«الدعم السريع» في الجزيرة.. انتهاكات مستمرة ومحاسبة غائبة
تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT
مارست قوات الدعم السريع انتهاكات واسعة في مدن وقرى ولاية الجزيرة، مما زاد عدد القتلى والمصابين في ظل انقطاع الاتصالات والإنترنت.
كمبالا- ود مدني: التغيير
استباحت قوات الدعم السريع قرى ولاية الجزيرة- وسط السودان، منذ شهر ديسمبر الماضي، ونفذت عمليات قتل ونهب وتشريد، ورغم أنها ليست المرة الاولى التي تمارس فيها القوات ذات الأفعال، إلا أن خصوصية الجزيرة وقراها أوجدت صدى مختلفاً لدى الرأي العام، فالولاية الوسطية تضم أكبر تركيبة سكانية متنوعة، وتتميز بأكبر مشروع زراعي على مستوى أفريقيا وسكانها مسالمون يمتهن أغلبهم الزراعة، وتتم هذه الممارسات في مناطق ليس بها وجود عسكري، مما يجعلها غاية في البشاعة.
وأفادت متابعات (التغيير)، أن مواطني قرى الجزيرة القريبة من النيل الأزرق أصبحوا يستقلون “الرفاس”، لتفادي بطش وإهانات أفراد الدعم السريع باالارتكازات، وقد غرق أمس الاثنين 12 شخصاً في “معدية” المحس كترانج والمسيد، من بينهم أفراد من منطقة البنبوناب.
وقالت لجان مقاومة مدني ولجان المقاومة الحصاحيصا، إن المليشيا استغلت انقطاع الاتصالات والتعتيم الإعلامي لارتكاب كل أنواع الانتهاكات بحق المدنيين، وأنها استباحت قرى الجزيزة وتسببت في مقتل أكثر من 100 وإإصابة عشرات المواطنين.
فيما أكد شهود عيان، دخول الدعم السريع، لقرى الجزيرة بـ”الدفارات” لأخذ المواد الغذائية وكسر ونهب المحال التجارية، وتخوفوا من حدوث مجاعة بمناطق الواقعة تحت سيطرتها.
وضع كارثيوتوقفت الحياة بصورة كلية في عدد كبير من قرى الجزيرة، وخرجت جميع المرافق الخدمية والصحية عن الخدمة.
وبحسب مصدر طبي- فضل حجب اسمه- فإن عدداً كبيراً من المرضى فقدوا حياتهم جراء توقف المستشفيات والنقص الحاد في الأدوية خاصة أدوية الأمراض المزمنة.
وقال إنه لا توجد إحصاءات دقيقة لوفيات المرضى في ود مدني، لكن العدد كبير. فقد كانت المستشفيات مليئة بالمرضى خاصة الذين تم تحويلهم من مشافي الخرطوم والعديد منهم كانت حالته خطرة.
ووصف المصدر الوضع الصحي في الجزيرة بالكارثي، وطالب المنظمات المحلية والدولية بضرورة التدخل لإنقاذ إنسان الولاية.
وتبعد الجزيرة وعاصمتها ود مدني عن الخرطوم نحو 186 كيلومتراً، ويوجد فيها أهم وأكبر مشروع زراعي في السودان وأفريقيا بمساحة نحو 2.2 مليون فدان.
تدمير المشروعوبعد سيطرة الدعم السريع على الولاية نهبت مشروع الجزيزة الذي يعتمد عليه السودان في المحاصيل الزراعية، ما جعل جميع السودانيين يواجهون خطر المجاعة التي دقت ناقوسها المنظمات المحلية والدولية، في ظل رفض حكومة الأمر الواقع ببورتسودان إدخال الإغاثة عبر تشاد.
وقال محافظ مشروع الجزيرة عمر مرزوق لـ(التغيير)، إن جميع مدخلات المشروع تمت سرقتها ونهبها بواسطة قوات الدعم السريع بعد دخولها لمقر المشروع بمنطقة بركات جنوب ود مدني.
وأكد تعرض نصف مليون فدان مزروعة بالمحاصيل الشتوية للفساد، من بينها 200 ألف فدان مزروعة بالقمح، وذلك بسبب فقدان إدارة المشروع القدرة على إدارة عمليات الري.
ضرب مركز الإغاثةوتعتبر ود مدني المركز الرئيسي لعمليات الإغاثة في السودان، وسبق أن حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) من فقدانها القدرة على الاستمرار في برنامجها الذي يوفر الرعاية لنحو خمسة ملايين طفل/ة.
كانت منظمة الصحة العالمية هي الأخرى قد حذرت من أنّ جهود مواجهة تفشي الكوليرا في الجزيرة أصبحت عسيرة بعد دخول الدعم السريع ود مدني.
وبحسب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوغاريك، نزح نحو ستة ملايين شخص داخل السودان منذ اندلاع الحرب، بينهم نحو نصف مليون نزحوا من ولاية الجزيرة بعد دخول الدعم السريع إليها.
واتهم برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الدعم السريع بنهب الإمدادات الغذائية من مقره في الجزيرة، ما اضطره لتعليق عملياته هناك.
تدمير دور العبادةولم تنج دور العبادة في الجزيرة من الانتهاكات حيث احرقت قوات الدعم السريع مبنى الكنيسة الإنجيلية المشيخية في حي “القسم الأول” في 12 يناير الماضي، وتعرض المبنى لأضرار كبيرة، ودمرت الصالة الرئيسية والمكتبة التي تحوي وثائق تاريخية.
وحمل الأمين العام للكنيسة الإنجيلية المشيخية القس يوسف مطر، في تصريحات صحفية، قوات الدعم السريع المسؤولية الأخلاقية والجنائية للحادث، كونها تسيطر على المنطقة بشكل كامل ولن تستطيع أي جهة الدخول للمقر دون علمها”.
نفي الاتهاماتونفى قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، أكثر من مرة ارتكاب قواته انتهاكات بولاية الجزيرة، وقال مستشار الدعم السريع إبراهيم مخير لـ(التغيير)، إن اللجنة التي تم إرسالها في الأيام الماضية تقوم بإجراء تحقيق والقبض على المتفلتين وتقديمهم لمحاكمات عاجلة.
وأشار إلى أن المتفلتين هم المجرمون سوى كانوا يرتدون الزي أم غيره. وأوضح أنهم المجرمون الهاربون من السجون “الذين فتح لهم الجيش السجون ومنهم محكومين بالإعدام واللصوص والنهابين”.
واتهم مخير من وصفهم بالطابور الخامس من الوحدات المتخصصة في الاستخبارات العسكرية التي اندست في المناطق الآمنة بنشر عدم الاستقرار وإثارة الهلع.
وقال إن هنالك قوات خاصة وأغلبها تتبع للإسلاميين، وكل هؤلاء يدعوهم الدعم السريع بالمتفلتين وليس بينهم منتمين للقوات.
وشدد مخير على أن من يخالفون الانضباط العسكري من الدعم السريع تتم محاكمتهم حسب إجراءات الانضباط والضبط والربط كأي قوة نظامية محلية أو دولية وقد تصل العقوبات حد الإيقاف أو السجن الحربي وحتى الفصل من الخدمة- حسب قوله.
هجمات غير مبررةوطالبت أحزاب سياسية ومجموعات مدافعة عن حقوق الإنسان قوات الدعم السريع بإبعاد المقاتلين من القرى وأحياء مدن الجزيرة والابتعاد عن مناطق تواجد المدنيين، ودعوا لضرورة محاسبة الجناة على هذه الجرائم.
وقال الخبير القانوني، المدافع عن حقوق الإنسان عبد الباسط الحاج، إن الجزيرة والقرى التابعة لها كانت ملجأ آمناً لعدد كبير من الفارين من الخرطوم ومدني وبعض مدن كردفان وتحديدا بعد هجوم الدعم السريع على مدينة ود مدني لجأ كبير من المواطنين إلى قرى الجزيرة التي يهاجمها الدعم السريع الآن.
وأضاف: “أرى أن الدعم السريع يقوم بتحول الحرب إلى المدن الآمنة والمناطق المدنية التي تخلو من أي مظاهر عسكرية ويقوم بالهجوم ونهب ممتلكات المواطنين وتدمير المرافق العامة عنوة وهذا يعتبر نوع من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لاعتبار أن عمليات القتل المستمرة ونهب الممتلكات تتخذ اسلوباً ممنهجاً في كل منطقة تطأها قدم الدعم السريع، وهي من الجرائم الخطيرة التي جرمها القانون الدولي وكذلك ضمنها القانون الجنائي السوداني”.
وتابع: “لا يوجد ما يبرر وقوع هذه الجرائم لا الظروف العسكرية ولا غيرها تعطي الدعم السريع الدافع للهجوم على هذه القرى، وبالعكس فإن هذه الأفعال تثبت أن قوات الدعم السريع تتعمد ارتكاب هذه الانتهاكات ضد المدنيين كم فعلوا في دارفور وبعض مناطق كردفان والآن ذات السيناريو يتكرر في الجزيرة وقراها التي لا توجد بها قواعد عسكرية وبعضها لا يوجد بها أقسام شرطة”.
جرائم ضد الإنسانيةواوضح الحاج، أن القانون الدولي خصص اتفاقية لحماية المدنيين في فترات النزاع وألزم أطراف النزاع بحمايتهم وعدم انتهاك حقوقهم وأي مخالفة لقواعد معاهدة جنيف لحماية المدنيين يعتبر جريمة حرب، كما أن بعض جرائم القتل ونهب الممتلكات وتدمير الممتلكات بشكل متعمد ترتقي لأن تكون جرائم ضد الإنسانية لطالما كانت بطريقة ممنهجة وواسعة النطاق وهنا تنطبق على الحالة في الجزيرة فإن الدعم السريع يقوم بمهاجمة القرية تلو القرية، وهنالك تقارير عن وقوع حالات قتل متعمد لمواطنين مدنيين وحالات نهب للمتلكات وغيرها من الانتهاكات الفظيعة يمكن تصنيفها بالجرائم ضد الإنسانية يجب أن يتم التحقيق فيها ومحاسبة المتورطين”.
وطالب الخبير القانوني منظمات المجتمع المدني القيام بفتح مزيد من التحقيقات وكذلك البعثة الاممية الخاصة بالسودان ما يساعد في الكشف عن طبيعة الجرائم التي تقع الآن وعن المتورطين والتجهيز لمحاسبتهم.
هزيمة أخلاقيةوبدوره، يرى الخبير العسكري أسعد التاي، أن سقوط ود مدني شكل هزيمة معنوية كبيرة للجيش السوداني، ونصراً لقوات الدعم السريع، لكنه تحول إلى هزيمة أخلاقية، بعد استباحة أفراد من الدعم السريع قرى الجزيرة.
وقال التاي لـ(التغيير)، إن الانتهاكات التي حدثت في مدني جعلت الدعم السريع يتوقف عن دخول ولايات أخرى خاصة بعد الإدانات المحلية والدولية لتلك الانتهاكات.
الوسومالدعم السريع السودان المحس كترانج دلقو المحس عبد الباسط الحاج مدني مشروع الجزيرة ولاية الجزيرةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الدعم السريع السودان مدني مشروع الجزيرة ولاية الجزيرة جرائم ضد الإنسانیة قوات الدعم السریع ولایة الجزیرة قرى الجزیرة فی الجزیرة ود مدنی
إقرأ أيضاً:
الجيش السوداني يعلن مقتل العشرات من «قوات الدعم السريع»
واصل الجيش السوداني، تقدمه في محور بحري، حيث تم استرداد، مستشفى البراحة ومطاحن ويتا للغلال ومحطة 15.
وأعلن الجيش السوداني، “مقتل العشرات من قوات الدعم السريع جراء عمليات استباقية نفذتها قواتنا في مدينة الفاشر”.
وقال الجيش السوداني، في بيان له، إن “قوات الدعم السريع قصف منازل المواطنين ومخيمات النازحين في مدينة الفاشر مما أدى إلى مقتل عدد من المدنيين”.
في السياق، قال وزير الصحة السوداني، هيثم محمد إبراهيم، إن “السودان يواجه نقصا حادا في الأدوية بعد نهب مخازن تحتوي على أدوية ومستلزمات طبية بقيمة 600 مليون دولار”.
وأوضح إبراهيم، “أن خسائر القطاع الصحي في السودان منذ بدء الحرب بلغت 11 مليار دولار”.
وحسب ما ذكرت وكالة أنباء “الأناضول” التركية، تابع: “تسببت الحرب في فقدان أكثر من 60 فردا من الكوادر الطبية، التي أنقذت النظام الصحي في السودان من الانهيار الكامل”، مضيفا: “الوضع استقر نسبيا بعد ما يقرب من عامين من الحرب”.
ولفت إلى أن “الأزمة الإنسانية والصحية التي يمر بها السودان غير مسبوقة وصعوبة الوصول إلى جميع مناطق السودان بسبب الأوضاع الأمنية يمثل أكبر التحديات التي نواجهها، إضافة إلى أن نقص التمويل”.
وأوضح الوزير السوداني أن “الدعم الذي يحصل عليه القطاع الصحي في البلاد لا يتجاوز 20 في المئة من الاحتياجات التي تقدر قيمتها بنحو 4.7 مليار دولار”.
يذكر أن الحرب التي يشهدها السودان اندلعت في أبريل2023، بين الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وتسببت الحرب في مقتل نحو 20 ألف شخص ونزوح نحو 3 ملايين شخص خارج البلاد إضافة إلى 9 ملايين نازح في الداخل، بينما يقدر عدد من يعيشون على المساعدات الإنسانية من الدول الأخرى بنحو 25 مليون شخص.