لوحات ساير غوميز تتأرجح بين الواقع والخديعة.. تظهر لوس أنجلوس كما هي
تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- بعد التمعّن للمرة الثانية، بلوحة "غرفة العائلة" حتى لاحظت طفلان صغيران ينقّبان في قايا القمامة. كان ذلك تحت لافتة باهتة تعلن إحياء حفل حي يضم "دي جي" و"كوكتيلات" و"ترفيه"، ويمهد سياج مرسوم بأسلوب الغرافيتي أسفلها، الطريق لرؤية أكوام من عجلات الدراجات، والملابس المهملة، وقطع التكنولوجيا المكسورة وبعض الستائر.
مشهد التلاشي والزوال، جسدته لوحة للفنان ساير غوميز المقيم في لوس أنجلوس، والمعنونة "غرفة العائلة"، تجمع عناصر متباينة من مسقط رأسه بأسلوب تصويري واقعي مقلق. يشكل العمل جزءًا من معرضه الفردي "Heaven N' Earth" في صالة العرض الرئيسية لتاجر الأعمال الفنية كزافيه هافكينز Xavier Hufkens في بروكسل، بلجيكا، حيث يستكشف الثنائيات المعقّدة للمشهد الحضري.
وقال غوميز لـCNN، إنّ لوحته مستوحاة من عائلة حقيقية تعيش في أحد المخيّمات المؤقتة وعربات سكن متنقلة من جهة الطريق المقابلة للاستوديو الخاص به: "في الغالب، أحتفظ بالشخصيات خارج اللوحات، لذلك كان قرارًا صعبًا بإدراجها. الطفلان (المصوران) في تلك اللوحة هما طفلاي، لكنهما كانا البديل في هذه الوضعية".
لوحة غوميز "غرفة العائلة" تظهر طفلين يفتشان في مخلفات مرمية داخل قطعة أرض مهجورة، استوحاها من موقف حقيقي واجهه الفنان بالقرب من الاستوديو الخاص به.Credit: Courtesy the artist/Xavier Hufkensإنها نقطة بداية مقلقة للغاية لمعرض يمتد على أربع طبقات، حيث يقارن بين شواطئ كاليفورنيا، وغروب الشمس، والأفق المتلألئ، مع آلات البناء الضخمة، والسيارات المهجورة، وعربات التسوّق التي أُضرمت فيها النيران.
يشير المعرض إلى أنّ "غوميز يكرّس اهتمامه لتقنيات البقاء المادي والثقافي التي تمّ التخلي عنها في أعقاب التطور الرأسمالي، مع التزام صادق بتوثيق آثار التجربة الحياتية على أنقاض تراجع التصنيع".
أو بحسب ما يرى هوفكينز الذي عرض أعمال غوميز لأول مرة في بروكسل عام 2021: "باتخاذ مشاهد عادية من جنوب كاليفورنيا كموضوع له، يقدم لنا غوميز لمحات عن التجربة الإنسانية وسط التغيير المجتمعي".
وقال الفنان البالغ من العمر 42 عاماً، والذي كان يرتدي سترة ويشرب القهوة، إن "نتاجي الفني أصبح أكثر قتامة على نحو مستمر خلال السنوات القليلة الماضية"، مشيراً إلى أنّ هذا التحوّل "تزامن مع كوني أباً".
وأضاف: "من جهة، أدخل نوعًا من الفكاهة من خلال الأيقونات التي ينغمس فيها الأطفال"، غامزًا بذلك إلى شيطان تسمانيا في لوني تيونز الذي يبدو أنه على وشك التأرجح عبر باب زجاجي في إحدى اللوحات، والألعاب المحشوة المحبوبة المصطفة على طول حافة النافذة في مكان آخر. لكنه أكد أنّ "الطابع العام الغالب مشؤوم أكثر بكثير. من الصعب أن نبقى متفائلين".
"صانع التقدم" من عام 2023، مرسومة بواسطة الأكريليك على القماشCredit: Courtesy the artist/Xavier Hufkensقد تشير لوحة "أضواء، كاميرا، أكشن" إلى بريق وسحر هوليوود من عنوانها، غير أنّ تصوير خيمة مضاءة يسلط الضوء على حقيقة أن عدد السكان القاطنين من دون مأوى ويعيشون في خيم بلوس أنجلس زاد بنسبة 9٪ بين عامي 2022 و2023، بحسب هيئة خدمات المشردين في لوس أنجلس (LAHSA). ولفت غوميز إلى أنه "لا يمكنك عدم رؤيته. عندما انتقلت لأول مرة إلى لوس أنجلوس في عام 2006، كان (التشرد) موجودًا نوعًا ما في Skid Row، لكن هذه الظاهرة باتت منتشرة في كل جزء من المدينة الآن".
عدم وضوح الخط الفاصل بين الواقع والخدعةنشأ غوميز في شيكاغو وانتقل إلى لوس أنجلس عام 2006، للدراسة في معهد كاليفورنيا للفنون. لم يجد موضوعه في مكان سكنه الجديد فحسب، بل اكتشف أيضًا أسلوبه المميز في الرسم الواقعي للغاية، المتأثر بالفنانين المحليين مثل إد روشا وجاك غولدستين، فضلاً عن الصناعات الإبداعية في المدينة.
من خلال العمل مع فريق من المساعدين، يقارن أساليب الإنتاج الخاصة به بـ"استوديو أفلام هوليود، أو دار دعم صغيرة جدًا ومصغرة". وأوضح غوميز أن اللوحات تبدأ على شكل مجموعات رقمية يتم إعادة إنشائها بعد ذلك على القماش باستخدام البخاخة المادية، وهي تقنية "تم اختراعها كوسيلة لتنقيح الصور، ولكن تم تنفيذها أيضًا في خلفيات الأفلام وملصقات الأفلام والترويج"، مضيفًا أن "ثمة أمر خادع في تسطيحها".
يعترف ساير غوميز بأنّ عمله أصبح أكثر قتامة في السنوات الأخيرة. وأضاف: "من الصعب أن نبقى متفائلين".Credit: Sam Ramirez
إنها لوحات تطمس الخط الفاصل بين الواقع والخدعة، وغالبًا ما تتضمن تأثيرات رقمية (مثل المناطق المنقطة) تم إنشاؤها بوسائل تناظرية. قال غوميز: "هذا النوع من الواقع الزائف المعاد بناؤه أمر مترابط للغاية. إنّه حقيقي في بعض النواحي، لكنه يشكّل أيضًا جزءً من خيال أكبر".
تلعب المنحوتات أيضًا دورًا في هذا الانقسام. "الوعد"، على سبيل المثال، عبارة عن إعادة إنشاء لمحطة شحن السيارات الكهربائية، مطبوعة بتقنية ثلاثية البعد من قبل المصنّعين الذين يعملون مع شركة الإنتاج السينمائي والتلفزيوني لوكاسفيلم حتى تبدو محترقة ومنصهرة.
وفي الوقت عينه، تعتمد "Scale Replica of the Past, Present, and Future (Peabody Werden House)" على منزل من طبقة واحدة على الطراز الفيكتوري، بني عام 1895 في ضاحية Boyle Heights "للطبقة العاملة ولكنها ترتقي الآن". تم إنقاذ العقار في الآونة الأخيرة من الهدم، من قبل دعاة الحفاظ على التراث، وتم سحبه بواسطة حفار إلى قطعة أرض فارغة عبر الشارع في عام 2016. وروى غومير أنه "ما زال قائمًا هناك، على ركائز متينة". وقد استأجر الفنان مصممًا من هوليوود لإنتاج القطعة التي تشبه بيت الدمى، والتي تُعرض في بروكسل محاطة بلوحات لغروب الشمس المثالي في لوس أنجلوس، والتي اشتراها منذ ذلك الحين متحف فورليندن في هولندا.
كما أضاف متحف "برود" في لوس أنجلوس أخيرًا أعمال غوميز إلى مجموعته. وتشارك لوحات "الألماس واللؤلؤ" و"العالم الواسع كله منزل مسكون" (التي تصور تباعًا لافتات صالون الأظافر ومركز تجاري مهجور) في معرض المتحف الجديد "الرغبة والمعرفة والأمل (مع الضباب الدخاني)"، وهو معرض جماعي للفنانين المقيمين في لوس أنجلوس بعنوان مستوحى من الفنان الأمريكي المفاهيمي الراحل جون بالديساري.
تظهر أعمال غوميز الواقعية المقدمة في إطار معرض فردي له داخل صالة Xavier Hufkens في بروكسل، بلجيكا (أعلاه) وعرض جماعي في The Broad بلوس أنجلوس.Credit: Courtesy Xavier Hufkens
وأوضح إد شاد، أمين معرض The Broad أنّ "أحد الأمور التي جلبها ساير غوميز إلى المعرض تركيزه على لوس أنجلوس كما هي، عوض وضع إسقاطاته على هذه المدينة، وهو أمر ليس من السهل القيام به كما يبدو". وتابع: "رغم أنّ عمله يعتمد على لحظات واقعية للغاية، سواء كانت سلة مهملات محترقة أو موقع بناء، إلا أنه يبدو سرياليًا تقريبًا. والمدينة، بمبانينا وشركاتنا الفارغة ومشكلة السكن الكبيرة التي نعاني منها، تقدم نفسها كحقيقة غريبة تكاد تكون من الخيال العلمي".
في الوقت عينه، يزدهر المشهد الفني في لوس أنجلوس، وهي نقطة تطرق إليها غوميز في معرض Xavier Hufkens، حيث ضمّن معرضه سلسلة من اللوحات للأبواب الزجاجية (كل منها بعنوان "ما كان ينبغي علي فعله ولم أفعله") لوحة تطل على الأجزاء التي كانت متهالكة من المدينة وأصبحت الآن مأهولة بالمعارض العالمية بما في ذلك ديفيد زويرنر.
ولكن في خضم هذه الرواية المشؤومة، يعترف غوميز بأمر يشبه قصة حب، فهو لا يستطيع أن يتخيل نفسه يعيش ويعمل في مكان آخر.
قال: "أعني أنني أخرج من الباب وأقول: يا إلهي، هذا محبط. لكن كاليفورنيا جميلة جدًا أيضًا. إنه لأمر غريب".
التصويررسمفنونلوس أنجلوسمعارضنشر الثلاثاء، 05 مارس / آذار 2024تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2024 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: التصوير رسم فنون لوس أنجلوس معارض فی لوس أنجلوس فی بروکسل
إقرأ أيضاً:
“وعد الآخرة” في الواقع وعلاقته باليمن وفلسطين
يمانيون../
عند النظر إلى الواقع، نجد أن الإفساد الصهيوني في فلسطين يتطابق بشكل كبير مع وصف القرآن للإفساد الثاني لبني إسرائيل، حيث يمارس الكيان الصهيوني الظلم والاحتلال والفساد في الأرض. فالسيطرة على المقدسات الإسلامية، وتهجير الفلسطينيين، والجرائم اليومية بحق الأبرياء، كلها مظاهر واضحة لهذا الإفساد الذي ذكره القرآن الكريم. غير أن سنن الله في التاريخ تُظهر أن أي قوة ظالمة مهما بلغت جبروتها، فإنها إلى زوال، كما قال الله تعالى: “وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا” (الكهف: 59).
وعد الآخرة في القرآن الكريم هو وعد إلهي ثابت في سنن التاريخ، حيث يتكرر مصير الظالمين والمفسدين كلما بلغ فسادهم ذروته. وقد جاء في قوله تعالى: “فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا” (الإسراء: 7). هذه الآية ترسم مشهدًا متكررًا في حركة التاريخ، حيث تعود القوى المستكبرة إلى الإفساد في الأرض، فتنهض قوة إيمانية لإزالتها، ويعاد التوازن إلى الأرض وفق سنن الله التي لا تحابي أحدًا. واليوم، يتجلى هذا القانون الرباني في الإفساد الصهيوني الذي يعيد إنتاج النموذج القرآني لبني “إسرائيل” حين طغوا وتجبروا، حيث يمارس الاحتلال أبشع صور الظلم والقهر والعدوان، لكن كما في كل مراحل التاريخ، فإن الطغيان مهما اشتد فإن مصيره الزوال، لأن الله قد أجرى سننه على أن العاقبة للحق وأهله.
وقد شهدت البشرية عبر العصور صعود قوى ظالمة مارست الاستكبار، لكنها سرعان ما تهاوت أمام إرادة الشعوب المستضعفة، كما حدث مع فرعون الذي طغى في الأرض فكان هلاكه عبر أعظم معجزة، وكما سقطت الإمبراطوريات الجبارة رغم جبروتها، وكما انهارت قوى الاستعمار تحت ضربات الشعوب الحرة. واليوم، نعيش زمنًا جديدًا من هذه السنن، حيث تتشكل مقاومة عالمية في وجه الاحتلال الصهيوني، ويبذل الأحرار جهودًا متواصلة لاستعادة الحقوق المسلوبة. وما نشهده في فلسطين اليوم ليس مجرد صراع سياسي، بل هو معركة فاصلة بين الحق والباطل، تتجسد فيها سنن التدافع الإلهي، كما وعد الله المستضعفين بأنهم هم من سيرثون الأرض في النهاية، حيث قال: “وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ” (القصص: 5).
واليوم، ومع اشتداد الطغيان الصهيوني في فلسطين والعالم، يبرز دور اليمن كجزء أصيل من هذه المواجهة التاريخية التي تعيشها الأمة الإسلامية. فالشعب اليمني، بإيمانه العميق وثباته المبدئي، لم يكن يومًا متفرجًا على قضايا الأمة، بل كان دومًا في قلب المعركة، مؤمنًا بأن فلسطين ليست مجرد أرض محتلة، بل قضية عقائدية تمس جوهر الصراع بين الحق والباطل. وقد جسّد هذا الإيمان عمليًا، حيث كان من أوائل الشعوب التي رفضت العدوان الصهيوني، ولم يكتفِ بالموقف الخطابي، بل انتقل إلى الفعل المباشر، فكان لتحركاته السياسية والعسكرية أثر واضح في إعادة رسم موازين الصراع.
وما نشهده اليوم من مقاومة شعبية متصاعدة في فلسطين، وتحركات عسكرية يمنية تربك العدو، ليس إلا امتدادًا للسنة الإلهية التي تفرض نفسها في كل العصور، حيث إن مواجهة الاستكبار باتت أمرًا حتميًا، والتاريخ يؤكد أن أي كيان يقوم على الظلم والعدوان لا يمكن أن يستمر طويلًا، مهما امتلك من قوة، لأن قوته قائمة على الباطل، والباطل بطبيعته زائل. وكما انهارت قوى الاستعمار، وسقطت أنظمة الطغيان، فإن الكيان الصهيوني اليوم يعيش حالة من التراجع والانهيار الداخلي، رغم مظاهره العسكرية المتضخمة، لأن سنة الله اقتضت أن الظلم مهما طال فإنه إلى زوال، كما قال تعالى: “وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا” (الكهف: 59).
ولم يكن هذا الموقف مفاجئًا لمن يعرف تاريخ اليمن وشعبه، فقد كان حاضرًا في كل المراحل الفاصلة من تاريخ الأمة، وهو ما يعكسه الحديث النبوي الشريف: “الإيمان يمان، والحكمة يمانية”، فاليمنيون كانوا جزءًا من الفتوحات الإسلامية، وساهموا في نشر الإسلام والدفاع عن المقدسات، واليوم يعيدون هذا الدور من خلال تصدّرهم للمواجهة ضد المشروع الصهيوني، مؤمنين بأن المعركة ليست مجرد صراع على الأرض، بل هي معركة إيمانية قرآنية يترتب عليها تحقيق وعد الله بزوال الطغيان.
السياسية || محمد الجوهري