في اللحظة التي نجد فيها دولة من أقاصي العالم مثل البرازيل وبعض دول أمريكا اللاتينية وأمريكا الوسطى وأفريقيا السمراء تقف موقفا تاريخيا شجاعا من العدوان النازي على أهلنا في قطاع غزة والضفة الغربية، نجد على الجانب الآخر جيرانا لفلسطين من دمها ولحمها يقدمون العون للكيان المحتل، ويقيمون جسرا بريا وآخر جويا لنجدته، وإمداده بالغذاء والدواء والسلاح، ويتركون أطفال غزة يموتون جوعا أو قتلا، حتى إذا ما حصلوا على لقمة يزدردونها بلا زاد، فربما لا يجدون الوقت لابتلاعها قبل أن يسقط على رؤوسهم صاروخ يمزقهم أشلاءً؛ فيختلط الدم بكسرة الخبز الناشفة؛ لتغلق قصة الخبز المغمس بالدم، في انتظار قصة أخرى جديدة.

.

ولم تزل بعض الدول العربية تزاود على القضية الفلسطينية حتى اليوم، وتعيّر الفلسطينيين بما كانوا قدموا لهم قبل سنوات، ولا ينسون التشفي بهم ولومهم والتبجح بأن المقاومة لم تستشرهم في طوفان الأقصى، ووصل هذا الهراء إلى حد قول أحد المشايخ المحسوبين على النظام السعودي: أنتم لم تستشيروا ولي أمر المسلمين محمد بن سلمان قبل أن تقدموا على اقتحام مستوطنات غلاف غزة. ويبدو أن الشيخ المحترم يضع محمد بن سلمان موضع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.. فأي مهزلة تلك وأي كارثة عمياء؟!

المواقف العربية بشكل عام، وما بدا من بعضها أنه تضامن صادق مع غزة، لا يعدو كونه قلعة هشة أقيمت على بحر من الرمال
إن كل ما قاله العرب وما فعلوه تجاه مأساة قطاع غزة لا يعدو كونه سرابا، بل سما في أغلبه باستثناءات علينا احترامها، كموقف ممثل الكويت في مجلس الأمن الذي يستحق التقدير، وذلك على سبيل المثال لا الحصر؛ فثمة مواقف لآخرين أعزف عن ذكرها لأسبابي الخاصة. إلا أن المواقف العربية بشكل عام، وما بدا من بعضها أنه تضامن صادق مع غزة، لا يعدو كونه قلعة هشة أقيمت على بحر من الرمال..

وما من شك بأن الحصان الذي راهن عليه حكامنا المارقون من عروبتهم ودينهم بالقضاء على المقاومة خلال أربعة أسابيع ثم خلال شهرين -حسب التصريحات الإسرائيلية- كان رهانا خاسرا، تماما كما حدث سنة 2014 حيث كانت المؤامرة على غزة مكشوفة كما هي اليوم؛ وهو ما وضعهم في حالة فضائحية من خلال التصريحات المخزية، وخصوصا على الجانب المصري؛ حيث يعترف زعيم العصابة الأكبر بخيانته العظمى، حين يصرح أمام الرئيس الفرنسي بأن القضاء على حماس هدف نبيل، أو تصريحات وزير الخارجية سامح شكري الذي حمّل المقاومة المسؤولية عن العدوان، واتهمها بمهاجمة المدنيين في غلاف غزة، والتصريح الكاذب لعمود الخيمة بأن المعبر المصري مفتوح طوال الوقت، وبعد ذلك يستقبل قادة حماس للفتك بخططهم في إنقاذ أسراهم وإيقاف العدوان وإنقاذ أهل غزة من جوعهم وسيل دمائهم؛ فيضغط عليهم لصالح الكيان المحتل، وإنقاذ أسراه خدمة لاستمرار نتنياهو على رأس حكومة الاحتلال.

ليس هذا وحسب، بل إن دولا عربية محورية على رأسها مصر والسعودية والإمارات تسعى بكل طاقتها لمساعدة الكيان المحتل في قتل المزيد من الفلسطينيين، وإعادة احتلال القطاع وزرعه بالمستوطنات، وسرقة الغاز الموجود في مياه قطاع غزة؛ حتى لكأنك تحس بأن الكيان المحتل بات الابن المدلل لكثير من الدول العربية، وليس للولايات المتحدة فقط. ومع أنه بدا للجميع بأن قوات الاحتلال باتت عاجزة عن تنفيذ مخططاتها وتحقيق أهدافها في القطاع، إلا أنهم ما يزالون يعلقون عليها الآمال بإنهاء قضية فلسطين وشطبها من قاموس السياسة والتاريخ والجغرافية، حتى بدا واضحا للعيان بأن هذه الدول لم تعد ترى لها عدوا إلا الفلسطينيين..

لم يصل موقف أي من الدول العربية لموقف البرازيل التي طردت السفير الصهيوني، ولا موقف كل من كوبا وتشيلي وجنوب أفريقيا والبيرو وهندوراس وبوليفيا وكولمبيا، ولا موقف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بل إن المواقف العربية أشبه ما تكون بموقف عملاء الاستعمار الفرنسي في الجزائر
وفي البحر الأحمر يتعاون العرب مع أعداء أمتنا على جهود الحوثيين في إغلاق مضيق باب المندب في وجه السفن التي تزود الكيان بالسلاح والغذاء والنفط؛ فقد نقلت صحيفة "مينت برس نيوز" عن تقرير القناة 13 الإسرائيلية، أن الأردن والسعودية ومصر والإمارات يقوضون معا جهود الحوثيين فيما يتعلق بإغلاق باب المندب المؤدي إلى قناة السويس الذي ينقل ربع المبادلات التجارية العالمية، بما فيها النفط إلى "إسرائيل"، مع أن جهود الحوثيين في هذا الإطار ذات تأثير كبير على الوضع الاقتصادي للعدو الذي استعاض للأسف بقطار الشاحنات البري الذي يخرج من الإمارات والبحرين عير السعودية فالأردن، ليصل أخيرا إلى الكيان المحتل..

لم يصل موقف أي من الدول العربية لموقف البرازيل التي طردت السفير الصهيوني، ولا موقف كل من كوبا وتشيلي وجنوب أفريقيا والبيرو وهندوراس وبوليفيا وكولمبيا، ولا موقف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بل إن المواقف العربية أشبه ما تكون بموقف عملاء الاستعمار الفرنسي في الجزائر الذين لعنهم التاريخ، ولعنتهم كل قطرة دم نزلت من شريان شهيد جزائري.

ولم يكن موقف تركيا التي غنينا لها طويلا بالموقف الذي توقعناه منها، ما جعلني وكثيرين غيري نلعن تلك التوازنات التي تقوم عليها حسابات الدول ومصالحها؛ فعلى الرغم من خطاب أردوغان القوي تجاه العدو الصهيوني، إلا أن تركيا تعد أهم ممر للأنابيب التي تنقل النفط من أذربيجان وكازاخستان إلى الكيان عبر ميناء جيهان التركي، ناهيك عن الخضراوات والفواكه التركية الطازجة التي تصل الكيان المحتل يوميا. وكان المأمول من تركيا أن تقطع النفط والغذاء عن الكيان المحتل الذي يحرم مستشفيات قطاع غزة منه؛ فيموت الأطفال بسبب توقف المولدات الكهربائية أو جوعا ونقصا في الأدوية والمعدات اللازمة.. وعلى تركيا قس بقية الدول الإسلامية، التي ينطبق عليها المثل القائل: "أسمع جعجعة ولا أرى طحنا".

يحدث ذلك في ظل انتهاك الكيان المحتل للقانون الدولي ومحكمة العدل الدولية التي أمرت بوقف العدوان، وإيصال المساعدات لغزة، ويحدث ذلك في ظل عملية التطهير العرقي الواضحة في حق الفلسطينيين، وهو ما لا أجد له تفسيرا، إلا الارتهان المشبوه لإرادة الولايات المتحدة والكيان المحتل، وخيانة الأمة والافتئات على شعوبها المغلوبة على أمرها
لم يكن كل ما أصاب القطاع من دمار وقتل وتجويع ممنهج كافيا ليحرك وجدان الطبقات السياسية الحاكمة في وطننا الممتد من الماء إلى الماء، ولم نجد وزيرا أو مستشارا كبيرا يقدم استقالته اعتراضا على موقف حكومته من العدوان الذي أوقع 6 في المئة من سكان القطاع بين شهيد وجريح ومفقود، والبقية لم يسلموا من الجوع والمرض والتشريد والتنكيل والاعتقال وتدمير المنازل.

يحدث ذلك في ظل انتهاك الكيان المحتل للقانون الدولي ومحكمة العدل الدولية التي أمرت بوقف العدوان، وإيصال المساعدات لغزة، ويحدث ذلك في ظل عملية التطهير العرقي الواضحة في حق الفلسطينيين، وهو ما لا أجد له تفسيرا، إلا الارتهان المشبوه لإرادة الولايات المتحدة والكيان المحتل، وخيانة الأمة والافتئات على شعوبها المغلوبة على أمرها، والتي تتحرق شوقا لفلسطين والأقصى الشريف، على عكس سياسات حكامها الذين أزكمت رائحة خيانتهم الأنوف، وربما اقترب أجل بعضهم.

لكن الأمل يظل كبيرا، وما الخلافات التي بدأت تطفو على السطح بين النخب السياسية والعسكرية في الكيان المحتل، إلا مؤشر على تغيرات حتمية قادمة، ربما تحرق الأخضر واليابس في دولة الاحتلال والدول المجاورة بالتوازي.. "ولا يعلم جنود ربك إلا هو"..

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال غزة الاحتلال مجازر العالم العربي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المواقف العربیة الدول العربیة الکیان المحتل ذلک فی ظل ولا موقف قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

ما هو ترتيب الدول العربية على مؤشر الإرهاب العالمي 2025؟

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- ارتفع عدد الدول التي سجلت هجومًا إرهابيًا من 58 إلى 66، وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2024. وهذا يعكس ما يقرب من عقد من التحسينات، مع تدهور 45 دولة وتحسن 34 دولة.

على الصعيد العالمي، أظهر المؤشر أن منطقة الساحل لا تزال مركزًا للإرهاب، حيث تمثل أكثر من نصف جميع وفيات الإرهاب العالمية.

 وفقًا لتقرير مؤشر الإرهاب العالمي 2025  الذي صدر عن معهد الاقتصاد والسلام، ارتفعت معدلات الكراهية المعادية للسامية وكراهية الإسلام عالميًا، حيث شهدت الولايات المتحدة ارتفاع الحوادث المعادية للسامية بنسبة 200% في عام 2024. وقفزت الهجمات الإرهابية بنسبة 63٪ في الغرب، وكانت أوروبا الأكثر تضررًا حيث تضاعفت الهجمات إلى 67.

وأدى الصراع في غزة إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، كما أدى إلى تأجيج جرائم الكراهية في الغرب، في حين ارتفعت أعداد القتلى نتيجة للإرهاب في إيران. وظلت أعداد القتلى نتيجة للإرهاب العالمي ثابتة في عام 2024.

وسّع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عملياته إلى 22 دولة، ولا يزال التنظيم الأكثر فتكًا، وتسببت هجماته في مقتل 1805 شخصًا، مع وجود 71٪ من نشاطه في سوريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وبرزت حركة طالبان باعتبارها أسرع جماعة إرهابية نموًا، مع زيادة بنسبة 90٪ في الوفيات المنسوبة إليها.

على مستوى الشرق الأوسط
على الرغم من أن الشرق الأوسط سجّل انخفاضًا بنسبة 7٪ في الهجمات الإرهابية في عام 2024 إلى 618، إلا أن تجدد العنف بين إسرائيل والفلسطينيين لا يزال يزعزع استقرار المنطقة. احتلت كل من إسرائيل وسوريا المرتبة العاشرة بين الدول الأكثر تضررًا على مستوى العالم.

منذ عام 2020، تضاءل النفوذ الأجنبي التقليدي في سوريا، حيث قلّصت روسيا والصين وإيران أدوارها بينما ظهرت تركيا كقوة إقليمية مهيمنة.

وتواجه قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي يقودها الأكراد، التي كانت ذات يوم شريكًا رئيسيًا للولايات المتحدة في الحرب ضد داعش، تحديات متزايدة الآن.

ولقد خلقت معارضة تركيا لـ"قسد"، إلى جانب التراجع المحتمل للدعم الأمريكي، ظروفًا يمكن أن يستغلها داعش لاستعادة النفوذ. لا يزال موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من "قسد" غير واضح.

شهدت الدول العربية تفاوتًا في ترتيبها من حيث تأثرها بالأنشطة الإرهابية. جاءت سوريا في المرتبة 3 عالميًا، مما يعكس استمرار التحديات الأمنية في البلاد. تلتها الصومال في المرتبة 7، ثم العراق في المرتبة 13، واليمن في المرتبة 22.

أما الأراضي الفلسطينية، فقد احتلت المرتبة 25، تليها مصر في المرتبة 29، في حين جاءت سلطنة عُمان والأردن في المرتبتين 37 و38 على التوالي. سجّلت الجزائر المرتبة 42، تليها تونس في المرتبة 43، بينما جاءت ليبيا في المرتبة 53.

في قائمة الدول الأقل تأثرًا بالإرهاب، جاءت جيبوتي في المرتبة 57، ولبنان في المرتبة 64. أما الإمارات العربية المتحدة والسعودية فقد احتلتا المرتبتين 67 و75 على التوالي، بينما سجّلت البحرين المرتبة 98.

أما الدول التي سجلت صفرًا في مؤشر الإرهاب، فكانت الكويت، موريتانيا، المغرب، وقطر، والسودان.

 


 

الصومالالعراقاليمنسورياالإرهابانفوجرافيكداعشنشر الاثنين، 10 مارس / آذار 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

مقالات مشابهة

  • أنابيب موت تهدد سكان مناطق عراقية.. لا مواقف رسمية تجاه الأزمة
  • برلماني: كلمة الرئيس بالندوة التثقيفية أكدت ثبات موقف مصر تجاه القضية الفلسطينية
  • بسعة 400 سيارة.. تجهيز موقف السرفيس الحضاري بكوبري الصحابة في الجيزة
  • محافظ الجيزة: تجهيز موقف السرفيس الحضاري بكوبري الصحابة بسعة 400 سيارة
  • دعم أوروبى للخطة المصرية حول غزة
  • لبنان في مركز مُتقدّم.. إليكم ترتيب الدول العربية التي لديها نساء متعلمات أكثر من رجالها
  • ما هو ترتيب الدول العربية على مؤشر الإرهاب العالمي 2025؟
  • قراءة إسرائيلية في مواقف ماليزيا تجاه حرب غزة وعلاقتها مع حماس
  • حلفاء أمريكا يعربون عن قلقهم من موقف ترامب تجاه روسيا
  • الدول الأوروبية الكبرى تدعم خطة مصر لإعمار غزة وتنتقد موقف ترامب