أنقرة (زمان التركية) – تشهد مدينة إسطنبول منافسة شرسة بين الحزب الحاكم وأكبر احزاب المعارضة التركية، على البلدية الكبرى وبعض البلديات الفرعية خلال الانتخابات البلدية المقرر عقدها في تركيا يوم 31 مارس الجاري.

وبالوقت الراهن، يتولى حزب العدالة والتنمية الحاكم  24 بلدية فرعية من أصل 39 بلدية في إسطنبول، مقابل 14 بلدية لحزب الشعب الجمهوري وبلدية واحدة لحزب الحركة القومية.

جزء من هذه البلديات تشكل “حصونا” لحزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري، غير أن هناك بلديات أيضا يزعم كل من الحزبين هيمنته عليها، ويسعى كل منهما لاقتناصها من الآخر.

المنافسة على بلديات أسكودار و فاتح و أيوب سلطان

من بين البلديات التي يهدف حزب الشعب الجمهوري لاقتناصها من حزب العدالة والتنمية في إسطنبول خلال الانتخابات، تبرز بلدات أسكودار وباهجلي افلار وسانجاك تبه و فاتح و تشاتالكا و سيليفري وسلطان أيوب وتوزلا وباي أوغلو، وذلك على الرغم من اختلاف مستويات الصعوبة فيها.

وفقًا لمصادر حزب العدالة والتنمية، لا يرى الحزب الحاكم أي خطر في أي من هذه المناطق تقريبًا، ويهدف إلى الاستيلاء على بلدات مثل اسنيورت وكوتشوك شكمجة وكارتال وساريير، من حزب الشعب الجمهوري.

وتعد أسكودار و الفاتح وسلطان أيوب من بين أكثر بلديات إسطنبول التي تثير تساؤلات حول كيفية مضي السباق الانتخابي بها، نظرا لكون تلك البلديات يُنظر إليها على أنها قلعة حزب العدالة والتنمية لسنوات، وهي ذات أهمية رمزية للشريحة المحافظة.

خلال الانتخابات البرلمانية في أسكودار العام الماضي، حصل حزب العدالة والتنمية على 35.86 في المئة وحزب الشعب الجمهوري 32.45 في المئة وحزب الجيد 9.31 في المئة وحزب الحركة القومية 5.02 في المئة وحزب العمال التركي 4.72 في المئة وحزب اليسار الأخضر 3.55 في المئة وحزب الرفاه من جديد 3.01 في المئة.

وفي الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، تفوق كمال كليجدار أوغلو على رجب طيب أردوغان ببلدة أسكودار.

حلمي تركمان، عمدة بلدية أسكودار هو المرشح مجددا للمنصب، وقد برز كأحد المرشحين المحتملين في بلدية إسطنبول الكبرى عن حزب العدالة والتنمية، بسبب جهوده البلدية الواضحة.

وفي المقابل يأتي سينيم ديديتاش، أحد زملاء أكرم إمام أوغلو في الماضي، مرشحا عن حزب الشعب الجمهوري في بلدية أسكودار.

عمل ديديتاش مديرا عاما لخطوط النقل العام التابعة لبلدية إسطنبول عام 2019.

وفي الوقت نفسه هناك تساؤلات حول النسبة التي سيحصدها حزب السعادة في بلدة أسكودار عبر مرشحه يلماز بايات، الذي سبق وأن شغل منصب رئيس بلدة أسكودار لفترتين في الماضي.

وفي الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية العام الماضي، لفت الانتباه تقدم كليجدار أوغلو في بلدة سلطان أيوب.

وخلال الانتخابات العامة في المنطقة، حصل حزب العدالة والتنمية في بلدية سلطان أيوب على 35.56 في المئة و حزب الشعب الجمهوري 30.01 في المئة وحزب الجيد 9.67 في المئة وحزب الحركة القومية 5.51 في المئة و حزب اليسار الأخضر 4.98 في المئة وحزب العمال التركي 4.20 في المئة وحزب الرفاة من جديد 4.06 في المئة.

ويبدو أن توزيع الأصوات في أحياء سلطان أيوب التقليدية بخلاف غوكتورك، التي نمت في السنوات الأخيرة وحصل فيها حزب الشعب الجمهوري على أصوات عالية، سيكون مهمًا خلال الانتخابات المحلية القادمة.

في الانتخابات البرلمانية في 14 مايو/أيار، شهدت بلدية فاتح حصول حزب العدالة والتنمية على 42.33 في المئة وحزب الشعب الجمهوري 23.91 في المئة وحزب الجيد 8.68 في المئة وحزب اليسار الأخضر 7.74 في المئة وحزب الرفاة من جديد 4.54 في المئة وحزب الحركة القومية 4.44 في المئة وحزب العمال التركي 2.94 في المئة.

وفي الانتخابات الرئاسية في 28 مايو/أيار، حصل الرئيس أردوغان على 53.99 في المئة و كليجدار أوغلو بنسبة 46.01 في المئة من الأصوات ببلدية فاتح.

وبرز توران، الذي تم تصنيفه كأحد المرشحين المحتملين لرئاسة بلدية إسطنبول الكبرى عن حزب العدالة والتنمية خلال عملية تحديد المرشحين، بأعمال البلدية تمام مثلما حدث مع تركمان في بلدية أسكودار.

في المقابل طرح حزب الشعب الجمهوري ماهر بولات، أحد رفاق إمام أوغلو الذي سبق وأن عمل أمينا عاما لبلدية إسطنبول الكبرى، مرشحا لرئاسة بلدية فاتح.

وبرز بولات بفضل أعمال إنشاء تراث بلدية إسطنبول الكبرى وترميم وحماية مئات المعالم التاريخية في هذا السياق خلال فترة عمله بالسابق.

ما هي التحديات التي تواجه الشعب الجمهوري في كارتال وساريير؟

أصبحت بلدتا ساريير وكارتال، اللتان يسيطر عليهما حزب الشعب الجمهوري، مناطق حساسة لحزب المعارضة الرئيسي في هذه الانتخابات، فخلال الانتخابات المحلية في عام 2009، انتقلت رئاسة بلدة ساريير من حزب العدالة والتنمية إلى حزب الشعب الجمهوري وتم انتخاب شوكرو جينتش رئيسًا لها.

ومنذ ذلك الحين، عزز حزب الشعب الجمهوري أصواته بشكل كبير في المنطقة في كل من الانتخابات المحلية والعامة.

وخلال الانتخابات المحلية القادمة، سيشارك جينتش كمرشح للمرشح، حيث اختار الحزب مصطفى أوكتاي أكسو مرشحا لرئاسة البلدة.

ورداً على هذا الوضع، أعلن جينتش ترشحه للمنصب مستقلا، ويبدو أن عدد الأصوات التي سيحصل عليها جينتش سيحدد نتائج الانتخابات في ساريير.

على صعيد كارتال، كان التطور الذي أوصل كارتال، إحدى المناطق التي يسطير عليها حزب الشعب الجمهوري، إلى منطقة حساسة بالنسبة للحزب هو ترشيح حزب الجيد لشخصية ذات صيت بالمنطقة وذلك باختياره ألتينوك أوز، الذي كان رئيس بلدة عن حزب الشعب الجمهوري بين عامي 2009 و 2019.

في تلك الأثناء، شهدت بلدة أتاشهير نقاشات حادة داخل حزب الشعب الجمهوري خلال عملية تحديد مرشح الحزب. واستقال رئيس بلدة أتاشهير، بطال الجزدي، من صفوف الحزب بعد امتناع الحزب عن إعادة ترشيحه ولم يعلن ترشحه بشكل مستقل مثلما زعمت وسائل الإعلام التركية.

ما هو الوضع في البلدية المحورية إسنيورت؟

تعد إسنيورت أحد أكثر المناطق محورية من بين البلديات التي يسعى حزب العدالة والتنمية لقنصها من قبضة حزب الشعب الجمهوري.

وتصنف إسنيورت، التي يقطنها نحو مليون نسمة، أكثر البلدات اكتظاظا ليس فقط بمدينة إسطنبول بل في سائر المدن التركية.

ويتمتع المشهد السياسي، الذي سيتشكل في إسنيورت، بأهمية كبيرة ليس فقط لرئاسة البلدة بل أيضا لانتخابات بلدية إسطنبول الكبرى ومجلس البلدية.

وتعتبر إسنيورت ذات الكثافة الكردية هى أكثر بلدة يتمتع فيها حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب الكردي بنفوذ من بين بلدات مدينة إسطنبول.

ولعب دعم حزب الشعوب الديمقراطي لمرشح حزب الشعب الجمهوري، كمال دنيز بوزكورت، دورًا حاسمًا في انتقال إسنيورت، التي ترأسها حزب العدالة والتنمية من عام 2004 إلى عام 2019، إلى حزب الشعب الجمهوري في عام 2019.

وفي إسنيورت، توصل حزب الشعب الجمهوري وحزب الديمقراطية والمساواة للشعوب إلى توافق في الآراء بشأن المستوى النهائي للعملية التي تم فيها تحديد المرشحين وتم خلالها سحب المرشح الأول المعلن لحزب الشعب الجمهوري، علي غوكمان، ترشيحه على أساس مشاكل صحية وحل محله أحمد أوزر الذي يحظى بدعم حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب.

وفقًا للمعلومات الواردة من كلا الطرفين، تم تقسيم عدد معين من أعضاء المجلس البلدي بين الطرفين في إسنيورت.

ويُعتقد أيضًا أن دعم حزب الجيد له تأثير معين على فوز حزب الشعب الجمهوري بإسنيورت في عام 2019. لهذا تدور تساؤلات حولكيف سيكون رد فعل ناخب حزب الجيد على الاتفاق بين حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب وحزب الشعب الجمهوري.

كيف هو الوضع في كوتشوك شكمجة؟

تأتي كوتشوك شكمجة أيضًا من بين المناطق التي يهدف حزب العدالة والتنمية إلى الاستيلاء عليها من حزب الشعب الجمهوري ويعتقد أن السباق بها على حافة الهاوية.

وانتقلت البلدة، التي كان يحكمها حزب العدالة والتنمية من عام 2004 إلى عام 2019، إلى حزب الشعب الجمهوري في عام 2019. ويعتقد أن دعم حزب الشعوب الديمقراطي لمرشح حزب الشعب الجمهوري، كمال شيبي، لعب دورا مهما في هذا الأمر.

وتعكس نسبة الأصوات 13.4 في المئة التي حصل عليها حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات البرلمانية في 24 يونية/ حزيران عام 2018 ونسبة أصوات 9.92 في المئة التي حصل عليها حزب اليسار الأخضر خلال الانتخابات البرلمانية في 14 مايو 2023 الإمكانات التي يتمتع بها حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب في البلدية.

في هذه الأثناء قرر الحزب الديمقراطية والمساواة للشعوب عدم طرح مرشحين في 22 بلدة في اسطنبول، غير أن كوتشوك شكمجة تأتي بين 19 بلدة طرح الحزب مرشحين له بها. يخلق هذا الأمر وضعًا صعبًا لحزب الشعب الجمهوري.

ويبدو أن موقف ناخبي حزب الجيد في كوتشوك شكمجة سيلعب دورا محوريا كما هو الوضع في إسنيورت، ففي انتخابات العام الماضي، فاز حزب الجيد بنسبة 9.44 في المئة من الأصوات في هذه البلدية.

هل يمكن أن تعود سيليفري وشاتالجا إلى حزب الشعب الجمهوري ؟

سيليفري وشاتالجا هي من بين المناطق التي يتم متابعتها بعناية خلال الانتخابات، فهي بلدات بعيدة عن مركز مدينة إسطنبول وتحتضنان نسبة كبيرة من عملية الزراعة بالمدينة.

وخلال عام 2019، انتقلت سيليفري من حزب الشعب الجمهوري إلى حزب الحركة القومية في حين انتقلت شاتالجا من حزب الشعب الجمهوري إلى حزب العدالة والتنمية.

وتعد سيليفري البلدة الوحيدة في اسطنبول التي يترأسها حزب الحركة القومية كجزء من تحالف الجمهور الحاكم.

وحاليا، تأتي هاتين البلدتان بين البلدات التي يسعى حزب الشعب الجمهوري لاستردادها خلال الانتخابات القادمة.

وخلال الانتخابات البرلمانية العام الماضي، فازت قائمة حزب الشعب الجمهوري في هاتين البلدتين، كما تقدم بهما كيليجدار أوغلو على أردوغان خلال الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بفارق 10 في المئة.

وأعاد تحالف الجمهور الحاكم ترشيح رؤساء البلدتين الحاليين خلال الانتخابات المقبلة.

لماذا تحولت سنجاك تبه إلى “ساحة منافسة وطيدة”؟

سنجاك تبه هي واحدة من البلديات التي من المتوقع أن تكون فيها المنافسة شرسة، ولعل أهم أسباب هذا هو أن حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، الذي يتمتع بإمكانية تصويت كبيرة في البلدية، لم يسمي مرشحين هنا على أساس مفهوم “الاتفاق العام بالمدينة”.

وبالنظر إلى الانتخابات السابقة، يتبين أن حزب العدالة والتنمية يتمتع بنفوذ قوي في البلدية، وخلال الانتخابات العامة الأخيرة في البلدية، حصل تحالف الجمهور الحاكم على 47.81 في المئة من الأصوات وحصل تحالف الشعب المعارض في ذلك الوقت على 30.11 في المئة من الأصوات، وحصل تحالف العمل والحرية على 17.5 في المئة من الأصوات من بينهم 13.87 في المئة من حزب اليسار الأخضر و 3.62 من حزب العمال التركي.

وفي الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، كانت هناك نسب متقاربة بين كليجدار أوغلو والرئيس أردوغان.

ولم يطرح حزب العمال التركي وحزب الديمقراطية والمساواة للشعوب مرشحين لهم لرئاسة البلدية.

كيف يمكن للأحزاب الصغيرة التأثير على البلدات ؟

يرى الكثيرون أن الأصوات التي سيحصل عليها الأحزاب الصغيرة بالانتخابات المحلية في إسطنبول ستلعب دورا محوريا في رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى وانتخابات مجلس البلدية، ومن الممكن أن تؤثر هذه الأحزاب على التوازنات في بعض المناطق المسماة “حد السكين”.

على وجه الخصوص، يُنظر إلى الأصوات التي سيحصل عليها حزب الرفاة من جديد في البلديات التي يتركز فيها الناخبون المحافظون على أنه أمر بالغ الأهمية.

وسبق وأن تم الحديث عن مطالبة حزب الرفاة من جديد بعض البلديات من حزب العدالة والتنمية خلال مباحثات التحالف في المدينة. وتضمنت هذه البلدات أرناؤوط كوي وسلطان غازي وسلطان بايلي.

وتدور التساؤلات أيضا حول الأصوات التي سيحصل عليها حزب السعادة وحزب الديمقراطية والتقدم وحزب المستقبل وحزب النصر في البلديات.

ويبدو أن حزب العمال التركي يتركز بشكل خاص في بشيكتاش وجزر الأميرات وكاديكوي وباكيركوي، حيث طرح مرشحيه في مختلف البلديات.

وفي كاديكوي، يجري رئيس بلدية تونجالي السابق، فاتح ماتشوغلو، حملته الانتخابية كمرشح للحزب الشيوعي التركي.

هذا وتُعرف هذه البلدات الأربعة منذ سنوات بأنها حصون حزب الشعب الجمهوري.

Tags: "الشعب الجمهوريأسكودارإسنيورتالانتخابات المحلية التركيةالعدالة والتنميةحزب الجيدرئاسة بلدية إسطنبول الكبرىفاتحكوتشوك شكمجه

المصدر: جريدة زمان التركية

كلمات دلالية: الشعب الجمهوري إسنيورت الانتخابات المحلية التركية العدالة والتنمية حزب الجيد فاتح الانتخابات البرلمانیة فی إلى حزب الشعب الجمهوری من حزب الشعب الجمهوری حزب الشعب الجمهوری فی حزب العدالة والتنمیة بلدیة إسطنبول الکبرى الانتخابات المحلیة حزب الحرکة القومیة حزب العمال الترکی خلال الانتخابات کلیجدار أوغلو البلدیات التی العام الماضی فی البلدیة سلطان أیوب فی إسنیورت فی المئة حزب الجید فی بلدیة من بین فی عام عن حزب عام 2019

إقرأ أيضاً:

طريق الشعب .. المنارة التي لن تخفيها البنايات الشاهقة وناطحات السحاب الجديدة ..!

بقلم : فالح حسون الدراجي ..

ونحن نستعد ونتهيأ للمشاركة في الإحتفال بمهرجان جريدة طريق الشعب الذي يصادف يوم السبت ٩ تشرين الثاني، سألني أحد الزملاء بابتسامة أراد من خلالها التخفيف من وطأة السؤال قائلاً: أبا حسون، أراك تتذكر عيد تأسيس جريدة طريق الشعب أكثر من تذكرك لأعياد ميلاد أولادك، وتحتفل كذلك بمناسبات هذه الجريدة ومهرجاناتها أكثر من احتفالك بتأسيس جريدتك -الحقيقة- فضلاً عن الاهتمام غير الطبيعي والاستثنائي الذي تبديه تجاه أي دعوة تصلك من هذه الجريدة دون غيرها من الصحف العراقية الأخرى ؟!

نظرت في عينَي زميلي، وقلت له: في سؤالك شقان، شق يتعلق بجريدة طريق الشعب، وشق يتعلق بالصحف الأخرى .. لذلك سأجيبك عن (سؤالين) وليس عن سؤال واحد ..

بالنسبة لفرحي الاستثنائي بمهرجانات وأعياد جريدة طريق الشعب، فهو أمر شخصي بحت، ليس لأنها جريدة الحزب الشيوعي الذي أحببته منذ صباي، ومعزتها تأتي من معزته فحسب، إنما لأنها أيضاً مدرستي، التي شربت من نهرها العذب سلسبيل الحب والجمال والثقة، ودرست في صفوفها أبجدية الصحافة والوعي الفكري رغم قصر الفترة التي عملت فيها متطوعاً في مطلع سبعينيات القرن الماضي.. لقد دخلتها (أطرش بالزفة ) كما يقولون، وغادرتها وأنا (أسطه) قياساً إلى ما كنت عليه، لذلك صار لي بعدها (وجه) صحفي، وجرأة، وثقة، و(تجربة) تشجعني على طلب العمل في أبرز الصحف العراقية مثل صحيفة (الجمهورية) التي كانت واحدة من الصحف التي لايسمح لغير الصحفيين الموهوبين والمميزين بالعمل فيها، إذ وبفضل (دراستي ) في طريق الشعب، صرت مؤهلاً للعمل محرراً وكاتباً في (الجمهورية) ..!

هذا على الصعيد الشخصي، أما على الصعيد العام، فإن طريق الشعب لم تكن يوماً رقماً سهلاً في حساب الصحف، إنما كانت – حتى وهي في أقسى الظروف – الرقم الأهم والأصعب في جميع المعادلات السياسية والإعلامية الحكومية والشعبية على حد سواء.. فأجهزة الرقابة الإعلامية والأمنية في السلطات الدكتاتورية السابقة مثلاً -كانت تدخل في الانذار صباح كل يوم من أيام إصدار جريدة طريق الشعب (المزعجة)، لتتفحص كل خبر منشور فيها، وتحلل كل مقال وتحقيق، بل وكل قصيدة وخاطرة وصورة وعنوان، حتى أن (النائب) آنذاك ، صدام حسين كان يطالعها شخصياً، بدليل أنه طلب من قيادة الحزب الشيوعي العراقي إيقاف نشر مقالات الراحل الكبير شمران الياسري (أبو گاطع) في جريدة طريق الشعب، مهدداً (بتفليش) الجبهة الوطنية، وقطع العلاقة مع الحزب الشيوعي، إن لم يستجب لطلبه، ويتوقف هذا العمود الذي كان يزعجه ويعكر مزاجه يومياً. لقد كان الناس – من شدة إعجابهم بمقال أبي گاطع – يبدؤون بقراءة الجريدة من الصفحة الأخيرة قبل الصفحة الاولى، ليتعرفوا على ما كتبه (أبو گاطع) في عموده الصحفي قبل أن يطالعوا عناوين الصفحة الأولى وما فيها من أخبار مهمة..!

قاطعني زميلي بقوله: نعم، لكن هذا الأمر في الماضي، أي في العصر الذهبي لطريق الشعب، أيام كان يديرها ويحررها ويكتب فيها عمالقة الصحافة والثقافة العراقية، اما اليوم فالجريدة باتت بلا أسماء كبيرة، ولا أعمدة أو موضوعات فخمة، ولا قراء متعطشين، يقرؤون الجريدة من الصفحة الأخيرة، ( فأبو گاطع) رحل لأبدية خلوده ولم تستطع ادارة جريدة طريق الشعب سد فراغه حتى الان ..
أكمل زميلي كلامه قائلاً : أختم سؤالي واقول لك: بربك أين هي الان طريق الشعب؟!

قلت له: سأجيب على سؤالك بسؤال أيضاً، وأقول لك: أليست الأرض تدور، والأنهار تجري دون توقف، والحياة تتقدم، والخرائط تتغير كل حين، وملايين الناس يولدون، وغيرهم يموتون، فلماذا لا تتغير الصحف، وتتغير الوسائل الأخرى مثل بقية الأشياء، خاصة ونحن في عصر السرعة.. والجميع يتغير بحكم التطور التقني والفني والتاريخي ايضاً، وكتحصيل حاصل، فإن طريق الشعب مهما كان حجمها وقدراتها معرضة للتغيير كذلك.. ومثال على ذلك: الم تكن المانيا عظيمة في زمن هتلر، والإتحاد السوفيتي كان إحدى القوتين العظيمتين في العالم قبل ثلاثة عقود، فلماذا تراجع هذان البلدان العظيمان، ومثلهما تراجعت بريطانيا وفرنسا وغيرهما الكثير ؟

وقبل أن يجيبني، قلت له:

ولكن، رغم كل ذلك فإن المانيا لم تزل على قيد الحياة ولو بنصف قوتها.. وكذلك الاتحاد السوفيتي، فهو موجود في صورة روسيا، رغم أن روسيا التي هي جذر الاتحاد السوفيتي قد فقدت الكثير من قوتها وبريقها.. لكنها موجودة ومؤثرة.. والشيء نفسه يقال عن الصحف العالمية الكبرى، أمثال الواشنطن بوست، وول ستريت جورنال، ونيويورك تايمز، وغيرها، فهذه الصحف العظيمة التي كانت توزع بعشرات الملايين من النسخ يومياً لم يعد لديها أسواق وبورصات تتسع لنصف مليون نسخة، فهل نقول مثلاً إن هذه الصحف غير مؤثرة اليوم، ولا تصلح ان تكون قدوة لصحف أخرى، بل ولا يجدر الاحتفال بمهرجاناتها لأن مردودها قد تقلص؟!

ثم التفتُّ لزميلي قائلاً : أو تظن أن (طريق الشعب) تخلت عن دورها التنويري ونهجها الثقافي والإعلامي المنير، أو أنها لم تعد عميدة الصحف، ومدرسة أكاديمية جامعة للصحافة والصحفيين بمختلف أعمارهم وتجاربهم، لمجرد ان عدد قرائها قد تقلص، أو تظن مثلاً أني توقفت عن تناول دروسها بعد أن صرت رئيساً لتحرير جريدة الحقيقة؟!

لا أبداً، فأنا رغم عمري الذي تجاوز السبعين لم أزل طالباً يتعلم في مدرسة طريق الشعب.. أتعلم ما لم أتعلمه في مواقع ومناهج أخرى.. فالكبير يبقى كبيراً يا صاحبي، وعميدة الصحف لم تزل عميدة بماضيها وحاضرها رغم كل ما حصل ويحصل من أزمات تكسر الظهر .. وثق لو قلت إن أغنية ( ياطريق الشعب يا أم الجرايد) التي كتبتها قبل سنوات ولحنها الفنان يوسف نصار، وما كتبته من مقالات عن طريق الشعب هو أقل مما تستحقه من حقوق في عنقي.. وقبل أن تستغرب من استمرارية مهرجانات طريق الشعب، أحب أن أذكّرك بأن شوارع باريس تزدحم بالزوار، والسيارات، والدراجات، والملصقات الإعلانية التي تشير إلى بدء مهرجان اللومانيتيه العالمي، ذلك المهرجان السنوي الذي تقيمه صحيفة اللومانيتيه – صحيفة الحزب الشيوعي الفرنسي – منذ أكثر من تسعين عاماً بحيث تشاهد سنوياً، الحشود المليونية والخيم والمسارح، واللافتات والاعلام الشيوعية، وترى في يد كل زائر لباريس غصن زيتون، او حمامة سلام، من أجل السلام والمحبة بين شعوب العالم..علماً بأن لجريدة طريق الشعب خيمة سنوية كبيرة ومميزة وثابتة في مهرجان اللومانيتيه الفرنسية..

وعلى الرغم من أن مهرجان اللومانيتيه انطلق عام 1930, إلا أنه لم يتوقف قط، رغم الحروب وقسوة النضال السري للحزب الشيوعي الفرنسي

والأهم أن هذا المهرجان يتواصل دون أن يعترض (صحفي) مثلك على إقامته، كما لم يقل أحد مثلك أن جريدة اللومانيتيه قد تقلصت صفحاتها ونسخها وتراجع عدد قرائها.. ختاماً أقول:

المنارة العالية تبقى عالية ومضاءة وشاخصة رغم البنايات العالية الجديدة التي تحيط بها، واصطفاف ناطحة السحاب حولها.. وطريق الشعب منارتنا العالية إلى الأبد رغماً عن أنف ( التنكه لوجيا) ..!

فالح حسون الدراجي

مقالات مشابهة

  • مصطفى بكري: الشعب المصري يتصدى لقوى الشر التي تريد النيل من مصر
  • العدالة والتنمية: أخنوش مرر العديد من المغالطات خلال الجلسة الشهرية بمجلس النواب
  • قيادي بـ«الشعب الجمهوري»: مواجهة الإرهاب والتطرف ضرورة قصوى
  • تصريح مثير من رئيس حزب الشعب الجمهوري حول عزل إمام أوغلو
  • طريق الشعب .. المنارة التي لن تخفيها البنايات الشاهقة وناطحات السحاب الجديدة ..!
  • الشعب الجمهوري: المنتدى الحضري فرصة قيمة لتوجيه أنظار العالم نحو وتجربتها التنموية الحديثة
  • تكلفة المعيشة في إسطنبول تتجاوز 73 ألف ليرة شهريا
  • جيل ستاين.. المرأة التي قد تحدد الفائز بانتخابات الرئاسة الأميركية
  •  قيادي بـ«الشعب الجمهوري»: المنتدى الحضري يبرز التزام الدولة بتطوير المدن المصرية
  • «الشعب الجمهوري»: استضافة مصر لأعمال المنتدى الحضري يدعم التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي