مارست قوات الدعم السريع انتهاكات واسعة في مدن وقرى ولاية الجزيرة، مما زاد عدد القتلى والمصابين في ظل انقطاع الاتصالات والإنترنت.

كمبالا- ود مدني: التغيير

استباحت قوات الدعم السريع قرى ولاية الجزيرة- وسط السودان، منذ شهر ديسمبر الماضي، ونفذت عمليات قتل ونهب وتشريد، ورغم أنها ليست المرة الاولى التي تمارس فيها القوات ذات الأفعال، إلا أن خصوصية الجزيرة وقراها أوجدت صدى مختلفاً لدى الرأي العام، فالولاية الوسطية تضم أكبر تركيبة سكانية متنوعة، وتتميز بأكبر مشروع زراعي على مستوى أفريقيا وسكانها مسالمون يمتهن أغلبهم الزراعة، وتتم هذه الممارسات في مناطق ليس بها وجود عسكري، مما يجعلها غاية في البشاعة.

بطش وإهانة

وأفادت متابعات (التغيير)، أن مواطني قرى الجزيرة القريبة من النيل الأزرق أصبحوا يستقلون “الرفاس”، لتفادي بطش وإهانات أفراد الدعم السريع باالارتكازات، وقد غرق  أمس الاثنين  12 شخصاً في “معدية” المحس كترانج والمسيد، من بينهم أفراد من منطقة البنبوناب.

وقالت لجان مقاومة مدني ولجان المقاومة الحصاحيصا، إن المليشيا استغلت انقطاع الاتصالات والتعتيم الإعلامي لارتكاب كل أنواع الانتهاكات بحق المدنيين، وأنها استباحت قرى الجزيزة وتسببت في مقتل أكثر من 100 وإإصابة عشرات المواطنين.

فيما أكد شهود عيان، دخول الدعم السريع، لقرى الجزيرة بـ”الدفارات” لأخذ المواد الغذائية وكسر ونهب المحال التجارية، وتخوفوا من حدوث مجاعة بمناطق الواقعة تحت سيطرتها.

وضع كارثي

وتوقفت الحياة بصورة كلية في عدد كبير من قرى الجزيرة، وخرجت جميع المرافق الخدمية والصحية عن الخدمة.

وبحسب مصدر طبي- فضل حجب اسمه- فإن عدداً كبيراً من المرضى فقدوا حياتهم جراء توقف المستشفيات والنقص الحاد في الأدوية خاصة أدوية  الأمراض المزمنة.

وقال إنه لا توجد إحصاءات دقيقة لوفيات المرضى في ود مدني، لكن العدد كبير. فقد كانت المستشفيات مليئة بالمرضى خاصة الذين تم تحويلهم من مشافي الخرطوم والعديد منهم كانت حالته خطرة.

ووصف  المصدر الوضع الصحي في الجزيرة  بالكارثي، وطالب المنظمات المحلية والدولية بضرورة التدخل لإنقاذ إنسان الولاية.

وتبعد الجزيرة وعاصمتها ود مدني عن الخرطوم نحو 186 كيلومتراً، ويوجد فيها  أهم وأكبر مشروع زراعي في السودان وأفريقيا بمساحة نحو 2.2 مليون فدان.

تدمير المشروع

وبعد سيطرة الدعم السريع على الولاية نهبت مشروع الجزيزة الذي يعتمد عليه السودان في المحاصيل الزراعية، ما جعل جميع السودانيين يواجهون خطر المجاعة التي دقت ناقوسها المنظمات المحلية والدولية، في ظل رفض حكومة الأمر الواقع ببورتسودان إدخال الإغاثة عبر تشاد.

وقال محافظ مشروع الجزيرة عمر مرزوق لـ(التغيير)، إن جميع مدخلات المشروع تمت سرقتها ونهبها بواسطة قوات الدعم السريع بعد دخولها لمقر المشروع بمنطقة بركات جنوب ود مدني.

وأكد تعرض نصف مليون فدان مزروعة بالمحاصيل الشتوية للفساد، من بينها 200 ألف فدان مزروعة بالقمح، وذلك بسبب فقدان إدارة المشروع القدرة على إدارة عمليات الري.

ضرب مركز الإغاثة

وتعتبر ود مدني المركز الرئيسي لعمليات الإغاثة في السودان، وسبق أن حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) من فقدانها القدرة على الاستمرار في برنامجها الذي يوفر الرعاية لنحو خمسة ملايين طفل/ة.

كانت منظمة الصحة العالمية هي الأخرى قد حذرت من أنّ جهود مواجهة تفشي الكوليرا في الجزيرة أصبحت عسيرة بعد دخول الدعم السريع ود مدني.

وبحسب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوغاريك، نزح نحو ستة ملايين شخص داخل السودان منذ اندلاع الحرب، بينهم نحو نصف مليون نزحوا من ولاية الجزيرة بعد دخول الدعم السريع إليها.

واتهم برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الدعم السريع بنهب الإمدادات الغذائية من مقره في الجزيرة، ما اضطره لتعليق عملياته هناك.

تدمير دور العبادة

ولم تنج دور العبادة في الجزيرة من الانتهاكات حيث احرقت قوات الدعم السريع مبنى الكنيسة الإنجيلية المشيخية في حي “القسم الأول” في 12 يناير الماضي، وتعرض المبنى لأضرار كبيرة، ودمرت الصالة الرئيسية والمكتبة التي تحوي وثائق تاريخية.

وحمل الأمين العام للكنيسة الإنجيلية المشيخية القس يوسف مطر، في تصريحات صحفية، قوات الدعم السريع المسؤولية الأخلاقية والجنائية للحادث، كونها تسيطر على المنطقة بشكل كامل ولن تستطيع أي جهة الدخول للمقر دون علمها”.

نفي الاتهامات

ونفى قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، أكثر من مرة ارتكاب قواته انتهاكات بولاية الجزيرة، وقال مستشار الدعم السريع إبراهيم مخير لـ(التغيير)، إن اللجنة التي تم إرسالها في الأيام الماضية تقوم بإجراء تحقيق والقبض على المتفلتين وتقديمهم لمحاكمات عاجلة.

وأشار إلى أن المتفلتين هم المجرمون سوى كانوا يرتدون الزي أم غيره. وأوضح أنهم المجرمون الهاربون من السجون “الذين فتح لهم الجيش السجون ومنهم محكومين بالإعدام واللصوص والنهابين”.

واتهم مخير من وصفهم بالطابور الخامس من الوحدات المتخصصة في الاستخبارات العسكرية التي اندست في المناطق الآمنة بنشر عدم الاستقرار وإثارة الهلع.

وقال إن هنالك قوات خاصة وأغلبها تتبع للإسلاميين، وكل هؤلاء يدعوهم الدعم السريع بالمتفلتين وليس بينهم منتمين للقوات.

وشدد مخير على أن من يخالفون الانضباط العسكري من الدعم السريع تتم محاكمتهم حسب إجراءات الانضباط والضبط والربط كأي قوة نظامية محلية أو دولية وقد تصل العقوبات حد الإيقاف أو السجن الحربي وحتى الفصل من الخدمة- حسب قوله.

هجمات غير مبررة

وطالبت أحزاب سياسية ومجموعات مدافعة عن حقوق الإنسان قوات الدعم السريع بإبعاد المقاتلين من القرى وأحياء مدن الجزيرة والابتعاد عن مناطق تواجد المدنيين، ودعوا لضرورة محاسبة الجناة على هذه الجرائم.

وقال الخبير القانوني، المدافع عن حقوق الإنسان عبد الباسط الحاج، إن الجزيرة والقرى التابعة لها كانت ملجأ آمناً لعدد كبير من الفارين من الخرطوم ومدني وبعض مدن كردفان وتحديدا بعد هجوم الدعم السريع على مدينة ود مدني لجأ كبير من المواطنين إلى قرى الجزيرة التي يهاجمها الدعم السريع الآن.

وأضاف: “أرى أن الدعم السريع يقوم بتحول الحرب إلى المدن الآمنة والمناطق المدنية التي تخلو من أي مظاهر عسكرية ويقوم بالهجوم ونهب ممتلكات المواطنين وتدمير المرافق العامة عنوة وهذا يعتبر نوع من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لاعتبار أن عمليات القتل المستمرة ونهب الممتلكات تتخذ اسلوباً ممنهجاً في كل منطقة تطأها قدم الدعم السريع، وهي من الجرائم الخطيرة التي جرمها القانون الدولي وكذلك ضمنها القانون الجنائي السوداني”.

وتابع: “لا يوجد ما يبرر وقوع هذه الجرائم لا الظروف العسكرية ولا غيرها تعطي الدعم السريع الدافع للهجوم على هذه القرى، وبالعكس فإن هذه الأفعال تثبت أن قوات الدعم السريع تتعمد ارتكاب هذه الانتهاكات ضد المدنيين كم فعلوا في دارفور وبعض مناطق كردفان والآن ذات السيناريو يتكرر في الجزيرة وقراها التي لا توجد بها قواعد عسكرية وبعضها لا يوجد بها أقسام شرطة”.

جرائم ضد الإنسانية

واوضح الحاج، أن القانون الدولي خصص اتفاقية لحماية المدنيين في فترات النزاع وألزم أطراف النزاع بحمايتهم وعدم انتهاك حقوقهم وأي مخالفة لقواعد معاهدة جنيف لحماية المدنيين يعتبر جريمة حرب، كما أن بعض جرائم القتل ونهب الممتلكات وتدمير الممتلكات بشكل متعمد ترتقي لأن تكون جرائم ضد الإنسانية لطالما كانت بطريقة ممنهجة وواسعة النطاق وهنا تنطبق على الحالة في الجزيرة فإن الدعم السريع يقوم بمهاجمة القرية تلو القرية، وهنالك تقارير عن وقوع حالات قتل متعمد لمواطنين مدنيين وحالات نهب للمتلكات وغيرها من الانتهاكات الفظيعة يمكن تصنيفها بالجرائم ضد الإنسانية يجب أن يتم التحقيق فيها ومحاسبة المتورطين”.

وطالب الخبير القانوني منظمات المجتمع المدني القيام بفتح مزيد من التحقيقات وكذلك البعثة الاممية الخاصة بالسودان ما يساعد في الكشف عن طبيعة الجرائم التي تقع الآن وعن المتورطين والتجهيز لمحاسبتهم.

هزيمة أخلاقية

وبدوره، يرى الخبير العسكري أسعد التاي، أن سقوط ود مدني شكل هزيمة معنوية كبيرة للجيش السوداني، ونصراً لقوات الدعم السريع، لكنه تحول إلى هزيمة أخلاقية، بعد استباحة أفراد من الدعم السريع قرى الجزيرة.

وقال التاي لـ(التغيير)، إن الانتهاكات التي حدثت في مدني جعلت الدعم السريع يتوقف عن دخول ولايات أخرى خاصة بعد الإدانات المحلية والدولية لتلك الانتهاكات.

الوسومالدعم السريع السودان المحس كترانج دلقو المحس عبد الباسط الحاج مدني مشروع الجزيرة ولاية الجزيرة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الدعم السريع السودان مدني مشروع الجزيرة ولاية الجزيرة جرائم ضد الإنسانیة قوات الدعم السریع ولایة الجزیرة قرى الجزیرة فی الجزیرة ود مدنی

إقرأ أيضاً:

البرهان يتفقد القوات السودانية في خط المواجهة بسنار

تفقد رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان اليوم السبت القوات في الخطوط الأمامية بولاية سنار وسط السودان والتي شهدت مواجهة بين قوات الجيش وعناصر الدعم السريع

وقالت القوات المسلحة السودانية، في بيان لها على صفحتها بموقع "فيسبوك" اليوم السبت، إن البرهان " تناول وجبة الطعام مع القوات وسط معنويات عالية وإصرار قوي على تحرير السودان كله من مرتزقة مليشيا الدعم السريع  الإرهابية ".

وكانت معارك دامية بين الجيش وقوات الدعم السريع اندلعت على تخوم ولاية سنار الشمالية، ما أدى إلى حالة من الهلع بين سكان عاصمة الولاية  قبل أن تعلن حكومتها المحلية عودة الأوضاع إلى طبيعتها بعد "دحر" قوة حاولت التسلل للمدينة عبر مدخلها الغربي.

المعارك تفرز وموتا ودمارا  وجوعا ونزوحا في السودان وتحذيرات من الأسوأ (الفرنسية) ضربات جوية

وقالت مصادر عسكرية إن الطائرات الحربية بالجيش السوداني نفذت غارات جوية على مواقع الدعم السريع بمنطقة جبل موية غرب ولاية سنار وسط البلاد.

وأشارت المصادر إلى أن الضربات الجوية استهدفت تجمعات الدعم السريع بجبل موية تحديدا الطريق الرابط بين ولايتي سِنار والنيل الأبيض.

وكانت قوات الدعم السريع قد أعلنت الأسبوع الماضي سيطرتها على جبل موية وقطعت الطريق الرابط بين ولايتي سِنار والنيل الأبيض.

كما نشرت منصات محسوبة على الدعم السريع مقاطع فيديو ومعلومات تقول فيها إنها دخلت إلى سنار، ما أثار هلع مواطنيها ودفع بعضهم إلى الخروج إلى مناطق مجاورة قبل أن يعودوا إثر بيان حكومة الولاية الذي تحدث عن تدمير القوة التي حاولت التسلل إلى المدينة.

وأُجبر الآلاف هذا الأسبوع على الفرار من مدينة سنار بعد هجوم قوات الدعم السريع على منطقة جبل موية القريبة، وفق ما أفاد شهود ، ما يعزز المخاوف من أن خط الجبهة ينتقل مجددا نحو الجنوب والشرق.

وتربط ولاية سنار التي تستضيف أكثر من نصف مليون نازح حاليا وسط السودان بالجنوب والشرق الخاضعين لسيطرة الجيش، حيث يحتمي مئات آلاف الأشخاص الآخرين.

وتأتي هذه التطورات بعد إعلان قوات الدعم السريع السيطرة على منطقة جبل موية الإستراتيجية الواقعة على الطريق الرابط بين ولايات سنار والجزيرة والنيل الأبيض.

غير أن مصادر عسكرية في الجيش السوداني قالت إنهم يحاصرون قوات الدعم  السريع التي انتشرت في بعض قرى جبل موية منذ مساء الإثنين الماضي، واحتمت بالمواطنين واستخدمتهم دروعا بشرية ولم يعد أمامهم إلا  "الاستسلام أو الفناء".

وكشفت المصادر أن قوات الدعم السريع تستهدف عزل ولايتي سنار والنيل الأبيض مع شرق السودان والموانئ بالبحر الأحمر، وتعقيد مهمة الجيش في تحرير ولاية الجزيرة بتعطيل المحور الغربي الزاحف نحو مدينة ود مدني عاصمة الولاية.

حلقة وصل

وتقع مدينة سنار في الجزء الجنوبي من وسط السودان، وتعتبر حلقة الوصل  الرئيسية التي تربط بين عدد من المدن الإستراتيجية في شرق وغرب البلاد وجنوبها لوقوعها على الطريق الرئيسي الرابط بين مدينة سنار وعدد من المدن في ولايتي النيل الأبيض والجزيرة، كما تشكل عمقا مهما لمناطق  ولايات كردفان لربطها مع ميناء بورتسودان على ساحل البحر الأحمر.

ومنذ أبريل/نيسان 2023 اندلع القتال بين القوات المسلحة السودانية ،وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي). وأودت الحرب بعشرات الآلاف ودفعت الملايين للنزوح وتسببت بإحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

وتعد المناطق التي تشمل الفاشر المحاصرة في شمال دارفور وأجزاء من العاصمة الخرطوم ومراكز رئيسية للنازحين في دارفور وجنوب كردفان، الأكثر تأثّرا بالقتال المباشر. تخضع بعضها، بما فيها جزيرة توتي وسط الخرطوم لحصار من قبل الطرفين منذ أكثر من عام.

مقالات مشابهة

  • قوات الدعم السريع تعلن سيطرتها على مدينة رئيسية في السودان
  • الدعم السريع يعلن سيطرته على مدينة رئيسية في السودان
  • قوات الدعم السريع تعلن السيطرة على سنجة
  • البرهان يتفقد القوات السودانية في خط المواجهة بسنار
  • منظمة حقوقية تتهم الدعم السريع بتنفيذ “مجزرة”
  • السودان..اغتيال طبيب بطريقة بشعة
  • وزارة الصحة: مليشيا الدعم السريع اغتالت استشاري التخدير بمستشفى الحصاحيصا
  • تجدد الاشتباكات بالفاشر وتحذيرات من مجاعة كارثية بالسودان
  • تأملات في مواقف “تقدم” (٢)
  • الجيش في السودان يؤكّد مقتل العشرات في عملية تحرير جبل موية