كنا حينها سبعة ركاب. قبل صعودنا إلى الكُبري سقطت «دانة» (أحد الأسلحة التي استخدمها الدعم السريع في الحرب) فنجونا منها بأعجوبة، وفي غضون ثانية فقط! وبالرغم من انفجار إطار السيارة استطعنا أن نعبر الكبري ووصلنا إلى مدينة «المهندسين»، وكانت الركائز التابعة للجيش قد أوقفتنا وبدأوا في تفتيشنا، وحاولوا مساعدتنا بإصلاح إطار السيارة، لكنهم لم يستطيعوا إمدادنا بشيء، وحاولنا من جديد مع السيارة فمضينا قُدما.

حدث الأسوأ في وقتها، تعطلت السيارة بأكملها، ونحن في منتصف مدينة المهندسين، كان هناك معسكر للجيش، ويبعد عنه بعشر دقائق ركائز قوات الدعم السريع التي لا يستطيع الجيش عبورها منتصبة أمام الجميع.

أصّر زوج أختي على المسير؛ إذ لم يكن باستطاعتنا فعل أي شيء. غادرنا السيارة التي ما عادت تجدي نفعا، وصوت الرصاص ما زال مستمرا فوق رؤوسنا، فاتصلنا بأهلي الذين استطاعوا أن يأتوا إلينا، ويأخذونا إلى منزلنا. كانت تلك الليلة من أهدأ الليالي بعد الكابوس الذي عشناه، فنمنا في أمن وأمان نستشعر الأمل بأن الحياة سوف تعود إلى سابق عهدها، فعيد الفطر كان يُبشّر بقدومه.

جاء العيد. ما إن لبث ثلاثة أيام حتى ازداد الوضع سوءًا وعبثًا. حينذاك قررت أنني يجب أن أخرج من هذا المكان. اقترحتُ فكرة الخروج على أهلي وباء الاقتراح بالرفض.

قالوا: «الموت واحد، نموت في بيوتنا، ولا نموت ذلا في الشوارع».

كانت لديَّ «فيزا» سارية، فكرت في الهجرة، هذا بعد أن بدأ الأمل الذي كان يطمئنني يسير بي نحو سراب المستقبل. تلاشى ذلك الأمل تماما، فعرضت فكرة الهجرة للمرة الثانية على أختي، وكان بينهم مَن يُريد الخروج، لكنه لا يملك جوازا، وآخرون منهم لا يعرفون ما الموجود خارج عتبة باب المنزل! اتخذت قرارًا جذريًا بأنني سأهاجر فاستعنت بأخي ليتصل بأصحاب الحافلات ويسألهم عن أسعار التذاكر. لم تكن لديَّ النقود الكافية، كنت أملك (٢٥٠ دولارا)، وكان سعر التذكرة وقتها (٢٠٠ دولار) أيّ ما يعادل (١٠٠ جنيه سوداني).

قلتُ في نفسي: «بما أنني أملك السعر الكافي لإيصالي إلى مصر، وقد كانت أختي الصغرى هناك؛ فسأذهب إلى مصر» فقام أخي بإعطائي نقودا سودانية لسداد رسوم المعابر.

في صباح الرحلة إلى مصر ونحن في الحافلة واجهنا قطاع الطرق، فاضطر سائق الحافلة إلى الرجوع للخلف لأخذ طريق آخر، فدخل بنا بين الجبال، وكانت مخاطرة كبيرة إذ لم يكن الطريق صالحا للسفر. لقد أنجانا الله العلي القدير من شرّ ذلك الطريق، وبقدرته تعالى استطعنا الخروج من (أمدرمان) وكنت في غاية الشعور بالاطمئنان مع وجود غصّة في قلبي؛ لأنني مضطرة لترك أهلي هناك.

في تمام الساعة التاسعة ليلا وصلنا إلى المعبر، وكانت المعاناة كبيرة؛ فمنذ تلك الساعة إلى السادسة صباحًا لم ننته من الإجراءات، وبعدها أخذت التأشيرة، وذهبت إلى مصر، وجَلست عند أختي إلى أن تدبرت أمر النقود لأذهب إلى تركيا؛ فالفيزا التي كنت أمتلكها كانت وجهتها الأساسية هي تركيا، الحمد لله، وصلتها لكني ولمدة شهرين لم أشعر بالارتياح؛ لأني كلما سمعت صوت إطلاق نار في فرح أو مناسبة ما، كنت أشعر برعبٍ شديد.

وأخيرًا...

تبدأ الحرب النفسية في الغربة. طالما حلمت أن أغادر وطني، وأستقر في الدولة التي أنا الآن فيها. كنت دائمة التضجر والجحد من حال وطني. أحيانا كنت أسيء باللفظ إلى الحياة على مستوى الوطن عموما. كنت غافلة تماما عن عظيم النعم التي حولنا، بداية بالأمان ونهاية بالصّحة. لم أدرك قيمتها أكثر إلا بَعد هذه الحرب، وخصوصا في غربتي هذه وأنا في الأمر الواقع. ماذا تعلمت؟

قالت: «تعلمتُ، فهمتُ، وأدركتُ أن وطني كان مميزا جدًا عن بقية الدّول. هأنذا أعيد اليوم ترميم وبناء ما بقي فيَّ من أملٍ على أن السودان سيعود أفضل مما كان عليه، وسأزرع روح الوطنية التي يفتقر لها غالبية الشعب السوداني تجاه وطنهم وإعطائه حقه كما ينبغي، فَحُب الوطن واجب لكل شعبه، وما عليهم فعله ليكون مثل الدول التي يودون الهجرة إليها. حفظ الله السودان، ونصر شعبه وثبت أقدامهم، ورد كيدَ من أراد به الكيد، فدوام الحال من المحال».

وأخيرا...

«بكرة يا الخرطوم تعودي

شامخة ريانة وعلية

بكرة تغشاكِ القماري

تمطر الغيمات ندية»

آمنة الربيع باحثة أكاديمية متخصصة في مجال المسرح

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إلى مصر

إقرأ أيضاً:

مناقشة الموقف التنفيذي لـ"رمال بارك" وتكريم طالبات مدرسة الأمل بجنوب الباطنة

 

الرستاق- خالد بن سالم السيابي

 

عقد المجلس البلدي بمحافظة جنوب الباطنة اليوم اجتماعه الدوري الرابع لعام 2025م، برئاسة سعادة المهندس مسعود بن سعيد الهاشمي محافظ جنوب الباطنة – رئيس المجلس - وبحضور أعضاء المجلس ، وذلك بقاعة الاجتماعات بمكتب المحافظ.

استهل الاجتماع باعتماد محضر الاجتماع الثالث لعام 2025م ، بعد ذلك استعرض سعادة المهندس المحافظ مع أعضاء المجلس البلدي الموقف التنفيذي لمشروع حديقة الرمال ، كما جرى خلال اجتماع المجلس البلدي استضافة الطالبات الفائزات في مسابقة الجائزةالتشجيعية لأفضل فكرة مشروع في مسابقة (Shell Nxplorers) ) العالمية لمدرسة الأمل للتعليم الأساسي (١٢-١٠) وتقديم عرض مرئي عن المسابقة ، كذلك استعرض التعميم الصادر من وزارة الداخلية بشأن لائحة تنظيم المقابر العامة.

كما تم مناقشة الردود الواردة من الجهات المختصة وهي: الرد الوارد من رئيس تنظيم الخدمات العامة على استفسارات أعضاء المجلس البلدي بمحافظة جنوب الباطنة ، كما استعرض المجلس الردود الواردة من أصحاب السعادة الولاة وهي : الرد الوارد من سعادة الشيخ والي المصنعة بشأن تخصيص قطعة أرض لفريق العربي الرياضي في منطقة برج أل خميس، ومناقشة تخصيص موقع لمعارض السيارات بالمصنعة ، و الوضع الحالي لحصن المصنعة ، والرد الوارد من سعادة الدكتور والي ولاية العوابي بشأن اعتماد تثبيت محلات تجارية بقطعة أرض سكنية بقرية السوق بولاية العوابي ، كما تم استعراض الرد الوارد من دائرة الطرق بمحافظة جنوب الباطنة بشأن المطالبة باستحداث مدخل لمنطقة المدارس بعد دوار نخل.

كما عرضت الردود الواردة من بلدية جنوب الباطنة بشأن طلب طريق لمخطط وادي الأصامي بولاية العوابي، وطلب شق طريق للأراضي السكنية بمخطط الهجير بولاية العوابي، والمطالبة بتأهيل طريق الحزم -جماء- ولاية الرستاق ، كما شمل الاجتماع استضافة مديري دوائر البلديات بولايات نخل ووادي المعاول والعوابي مع تقديم عرضا مرائيا عن المشاريع والمنتزهات بالولايات ذاتها.

كما استعرض المجلس محضر اجتماع لجنة تطوير وتنمية المحافظة ومحضر اجتماع لجنة الشؤون القانونية ، اضافة لتناول الاجتماع الرسائل الواردة من أعضاء المجلس البلدي والتي شملت مناقشة مقترحات أعضاء ممثلي ولاية العوابي لطلب حماية أسوار بعض المزارع من الانجراف ببلدة شوه بوادي بني خروص، وطلب إدراج مخطط إلى محلات تجارية.

وكما تم خلال الاجتماع مناقشة مقترحات أعضاء ممثلي ولاية نخل حول طلب رصف مواقف إضافية بخرسانة إسمنتية بالقرب من منتزه عين الثورة، وطلب إنشاء مظلة انتظار سيارات الأجرة بعد دوار العقيبة " الشارع المؤدي من ولاية نخل إلى ولاية العوابي"، وطلب توسعة مواقف المركبات بقرية العوينات بوادي بني حراص، وطلب تقديم مؤشرات قياس ونسبة الإنجاز للمشاريع في ولايات المحافظة، ومقترح تنظيم مواقع الأكشاك ودراسة إمكانية تغيير خزانات المياه الخاصة بها.

ومناقشة مقترحات أعضاء ممثلي ولاية ولاية الرستاق بطلب تنظيم البيع والشراء (المناده) للمواشي والأبقار داخل الحظائر المخصصة (أرض طوي الحارة)، وطلب النقاش حول ملاحظات على الشركة المنفذة لمشروع استبدال وصلات المياه بولاية الرستاق، والجيب التخطيطي الذي تم إلغاؤه بقرية حاجر بن عمر بوادي الحاجر بولاية الرستاق، ومقترح تغيير موقع اللوحات الترحيبية وإضافة اخرى، والمطالبة بصيانةالطريق الجبلي (يصب- كرب).

ومناقشة مقترحات أعضاء ممثلي ولاية وادي المعاول لمقترح تعديل رسوم مبلغ التأمين المفروضة على نظافة مواقع البناء بالإضافة إلى مناقشة ظاهرة تلوث مياه الأفلاج من قبل العمالة الوافدة، وطلب أهالي بلدة حبراء عمل تصريف لمياه الأمطار ورصف المنطقة بالسوق وتأهيل نفق يربط بلدة حبراء بمرتفعات حبراء .

وفي ختام الاجتماع أكد سعادة المهندس المحافظ رئيس المجلس أهمية مواصلة متابعة تنفيذالمشاريع ومقترحات الأعضاء بما يسهم في تحقيق التنمية المتكاملة للولايات، داعيًا إلى تعزيز التنسيقبين الجهات الحكومية والمجالس المحلية لخدمة المجتمع وتحقيق تطلعات المواطنين في محافظةجنوب الباطنة.

 

مقالات مشابهة

  • في سوق الرمادي.. عبد الستار الأنباري يرسم الأمل بالألوان متحدياً الإعاقة
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • الحجار بعد لقائه العبسي: الأمل كبير بوضع البلد على السكة السليمة انطلاقا من الاستحقاقات الدستورية
  • مناقشة الموقف التنفيذي لـ"رمال بارك" وتكريم طالبات مدرسة الأمل بجنوب الباطنة
  • دهسٌ بلا إنذار: كيف تحولت السيارة إلى سلاح إرهابي في شوارع أوروبا؟
  • كانت معدّة للتهريب.. شاهدوا كميات البنزين الكبيرة التي تم ضبطها في عكار (صورة)
  • الإسكندرية تستضيف مؤتمر دولي حول جراحات الأطفال
  • بالصور: الهلال الأحمر الفلسطيني يعزز قدرات مستشفى الأمل بالأوكسجين
  • سعر ومواصفات السيارة MG ZS 2025 في مصر
  • أمين بغداد يعيد الأمل لمواطن بعد هدم كشكه