كلا النظامين أرهق نفسه في التوفيق بين الخارج والداخل، ولكن الفرق أن النظام السابق كان يضع الأجندة الوطنية الخالصة، ويشرع في التنفيذ، ويحشد لها بقوة، ويضغط الخارج بها، ثم يبدأ في التفاوض والتنازلات، أما هذا الوضع الحالي، وهو ليس (نظام)، ما يفعله الآن، أنه يبدأ من طلبات الخارج بغرض إرضاءه، ويجتهد في تفصيلها على الداخل ويحشد الداخل ليساوم الخارج به، ويخصم بعض المطالب أو يعيد تفصيل المقاسات، ولذلك هو بطيء ومتردد وأموره معقدة، رغم أن فرصه كانت أوسع.

هو يلجأ لنا ليس لوضع أجندة وطنية إنما فقط لإحداث ضغط داخلي لتعديل الأجندة الخارجية لصالح الداخل، ونحن لا نرفض، ولكن هذا المنهج لا يمثلنا البتة.
الوضع الحالي يفعل بعد ستة أشهر ما كان يجب فعله قبلها.

الإشكالية، أن هذا الوضع أشبه بمصاب الضغط والسكري والذي ينصحه الطبيب بالدخول في العلاج والريجيم فورا، لكنه يتأخر وينكر خطورة المرض، وعندما يبدأ في العلاج يكون الضغط والسكري أصاب وظائف القلب والكلى، وعليه مراجعة طبيب قلب ومسالك بولية، وسيحتاج إلى أدوية أخرى أضعاف التي ماطل فيه.

ولذلك، المعاناة والعذاب التي يحكيها المريض في فترة الضغط والسكري التي أبطأ فيها في العلاج ومارس حياته طبيعيا، وقصصه عن تفانيه في العمل وحضوره الجنائز منتصف الليل وسفره للفواتح وسقوطه من الإعياء، هي ليست بطولة تشفع له في تأخير المرحلة الأخرى من العلاج، التي دخلها بسبب مماطلته في الحل وليس تضحياته وبطولاته المتزامنه مع العناد في الحل .. في النهاية سيدخل في مرحلة غسيل الكلى.

هذا ما فعلته القيادة الحالية، كنا نتحدث عن الاستنفار الشعبي وعودة منسقيات الإحتياطي الشعبي، وشكوى الإمارات على مستوى إقليمي.
تم الٱعلان عن الاستنفار في النهاية بعد مماطلة ومراوغة، ثم عادت أجسام مشابهة للمنسقيات ولكنها لا تقوم بواجبها، وبرزت المقاومة الشعبية المسلحة المستقلة خارج تنظيم وادارة الجيش، بسبب عدم إعادة تأسيس المنسقيات، وأضطررنا لتدويل الشكوى ضد الإمارات.
الآن، هذا لا يكفي، فقد ظهر الشرخ القبلي.

أنا أقول، الاستنفار لا يكفي، لا بد من عودة (كيان جامع لكل السودانيين)، وليس مجرد وفاق وطني يبدأ في جوبا وينتهي في منتجع أركويت، ويقدم شخصيات توافقية ليرضى الخارج.
نحتاج الآن لتجمعات في كل قرية وفريق، وندوات وفعاليات وحشود تجمع كل الناس كما كان سابقا، تطلع العصيدة من بيت فوراي والملاح من بيت شايقي، والمؤذن هوساوي والإمام خليط نوبي كردافي، والقيادة والاجتماعات والمؤتمرات القاعدية تمتص الحراك في بوتقة سياسية واحدة.

مهما يقال من انتقادات للمؤتمر للوطني ونقد ذاتي وجلد ذاتي وتبشيع خارجي، أنا شخصيا لدي مذكرة ٱصلاحية في 2011 ومقالات نقدية في 2014 واستقالة في 2015، وكله منشور بتاريخه، لكنني أتمنى الآن عودة كيان مشابه له، ولو أسوأ منه، لأنه كان يقوم بهذا الدور .. وإذا قلتم لا نريد (مؤتمر وطني) ولا غيره، نريد وفاقا محدودا بين رؤوس أحزاب لتشكيل حكومة في بورتسودان، مبروك عليكم العناد والمكابرة، لكن عجلوا بعودة (منسقيات الإحتياطي الشعبي) وما تعاندوا .. لينظموا الشعب في المواجهة، ويهزموا القبيلة التي أطلت بعنقها، ويعملوا للسلاح أرقام وٱجراءات عهدة وكشوفات.

ويكون هنالك منسقين احتياطي شعبي في أي محلية بل في أي وحدة إدارية وقرية، وحذاري ثم حذاري من (الفهلوة) عليهم .. صدقتوا معاهم بصدقوا معاكم وبلموا الناس على البناء والجهاد وفعل الخير قبل ما تقعد الكارثة .. غير كدا .. ارفضوا النصائح و انتظروا غسيل الكلى وما بعده، من فشل وموت الدولة.

مكي المغربي

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

محمد المعتصم محمد: عدم تهيئة المدارس ونزوح معظم المعلمين إلى الخارج أهم التحديات التي تواجه استئناف الدارسة

قال الخبير التربوي السوداني محمد المعتصم محمد بأن عدم تهيئة المدارس ونزوح معظم المعلمين إلى الخارج أهم التحديات التي تواجه استئناف الدارسة ونحتاج لتضافر الجهود لإزالة آثار الحرب على قطاع التعليم.الجزيرة – السودانإنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • "المصريين بالخارج" يثمن قرار عودة الإشراف على المغتربين لوزارة الخارجية
  • الكشف وتوفير العلاج لأكثر من 1300 مواطن ببني سويف
  • الكشف وتوفير العلاج لأكثر من 1300 مواطناً في قافلة طبية ببني سويف
  • أمام مرجعية النجف:-ألا يكفي التجارة بالدين ومدح النفاق والفشل؟
  • هههههههه..العامري:تحرير فلسطين على يد الحرس الثوري والحشد الشعبي بزعامة خامئني
  • حين يصبح الولاء للقبيلة فوق الولاء للفكرة: “المحقق” يستعرض القائمة الكاملة “لفلول” الدعم السريع
  • أهالي مديرية السبرة يناشدون وزارة الإرشاد والهيئة العامة للأوقاف سرعة إنقاد جامع حسل التاريخي
  • محمد المعتصم محمد: عدم تهيئة المدارس ونزوح معظم المعلمين إلى الخارج أهم التحديات التي تواجه استئناف الدارسة
  • العدد الجديد من مجلة الفنون الشعبية يحتفي بيعقوب الشاروني
  • هل تزيد أدوية فقدان الوزن والسكري الشائعة من خطر الإصابة بالعمى؟