ماذا يقول الخبراء الاقتصاديون في تنمية المحافظات؟
تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT
أكد خبراء اقتصاديون أن تنمية المحافظات، واللامركزية تقود لحقبة اقتصادية مزدهرة وتشكل منعطفا جديدا في تحقيق نمو متوازن في مختلف المحافظات، ونوهوا بضرورة التعاون بين مختلف شرائح المجتمع والمؤسسات الأكاديمية والقطاع الخاص لتحقيق التوازن في التنمية الاقتصادية بين مختلف المحافظات في سلطنة عمان.
وأجرت «عمان» استطلاعًا صحفيًا مع عدد من الخبراء الاقتصاديين الذين أوضحوا أنه ينبغي التركيز على الاستدامة المالية، والاستثمارات السياحية، وتأهيل القائمين على تنمية المحافظات، والاستعانة بالخبرات والبحوث في المؤسسات الأكاديمية، والتخطيط والدراسة العميقة قبل تنفيذ المشروعات، وإشراك القطاع الخاص وتعزيز دور المؤسسات المتوسطة والصغيرة في تنمية المحافظات لضمان تحقيق أهداف التنمية المحلية واللامركزية في سلطنة عمان.
تنويع اقتصادي
قالت المكرمة الدكتورة شمسة الشيبانية خبيرة اقتصادية وعضوة مجلس الدولة في حديثها لـ«عمان»: إن تعزيز تنمية المحافظات واللامركزية وتمكين الإدارة المحلية في سلطنة عمان تعد تمهيدًا لحقبة اقتصادية مزدهرة بالتحولات الهيكلية التي تدعم النمو والتنويع الاقتصادي، وهدفًا استراتيجيًا يحقق العدالة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويكسب المناطق المختلفة نموًا متوازنًا قائمًا على روافد إنمائية متعددة تسهم في تجويد الأنشطة الاقتصادية والمرافق والخدمات الحكومية والازدهار في سوق العمل، وخصصت حكومة سلطنة عمان 200 مليون ريال عماني في الميزانية العامة للدولة للعام الجاري لدعم تنفيذ المشروعات ذات الأثر التنموي التي لها تأثير مباشر على تحسين حياة المواطنين وتحقيق الرفاه الاجتماعي والاقتصادي.
وتضيف الخبيرة الاقتصادية: «إن تنمية المحافظات أتاح لها فرصة اختيار المشروعات الحيوية والتنموية وأكسبها فرصة أكبر للمنافسة والتفاعل بين مختلف المحافظات داخل سلطنة عمان. مما يسهم في إيجاد بيئة استثمارية ملائمة لتنفيذ العديد من المشروعات الحكومية والخاصة التي ستوفر فرص العمل للمواطنين».
وعرجت الشيبانية في حديثها قائلة: «يمكن الاستثمار في الأماكن السياحية في المحافظات بالتركيز على سياحة المؤتمرات والمغامرات والتخييم وتسلق الجبال، وتطوير المواقع السياحية والمعالم التراثية والثقافية وتزويدها بالمرافق والخدمات الأساسية، وإلغاء التأشيرات السياحية للقادمين من دول مختلفة أو منحهم التأشيرات في المطار، وفتح خطوط جوية مباشرة في أهم العواصم والمدن في العالم، والترويج لسلطنة عمان كوجهة سياحية عن طريق المعارض السياحية في السفارات والقنصليات الدبلوماسية والاستثمارية وأفرع غرفة تجارة وصناعة عمان المحلية والدولية والاستفادة من الميزة التفاعلية لوسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في الترويج السياحي».
تحديات
وفيما يتعلق بالتحديات التي تواجه تنمية المحافظات في سلطنة عمان أفادت الشيبانية بأن التحديات تتمثل في القدرة على إدارة واستثمار المخصصات المالية الاستثمار الأمثل والعمل على زيادة مصادر التمويل والتخطيط الاستراتيجي السليم لاستغلال الميزة التنافسية لكل محافظة وجذب المستثمر المحلي والأجنبي والعمل على توفير الفرص الوظيفية لأبناء المحافظة، والقدرة على تطبيق الابتكار واستخدام الذكاء الصناعي، مؤكدة أنه يمكن لسلطنة عمان تحقيق التوازن في التنمية الاقتصادية بين مختلف المحافظات بالتعاون بين كافة شرائح المجتمع والشراكة مع مؤسسات القطاع الخاص بما فيها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ومواصلة توفير الموارد المالية المناسبة لتنفيذ المشروعات التنموية فيها حسب ميزتها النسبية والتنافسية، واتباع أفضل المعايير والمؤشرات الرئيسة في الأداء والإنتاجية.
رفع التنافسية
وقالت الشيبانية: «على الوزارات الخدمية التنسيق مع المحافظات في وضع السياسات والخطط التنموية الاستراتيجية لرفع التنافسية بين المحافظات وفقًا لما تمتلكه المحافظة من موارد متنوعة سواء كانت بشرية أو بحرية أو زراعية أومعدنية أو نفطية، وما تتميز به من مقومات جغرافية وسياحية واعدة من خلال المساهمة في توفير الدعم المادي والاستشاري لبناء مشروعات ناجحة لتمثل إثراءً وتنوعًا في الأنشطة التجارية والاستثمارية، ومساعدة المحافظات على استكمال مشروعات البنية الأساسية التي تعزز من أدوار القطاعات اللوجستية والتقنية والاتصالات والصناعات التحويلية». مشيرة إلى أنه يمكن تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لتحقيق التنمية المستدامة في المحافظات عن طريق توسيع نطاق مشروعات الشراكة بين القطاعين والمحافظة على استدامتها من خلال رسم السياسة والإطار المؤسسي والتنظيمي الذي يشمل تقييم المخاطر المالية والتشغيلية ومخاطر السوق، وتوفير مجموعة موسعة من المشروعات بين القطاعين التي يمكن تمويلها من خلال جهات تمويلية مختلفة وتطوير القدرات الراسخة لإعداد المشروعات المشتركة بين القطاعين وتنظيمها وإدارة عقودها بكفاءة عالية.
التكنولوجيا والابتكار
وأوضحت الخبيرة الاقتصادية أن هناك نماذج ناجحة لتطبيق سياسات التنمية المحلية واللامركزية في بلدان أخرى يمكن أن نستفيد منها في سلطنة عمان فمثلا في المملكة العربية السعودية تجسد اللامركزية في الإدارة المحلية وهي فرع من السلطة التنفيذية، حيث تمكنت المملكة في فترة وجيزة من كسر قيود المركزية والانتقال من اللامركزية الإدارية إلى اللامركزية الاقتصادية، واستطاعت الخروج من التبعية المركزية وللوصول إلى الغاية الأسمى وهي إيجاد الثروة محليًا، وتعد المشاركة المجتمعية أحد الأركان الرئيسية لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتتطلب الشراكة المجتمعية الفاعلة اعتماد مبدأ التمكين المستدام لبناء القدرات القيادية وتكريس الإمكانات البشرية وتحديد الطرق والمستويات والمتطلبات والمبادئ للمشاركة المجتمعية.
وأكدت الشيبانية أن التكنولوجيا والابتكار لهما دور مهم في تعزيز التنمية المحلية واللامركزية من خلال تقليص الفجوات نحو توفير المعرفة والحصول عليها ونشرها ودعم أفضل الممارسات في التنمية المحلية، وتحسين الإدارة والتخطيط وصنع القرارات الاقتصادية والاستثمارية، موضحة أن التحديات الرئيسية التي يجب التركيز عليها لضمان تحقيق أهداف التنمية المحلية واللامركزية في سلطنة عمان هي الاستدامة المالية، حيث لا تزال سلطنة عمان تعتمد اعتمادًا كبيرًا على موارد النفط والغاز، وتذبذب أسعار هذه السلع في السوق يشكل تحديًا يسهم في تحفيز المحافظات على مشروعات التنويع الاقتصادي، وتشكل المتغيرات الجيوسياسية والوتيرة السريعة لتغير المناخ والحروب التجارية والوبائية وحالة عدم اليقين عن المتغيرات والمخاطر التي تواجه الأسواق العالمية من تضخم وارتفاع في أسعار الفائدة تحديًا كبيرًا، ولا سيما على قضية الباحثين عن العمل ومستحقي الحماية المجتمعية كونهم الشريحة المستهدفة الأولى للانتفاع من برامج تنمية المحافظات والاستدامة المالية.
خفض معدل الباحثين
وقالت الدكتورة حبيبة المغيرية أكاديمية وباحثة اقتصادية: «إن تعزيز تنمية المحافظات يسهم في خفض معدل الباحثين عن عمل ويعزز من رفاهية المجتمع المحلي، وتنشيط الحركة التجارية وتداول الأموال محليًا وتعزيز جودة الحياة، ويحقق توازنًا في توزيع الدخل، وبالنسبة إلى اللامركزية، إن منح المحافظين صلاحيات أكبر يسهم في التحكم بالإنفاق وتخصيص الموارد وفق ضوابط محددة والبحث عن فرص الاستثمار المناسبة مما يسهم في تلبية احتياجات المجتمع المحلي وتطوير اقتصاد تلك المحافظات، ويمكن أن تحقق سلطنة عمان توازنًا في التنمية الاقتصادية بين المحافظات المختلفة من خلال صنع وتنفيذ سياسات فعالة وخطط لاستثمارات استراتيجية موائمة تناسب اقتصاد كل محافظة، وتوفير مصادر دخل من خلال الاستثمار في قطاعات مختلفة منها البنية الأساسية وقطاع الصناعة وقطاع التعليم والسياحة والخدمات والتعدين وغيرها من القطاعات الجاذبة للاستثمار في المحافظات».
وأكدت المغيرية أن المحافظات بحاجة إلى تطوير البنية الأساسية وممكن أن تسهم شركات الامتياز بشكل خاص في تنمية المحافظات إذ يوجد عدد لا بأس به من الشركات الكبرى تتركز في بعض المحافظات لها دور في المساهمة في تنميتها ولكن للأسف لا تغطي مساهمتها أغلب الولايات وقد تركز على عدد قليل فقط، ويجب أن تشمل خدمات المسؤولية المجتمعية جميع الولايات، وتوظيف الباحثين عن عمل، والاستعانة بمنتجات وخدمات المؤسسات المتوسطة والصغيرة وإشراكها سوف يسهم بشكل كبير في تنمية المحافظات.
وبينت المغيرية أن الحكومة المركزية وضعت السياسات والتشريعات لتنظيم التنمية في المحافظات وتوجيه المحافظين إلى الاستغلال الأمثل للدعم المادي وتحقيق إيرادات من خلال استثمار المبالغ وإنفاقها لتسهم في تطوير المحافظات، وأسهمت في دعم العديد من القطاعات كقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من ناحية ورفع سقف القروض ودعم القروض المتعثرة وتدريب أصحاب الأعمال على إدارة مشروعاتهم، واستغلال الفرص الاستثمارية في المحافظات وتبسيط الإجراءات وتخفيض الرسوم وغيرها.
المؤسسات الأكاديمية
وترى الباحثة الاقتصادية أن هناك عددًا من المحاور التي ينبغي التركيز عليها لتحقيق أهداف اللامركزية وهي تأهيل القائمين على تنمية المحافظات وتدريبهم والاستعانة بأصحاب الخبرات وتوظيف قدراتهم وخبرتهم في تطوير المحافظة التي ينتمون إليها، والتخطيط والدراسة العميقة والدقيقة قبل تنفيذ أي مشروع، وإشراك القطاع الخاص للمساهمة بشكل فعال في تنمية المحافظات، والاستفادة من القطاع الخاص في التنمية المستدامة وتمويل المشروعات، وتعزيز دور المؤسسات المتوسطة والصغيرة وإشراكها في تنمية المحافظات.
ونوهت المغيرية أنه ينبغي استغلال إمكانات ومصادر المؤسسات الأكاديمية في المحافظات مثل الجامعات والكليات سواء الحكومية والخاصة والاستفادة من الخبراء والأكاديميين في الحلقات والبرامج التدريبية والبحوث والاستشارات إذ تحتوي هذه المؤسسات على أقسام للبحوث والابتكار وريادة الأعمال والتنقية الحديثة فيجب استغلالها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بالمحافظات.
مبدأ ناجح
ويقول الدكتور قيس السابعي خبير اقتصادي: «إن تطبيق مبدأ اللامركزية في تنمية المحافظات يسهم مساهمة فعالة ومثرية في سوق العمل والتنويع الاقتصادي؛ لأن تطبيق اللامركزية يمهد لدور كبير في إيجاد مراكز حيوية متعددة لرفد النمو الاقتصادي».
وأكد السابعي أنه تطبيق اللامركزية كما حددته رؤية «عمان 2040» مبدأ ناجح يؤدي وجود شفافية وديمقراطية وقاعدة بيانات وإحصائيات متكاملة ومتنوعة، وإيجاد فرص للأنشطة الاقتصادية والتجارية وإظهار الميزة النسبية لكل محافظة. مشيرًا إلى وجود علاقة طردية بين اللامركزية وتنمية المحافظات فعند تطبيق اللامركزية يقود لتنمية المحافظات مما يدفع إلى إيجاد بيئة تنافسية بين المحافظات من خلال المزايا النسبية لكل محافظة وما تتمتع به من مقومات سياحية وموارد طبيعية التي من شأنها أن توجد قوة اقتصادية.
وأفاد السابعي بأن التحديات في تنمية المحافظات هي تحديات إدارية تتمثل في اتخاذ القرارات وكيفية تهيئة المحافظات من خلال إيجاد الحلول المناسبة لبعض أنواع الأنشطة الاقتصادية التي تحتاج إلى زرع ثقة وثقافة في المستثمرين وفي المجتمع للاستثمار في مختلف القطاعات التنموية والاقتصادية.
وبين السابعي أنه يمكن لسلطنة عمان أن تحقق توازنًا في التنمية الاقتصادية بين المحافظات عن طريق إيجاد فرص مناسبة لكل محافظة مع إظهار ما تتميز به وجعلها محطة من محطات التمثيل الاقتصادي وعدم تكرار الأنشطة في جميع المحافظات، ومشيرًا إلى أنه يجب التركيز على بعض التحديات مثل البيروقراطية والقضاء على التبلد الذهني أو الاقتصاد الريعي، حيث إن الحكومة قامت بمنح صلاحيات أكبر للمحافظين وقامت بتسهيل وتيسير العديد من إجراءات الاستثمار فهي نقاط قوة تؤدي إلى تنمية مستدامة.
ولفت السابعي إلى أنه إذا تم تطبيق اللامركزية بشكل صحيح ستفتح آفاقًا اقتصاديةً متنوعةً ومتعددةً ومتباينةً مما يقود إلى إيجاد فرص عمل أكبر للباحثين عن عمل وفرص للمؤسسات العمانية الصغيرة والمتوسطة، موضحا أنه هناك العديد من النماذج التي طبقت اللامركزية، وحققت قوة اقتصادية مثل: سنغافورة وماليزيا وبعض الدول الخليجية والعربية فهي توجد منافذ وقوة اقتصادية متنوعة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی تنمیة المحافظات مختلف المحافظات اللامرکزیة فی بین المحافظات فی سلطنة عمان القطاع الخاص بین القطاعین فی المحافظات تحقیق أهداف لکل محافظة بین مختلف العدید من من خلال یسهم فی
إقرأ أيضاً:
ماذا تعرف عن عصابة تران دي أراغوا التي يهاجمها ترامب بشراسة؟
في المناظرة الرئاسية الوحيدة بينهما في 10 سبتمبر/أيلول 2024، أثارت المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس جدلا حول ما أسمته بقانون تنظيم الحدود وتحجيم الهجرة غير النظامية. حينها، ادعت هاريس أن خصمها دونالد ترامب طلب من الجمهوريين معارضة تمريره في الكونغرس، وعندما سأل المحاور ترامب عن السبب لم يجب عن سؤاله، وركز كالمعتاد على تصعيد الهجوم نحو خصمه.
تحدث ترامب بنبرة غاضبة قائلا: "لقد ضاع بلدنا، نحن أمة فاشلة، وقد أصبحنا هكذا منذ 3 أعوام ونصف (مدة ولاية جو بايدن حتى ذلك الحين)، لقد سمحوا للملايين من الناس بالقدوم لهذا البلد".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هل تفعلها إيران وتفكك النووي والصواريخ وشبكة الحلفاء لتفادي الحرب؟list 2 of 2الصليبي الأخير.. وزير الدفاع الأميركي الذي يكره جيشهend of listلكن ترامب في تلك الليلة قد شعر بأن سردية المهاجرين الذين يسكنون في المناطق العشوائية ويتاجرون بالمخدرات ويمتلكون الأسلحة دون امتلاك أوراق ثبوتية باتت قديمة ومنخفضة السقف، فقدم طرحا جديدا لجمهوره قائلا: "في بلدات مثل أورورا وسبرينغفيلد، يأكل المهاجرون الحيوانات الأليفة المملوكة للسكان"، لينهي إجابته على السؤال بالقول: "إن أصبحت هاريس رئيسة للولايات المتحدة فسينتهي بنا المطاف مثل فنزويلا".
لاحقا، بعد تولي ترامب الرئاسة، تبين أن ذكره لأورورا والمهاجرين هناك والخوف من أن تتحول أميركا إلى فنزويلا كان تهيئة كلامية لحرب سوف يشنها فور وصوله إلى البيت الأبيض على عصابة فنزويلية تدعى "تران دي أراغوا (Tren de Aragua)"، وتعني بالإسبانية "قطار أراغوا". فما قصة تلك العصابة؟ وهل كان ترامب محقا في ادعاءاته خلال مناظرته مع هاريس؟
تأسست عصابة "تران دي أراغوا" في مطلع الألفية الحالية في سجن غير معروف في مدينة أراغوا شمال وسط فنزويلا على يد شخص يدعى "نينيو غيريرو (Niño Guerrero)"، تصفه وسائل الإعلام بمدير "السجن الفاخر" بسبب نجاحه في تنمية أعمال العصابة داخل السجن حتى أصبح يدير "حديقة حيوانات وناديا ليليا وبنكا".
إعلانوُلد نينيو عام 1983 في مدينة أراغوا، وكل ما يعرف عنه هو شروعه في مهاجمة رجال الشرطة وتجارة المخدرات على نطاق ضيق منذ عام 2000، حتى اعتقل عام 2010 بتهمة قتل رجال شرطة وتهريب المخدرات، بالتزامن مع توسع أعمال العصابة، وفق موقع "إنسايت كرايم".
ورغم نفاذ قرار سجنه، ظهر نينيو عام 2015 في أحد الأحياء الخاضعة لسيطرة العصابة وهو يخاطب الحاضرين في إحدى حفلات الحي بصفته زعيم العصابة ويعدهم بتحسين ظروفهم.
أُعيد اعتقال نينيو مرة أخرى عام 2018، واعترف بجرائمه أمام المحكمة ليتلقى حكما بالسجن لمدة 17 عاما، ليبدأ هناك في ترقية أعمال العصابة وتحويل السجن إلى مقر عمليات، فقد سكن هنالك في منزل فاخر من طابقين، وكانت له رفاهية استقبال من يشاء من الخارج.
وبحلول عام 2020، أصبح لدى نينيو نحو 1000 عضو يأتمرون بأمره، وامتد نفوذ العصابة في جميع أنحاء فنزويلا تقريبا، بما في ذلك مناجم الذهب في ولاية بوليفار ومعابر المخدرات على ساحل الكاريبي، إلى جانب المعابر الحدودية السرية لتهريب المهاجرين.
وفي عام 2023، حرّكت الحكومة الفنزويلية قوة ضمت نحو 11 ألف عنصر من الجيش والشرطة للقبض على نينيو داخل السجن، لكنهم فشلوا في العثور عليه، مع وجود تسريبات حول عقد صفقة بين قادة العصابة والحكومة سهلت هروبه قبل أيام من تنفيذ العملية.
ولا يزال نينيو حتى اليوم يدير أعماله من مكان مجهول، فيما تسيطر العصابة على السجن وتفرض غرامات أسبوعية وشهرية على النزلاء، كما تتحكم في أحياء من مدينة أراغوا وتفرض فيها حظر التجوال.
ترامب يدخل على الخطفي السنوات الأخيرة، تدفقت أعداد كبيرة من المهاجرين الفنزويليين إلى مدينة أورورا وما جاورها في ولاية كولورادو، وهي المدينة التي ذكرها ترامب في مناظرته مع هاريس، رغم أنها لم تُعرف من قبل بوصفها مقصدا للمهاجرين أو مكانا لتجمعهم في الولايات المتحدة.
إعلانونقلت وسائل إعلام أميركية عن سكان المدينة قولهم إن توسع أعمال عصابة "تران دي أراغوا" تزامن مع ارتفاع أعداد المهاجرين الفنزويليين فيها منذ عام 2023 حين بلغ عددهم نحو 50 ألفا (بضع مئات منهم فقط ينتمون للعصابة، ولا يوجد انتشار لهم خارج المدينة).
وبحسب صحف أميركية، اتخذ أفراد العصابة بعض المنازل المهجورة في أحياء المدينة لإدارة عمليات سرقة السيارات وتجارة المخدرات وإقامة حفلات الغناء والجنس مقابل أسعار زهيدة، وهو ما وصفها أحد السكان بأنها "أفعال من لا يخشى شيئا".
ومع توسع نفوذ العصابة، التي بدأ أعضاؤها في جمع الضرائب من سكان الحي مقابل خدمات مثل ركن السيارة، ومع تزايد جرائم الاختطاف والقتل والتعذيب، بدأ الضوء يتسلط شيئا فشيئا على أورورا، وعلى نشاط "تران دي أراغوا" في الولايات المتحدة.
أما المفارقة التي نقلتها عدد من الصحف الأميركية، فهي أنه وكما ركز ترامب في حملته الانتخابية عام 2016 على عصابة "إم إس-13″، قرر في حملة 2024 التركيز على "تران دي أراغوا"، لتكون العصابة إحدى أهم الأولويات في أجندته لأول 100 يوم من ولايته الرئاسية.
كما استدعى ترامب لشن حربه على "تران دي أراغوا" قانونا يعود تاريخه إلى عام 1798 ولم يُفعّل من قبلُ سوى 3 مرات في تاريخ الولايات المتحدة، يعرف باسم "قانون الأعداء الأجانب"، وهو القانون الذي يسمح للرئيس بتوقيف مواطنين لدولة في حالة حرب مع الولايات المتحدة أو ترحيلهم.
وبالفعل، رحّلت إدارة ترامب ما يقرب من 200 مهاجر بتهمة الانتماء إلى "تران دي أراغوا"، فيما تعهد بترحيل الآلاف منهم خلال الأيام القادمة، بوصفهم ينتمون لـ"واحدة من أشرس وأعنف العصابات الإرهابية على كوكب الأرض"، على حد بيان صادر عن البيت الأبيض.
بيد أن خبراء يعتقدون أن تصنيف "تران دي أراغوا" ضمن قوائم الإرهاب يُعد أمرا غير دقيق للغاية، فهي لا تشبه في عملها عصابة "إم إس-13" ولا الحركات "الإرهابية" التقليدية. وتقول الصحفية الاستقصائية وخبيرة الجريمة المنظمة في أميركا اللاتينية "رونا ريسكيز" إن "أنشطة العصابة قد تكون مرهبة للناس من الناحية التقنية، لكن هناك فجوة كبيرة بينها وبين باقي الجماعات المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة، فليس لديهم خلفية أيديولوجية، إذ كل ما يعنيهم هو المال".
إعلانلكن، وبغض النظر عن دقة تصنيف العصابة في حد ذاتها، فإن الأثر الواقعي يتمثل في أن هذه الحملة خلقت غطاءً قانونيا يبرر ترحيل عدد أكبر من المهاجرين من الولايات المتحدة وفق قانونيين وحقوقيين. ناهيك أيضا أن بيانات الحكومة الأميركية تظهر أن عدد الجرائم التي سُجلت للمواطنين الأميركيين يفوق عدد الجرائم التي ارتكبها مهاجرون غير نظاميين.
من جانبها، أرسلت إدارة ترامب المهاجرين غير النظاميين الموقوفين الذين وصفتهم بأنهم "أسوأ السيئين" إلى سجون خارج البلاد، لكن التحريات أظهرت لاحقا أن عددا كبيرا منهم لا تربطه أي علاقة مع "تران دي أراغوا"، وأن كل ما استندت إليه إدارة الهجرة هو "تشابه الوشوم"، أو أن أصول الموقوفين تعود إلى مدينة أراغوا، في حين لا يعتمد أعضاء العصابة وشما موحدا، كما هو الحال مع العصابات الأخرى، وليس كل سكان المدينة أعضاء في العصابة.
وأورد موقع إنسايت كرايم أن سمعة "تران دي أراغوا" باتت آخذة في الانتشار بشكل أكبر مما عليه وجودها الفعلي في الولايات المتحدة.
وبالعودة إلى قصة التهام الحيوانات الأليفة في أورورا التي رواها ترامب في مناظرته، خرج عمدة المدينة الجمهوري "مايك كوفمان" للرد على ترامب بعد يوم من تناوله موضوع الجرائم في مدينته قائلا: "إن نشاط العصابات يقتصر على عدد من المجمعات السكنية في مدينة لا يتجاوز عدد سكانها 400 ألف نسمة"، مضيفا أن "المخاوف بشأن العصابات الفنزويلية مبالغ فيها".
إذن، يبدو أن قصة "تران دي أراغوا" في جانب منها تبدو أنها وسيلة لمطاردة "أعداء أميركا" وتحقيقا لوعود ترامب الانتخابية بأن يجعل أميركا "آمنة"، ومن جانب آخر فإن هذه الخطوات التي تتخذها إدارة ترامب، تستهدف الشريحة الانتخابية التي صوتت لترامب بتحقيق انتصارات ونتائج سريعة تظهر الإدارة الجديدة بمظهر الإدارة القوية التي لا تتهاون مع أي شيء خارج عن القانون.
إعلانوعلى الرغم من عدم نفي وجود جرائم يرتكبها عدد من المهاجرين غير النظاميين، إلا أن الديمقراطيين والمعارضين لسياسات ترامب، يشككون في كون هذه الحملة الشرسة موجهة فقط لأصحاب الجرائم، إذ يرون فيها وسيلة لخلق عدو متخيل يزيد من شعبية الإدارة الأميركية الجديدة بحسب وصفهم.
أما لفهم ظروف نشأة تلك العصابات والكيفية التي أدارت علاقاتها مع الدولة من جهة، وبين أفرادها من جهة أخرى، فإننا بحاجة للعودة لجذور هذه التشكيلات.
من هناك يأتي الخطروقد يسهل تفسير ظهور منظمات الجريمة في القارة اللاتينية عادة بشيوع الفقر، لكن ثمة تفاوت يمكن رصده في أسباب انضمام أعضاء العصابات إليها، ما بين أسباب سياسية نابعة من الرغبة في مقاومة السلطة، أو للهروب من مشكلات عائلية، أو بسبب التعرض للابتزاز من قبل أعضاء العصابة الآخرين.
ولفهم العصابات اللاتينية الأميركية التي بدأ حضورها بالازدياد منذ نهاية الحرب الباردة في أميركا، فإنه يجب علينا أن نستوعب جذور بعض الأفكار المشكِّلة لها، فمن المهم في هذا السياق أن نفرق عند الحديث عن عصابات أميركا الجنوبية بين ما يسمى بـ "الماراس"، وما يعرف باسم "البانديلاس".
فـ"الماراس" هي منظمات عابرة للحدود، تأسست أُولاها باسم "دياث يوتشو (dieciocho)" في ستينات القرن الماضي في لوس أنجلوس على يد مهاجر مكسيكي، لتبدأ لاحقا في جذب المهاجرين من غواتيمالا والسلفادور وتتحول إلى مجتمع لاتيني مصغر يشعر فيه القادمون إلى الولايات المتحدة بالانتماء والحماية.
في حين ينحصر نشاط "البانديلاس" داخل الحدود، وهم الأكثر التصاقا بتاريخ عصابات أميركا الجنوبية القديمة، وكانوا منتشرين بطريقة غير منظمة على امتداد القارة، وبالأخص في وسطها، بعد انقضاء الحرب الباردة، لكنها سرعان ما اندمجت مع عصابات الماراس أو جرى القضاء عليها، وينحصر وجودها اليوم في نيكاراغوا وكوستاريكا.
إعلانوفي ثمانينات القرن الماضي ظهر جيل جديد من "الماراس" الذين أطلقوا على أنفسهم اسم "مارا سلفاتروتشا"، ويُعرفون اختصارا بالرمز "MS-13″، وسرعان ما أصبحوا أعداء لعصابة "دياث يوتشو"، واندلعت بينهما أعمال عنف إلى جانب صراعهما مع قوات الشرطة في لوس أنجلوس.
في وسط تلك الفوضى، أقر الكونغرس الأميركي تعديلا على قانون الهجرة غير النظامية في عام 1996، يسمح بترحيل أي مواطن غير أميركي قضى في السجن أكثر من عام، وهو ما نتج عنه ترحيل نحو 50 ألفا إلى دول أميركا اللاتينية، إضافة إلى إلقاء القبض على 160 ألفا آخرين دون أوراق ثبوتية.
ومع عودة المهاجرين إلى دولهم، بدؤوا في إعادة تشكيل تفريعات عن الـ"دياث يوتشو" والـ"مارا سلفاتروتشا" بغية استقطاب أعضاء جدد من الشباب، أو استيعاب عصابات الـ"بانديلاس" مع التزامهم بالبقاء تحت لواء أي من العصابتين مهما كبر حجم الأفرع المحلية.
ماذا عن فنزويلا؟كتب مجموعة من الباحثين الفنزويليين كتابا حول مفارقة تزايد العنف بالتزامن مع تراجع درجات الفقر في البلاد بعنوان "مفارقة العنف في فنزويلا (The Paradox of Violence in Venezuela)"، رصدوا فيه الأنماط المتعددة للعنف المنتشر في البلاد وأسبابه ومسارات تعامل الحكومة معه.
وتُصنف فنزويلا وفق الكتاب ضمن "الدول العنيفة الناشئة"، مع معدل جرائم قتل وصل إلى أكثر من 50 ضحية لكل 100 ألف شخص من السكان في عام 2012، أغلبهم مرتبط بانتشار العصابات المذكورة.
لكن اللافت في الأمر هو أن عصابات فنزويلا في الغالب مجموعات غير منظمة ليس لديها جذور تاريخية أو خلفية سياسية متينة، ولا يشبهون في طريقة عملهم عصابات "الناتشيونس" في الإكوادور ولا "الكوماندوس" في البرازيل ولا "الماراس" في السلفادور.
إعلانوكان التعامل الحكومي مع عصابات فنزويلا في الواقع هو توسيع دائرة الوصم، فأصبح كل "شاب أسمر البشرة من سكان المناطق ذات الدخل المنخفض" مُشتبَها به في الانضمام إلى إحدى العصابات، وهو ما نتج عنه تزايد نسب العنف والسخط العام حتى بعد إقرار مشاريع القضاء على الفقر في عهد الرئيس هوغو تشافيز.
ويلفت أحد فصول الكتاب النظر إلى أثر السجون الفنزويلية في إنتاج العنف، وكيف تحولت إلى ما يشبه "المدارس" التي يتعلم فيها أفراد العصابات ما يجب أن يتقنوه، وناقش الفصل سجن "بيونيا" (اسم مستعار للسجن) بوصفه نموذجا للسجون التي أسهم نظامها في تطور أعمال العصابات في الداخل والخارج. ويوصف "بيونيا" بالسجن المفتوح الذي يمارس فيه السجناء نفوذهم عبر استخدام السلاح والتهديد به، ويقتصر وجود الشرطة فيه على محيط البوابات الخارجية وعندها، ولا يمكنهم الدخول إلى الباحة إلا بالتفاوض مع "الزعماء" المسجونين، وقد لا يتمكنون من ذلك بسبب تبادل إطلاق النار بين السجناء.
ويمكن فهم عصابة "تران دي أراغوا" بوصفها مثالا لتلك الظاهرة، حيث تأسست في أحد سجون مدينة أراغوا (وسط فنزويلا)، وأصبح السجن لاحقا "مقرها الرئيسي" و"مركز عملياتها".