قال  الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، إن قضية الأخلاق في الإسلام قضية مركزية، فلا يكاد يخلو تشريع من التشريعات، عقيدة وعبادة وعملا، من حكمة خلقية تظهر ثمارها في الإنسان، جمالا وعقلا، وفي المجتمع تكافلا وتعاونا، ولا نحتاج في بيان العلاقات الوثيقة بين تشريعات الإسلام وبين الغايات الأخلاقية إلى كثير من النظر، لافتا أنه يتضح لنا ذلك عبر التأمل القليل لبعض آيات من القرآن الكريم، وبعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تبين له ذلك، فالقرآن يقول "وأقِمِ الصَّلاةَ إنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الفَحْشاءِ والمُنْكَرِ"، ويقول أيضا "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون"، ويقول أيضا "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها"، ويقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

وأوضح خلال كلمته بالمؤتمر الدولي الخامس لكلية الدراسات الإسلامية والعربية تحت عنوان "الأخلاق.. وآليات بناء الوعي الرشيد"؛ إن الأخلاق والعبادات وجهان لعملة واحدة، لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، فالبعد الأخلاقي متغلغل في الإسلام عبادة وشريعة وسلوكا، بل إن العبادات في الإسلام من صلاة وصيام وحج وغيرها، إذا لم تستند إلى ظهير أخلاقي فإنها قد لا تفيد صاحبها يوم القيامة، مصداقا لما ورد عن نبينا صلى الله وسلم "إن فلانة تصلي الليل وتصوم النهار وفي لسانها شيء يؤذي جيرانها سليطة قال: لا خير فيها هي في النار"، ولا أتصور أن تذكر امرأة بكثير الصلاة والصيام وهي مقتصرة على أداء الفريضة فحسب، ومع ذلك لم ينفعها لفقدها البعد الأخلاقي، وفي الصورة المقابلة، ورد عنه أيضا " إن فلانة تصلي المكتوبة وتصوم رمضان وتتصدق بالأثوار وليس لها شيء غيره ولا تؤذي أحدا قال: هي في الجنة"، وبمقابلة الصورتين تظهر مكانة الأخلاق في ديننا وأنها قرينة العبادة ولا تنفك عنها بحال.

وتابع وكيل الأزهر إنني لأعجب حقا من هؤلاء الذين يصومون ويصلون ويزكون، إلا أنهم يصرون على أكل حقوق العباد وظلمهم، ألا يخشى هؤلاء من أن يأتوا يوم القيادة مفلسين من الحسنات، ولذا هناك أمر يجب التنبيه إليه، بمناسبة اقتراب شهر الصوم أنه تعالى يقول "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون"، فكلمة التقوى مرتبطة أشد الارتباط بالجانب العملي في الحياة، والتقي رجل مجتمع صالح قادر على النفع والعطاء، وهو الذي لا يأكل مالا حراما ويحافظ على المال العام ويتحاشى أن يؤذي الناس بكلمه إلى آخر ما يمكن أن تشتمل عليه كلمة التقوى ومواصفات الإنسان التقي، مضيفا أنه ومما يؤسف له أن معايير تقييم الإنسان في مجتمعاتنا اليوم قد اختلت واضطربت اضطرابا شديد، بل تراجعت الأخلاقيات والقيم أمام المادية والشهوانية، حتى أصبح من المعتاد أن تقيم كل الأمور بالدرهم والدينار، حتى في مجال القيم والأخلاق ولا علاج لهذه الظاهرة الغريبة إلا بتكاتف علماء الدين والنفس والاجتماع، والمفكرين والمعنيين من أجل وضع تصور عملي واضح، لصياغة مجتمعاتنا صياغة جديدة تحيي القيم الدينية والأخلاقية مع معاصرة رشيدة تحفظ الإنسان من العزلة عن الواقع، وآمل أن يكون هذا المؤتمر خطوة في سبيل تحقيق هذا الرجاء.
وبيَّن الضويني أنَّه من الضرورة بمكان في مجتمعاتنا اليوم أن يكون أبناؤنا على قدر من الوعي الرشيد، ليكون تحصينا لهم ضد أي تشويه متعمد، من أجل حماية الأوطان والمجتمعات مما تستهدف به على وعي أبنائها، وعيهم بهويتهم ووعيهم بتاريخهم ووعيهم بما يخطط لهم، وإن من أخطر أدوات تغييب الوعي وتزييف الواقع، الشائعات والأكاذيب والشبهات التي تسعى بها جهات خبيثة إلى احتلال العقول احتلالا ناعما غير مكلف، لاستلاب خيرات الأوطان ومقدراتها، أو على الأقل عرقة الأوطان عن مسيرتها بعد أن فشلت في احتلال الأوطان احتلالا صريحا، مؤكدا أن ديننا الإسلامي الحنيف قد وضع منهجا دقيقا لتكوين العقلية الصحيحة الواعية، التي لا تتقبل كل ما يلقى إليها، فقد قال تعالى موضحا أهم معيار لقبول الأخبار "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا"، وبما يوضح لنا مبدأ قبول الأخبار والتوثق من صحتها، وما أنتجته الأمة في ذلك يمثل طفرة علمية كبيرة شهد على قيمتها وأهميتها علماء الغرب من المستشرقين وغيرهم، ومبدأ التثبت في الآية الكريمة لا يتوقف عند تصديق الخبر فحسب، بل تطرق للتوثق من صدق راويه ومقصده.

وأوضح وكيل الأزهر أن الخبر الكاذب مرفوض وإن كان مقصده نبيلا، فإن نبل الغاية لا يبرر فساد الوسيلة، والخبر الصادق أيضا قد يكون مغرضا أو مشوشا أو متقطعا من سياقه، وكل هذا يتنافى مع مبدأ التثبت ومع الوعي الرشيد لمجتمعاتنا، وقد حذرنا نبينا الكريم من قبول كل خبر يلقى علينا فقال " كَفَى بالمرءِ كذِبًا أن يحدِّثَ بِكُلِّ ما سمِعَ"، في دلالة واضحة على أن المتساهل في تلقي الأخبار ومن يقوم بترويجها دون تثبت مجازف ومخاطر، بل لا يقل خطورة وإثما عن الذي يختلق الشائعات ويروج الأكاذيب، وهذا يدل على منهجية الإسلام الفائقة التي سبق بها الأمم في مجال تكوين العقول الواعية التي تبني فكرها.

وفي ختام كلمته شدد وكيل الأزهر على ضرورة الحفاظ على الوطن والمجتمع من أي انتهاكات تهدد هويته وتعبث بعقول أبنائه، وقوام المجتمع أخلاق حافظة ووعي رشيد مصداقا لقول الشاعر "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا"، مؤكدا أنه كلما زاد المغرضون من أساليبهم في تزييف الوعي زادت مسؤولية العلماء في مجابهتهم، وتفنيد ما يعتمدونه من فكر هدام عبر وسائل تكنولوجية مغرية ووسائل استهلاكية براقة وطعن في القدوات، وإن العلماء على اختلاف تخصصاتهم مسؤولون أمام الله تعالى عن تشكيل العقلية الواعية التي تستعصي على الخطط الماكرة والأجندات المشبوهة، ولا يكون ذلك إلا بالحفاظ على قيمنا وأخلاقنا وتراثنا، وأن ندرك جميعا أن الأمم تبنى بالوعي السليم والإرادة القوية والعمل الجاد المتواصل لتتحقق النهضة المنشودة بعيدا عن الشعارات الزائفة، وإنا لننتظر ما يكشف عنه هذا المؤتمر من مخرجات وتوصيات تكون لنا نورا هاديا.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: وكيل الأزهر الأخلاق في الإسلام المؤتمر الدولي الخامس لكلية الدراسات الإسلامية والعربية الدكتور محمد الضويني الأخلاق وآليات بناء الوعي الرشيد وکیل الأزهر

إقرأ أيضاً:

بارزاني: لا يمكن إدارة سوريا بأيديولوجية واحدة والشرع يسعى لحلول ناجعة (شاهد)

أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني٬ أن دور الإقليم سيكون مساعدًا في دفع الحوارات نحو حل شامل للأزمة السورية، مشيرًا إلى أن الرئيس السوري أحمد الشرع يسعى لإيجاد حلول ناجعة لأزمات بلاده، ويجب دعمه وليس الاكتفاء بمراقبته.

وقال بارزاني في مقابلة مع محطة "رووداو" الكردية٬ إنه خلال المحادثات التي أجراها مع وزير خارجية سوريا أسعد الشيباني، شدد على أن سوريا الجديدة يجب أن تكون دولة مدنية قائمة على تعدد القوميات واللغات والثقافات، وأن يشعر جميع المكونات فيها من كرد وعرب ومسيحيين وعلويين ودروز بأنهم مواطنون سوريون.


وأكد بارزاني أن سوريا بلد لا يمكن إدارته بأيديولوجية واحدة، وأن الإدارة الأحادية لن تنجح أبدًا في ظل هذا التنوع. وأضاف أن الرئيس أحمد الشرع يسعى فعلاً إلى إيجاد حلول ناجعة لأزمات البلاد، وإذا كانت هذه هي سياسته الحقيقية التي تصب في مصلحة سوريا، فإنها تستحق الدعم والمساعدة.


وفيما يخص دور إقليم كردستان في الحد من التصعيد داخل سوريا، قال بارزاني إنه كان من الطبيعي لإقليم كردستان أن يتحرك بسرعة، خصوصًا أن ما حدث في سوريا جاء مفاجئًا للجميع. أجرى الإقليم اتصالات مستمرة مع تركيا وأمريكا ودول أوروبية لتحقيق هدف حماية الكرد في سوريا، واستطاع المساهمة في تهدئة الأوضاع في بعض المناطق.

وأضاف بارزاني أن المرحلة الثانية تتمثل في ضمان مشاركة الكرد في بناء سوريا الجديدة والتوجه إلى دمشق ليكونوا جزءًا من عملية تشكيل حكومة جديدة. واعتبر أن هذه فرصة كبيرة للسوريين، وإذا ضاعت فليس من الواضح ما سيكون البديل.

أكد بارزاني أن إقليم كردستان سيواصل لعب دور مساعد وداعم لأي جهد يهدف إلى ترسيخ السلم والاستقرار وإشراك مختلف مكونات الشعب السوري في رسم مستقبل البلاد.

ويقود المسؤولون الأكراد في إقليم كردستان العراق جهودًا تهدف إلى تحقيق السلام في العراق وسوريا وتركيا، وإيجاد حل للقضية الكردية وضمان استقرار الأكراد في هذه الدول.

اعتبر بارزاني، في لقاء مع وفد حزب المساواة وديمقراطية الشعوب الكردي في تركيا بعد زيارته لزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في سجنه بجزيرة إمرالي، أن عملية السلام في تركيا فرصة مهمة وتاريخية ينبغي عدم تفويتها.


وخلال الاجتماع، جدد بارزاني تقديم كامل المساعدة والدعم لإنجاح عملية السلام في تركيا، واصفًا العملية بأنها فرصة تاريخية ينبغي على الجميع العمل على إنجاحها وتعزيز الأخوة بين الكرد والترك.

وأشار رئيس إقليم كردستان إلى أنه عمل منذ البداية على تدشين عملية السلام وحل المشاكل بالطرق السلمية، وأعرب عن أمله في أن يتبنى حزب العمال الكردستاني رؤية استراتيجية تجاه العملية.

أكد رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني دعمه التام لعملية السلام في تركيا، مشيرًا إلى استعداد الإقليم لتقديم أي شكل من أشكال التعاون والتنسيق بهذا الصدد. وخلال الاجتماع، أعرب أعضاء الوفد عن سعادتهم بزيارة إقليم كردستان وأشادوا بالاجتماعات واللقاءات التي عقدوها، كما استعرضوا أهداف زيارتهم وجهود دعم عملية السلام في تركيا.

أكد الوفد أن مرحلة جديدة قد بدأت في تركيا، وأن إحلال السلام وتسوية القضية الكردية أصبحا قضية مهمة وضرورة ملحة. وشدد رئيس حكومة إقليم كردستان على أهمية استثمار كل الفرص المتاحة لتحقيق السلام والاستقرار، وتعزيز التعايش السلمي والتآخي بين جميع شعوب المنطقة.


وجدد مسرور بارزاني دعمه التام لعملية السلام في تركيا، مؤكدًا استعداد إقليم كردستان لتقديم أي شكل من أشكال التعاون والتنسيق لإنهاء دوامة الحرب والعنف.

مقالات مشابهة

  • هل راية داعش السوداء هي نفسها التي كان يرفعها النبي؟.. «مرصد الأزهر» يوضح الحقيقة «فيديو»
  • وكيل الأزهر ينعى وزير الإصلاح الأسبق في إندونيسيا
  • البحوث الإسلامية: الأزهر الشريف مستمر في إيقاظ الوعي ودعم الفكر الوسطي
  • بارزاني: لا يمكن إدارة سوريا بأيديولوجية واحدة والشرع يسعى لحلول ناجعة (شاهد)
  • «مرصد الأزهر» يُحذر من زواج الإنترنت: ظاهرة متزايدة تحمل مخاطر خداع واستغلال
  • شيخ الأزهر يتوجه إلى الله بالدعاء أن يوفق قادة العرب في القمة المرتقبة
  • شيخ الأزهر يعلن احتضان مصر للنسخة الثانية من مؤتمر الـحوار الإسلامي- الإسلامي
  • شيخ الأزهر يعلن احتضان مصر النسخة الثانية من مؤتمر الحوار الإسلامي - الإسلامي
  • بحضور ملك البحرين.. شيخ الأزهر: الفرقة جعلتنا مطمعا للغير وآن الآوان للتضامن
  • شيخ الأزهر يحذر من بث الفرقة بين المسلمين: "خطر على أبناء الأمة"