بوابة الوفد:
2024-11-19@07:23:40 GMT

وكيل الأزهر: الأخلاق في الإسلام قضية مركزية

تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT

قال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، إن قضية الأخلاق في الإسلام قضية مركزية، فلا يكاد يخلو تشريع من التشريعات، عقيدة وعبادة وعملا، من حكمة خلقية تظهر ثمارها في الإنسان، جمالا وعقلا، وفي المجتمع تكافلا وتعاونا، ولا نحتاج في بيان العلاقات الوثيقة بين تشريعات الإسلام وبين الغايات الأخلاقية إلى كثير من النظر، لافتا أنه يتضح لنا ذلك عبر التأمل القليل لبعض آيات من القرآن الكريم، وبعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تبين له ذلك، فالقرآن يقول "وأقِمِ الصَّلاةَ إنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الفَحْشاءِ والمُنْكَرِ"، ويقول أيضا "ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون"، ويقول أيضا "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها"، ويقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

وكيل الأزهر: المحافظة على تراثنا وأزهرنا مهمة قومية وطنية وكيل الأزهر: العلم المسند المأخوذ من أهله يميز التراث الأزهري

وأوضح خلال كلمته بالمؤتمر الدولي الخامس لكلية الدراسات الإسلامية والعربية تحت عنوان "الأخلاق.. وآليات بناء الوعي الرشيد"؛ إن الأخلاق والعبادات وجهان لعملة واحدة، لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، فالبعد الأخلاقي متغلغل في الإسلام عبادة وشريعا وسلوكا، بل إن العبادات في الإسلام من صلاة وصيام وحج وغيرها، إذا لم تستند إلى ظهير أخلاقي فإنها قد لا تفيد صاحبها يوم القيامة، مصداقا لما ورد عن نبينا صلى الله وسلم "إن فلانة تصلي الليل و تصوم النهار و في لسانها شيء يؤذي جيرانها سليطة قال: لا خير فيها هي في النار"، ولا أتصور أن تذكر امرأة بكثير الصلاة والصيام وهي مقتصرة على أداء الفريضة فحسب، ومع ذلك لم ينفعها لفقدها البعد الأخلاقي، وفي الصورة المقابلة، ورد عنه أيضا " إن فلانة تصلي المكتوبة و تصوم رمضان و تتصدق بالأثوار و ليس لها شيء غيره و لا تؤذي أحدا قال: هي في الجنة"، وبمقابلة الصورتين تظهر مكانة الأخلاق في ديننا وأنها قرينة العبادة ولا تنفك عنها بحال.

وتابع وكيل الأزهر إنني لأعجب حقا من هؤلاء الذين يصومون ويصلون ويزكون، إلا أنهم يصرون على أكل حقوق العباد وظلمهم، ألا يخشى هؤلاء من أن يأتوا يوم القيادة مفلسين من الحسنات، ولذا هناك أمر يجب التنبيه إليه، بمناسبة اقتراب شهر الصوم أنه تعالى يقول "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون"، فكلمة التقوى مرتبطة أشد الارتباط بالجانب العملي في الحياة، والتقي رجل مجتمع صالح قادر على النفع والعطاء، وهو الذي لا يأكل مالا حراما ويحافظ على المال العام ويتحاشى أن يؤذي الناس بكلمه إلى آخر ما يمكن أن تشتمل عليه كلمة التقوى ومواصفات الإنسان التقي، مضيفا أنه ومما يؤسف له أن معايير تقييم الإنسان في مجتمعاتنا اليوم قد اختلت واضطربت اضطرابا شديد، بل تراجعت الأخلاقيات والقيم أمام المادية والشهوانية، حتى أصبح من المعتاد أن تقيم كل الأمور بالدرهم والدينار، حتى في مجال القيم والأخلاق ولا علاج لهذه الظاهرة الغريبة إلا بتكاتف علماء الدين والنفس والاجتماع، والمفكرين والمعنيين من أجل وضع تصور عملي واضح، لصياغة مجتمعاتنا صياغة جديدة تحيي القيم الدينية والأخلاقية مع معاصرة رشيدة تحفظ الإنسان من العزلة عن الواقع، وآمل أن يكون هذا المؤتمر خطوة في سبيل تحقيق هذا الرجاء.

وبيَّن أنَّ من الضرورة بمكان في مجتمعاتنا اليوم أن يكون أبناؤنا على قدر من الوعي الرشيد، ليكون تحصينا لهم ضد أي تشويه متعمد، من أجل حماية الأوطان والمجتمعات مما تستهدف به على وعي أبنائها، وعيهم بهويتهم ووعيهم بتاريخهم ووعيهم بما يخطط لهم، وإن من أخطر أدوات تغييب الوعي وتزييف الواقع، الشائعات والأكاذيب والشبهات التي تسعى بها جهات خبيثة إلى احتلال العقول احتلالا ناعما غير مكلف، لاستلاب خيرات الأوطان ومقدراتها، أو على الأقل عرقة الأوطان عن مسيرتها بعد أن فشلت في احتلال الأوطان احتلالا صريحا، مؤكدا أن ديننا الإسلامي الحنيف قد وضع منهجا دقيقا لتكوين العقلية الصحيحة الواعية، التي لا تتقبل كل ما يلقى إليها، فقد قال تعالى موضحا أهم معيار لقبول الأخبار "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا"، وبما يوضح لنا مبدأ قبول الأخبار والتوثق من صحتها، وما أنتجته الأمة في ذلك يمثل طفرة علمية كبيرة شهد على قيمتها وأهميتها علماء الغرب من المستشرقين وغيرهم، ومبدأ التثبت في الآية الكريمة لا يتوقف عند تصديق الخبر فحسب، بل تطرق للتوثق من صدق راويه ومقصده.

وأوضح الدكتور الضويني أن الخبر الكاذب مرفوض وإن كان مقصده نبيلا، فإن نبل الغاية لا يبرر فساد الوسيلة، والخبر الصادق أيضا قد يكون مغرضا أو مشوشا أو متقطعا من سياقه، وكل هذا يتنافى مع مبدأ التثبت ومع الوعي الرشيد لمجتمعاتنا، وقد حذرنا نبينا الكريم من قبول كل خبر يلقى علينا فقال " كَفَى بالمرءِ كذِبًا أن يحدِّثَ بِكُلِّ ما سمِعَ"، في دلالة واضحة على أن المتساهل في تلقي الأخبار ومن يقوم بترويجها دون تثبت مجازف ومخاطر، بل لا يقل خطورة وإثما عن الذي يختلق الشائعات ويروج الأكاذيب، وهذا يدل على منهجية الإسلام الفائقة التي سبق بها الأمم في مجال تكوين العقول الواعية التي تبني فكرها.

وفي ختام كلمته شدد وكيل الأزهر على ضرورة الحفاظ على الوطن والمجتمع من أي انتهاكات تهدد هويته وتعبث بعقول أبنائه، وقوام المجتمع أخلاق حافظة ووعي رشيد مصداقا لقول الشاعر "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا"، مؤكدا أنه كلما زاد المغرضون من أساليبهم في تزييف الوعي زادت مسؤولية العلماء في مجابهتهم، وتفنيد ما يعتمدونه من فكر هدام عبر وسائل تكنولوجية مغرية ووسائل استهلاكية براقة وطعن في القدوات، وإن العلماء على اختلاف تخصصاتهم مسؤولون أمام الله تعالى عن تشكيل العقلية الواعية التي تستعصي على الخطط الماكرة والأجندات المشبوهة، ولا يكون ذلك إلا بالحفاظ على قيمنا وأخلاقنا وتراثنا، وأن ندرك جميعا أن الأمم تبنى بالوعي السليم والإرادة القوية والعمل الجاد المتواصل لتتحقق النهضة المنشودة بعيدا عن الشعارات الزائفة، وإنا لننتظر ما يكشف عنه هذا المؤتمر من مخرجات وتوصيات تكون لنا نورا هاديا.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الأزهر وكيل الأزهر الأخلاق الإسلام القران الكريم وکیل الأزهر فی الإسلام

إقرأ أيضاً:

أمين البحوث الإسلامية: الحوار لم ينسلخ في المنظور التشريعي عن مطالبات الفطرة الإنسانية

قال الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية: إنَّ القواعد المحورية الكليَّة لهذا المؤتمر المبارك وعاءٌ ميمونٌ يتشارك فيه مجمع البحوث الإسلامية وكليَّة الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف، وهو يعبِّر في الوقت ذاته عن رؤية كل قطاعات الأزهر الشريف، وأنَّ المجمع بكل أماناته وإداراته وإصداراته وفعالياته ليُعنَى عنايةً واضحةً بالدعوة الإسلامية وعظًا وإرشادًا وإفتاءً ونشرًا، وأنَّ كلية الدعوة الإسلامية المباركة بعلمائها الأجلَّاء ومجمع البحوث الإسلامية تربطهما قواعد كليَّة عبَّرت عنها محاور هذا المؤتمر، كما هو دأب سائر كليَّات الجامعة وقطاعات الأزهر الشريف؛ فهي تنسجم مع المجمع في كلِّ المسارات الدعوية والبحثية، كما تنبثق من مجلس المجمع لجنةٌ ضمن سلسلة ذهبية مِنَ اللجان العِلمية تُسمَّى: (لجنة التعاون بين المجمع وجامعة الأزهر)؛ ومِن هنا جاء هذا التشارك الميمون.

أمين البحوث الإسلامية: الفتوى صناعة تحتاج إلى تأهيل وتدريب على المستجدات

وأضاف الدكتور الجندي -خلال كلمته صباح اليوم بمؤتمر كليَّة الدعوة الإسلامية، الذي يُعقد بالتعاون مع مجمع البحوث الإسلامية بمركز الأزهر للمؤتمرات تحت عنوان: (الدَّعوة الإسلامية والحوار الحضاري.. رؤية واقعية استشرافية)- أنَّ موضوع هذا المؤتمر بلغ من العناية بمكان لدى مولانا الإمام الأكبر حفظه الله تعالى، الذي دائمًا نراه يجدِّد دعوتَه للحوار في وقت ادلهمَّت فيه الصراعات، وشاعت فيه التحديات الإقليمية والعالمية، وأنَّ مفهوم الحوار لم ينسلخ في المنظور التشريعي الإلهي عن مطالبات الفطرة الإنسانية، ولم يصطدم بالحقائق الحيوية للكينونة الإنسانية، فالحوارُ خطابٌ للوجود كلِّه بمنهجٍ يتناغم مع طبيعة الحياة فيه، وقد ساق البشريَّة كلَّها إلى حياة الإِلْف والإخاء، وأنقذها من عناء التدابير الفكرية المنزلقة إلى نظام حياة الغابة، وحذَّرها من خطر السيكولوجيات المضلِّلة، وأعفى البشرية مِن تولِّي وضع التصميم الأساس لحياة الإنسان، بل لحياة الكائنات المشاركة في الإرث الأرضي والكوني على حدٍّ سواء، وتأتي رسالة رسول الله محمد ﷺ لتؤكِّد وتجدِّد نداء السماء بعدم المساس بمنهج الله سبحانه، فإنه لا اجتهاد مع النَّص.

وأشار الأمين العام إلى أنَّ خبراء الحوار قد اختصروا الغاية منه في الإسلام في عبارات جزلة، يقول الإمام الغزالي في (الإحياء) عند ذِكره علامات طلب الحق في الحوار: «أنْ يكون في طلب الحق كناشد ضالَّة، لا يفرّق بين أن تظهر الضالة على يده، أو على يد مَن يعاونه، ويرى رفيقه معينًا لا خصمًا، ويشكره إذا عرفه الخطأ وأظهر له الحق»، وقال الإمام الشافعي: «ما حاورتُ أحدًا إلا تمنيتُ لو أنَّ الله أظهر الحقَّ على لسانه»، وفي ذلك إسقاط للعصبية والتعصُّب والأنا وفقدان المعيار ونشدان الانتصار.

منظومة منهاج الحوار في الإسلام واحدة

وأكَّد أنَّ منظومة منهاج الحوار في الإسلام واحدة، ومَن كانت لهم اليد الطُّولى في التقعيد للحوار المنطقي العقلي والدعوي وآدابه، استمدوا منهجهم من الإسلام، فنرى (منهج الإسلام في الحوار) في منهج الإمام أبي حنيفة النعمان، والإمام أحمد بن حنبل، والعلَّامة إمام الحرمين الجويني، والعلَّامة أبي بكر الباقلاني، والعلَّامة أبي حامد الغزالي، والعلَّامة أبي الحسن الفارسي، والعلَّامة عبد الكريم بن محمد الدامغاني، والعلَّامة الإمام أبي عبد الله محمد بن يوسف السنوسي التلمساني، والعلَّامة الإمام البيجوري، والعلَّامة الإمام محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي، والعلَّامة أحمد الملوي، والعلَّامة محمد بن عياد الطنطاوي الشافعي، والعلَّامة الإمام المراغي، والعلَّامة الإمام عبد الحليم محمود، والعلَّامة مولانا الإمام الأكبر أحمد الطيب.

واختتم الدكتور الجندي أنَّه مِن خلال هذه القواعد المسلسلة نرسِّخ للحوار الدعوي في كنف رؤية محبوكة تضمن الانسجام في المجتمعات؛ تحقيقًا لحفظ الضرورات الخمس، ونصوغ رؤيةً استشرافيةً مستنبطةً من أقيسة وقراءات عمليَّة، خصوصًا في ظلِّ التحديات الإقليمية والعالمية.

مقالات مشابهة

  • عضو بـ«الأزهر للفتوى»: الإسلام أمرنا بتوقير كبار السن ورعايتهم
  • متصلة: زوجي يضربني ثم يذهب للمسجد ليصلي بالناس إماما.. الأزهر يجيب
  • أوقاف الغربية: الأزهر كعبة العلم والوسطية والأخلاق
  • أسامة الجندي: الأمانة من أسمى وأرقى الأخلاق التي أوكلها الله للإنسان
  • أمين البحوث الإسلامية: مفهوم الحوار في الإسلام لم ينسلخ عن مطالبات الفطرة الإنسانية
  • وكيل الأزهر يوجه 5 رسائل عن أهمية الحوار الحضاري.. «لا مكان للصراع في فلسفة الإسلام»
  • نائب رئيس جامعة الأزهر: الاختلاف والتباين بين البشر سُنة طبيعية وفطرة محمودة
  • محمود صديق: الاختلاف والتباين بين البشر سنة الله في كونه
  • نائب رئيس جامعة الأزهر: الاختلاف والتباين بين البشر سنة الله في كونه
  • أمين البحوث الإسلامية: الحوار لم ينسلخ في المنظور التشريعي عن مطالبات الفطرة الإنسانية