سوق مرباط.. مكانة اقتصادية وتاريخية بحاجة إلى ترميم
تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT
تتميز ولاية مرباط بموقعها الساحلي المطل على بحر العرب، ويربطها بولاية صلالة طريق بطول 76 كيلومترًا تقريبًا، وسميت مرباط نسبة إلى تجارة الخيول وتجارة اللبان في العصور القديمة وذلك في القرن الـ19 الميلادي، واشتهرت الولاية بتوفر كافة أنواع الأسماك ذات الجودة العالية وبوجود كميات جيدة من (الصفيلح) والرخويات، وتتنوع فيها الموارد الفيزيائية والحيوية والحيوانات البرية مثل: النمر العربي والوعل النوبي والذئاب والغزلان، بالإضافة إلى الأشجار والنباتات النادرة في المحمية.
سوق مرباط
ويعد سوق مرباط القديم من أقدم الأسواق المعروفة لبيع البضائع المستوردة من قارة إفريقيا وقارة آسيا، وتباع فيه الأقمشة والجلود والتمر ومنتجات الحرف اليدوية؛ لأنها كانت بندرا للقوافل من الشرق والغرب وهو بجانب حصن مرباط ومطل على شاطئ الفرضة الشهير عند أبناء الولاية، ويعد من الشواهد التاريخية المهمة في مرباط.
والتقت «عمان» بعدد من المواطنين في ولاية مرباط للحديث عن آلية تفعيل وتشغيل سوق مرباط، وقال سعيد بن أحمد العمري: «إن سوق مرباط القديم يحظى بمكانة تاريخية عريقة ويوجد به مبنى للجمارك تم إنشاؤه عام 1919 في الفترة التي كان بها السوق ينبض بتجارة البضائع المستوردة من الموانئ القريبة مثل عدن وصور ومسقط وصحار والمكلا وسواحل إفريقيا، ويمثل عنصرًا أساسيًا في حياة وسكان الولاية خلال حقبة زمنية معينة، موضحا أن تاريخ السوق القديم يعود إلى مئات السنين حينما كان الميناء يستقطب التجارة من البلدان المجاورة للبيع والشراء في سوقها القديم وتصدير المواد الغذائية مثل: التمور والسمن المحلي والأسماك المجففة واللبان العماني المعروف، حيث إن الزائر أو السائح عند وصوله إلى مرباط يستشعر مدى أهمية ومكانة سوق مرباط القديم اقتصاديًا وتاريخيًا.
وأوضح بريك بن مسلم العمري رئيس مجلس إدارة شركة مرباط وسدح للتنمية والاستثمار أن سوق مرباط من الأسواق التاريخية القديمة في سلطنة عمان، ويجب إعادة ترميم السوق ومبنى الجمرك وإحياء الحركة فيهما، وتم التنسيق مع مكتب المحافظ ووالي مرباط ووزارة التراث والسياحة والبلدية بالتعاون مع هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتمكين ومشاركة القطاع الخاص والأسر المنتجة وإيجاد منافذ تسويق جديدة للحرفيين، مؤكدًا أن تشغيل سوق مرباط القديم وحصن مرباط وفرضة الجمارك في مرباط سيكون لهما دور بارز في إثراء الوجهات والخيارات السياحية والمبادرات وفعاليات مبتكرة ومتنوعة، مما يعزز الهوية الثقافية والاقتصادية للمجتمع وإيجاد مشروعات ذات قيمة مضافة للمجتمع المحلي لما تتميز به ولاية مرباط من موقع استراتيجي جعلها من أشهر الولايات السياحية بمحافظة ظفار.
حصن مرباط
ويعد حصن مرباط من أبرز المعالم التاريخية والسياحية في ولاية مرباط، ويتميز بإطلالته على ميناء مرباط القديم حيث تم إنشاؤه في القرن التاسع الميلادي ومر الحصن بالعديد من أعمال الصيانة والترميم ليتحول إلى مزار تاريخي يحكي تاريخ عمان القديم وازدادت أهمية الحصن منذ عهد السلاطين تركي بن سعيد، وفيصل بن تركي، وتيمور بن فيصل، وفي عهد السلطان سعيد بن تيمور تم تدعيم الحصن من الناحية الشمالية لتقويته وتمكينه وذلك بعد فيضانات عام 1948م التي تعرف بسنة «الحيمر» وظل الحصن مقرًا للوالي حتى سنة 1988م.
وفي عهد السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- تم ترميم الحصن عام 1992م وفي 7 فبراير 1994م تم افتتاح الحصن بمناسبة عام التراث العماني، كما خضع الحصن في عام 2011 م للترميم مرة أخرى من الداخل والخارج.
ويحتوي حصن مرباط على معرض دائم متكامل يتضمن عددًا من الجوانب التاريخية للحصن، إضافة إلى توثيق وعرض مختلف الحرف التقليدية للمجتمع المحلي والجوانب التاريخية والجيولوجية والمعمارية والاجتماعية والاقتصادية والحياة البحرية باستخدام وسائط التكنولوجيا الحديثة التي تعبر عن سلطنة عمان بشكل عام ومحافظة ظفار بشكل خاص.
العيون
ومن العيون الطبيعية التي تشتهر بها الولاية «عين حشير» وهي من أجمل عيون محافظة ظفار، وتعد مقصدا للسياح في فصل الخريف، وجاء تسميتها نسبة للجبال التي تقع فيها بولاية مرباط، وتبعد العين عن وسط مدينة مرباط بـ10 كيلومترات من جهة الغرب وما يميز العين هو وجود أشجار التبلدي أو الباوباب العملاقة النادرة وتعرف محليا «الكجي - هيروم ذري» وهي إحدى أندر أنواع الأشجار في العالم، وتوجد بالقرب من مجرى العين فوق سفح عقبة حشير، وفي منطقة محصورة من عقبة حشير ووادي حنة، وعددها لا يتجاوز 30 شجرة فقط.
حفرة الإذابة
اكتسبت حفرة الإذابة شهرة عالمية منذ اكتشافها في عام 1997 وتعد من أكبر حفر الإذابة، ويبلغ حجمها حوالي 975 ألف متر مكعب وتقع في منطقة طوي إعتير التابعة لولاية مرباط وهي فرصة جميلة لمحبي الاكتشافات وللمهتمين بالطبيعة والمغامرة، كما أن الزوار يستمتعون بوجود العصافير والطيور والأشجار عندما تحيط بهم مع زقزقتها وظلال الأشجار التي تتميز بها المنطقة.
كهف طيق
وهو ثاني أكبر كهف في العالم، ويصل حجمه إلى 170 ألف متر مكعب، ويمتلك ما يزيد عن 6 مداخل ولا بد من مرور مسالك صغيرة وضيقة للوصول إليه ويجب ارتداء ملابس مريحة وحذاء خاص يتناسب مع طبيعة تكوين الكهف، ويقع الكهف في هضبة جبل سمحان وعلى بعد 10 كيلومترات شمال شرق منطقة طوي إعتير التابعة لولاية مرباط، ويوجد طريق معبد للوصول إلى الكهف ومواقف خاصة بالسيارات للاستمتاع وقضاء أوقات جميلة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الشيخ الباحث والأمانة التاريخية
محمد بن رامس الرواس
في لحظة من لحظات الشرف الثقافي التي تُسطَّر بماء الذهب، ازدانت قاعات معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته التاسعة والعشرين، بزيارة كريمة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى بدولة الإمارات العربية المتحدة حاكم إمارة الشارقة، رجل العلم والتاريخ الذي لا تأخذه في الحق لومة لائم.
جاءت زيارة سموه لتكون تتويجًا لدورة ثقافية زاخرة، حيث وقف بين محبيه ومريديه، يوقع أحدث إصداراته الفكرية والتاريخية، مواصلًا مسيرة علمية نادرة في دقتها وأمانتها. لقد عُرف عن سموه التزامه الصارم بالأمانة العلمية، لا يكتب كلمة إلا مستندًا إلى وثيقة أصلية، ولا يروي حدثًا إلا مدعمًا بالشواهد الدامغة.
وفي زمن عزّت فيه الموضوعية، ظل سموه صوتًا حيًا للحقائق، مستخرجًا من بين ركام الوثائق ما يعيد صياغة الوعي بتاريخ الخليج والمنطقة بعيدًا عن التزوير والتزييف، لقد أصبح مشروعه الفكري مرجعًا لكل باحث ومهتم، حيث لا يكتفي بالبحث والتأليف، بل ينشر الوثائق النادرة، ويعيد الاعتبار لتاريخ طويل طمسته الروايات المغرضة، وبكل شجاعة علمية يقدم سموه الحقائق كما هي، مدعومة بالدلائل، مؤمنًا أن الأمانة في التوثيق رسالة، وأن إنصاف التاريخ أمانة أمام الله والناس والأجيال.
وأذكر أن أول اقتناء لي لمؤلفات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي كان وأنا شاب عندما قرأت روايته "الشيخ الأبيض" التي جرت أحداثها في مدينة مرباط بمحافظة ظفار، فكانت تلك البداية التي فتحت أمامي أبواب تقدير هذا الشيخ المثقف الذي يحاكي من خلال قلمه تاريخ الأرض والإنسان في آن واحد.
وخلال تجوالي في أروقة معرض مسقط للكتاب بثاني أيام المعرض أجرت قناة الشارقة لقاءً معي تحدثت فيه عن سمات صاحب السمو وصفاته النادرة في هذا الزمان؛ صفات لا تتكرر إلّا في قلة من الرجال الذين جمعوا بين الحكمة والمعرفة والتواضع، فكان بحق رمزًا من رموز الأصالة والعلم.
لقد جاء توقيع سمو الشيخ سلطان على أحدث إصدارته «البرتغاليون في بحر عُمان، أحداث في حوليات من 1497م إلى 1757م»، الذي يضم 21 مجلدًا، باللغة العربية ومثلها باللغة الإنجليزية، وتتراوح صفحات المجلد الواحد بين 400 و600 صفحة بمجموع كلي يصل إلى 10500 صفحة، ويحوي كل مجلد مجموعة من الوثائق والرسائل، وسط حفاوة ثقافية غير مسبوقة، ليؤكد مكانة الكلمة الصادقة في زمن التزييف، ويبعث برسالة واضحة مفادها أن النور لا يخبو مهما اشتدت العتمة، وأن الحقيقة لا تندثر ما دام هناك من يذود عنها بالقلم والفكر والموقف.
إنَّ زيارة صاحب السمو الشيخ حاكم الشارقة إلى معرض مسقط الدولي للكتاب هذا العام لم تكن مجرد حضور بروتوكولي، بل كانت وقفة صادقة مع الثقافة، مع التاريخ، ومع قيم العلم التي تزداد توهجًا حين يحمل لواءها رجال مثل سموه؛ فسلامًا على قلمه الأمين، وعلمه الرصين، وجهده الخالص في خدمة الأمة وتاريخها وهويتها.
رابط مختصر