تريد أن يستمع العالم لهذيانك؛ امتلك القوة
تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT
أثير – مكتب أثير في تونس
محمد الهادي الجزيري
اصرخوا ما شئتم، واضربوا رؤوسكم في الجدران الكثيرة، فلن يغيّر من الأمر شيئا، إنّ المؤامرة كبيرة ومدبّرة بليل، لن تتوقّف هذه الحرب إلا بالقضاء على الشعب الفلسطيني ومن ثمّ الشعب العربي برمته، هذا حساب القوى الاستعمارية الكبرى، ولنا ولكم أن تزيّنوا صفحات التواصل الاجتماعي بصور مؤلمة وموجعة والحقّ يقال، لكنهم مستمرون في الهدم والقتل والتشريد، فالعالم كلّ العالم متّفق رغم المظاهرات والهتافات الداعمة لفلسطين، متفّق في المسكوت عنه على مسح الشعب الأعزل من على وجه الأرض، لتستلقي إسرائيل وتتمدّد وتتمطّى كيفما شاءت، هذا المسكوت عنه الذي صار كلّ أطفال الكوكب المصهود يتكلّمون به وهم يحدّقون في صور فظيعة منتشرة في كلّ مكان، في الجدران، في الجرائد المكتوبة والإلكترونية، في لافتات مرفوعة بأيدي النساء والرجال في المسيرات الضخمة، صور منشورة في ضمير العالم المندهش، عالم مسحور، كأنّه منوّم أو مخدّر لبعض الوقت، ريثما تنتهي الماما أمريكا وربيبتها إسرائيل من فعلتهما المقزّزة اللعينة، باسم القضاء على حماس وباسم بثّ المزيد من الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.
ليأخذ مثلا على ما أقول..
الجندي الأمريكي المنتحر بحرق نفسه أمام سفارة إسرائيل، لو وقعت هذه الحادثة في إطار آخر، لانتصر لهذا الرجل الملتهب كلّ العالم وقامت لأجله جيوش محتشدة، لكنّه مع الأسف الشديد لم يقرأ درس السياسة والنذالة والقوة، لم يستوعب كيف تكون إسرائيل المحظية الأولى والأخيرة لأمريكا، لم يفهم شيئا فقدّم نفسه قربانا لمن يسود العالم اليوم، يسوده الشيطان.
أستحضر في هذه اللحظات بيتا يتيما لأبي القاسم الشابي يقول فيه:
“لا عدل إلا إن تعادلت القوى // وتصادم الإرهاب بالإرهاب”
وأنا كشاعر حداثي أتفّهم مقولة الشابي، وأعلم أنّه يعني بالإرهاب اكتساب القوة ضدّ القوة، فكيف هي حالنا اليوم؟ كيف حال المواطن العربي خلال هذه الفترة الحرجة المربكة، ينهض من قبل الصباح ليركض في الأرض، يجمع قوت أطفاله وأهله وخائفا من لسانه وأقرب أحبابه وأقربائه متوجسا من كلّ شيء عالمه رعب وقلق، فقط يرتاح حين يضع رأسه على الوسادة ليغفو قليلا وينسى العالم البشع، لينسى صور أشلاء الرضع وصور الطحين المخلوط بالدم، ينسى ما لا ينسى، ويصحو باحثا عن قوت عياله وأهله، ويعرف أنّ ميزان القوى ليس في صالحه، العالم لمن يمتلك القوة والغطرسة ويمتلك مفاتيح اللعبة الجهنمية: تريد أن يستمع العالم لهذيانك، امتلك القوة…
لي قصيد يعبّر تماما عن حال العائل كلّ صباح:
“كلّ صباح تنزع عنّا الزوجات لحاف الحلم فنزعق كالأطفال ونجفل كالأشباحْ نتركهنّ طعاما للأبناء وعنوانا لِجُباة مسعورين ونوغل في الغابة دون سلاحْ نوغل في ملكوت التجّار فرادى، مرتبكين بكم العيش هنا؟ ………………………….. شكرا لا رغبة لي، لكنّ الأبناء …. وأصغرهم مدّاح ملحاحْ كلّ صباح نجمع ما قد تلفظه بوّابات غامضة ونحيّي في أدب جمّ رايات تتراقص في حفلات رياحْ”
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: مكتب تونس
إقرأ أيضاً:
نهاية إسرائيل في تمددها وتوسعها الجغرافي
#نهاية_إسرائيل في تمددها وتوسعها الجغرافي
أ.د رشيد عبّاس
هناك حقيقة عالمية مشتركة تؤكد أن (نهاية) كثير من الإمبراطوريات العظيمة عبر التاريخ كانت نتيجة لتمددها وتوسعها الجغرافي, فأعظم خمس إمبراطوريات عرفتها البشرية على مر الزمن اندثرت أو ربما تراجعت نتيجة حتمية لتمددها وتوسعها الجغرافي, وذلك طمعاً في جلب أكبر قدر ممكن من الثروات الطبيعية, وغير الطبيعية في المناطق التي ضمتها إليها هذه الإمبراطوريات.
ومن اجل توضيح الصورة وجلاءها دعونا نتوقف عند بعض من هذه الإمبراطوريات العظيمة, فالإمبراطورية (الفارسية) على سبيل المثال بقيت تتمدد لتطال ثلاث قارات كبيرة, وقد وصلت لأقصى اتساع لها حتى شكّلت أضخم إمبراطورية في التاريخ القديم, وكان لهذا الامتداد وملحقاته الأثر الكبير على عدم القدرة على إدارة شؤون هذه المناطق الجغرافية, الأمر الذي أدى إلى تقهقر وانهيار هذه الإمبراطورية, أما الإمبراطورية (الأموية) فقد زادت مساحة الأراضي التي سيطرت عليها هذه الإمبراطورية, حيث كانت أكبر إمبراطورية حينها في العالم, وهي خامس أكبر امبراطورية متواصلة الأراضي في العالم, إلا أنه كان لهذا الأتساع وما يتعلق به من إدارة شؤون المناطق الأثر الكبير في انهيار هذه الإمبراطورية.
ولمزيد من الأمثلة على اثر اتساع رقعة الأراضي التي تحاول الإمبراطورية ضمها إليها نجد أن إمبراطورية (المغول) بدأت بالأتساع تدريجياً عبر الغزوات المتواصلة لتصل إلى أقصى اتساع لها إلى أن ما لبثت أن تتجزأ هذه الإمبراطورية وتنقسم إلى عدة أجزاء حتى أستقر بها الأمر إلى التفكك والاندثار بعد أن عجزت عن إدارة شؤون المناطق التابعة لها, ومن جهة أخرى نجد أن إمبراطورية (الروم) اتسمت بالأتساع السريع في الأراضي المسيطر عليها, وقد امتدت زمنياً لتصل إلى أكثر الإمبراطوريات عمراً في التاريخ, وقد نتج عن هذا الأتساع الكبير انقسامات كبيرة, أدت في نهاية المطاف إلى عدم القدرة على إدارة شؤون المناطق عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً, والذي نتج عنه سرعة الاندثار والتلاشي.
وهنا لا بد لنا من الوقوف أيضاً عند أكبر إمبراطورية في تاريخ العالم حتى الآن, والتي أطلق عليها الإمبراطورية (البريطانية) والتي لا تغيب عنها الشمس, فقد تربعت هذه الإمبراطورية على أكبر مساحة في التاريخ, ومع حكمها لأكثر من ربع سكان العالم, وقيادتها للتطور العلمي والاقتصادي في التاريخ الحديث, فان سلطتها لم تقف عند حدودها الجغرافية بل امتدت إلى جميع أنحاء العالم, وقد انحصرت وتراجعت في نهاية المطاف, وكان لخسارتها الكبيرة للهند أكبر النكسات التي مرت بها الإمبراطورية البريطانية, فضلاً عن تسليمها لهونغ كونغ إلى جمهورية الصين الشعبية, وقد تراجعت هذه الإمبراطورية في كثير من بقاع العالم وذلك لعدم قدرتها على إدارة الشؤون الاقتصادية والعسكرية لهذه المناطق, وذلك بسبب المساحات الشاسعة التي كانت تسيطر عليها في العالم.
ويبقى التساؤل قائماً هنا: كيف تفكر (إسرائيل) بالتمدد الجغرافي اليوم؟ ثم هل مقومات التمدد متوفرة لديها؟ وهل نهاية إسرائيل في تمددها وتوسعها الجغرافي؟
كان لتمدد الإمبراطوريات سابقة الذكر مقومات عسكرية واقتصادية واجتماعية للتوسع الجغرافي الذي حصل لكل إمبراطورية من الإمبراطوريات العالمية, ومع أنها استمرت بالسيطرة لفترات طويلة من الزمن, إلا أنها في نهاية المطاف تقهقرت واندثرت وتلاشت لتراجع مقومات هذه الامبراطوريات في إدارة الشؤون العسكرية والاقتصادية والاجتماعية معا لهذه المساحات الكبيرة والواسعة, تلك التي كانت تديرها وتسيطر عليها.
وفيما يخض إسرائيل:
إسرائيل ليست إمبراطورية باي شكل من الأشكال, وإسرائيل كيان تابع للغرب, وليست دولة مستقلة عن مساعدات الغرب لها عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً, بل هي دولة مُتطفّلة تستمد بقاءها من الغرب, وأن تفكيرها بالتوسع تفكير عدميًّ ليس فيه أي منطق عقلي أو قانوني, وليس له أي مقومات عسكرية أو اقتصادية أو حتى اجتماعية, وأن نهاية إسرائيل يكمن في تمددها وتوسعها الجغرافي, فهي قاصرة عن التمدد والتوسع الجغرافي لأكثر من سبب, ولعل من أبرز هذه الأسباب هو أن التوسع الجغرافي يتطلب مقومات عسكرية واقتصادية واجتماعية لإدارة شؤون أي بقعة جغرافية إضافية جديدة, وأكثر من ذلك إسرائيل ليس بوسعها فتح أبواب التطبيع مع جميع دول الجوار على مصرعيها, لأن فتح أبواب التطبيع مع جميع دول الجوار على مصرعيها سيؤدي إلى اختراقات عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً بالنسبة لها, الأمر سيؤدي إلى تقهقرها وتلاشيها لاحقاً, وهذا ما يخشاه بعض الساسة المفكرين الإسرائيليين.
أعتقد جازماً أن (مقومات) تمدد وأتساع إسرائيل غير متوفرة لديها على الإطلاق, وأن نهاية إسرائيل يكمن فيما إذا فكرت في تمددها وتوسعها الجغرافي أولاً, ثم في فتح أبواب التطبيع على مصرعيها ثانياً, لأن ضريبة هذه الخطوات باهظة الثمن على الصعيد المادي والمعنوي عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً بالنسبة لهذا الكيان الطارئ على المنطقة.
وبعد..
هذا يدعونا أيضاً لفتح اسئلة مشابهة جديدة بالنسبة (لإيران) في قادم الأيام.