أندريه بوير يكتب: حرب على جبهتين.. جهود أمريكية لإضعاف روسيا للاستفراد بالصين وتجنب تشكيل محور موسكو- برلين
تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT
الجنرال هارولد كوجات
تتحدد استراتيجية الولايات المتحدة في المقام الأول من خلال تنافسها مع الصين، القوة الوحيدة القادرة على إعادة تشكيل النظام الدولي لتصبح القوة العالمية المهيمنة.
وللتعامل مع هذه المشكلة، تريد الولايات المتحدة أن تبدأ بإضعاف روسيا، خصمها الاستراتيجي الثاني، حتى تتمكن من التركيز على الصين وتجنب تشكيل محور موسكو- برلين، الذي من المرجح أن ينافسهما على المدى الطويل.
ولتحقيق هذه الغاية، كان عليها إشغال أوروبا بشكل كبير بهدف عزلها عن روسيا الضعيفة، مع العلم أن أوروبا ستجد نفسها بعد ذلك متورطة في الصراع التالي، مع الصين. لقد بدت فكرة منطقية أن تقوم الولايات المتحدة بإسقاط روسيا، الأضعف استراتيجيًا بين البلدين، من خلال شن حرب بالوكالة قبل التحول إلى الصين، خصمها الأقوى.
لكنها استهانت بقدرة روسيا على الصمود ووجدت نفسها مضطرة إلى شن حرب على جبهتين ضد روسيا والصين، وفي الواقع، ساهمت الحرب في أوكرانيا في تشكيل كتلة جيوسياسية متنافسة، بما في ذلك الصين والهند وإيران والدول المجاورة مثل باكستان وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان.
وفي جميع أنحاء دول البريكس، بدأت الصين التعاون مع السعودية في مجال النفط والطاقة النووية وتضغط من أجل تشكيل عملة احتياطية تعتمد على المواد الخام التي تتنافس مع البترودولار، وهي طريقة معتدلة نسبيًا لكسب اليد العليا في دول البريكس والتنافس مع الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، منذ بداية العام، انضمت السعودية وإيران ومصر والإمارات وإثيوبيا، إلى مجموعة البريكس التي تضم ٣.٨ مليار شخص وأبدت ٤٠ دولة أخرى اهتمامها بالانضمام إلى مجموعة البريكس، التي من الواضح أنها لا تفضل الهيمنة الأمريكية. وتشمل هذه الدول الجزائر وإندونيسيا وباكستان والمكسيك ونيكاراجوا وأوروجواي وفنزويلا وحتى دولتين من دول الناتو، هما اليونان وتركيا.
إن الصين وروسيا، اللتين تعلمان أن الأخيرة تترأس مجموعة البريكس هذا العام، ترغبان رسميًا في المساهمة في عالم متعدد الأقطاب سيؤدي إلى تراجع النفوذ الأمريكي. وتقول الصين، التي تتخذ موقفا معتدلا ظاهريا بشأن الصراع في أوكرانيا وتايوان، إن الدول الغربية مسؤولة في المقام الأول عن الحرب في أوكرانيا وزادت من مخاطر نشوب صراع واسع النطاق.
وقد تصبح مسألة تايوان ذروة التنافس الأمريكي الصيني.. منذ عام ١٩٦٩، التزمت الولايات المتحدة بتزويد تايوان بالوسائل اللازمة للدفاع عن نفسها، ولكن مع قدر معين من التوازن. ومع ذلك، كسر جو بايدن هذا التوازن بإعلانه أنه سيدافع عن تايوان ضد الصين، في حين رد الرئيس الصيني بأنه يسعى إلى إعادة التوحيد السلمي ما لم يتم إجباره بالقوة.
ومع ذلك، يعلم الجميع أن الولايات المتحدة لا تملك الوسائل للدفاع عن تايوان إذا تعرضت لهجوم عسكري من قبل الصين، لأن الصين لديها، بصرف النظر عن ميزتها الاستراتيجية، قوة عسكرية متنامية، وميزة من حيث الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت فضلا عن تعزيز القدرة النووية. ولذلك فإن الحرب من أجل تايوان ربما لن تحدث، ولدى الصين خيار الوقت للاستفادة من هذه الميزة الجيواستراتيجية.
في بداية عام ٢٠٢٤، يحدث كل شيء كما لو أن الصين تعمل سرًا على حرمان تايوان من الأكسجين، في حين تعارض روسيا الولايات المتحدة بشكل مباشر من خلال أوكرانيا.
ونظرًا لهذا الوضع، فمن المهم بشكل خاص أن تؤكد أوروبا نفسها باعتبارها جهة فاعلة مستقلة في السياسة الدولية، بعد أن وضعتها الحرب في أوكرانيا على مفترق الطرق. إن جميع الدول الأوروبية تشعر بالقلق إزاء هذه الحرب، وخاصة بسبب عواقبها الاقتصادية، ولكن أيضًا بسبب عواقبها الجيواستراتيجية، وكلاهما يخاطر بأن يصبح أثقل وأقل قابلية للتراجع عنه.
لكن علينا أن نعود إلى اندلاع الحرب، لأن بوتين لم يقرر غزو أوكرانيا أثناء تناول وجبة الإفطار. هناك دائمًا أسباب للحرب، تمامًا كما أن هناك نهاية تتمثل في ملاحظة تكوين سياسي وجيوستراتيجي جديد.
فعندما سعت روسيا، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، إلى التقرب من الغرب وحلف شمال الأطلسي، بهدف حل الأزمات التي تهمها بالتعاون مع حلف شمال الأطلسي، كانت هناك فترة قصيرة من التفاهم، قبل أن يتولى الاستراتيجيون الأمريكيون هذه المهمة، واتخذوا الموقف العدائي ضد الاتحاد السوفييتي الذي طوروه وطبقوه على روسيا الأضعف، لأن الولايات المتحدة لم تنظر قط إلى روسيا كدولة صديقة، بل كقوة منافسة، وبالتالي عدو.
* هذا النص مأخوذ من محاضرة ألقاها الجنرال هارولد كوجات، رئيس أركان الجيش الألماني السابق والرئيس السابق للجنة العسكرية لحلف الناتو. ومع ذلك، فإنني أتحمل المسئولية الكاملة عن المقال.
أندريه بوير: أستاذ جامعي مُهتم بقضايا التنمية البشرية ومستقبل القارة الأوروبية، يكتب عن استراتيجية الولايات المتحدة والتى تحارب على جبهتين: روسيا والصين.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الولايات المتحدة الصين روسيا إضعاف روسيا أندريه بوير الولایات المتحدة فی أوکرانیا
إقرأ أيضاً:
بولندا تحشد كل قواتها.. روسيا تشن أعنف هجوم على أوكرانيا منذ شهور
شنت القوات الروسية هجوما هو الأعنف على أوكرانيا منذ ثلاثة أشهر تقريبا، استهدف مرة أخرى شبكات الطاقة، مما أثار مخاوف متجددة من شتاء قارس، وأثار أيضا تساؤلات عن جدوى اتصالات غربية على أعلى مستوى بالكرملين للتهدئة.
والأحد، شنت روسيا هجوما بالصواريخ والطائرات المسيرة على شبكة الطاقة الأوكرانية، مما أسفر حتى نشر هذا التقرير عن سقوط 10قتلى، وفق فرانس برس.
وقالت رويترز إن روسيا أطلقت 120 صاروخا و90 طائرة مسيرة، مما تسبب في "أضرار جسيمة" لنظام الطاقة وسقوط قتلى وجرحى.
ووصلت الصواريخ والمسيّرات إلى ترانسكارباثيا، وهي منطقة نادرا ما تُستهدف في أقصى غرب البلاد، بعيدا عن الجبهة وعلى الحدود مع بولندا والمجر.
ونتيجة لذلك، أعلن الجيش البولندي، الأحد، أنه أمر بإقلاع طائرات مطاردة، وحشد "كل قواته وقدراته المتاحة" لحماية البلاد.
وتضع وارسو جيشها في حالة تأهب بمجرد أن تعتبر أن هجوما على أوكرانيا قد يشكل خطرا على أراضيها.
وقال وزير الخارجية الأوكراني، أندريه سيبيها، على إكس: "روسيا شنت واحدا من أكبر الهجمات الجوية.. طائرات مسيرة وصواريخ صوب مدن مسالمة ومدنيين نائمين وبنية تحتية حيوية".
وأقرت وزارة الدفاع الروسية بأنها شنت هجوما ضخما على منشآت الطاقة، بينما قال ماكسيم تيمشينكو، الرئيس التنفيذي لشركة "ديتيك" الأوكرانية للكهرباء، وهي أكبر شركة خاصة أوكرانية للكهرباء: "أضرار جسيمة لحقت بمنظومة الكهرباء في أوكرانيا منها محطات الطاقة التابعة لـ "ديتيك" وتسلط هذه الهجمات الضوء مرة أخرى على حاجة أوكرانيا إلى أنظمة دفاع جوي إضافية من حلفائنا".
وتأتي هذه الدفعة الضخمة من الضربات مع مرور حوالي ألف يوم على انطلاق الحرب في فبراير 2022.
ونفذت روسيا الهجوم الصاروخي السابق الكبير على كييف في 26 أغسطس، حين أطلقت أكثر من 200 طائرة مسيرة وصاروخ على أنحاء البلاد في هجوم أسفر عن مقتل سبعة.
"من الجو والبحر".. روسيا تشن هجوما واسعا على منشآت الطاقة في أوكرانيا لقي ثلاثة أشخاص على الأقل مصرعهم، الإثنين، إثر ضربات روسية استهدفت 15 منطقة في أنحاء أوكرانيا، وأسفرت أيضا عن إصابة عدد من الأشخاص بجروح وألحقت أضرارا بالبنى التحتية المرتبطة بالطاقة.تأثير كبير على الطاقة
وتعاني أوكرانيا انقطاعات كبيرة في التيار الكهربائي ما يبعث مخاوف من شتاء قاس.
ومنذ بداية هذا العام، شرعت روسيا في إنهاء المهمة التي فشلت في إكمالها في أوائل عام 2023، التي تتمثل في تدمير قطاع الطاقة المدنية الأوكراني، خاصة محطات الطاقة التي توفر الضوء والدفء لملايين الأوكرانيين.
وبداية من شهر مارس، استهدفت روسيا بشكل خاص أكبر محطات الطاقة الأوكرانية في 6 موجات ضخمة من صواريخ وطائرات مسيرة، مما أدى إلى تدمير حوالي 9 غيغاوات من توليد الكهرباء، أي نصف إجمالي إنتاج البلاد.
لماذا يريد بوتين حرمان أوكرانيا من الكهرباء؟ تشكل الهجمات الروسية المتجددة والأكثر اتساعا على قطاع الطاقة الأوكراني هذا الربيع، والتي دمرت الآن ما يقرب من نصف قدرة البلاد على توليد الكهرباء، ضربة قوية لصمود كييف ومعنويات المدنيين والإنتاج الصناعي، حسب مجلة "فورين بوليسي" الأميركية.ويخشى الأوكرانيون من هجمات كبرى على أنظمة الطاقة المتداعية أصلا منذ أسابيع، ما يهدد بخروج شبكات الطاقة من الخدمة، ويتسبب في انقطاعات طويلة في الكهرباء ويزيد من الضغط النفسي في وقت حرج من الحرب.
وأعلنت "ديتيك" الأحد "انقطاعا طارئا في التيار" الكهربائي في مناطق كييف ودونيتسك ودنيبروبتروفسك قبل الإعلان لاحقا عن عودة الخدمة.
وتطالب أوكرانيا الغرب بمساعدتها على إعادة بناء شبكة الكهرباء، وهو مشروع يتطلب استثمارات كبيرة.
توقيت حساسويزيد الهجوم الروسي من الضغوط على أوكرانيا مع تحقيق قوات موسكو مكاسب سريعة في ساحة المعركة في الشرق منذضمن مساعيها للسيطرة على منطقة دونباس الصناعية بأكملها، على الرغم من تكبدها خسائر فادحة، وفقا لكييف والغرب.
في غضون ذلك، تحاول القوات الأوكرانية الاستمرار في السيطرة على منطقة استولت عليها في كورسك الروسية، في أغسطس، وهو الأمر الذي قالت كييف إنه قد يكون بمثابة وسيلة للتفاوض المستقبلي.
وتأتي هذه الضربات فيما تخشى أوكرانيا خسارة الدعم الأميركي مع إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة.
وتأتي بعد يومين من اتصال هاتفي بين المستشار الألماني، أولاف شولتس، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اعتبرتها كييف خطوة خطيرة.
وقال المستشار الألماني، الأحد، إن محادثته لم تكشف عن أي مؤشرات على تغيير في طريقة تفكير بوتين في الحرب في أوكرانيا، ودافع عن قراره بالتواصل معه رغم تعرضه لانتقادات حادة.
وفي حديثه قبل مغادرته لحضور قمة "مجموعة العشرين" في البرازيل، ذكر شولتس أن محادثته مع بوتين كانت ضرورية لتبديد أي أوهام قد تكون لدى الرئيس الروسي بشأن تخلي الغرب عن دعمه لأوكرانيا.
"ليس نبأ جيدا".. المستشار الألماني يعلق بعد اتصاله ببوتين قال المستشار الألماني أولاف شولتس، الأحد، إن محادثته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الجمعة، لم تكشف عن أي مؤشرات على تغيير في طريقة تفكيره في الحرب في أوكرانيا، ودافع عن قراره بالتواصل معه رغم تعرضه لانتقادات حادة.وجاءت الهجمات، بعد فوز ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية هذا الشهر، إذ عزز تعهده بإنهاء الحرب، دون أن يوضح كيفية تنفيذ ذلك.
كانت صحيفة واشنطن بوست كشفت أيضا أن ترامب تحدث قبل يومين مع بوتين. ونقلت الصحيفة عن مصادر وصفتها بـ"المطلعة"، أن المكالمة التي أجراها ترامب من منتجعه في فلوريدا، تضمنت نصيحة منه لبوتين بعدم تصعيد الحرب في أوكرانيا، مع تذكيره بالحضور العسكري الكبير للولايات المتحدة في أوروبا.
لكن الكرملين نفى في اليوم التالي إجراء الاتصال الهاتفي. وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن ما أوردته الصحيفة "لا يمت للواقع بأي صلة على الإطلاق".
وفي تصريحات سابقة للحرة اعتبر الخبير في شؤون الأمن القومي، خوان زاراتي، أن إدارة الرئيس المنتخب ترامب ستعمل على إحداث "التوازن في السياسة الخارجية" للولايات المتحدة.
وقال إن "العالم يحبس أنفاسه مترقبا، لكن ترامب ليس شخصا جديدا، فقد رأى العالم الطابع الشخصي في تعاملات ترامب في السياسة الخارجية".
من جانبه، اعتب وزير الخارجية الأوكراني في أحدث تصريحاته، الأحد، أن الهجوم الأخير يبدو أنه "الرد الحقيقي" من موسكو على زعماء تواصلوا مع بوتين.
ورغم أن شولتس حث بوتين على سحب قواته من أوكرانيا حيث تحتل خُمس مساحة البلاد، أبدت كييف استياءها من الاتصال الهاتفي في حد ذاته، وقالت إنه يقلل من عزلة بوتين.
وقال رئيس الوزراء البولندي، دونالد توسك، الأحد إن أي مكالمة هاتفية لن تكون قادرة على وقف العدوان الروسي في أوكرانيا.
وكتب على منصة إكس "الهجوم (الروسي) الليلة الماضية، وهو أحد أكبر الهجمات في هذه الحرب، أثبت أن الدبلوماسية عبر الهاتف لا يمكن أن تحل محل الدعم الحقيقي من الغرب لأوكرانيا".
والسبت، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي الذي استبعد منذ فترة طويلة أي مفاوضات مع موسكو، إنه يريد إنهاء الحرب في بلاده عام 2025 "بوسائل دبلوماسية".
لكنّ الموقفَين الروسي والأوكراني ما زالا متعارضين: ففي حين ترفض كييف التنازل عن الأراضي التي يحتلها الجيش الروسي، تشترط موسكو ذلك لإنهاء الحرب.