعر بجسده هناك، أن يكون له يد يراها أو قدمان، أو حتى صوتًا، كما هو الحال عندما عامله المدير بتعال عبر الطيبة المصطنعة التي أطبقت الخناق عليه، فكتب «لو اكتفى بالصراخ مثلًا لاكتفيت أنا بالخروج حزينا، شعور واضح أستطيع التعرف عليه» مثل كل شيء من حوله، مثل الخوف والخذلان والهزيمة والعنف والنكوص التي لا تعلن عن نفسها صراحة رغم أنها تُسير الجميع وكل شيء.

أمل السعيدية كاتبة وقاصة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

إلي حفيدي الطاهر محمد الطاهر وابن اخي محمد مفيد القرشي

إلي حفيدي الطاهر محمد الطاهر وابن اخي محمد مفيد القرشي والي كل الناجحين في امتحان الشهادة الوسطي ، من نعرف ومن لم نتشرف بمعرفتهم ، ألف ألف مبروووك.

هذا النجاح الطيب نهديه نيابة عنكم للوطن الحبيب وكلنا ثقة في الله سبحانه وتعالي أن ينبلج لسوداننا العزيز فجر جديد تستلم فيه الأجيال الصاعدة الراية وبالعلم والايمان تبدأ المسيرة بخطي ثابتة واثقة نعوض فيها ما مضي من تقصير وان نعود اقوي مما كنا يحدونا أمل مشرق وعمل دؤوب وتصميم وإرادة للبناء والتعمير بناء العقول قبل بناء الدور فالإنسان المتعلم الذكي هو أقيم راس مال وقيمته المضافة في التدين الواعي والخلق الرفيع والتواضع وفي أن نكون يدا واحدة عصية علي التفرق والاختلاف.
الف مبروك فالنجاح اشهي من الكرز والعنب والتفاح وسائغ مثل الحليب وطاعم مثل العسل .
فهنيئا لكل من ارتشف من عصائر النجاح واكل من مائدته المبسوطة السماط الحاوية لكافة الطيبات والتحليات الذكية التي تسر العين ولها في اللسان طعم العافية والسرور وراحة البال والضمير وقمة السعادة والطمأنينة والسلام والعيش الكريم.
لايفوتنا أن نتقدم بوافر الشكر وجزيل الاحترام للمعلمين الاجلاء الذين تعهدوا هذه الامتحانات مراقبة وتصحيحا وكنترول حتي استخراج النتيجة بعمل دؤؤب في ظروف صعبة كلنا أدري بها ونتمني أن تنقشع الظلمة وتعود مدارسنا لتشرق من جديد في سوداننا الحبيب .
أما مصر العروبة ، مصر أرض الكنانة فقد كانت لنا ملاذا آمنا وحضنا دافئاً في ظروفنا هذه التي أظهرت حسن معدنهم ومتانة اواصرهم معنا ويمتد الشكر والتقدير لوزارة التربية والتعليم في مصر الحبيبة وقد سهلت لأبنائنا كل سبل الراحة وسمحت بكل أريحية وكرم أن تفتح مدارسنا أبوابها في مصر مع تقديم كل التسهيلات لهم في بادرة تجعلنا نردد النشيد الجميل :
مصر يا أخت بلادي ياشقيقة ... ياجباها عذبة النبع وريقة .

حمدالنيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .

ghamedalneil@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • انتـحار شاب تركي بعد قتـل فتاة بطريقة مروعة .. فيديو
  • انتحار القيم
  • ما الذي قاله قائد أنصار الله عبد الملك الحوثي عن الضربة الصاروخية الإيرانية التي أرعبت “إسرائيل”؟
  • في محافظتين.. انتحار فتاة ومحاولة اغتيال ضابط
  • تحقيق في انتحار شرطي بواسطة سلاحه يومين بعد ارتكابه حادث بسيارة دون تأمين
  • قائد الثورة يكشف تفاصيل حساسة بشأن الهجوم الإيراني على كيان العدو والمواقع التي تم استهدافها وما الذي حدث بعد الضربة مباشرة
  • انتحار امرأة واصابة شخص بإطلاق نار واحتراق أكثر 200 محل وكشك في بغداد
  • إلي حفيدي الطاهر محمد الطاهر وابن اخي محمد مفيد القرشي
  • طرق سحرية لتحقيق الإنجازات في الحياة
  • قتل أم انتحار؟.. قضية طالبة الإسكندرية تثير ضجة في مصر