هل تروي العملات القديمة حكايات التـــواصل الحــضاري عـبر العصـور؟
تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT
تعكس النقود والمسكوكات مراحل تطور الدول وفترات قوتها ومكانتها الاقتصادية بين محيطيها الجغرافي والإقليمي وغير ذلك من جوانب التاريخ، وتشكل العملات المعدنية مصدرا مهما مثيرا للاهتمام، حيث إن دراستها من حيث الأشكال والرموز والتاريخ الظاهر عليها يوفر معلومات قيمة حول الكيانات التي قامت بإنتاجها والمجتمعات التي تداولتها وأنظمتها السياسية ومعيشتها الاقتصادية وأنشطتها التجارية وعلاقاتها الدولية، وهكذا فإن العملات المعدنية تعتبر وثائق تاريخية وثقافية وتجارية، وقد تلقي دراستها ضوءا مهما على أحوال محافظة مسندم خلال الفترات التاريخية الماضية التي ما زالت تنتظر المزيد من الدراسات والبحوث في هذا المجال، وينبغي عند الخوض في مثل هذه الموضوعات الأخذ بعين الاعتبار أن تحديد وتفسير الأشكال والرموز والتاريخ الظاهر على العملات المعدنية ومراحل تطورها الزمني يحتاج لبحث ودراسة عميقة.
موقع جغرافي متفرد
التقت «عمان» بالباحث عمر بن علي الشحي باحث تاريخي وأحد المهتمين بمجال التاريخ والموروث العماني من محافظة مسندم وقال: «إن النشاط التجاري في محافظة مسندم لعب دورا كبيرا في تعدد العملات التي عرفتها في المراحل الزمنية المختلفة، حيث انتقلت إليها عملات من مختلف أنحاء العالم نتيجة موقعها الجغرافي المتفرد، حيث إنها تشرف على مضيق هرمز الذي يعد أبرز ممر مائي في العالم قديما وحديثا، وأيضا الرواج الذي كانت تشهده أسواق المنطقة، ويعد سوق دبا من أهم الأسواق التي شهدت رواجا تجاريا كبيرا خلال القرون القديمة لما قبل الإسلام وأيضا خلال بداية العصر الإسلامي حتى القرن التاسع عشر الميلادي».
مركز تجاري
وأضاف «شهدت محافظة مسندم خلال فترات زمنية مختلفة -كما هو الحال في بقية مناطق سلطنة عمان- تداول المسكوكات والعملات العباسية والفاطمية والقاجرية واللارية والهرمزية وأيضا عملات إنجليزية وفرنسية وعثمانية، وتم العثور على درهم عباسي في ولاية دبا، والعثور على دينار فاطمي في قرية كمزار البحرية التابعة لولاية خصب، وبحكم موقع محافظة مسندم القريب من جزيرة هرمز، التي كانت في فترة من فترات التاريخ مركزا تجاريا مهما بالمنطقة تم العثور على الكثير من العملات الهرمزية القديمة». ودعا الجهات المختصة إلى ضرورة الإسراع في إنشاء مركز ثقافي تراثي تحفظ فيه هذه العملات والمسكوكات وغيرها من الآثار القيمة التي تخص المحافظة، ويخدم المجالات الثقافية والتاريخية والفنية لأبناء المحافظة ولزوارها ولعامة الناس مما يجعله ملاذا مميزا لمحبي السياحة الثقافية والتاريخية، إضافة إلى أنه يسلط الضوء على الإرث الإنساني وتاريخ تطوره في المجتمع.
إن تنوع العملات والمسكوكات النقدية يعد شاهدا على التواصل الحضاري لأي منطقة، والقوافل التجارية البرية أو البحرية التي مرت عليها وتعاملت معها وهذا الموضوع يحتاج إلى وقفة جادة من أجل توثيقه توثيقا تاريخيا يخدم الإرث الحضاري ويعكس لأبناء المنطقة والزائرين والسياح صورة مختصرة لتاريخ المنطقة.
وأوضح الشحي أنه مع التطور والتوسع الاقتصادي والتجاري لأبناء محافظة مسندم على مناطق العالم تم الاتصال بالحضارات والشعوب القاطنة في مناطق بعيدة أو قريبة من محافظة مسندم سعيا وراء لقمة العيش وتوسيع النشاط التجاري لهم، وحمل تجار محافظة مسندم عملات جديدة لم تكن معروفة من قبل في بلادهم، وعلى سبيل المثال نذكر منها: الدينار العباسي، عندما تولى أبو العباس السفاح الخلافة العباسية نقل العاصمة من دمشق إلى الكوفة ولكن بعد تولي أبي جعفر المنصور الخلافة أنشأ مدينة جديدة جعلها عاصمة للخلافة العباسية وهي بغداد أو مدينة السلام على شاطئ دجلة، وأنشأ بها دارا لسك الدنانير والدراهم ولقد عثر على جزء من عملة فضية تتضح عليها كتابة «لا إله إلا الله» في محافظة مسندم بولاية دبا، إضافة إلى الدينار الفاطمي، ويرجع نسب الدولة الفاطمية إلى إسماعيل بن جعفر الصادق، ولذلك سموا بالإسماعيلية نسبة إليه وقد نشط دعاة الإسماعيلية في منتصف القرن الثالث الهجري وكانت في أول الأمر في بلاد اليمن على يد رستم بن الحسين الكوفي الذي نجح في بث دعوته في العديد من البلدان مثل اليمامة والبحرين والسند والهند ومصر والمغرب، وقد تم العثور على دينار فاطمي في محافظة مسندم وبالتحديد في قرية كمزار البحرية التابعة لولاية خصب، ويرجع تاريخ هذا الدينار للخليفة المستنصر بالله ثامن خلفاء الدولة الفاطمية ويرجع تاريخ ضربه لعام 480 هجري.
عملة عدل جرون أو عملات مملكة هرمز
وأشار عمر الشحي إلى عملات ترجع لمملكة هرمز، المملكة التي كانت من أهم الممالك التجارية بالمنطقة التي استطاعت أن تتبوأ الصدارة منذ القرن الثالث عشر الميلادي حين أصبحت أهم سوق تجاري في الخليج العربي والمنطقة، وتم العثور على الكثير من العملات التي تم سكها في مملكة هرمز وعملة واحدة تم سكها في عمان ومن هذا العملات ضرب جرون وضرب عمان وتسمى باللهجة المحلية بمحافظة مسندم «قرون»، وأصل هذه التسمية يرجع لجزيرة جرون وهي المقر الرئيسي لمملكة هرمز، وهناك بعض العملات يوجد بها أسماء ملوك من حكام مملكة هرمز، ومنهم سلغرشاه وبعض العملات التي عثر عليها في ولاية دبا ذهبية مكتوب عليها السلطان الأعظم وهي للسلطان مسعود الذي حكم هرمز من 860 إلى 871 للهجرة وبعضها فضي ونحاسي، وفي بعض العملات التي تم العثور عليها في خصب ودبا وبخاء بكميات كثيرة عليها رسومات نباتية وهندسية تحتاج لترميم لمعرفة تفاصيلها. موضحا أن العملة الذهبية تسمى في هرمز «الآشرفي» وهي مستديرة الشكل حتى أن التجار يستطيعون أن يقبضوا ثمن بضائعهم بها وأن يشتروا بها الخيول وغيرها في المملكة وأن يأخذوا معهم من النقود الذهبية إلى مناطقهم لأنها متداولة وقيمتها عالية هناك.
العملة اللارية
وقال الباحث التاريخي: إنه أطلق على هذا العملة باللارية نسبة لمنطقة «لار» بسواحل فارس انتشرت في شتى أرجاء المنطقة في القرن السادس عشر الميلادي والفترة التي تلتها ليتداولها سكان سواحل المحيط الهندي والمناطق المطلة على سواحل الخليج العربي، ويقول المؤرخ الإنجليزي جاسبر وبالي في رحلاته لمنطقة الخليج العربي في سنة 1626 ميلادي بأن هذه العملة ضربت في سوق مدينة لار وأطلق عليها اسم لاري وعرفت في جزر المحيط الهندي والبلدان الإفريقية وبلاد ما بين النهرين، وقد ورد ذكر استخدام النقود اللارينية في بعض معاملات البيع والشراء والصرف في سلطنة عمان ومحافظة مسندم بشكل خاص، وتم اكتشاف عملتين فضيتين منها في ولاية دبا.
العملة القاجرية
كان القاجريون التركمان حلفاء ومساعدي الصفويين وهم الذين كانت لهم السلطة المرموقة في غرب خراسان ومازندران من سنة 1132هـ / 1721م ولكنهم لم يتمتعوا بالحكم الذاتي إلا بعد أن أصبح محمد حسن خان (سنة 1163هـ - 1184هـ /1750م - 1770م) حاكما وبعد موته استغل وريثه آغا محمد الخلاف بين الزنديين فوسع سلطانه بالقاجريين وانضوت الكثير من المناطق تحت لوائه، وأسس عاصمته في المدينة التجارية طهران بوسط إيران سنة 1200هـ وقد تم العثور على الكثير من العملات القاجرية في محافظة مسندم وبالتحديد ولاية دبا.
الريال النمساوي
حمل التجار هذه العملة لمنطقتهم لما لها من قيمة كوحدة نقدية يتم تداولها بينهم لتسهيل الحركة التجارية وعرف في المنطقة بريال الملكة تريزا أو القرش الفرنسي وترجع أهمية الريال النمساوي إلى أنه مصنوع من الفضة الخالصة، واستخدم الريال النمساوي في محافظة مسندم تقريبا في نهاية القرن الثالث عشر ميلادي إلى منتصف القرن التاسع عشر ميلادي.
الروبية الهندية البريطانية
استخدمت الروبية الهندية البريطانية في محافظة مسندم في منتصف القرن الثامن عشر ميلادي وهي روبية ويليام الرابع وتنقسم إلى: 1- الروبية 2- نصف روبية (8 آنات) 3- ربع روبية (4 آنات).
روبية الملكة فيكتوريا
هي أول روبية للملكة فيكتوريا أصدرتها شركة الهند الشرقية للملكة، استخدمت في الفترة من منتصف القرن التاسع عشر ميلادي إلى نهايته، ومن فئاتها الروبية ونصف الروبية وربع الروبية، وعثر على بعض منها في ولاية دبا.
روبية الإمبراطور إدوارد السابع
استخدمت هذه الروبية في محافظة مسندم في بداية القرن العشرين وتم العثور عليها في ولاية دبا.
آنة السلطان فيصل بن تركي
عملة معدنية سكت في عهد السلطان فيصل بن تركي قبل أكثر من 120 سنة ضربت في مسقط عام 1315هـ/1894ميلادي، عثر على الكثير منها في ولاية خصب وولاية دبا.
عملة قطر والبحرين
هي عملة تم تداولها في المنطقة من تاريخ 18 سبتمبر 1966 إلى 19 مايو 1973م، وكان مجلس نقد قطر ودبي هو مركز الإصدار لهذه العملة وقد تم العثور على الكثير منها في ولاية دبا.
مصادر ومراجع تاريخية
وفي ختام حديثه وسرده التاريخي عن أبرز العملات المؤرخة في محافظة مسندم أكد عمر الشحي على أهمية العملات والمسكوكات كواحدة من أهم المصادر التي يمكن الاعتماد عليها في كتابة تاريخ المنطقة وتاريخ الملوك والسلاطين والقادة الذين ساهموا في سكها، باعتبارها وثائق في غاية الأهمية نظرا لصدقها وعدم تحريفها للحقائق، مضيفا: إن المسكوكات والعملات النقدية تدرج ضمن أهم المجالات التي يهتم بها الباحثون الأثريون باعتبارها أثرا ماديا مهما يساعد المؤرخين في أبحاثهم التاريخية والأثرية، حيث يتم الكشف من خلالها عن ألقاب الحكام والأمراء وتاريخ الضرب مما يجعل العملات وسيلة مهمة لكتابة التاريخ.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی محافظة مسندم العملات التی منتصف القرن علیها فی من أهم
إقرأ أيضاً:
التنسيق الحضاري يدرج اسم أحمد ماهر باشا بمشروع حكاية شارع
أدرج الجهاز القومى للتنسيق الحضارى برئاسة المهندس محمد أبو سعدة، اسم أحمد ماهر، فى مشروع حكاية شارع، حيث تم وضع لافتة تحمل اسمه وكل المعلومات على أحد الشوارع محافظة بورسعيد.
ولد أحمد محمد ماهر في حي العباسية بمدينة القاهرة عام 1888، وكان والده "محمد ماهر باشا" من أعيان شراكسة مصر، وكان كيلًا لوزارة الحربية في عام 1894 في عهد الخديو “عباس حلمي الثاني”. وهو الأخ الشقيق للسياسي “علي ماهر باشا”، بعد أن أتم أحمد ماهر تعليمه الأساسي التحق بمدرسة الحقوق، وتخرج فيها عام 1908. وبعد تخرجه عمل بالمحاماة لمدة عامين، ثم سافر إلى فرنسا عام 1910 ليدرس القانون والاقتصاد في جامعة مونبيلييه لمدة ثلاث سنوات ونال منها درجة الدكتوراه.
عقب عودة أحمد ماهر إلى مصر في عام 1913 قام بالتدريس لمدة ثمان سنوات في مدرسة التجارة العليا حيث ارتبط مع "النقراشي باشا" بصداقة وثيقة، فتزاملا وسارا معًا تحت راية “سعد زغلول”، كما التحقا بأجهزة “عبد الرحمن فهمي” السرية للنضال ضد الاحتلال الانجليزي، وألقى القبض عليهما في قضية اغتيال حسن عبدالرازق وإسماعيل زهدى، أمام مبنى جريدة "السياسة" عام ١٩٢٢، ثم أفرج عنهما لعدم ثبوت الاتهام.
انتخب عضوًا بمجلس النواب عام 1924. ثم اختاره سعد زغلول وزيرًا للمعارف في 25 أكتوبر عام 1924، ولم يكن يحمل في ذلك الوقت من الألقاب سوى لقبه العلمي، قبض عليه في مايو 1925 وحوكم في قضية الاغتيالات السياسية مع النقراشي، وشكل سعد زغلول هيئة للدفاع عنهما، كان على رأسها المحامي “مصطفى النحاس”، الذي حصل لهما على البراءة بعد أقل من عام.
اختير مرة ثانية عضوًا في مجلس النواب، وأصبح رئيساً للجنة الميزانية والمحاسبة في البرلمان. وفي أغسطس 1927 قام بتمثيل مصر في المؤتمر البرلماني الدولي في “ريو دي جانيرو”، ولكنه عاد على الفور عندما علم بوفاة سعد زغلول، أصبح مديرًا لجريدة البلاغ الوفدية، وأعيد انتخابه نائبًا في عام 1930، ورافق الوفد المصري في مفاوضات المعاهدة مع بريطانيا في ذلك العام كخبير مالي، تولى رئاسة تحرير جريدة كوكب الشرق الوفدية عام 1934. وانتخب نائبًا ثم رئيسًا لمجلس النواب في مايو 1936، وعضوًا في وفد مفاوضات المعاهدة وفي “مؤتمر مونتريه”.
بعدما توفي سعد زغلول رأى أحمد ماهر والنقراشي أنهما الأحق في شغل موقع سكرتيري الحزب أكثر من مكرم عبيد لأسبقيتهما في الارتباط بسعد زغلول ودورهما في الكفاح السري الذي كاد يعرضهما للموت أكثر من مرة. كانت المنافسة بين ماهر والنقراشي من جانب والنحاس ومكرم من جانب آخر أشبه بمقدمة للانشقاق، الذي حدث بين عامي 1937 و1938، بعد أن خرج أحمد ماهر ومحمود غالب والنقراشي مع مجموعة من شباب الوفد وشكلوا “الهيئة السعدية”.
اختير أحمد ماهر وزيرُا للمالية في وزارة “محمد محمود باشا” الرابعة من 24 يونية 1938 إلى 18 أغسطس 1939تولى أحمد ماهر باشا رئاسة وزراء مصر لفترتين؛ الأولى من 8 أكتوبر 1944 حتى 15 يناير 1945، والثانية من 15 يناير 1945 حتى 24 فبراير 1945. وقد تولى في تلك الوزارتين وزارة الداخلية بالإضافة إلى مهام رئاسة الوزارة.
في 24 فبراير 1945 عقد البرلمان المصري جلسته الشهيرة لتقرير إعلان الحرب على المحور والوقوف بجانب الحلفاء وانضمام مصر للأمم المتحدة، ومع ارتفاع حدة المعارضة بين مؤيد للمحور ومساند للحلفاء اضطر أحمد ماهر إلى عقد جلسة سرية مع مجلس النواب، شرح لهم فيها المكاسب التي ستحصل عليها مصر في حال الإعلان الرسمي للحرب ضد المحور ودعم الحلفاء، وأخيرًا اقتنع مجلس النواب بما أوضحه أحمد ماهر لهم من بيانات وحجج وأسانيد، واستطاع أن يحصل على تأييد شبه جماعي لإعلان الحرب على المحور.
وبعد الحصول على الموافقة الرسمية للبرلمان قرر ماهر التوجه مباشرة إلى مجلس الشيوخ لطرح حجته عليهم، وأثناء مروره بالبهو الفرعوني قام شاب يدعى “محمود العيسوي” بإطلاق النار عليه مما أدى إلى وفاته على الفور.