سودانايل:
2025-04-23@07:07:17 GMT

الدور الاجتماعي للشعر الشعبي

تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT

mohammedhamad11960@gmail.com

بقلم: د. محمد حمد مفرح

٢/١
يعد الشعر الشعبي، وبالذات ذلك الذي ينهل من معين الطرفة، بجانب عكسه لنبض الحياة في المجتمعات المحلية بمناطق السودان المختلفة، يعد ذا دلالات خاصة وثيقة الصلة بطبيعة الحياة بالمجتمع و بهمومه و قضاياه. علاوة على ذلك فهو يعتبر لونية شعرية اسرة للقلوب و مستميلة للأفئدة، كونه يعمل على ترطيب دواخل الإنسان و يحلق به عاليا في فضاءات المتعة التي تنقله من الروتين القاتل الناشيء عن الحراك الحياتي الميكانيكي، إلى عوالم محتشدة بالانشراح والحيوية.


و بذا فان المتعة التي يبثها هذا الضرب من الشعر في نفس الإنسان أشبه ما تكون بالهناء الذي يتغلغل في دواخل الإنسان عند نهار أنس يجمعه بأتراب تحت ظل تبلدية ضخمة، وارفة الظلال، تحفها "الرهود" والخضرة اليانعة... خضرة الحشائش والأشجار ، وتزين البقعة المحيطة بها ، أي التبلدية،أزهار الخريف التي تتراقص طربا عندما تهب عليها نسمات براري كردفان.

و تتمثل جاذبية الشعر الشعبي في كونه يحبك من الموروث الشعبي الذي يعد مستودعا ضخما للطرفة و الحكي والروايات الشيقة وكل ما يندرج تحت الحراك الإنساني ذي الصلة بالإنسان البسيط في تفاعله مع مجتمعه الحضري و الريفي علاوة على وسطه البدوي. ومما يضفي على هذا النمط من الشعر بعدا عميقا ارتباطه بال"الشعبيات" أي بالأنشطة الشعبية في مستواها اللصيق بالفطرة، البعيد عن الصنعة والتكلف والزخرف الزائف. ذلك أنه، كلما كان الرباط بالفطرة أوثق كلما كان الإنتاج الشعري و الأدبي بصورة عامة معبرا بصدق عن تجليات النفس في مستواها الانساني غير المشوب ب(غبار الحياة) و زخرفها، إذا جاز التعبير.
و نظرا لكون البيئة الريفية تمثل معينا ثرا لهذا اللون من الشعر فان موضوع هذا المقال سينحصر، في الغالب، حول الشعر الشعبي الريفي بمنطقة دار حمر بكردفان، نظرا لالمامي بجانب من محتوى ديوان الشعر الشعبي الكبير هناك، و الذي يمثل تراثا شعريا جد عبقري. غير انه يعد، مع هذا، شعرا شفويا يتناقله الناس و بستمتعون بالقائه في مجالسهم المختلفة و في حلهم و ترحالهم. كما انه لم يوثق و لم يجد حظه من الذيوع و الانتشار خارج دائرته المحلية، كما حدث لغيره.، و ذلك باستثناء كتاب (ملامح من تراث حمر الشعبي) لكاتبه الاستاذ محمد أحمد ابراهيم البارودي، ذلك الكتاب الذي تضمن نماذج من الاشعار الشعبية الحمرية في ثنايا العادات و التقاليد التي سلط الضوء عليها. غير أنه و بالرغم من أن الكتاب يمثل مجهودا مقدرا فانه لم يجد. حظه من الذيوع و الانتشار.
و ليس ثمة أدنى شك في أن مناطق كردفان الريفية الأخرى بل و عامة مناطق السودان تمثل، هي الاخرى، حواضن لمثل هذا الضرب من الشعر و تشهد حركة شعرية مؤثرة يتفاعل معها الناس و يجدون أنفسهم فيها.
و مما تجدر الإشارة إليه ان الشعر الشعبي بمنطقة الكبابيش و منطقة المجانين بكردفان ظل يلعب دورا ملموسا في التعريف بالشعر الشعبي الكردفاني، خاصة قصائد الشاعر الكباشي عبد الله ود ادريس و قصائد شعراء المجانين. كما ان الشاعر الكببر أحمد أم بده (ود أم بده)، من بلدة خماس حجر، و الشاعر ود أم سيالة.و الشاعر ود ام خريف و الشاعر محمد ابراهيم، من ابو ماريقة ريفي النهود، كان لهم.اسهامات مقدرة في هذه اللونية الشعرية.
و من الأهمية بمكان الإشارة الى أن المراة بكردفان ظلت تلعب دورا كبيرا في نظم الشعر الشعبي مساهمة في التعبير عن كل القضايا الحياتية في محيطها المحلي. و هناك شاعرات ماجدات كثر ينتشرن في أنحاء كردفان المختلفة منهن الشاعرة حبيبة يت حمدان شاعرة اغنية (كباشي كان برضى) من ود بنده و بلدوسة ابراهيم شاعرة اغنية ( كان ما كلام الناس)، من النهود و غيرهن ممن لا يتسع المحال لذكرهن.
و فيما يتصل بالمتعة التي يحدثها الشعر الشعبي في النفس و كذا الدور الذي يلعبه في كسر الروتين الحياتي، اود أن أشير الى ان الشعراء الرومانسيبين في فرنسا قد اتجهوا في القرن التاسع عشر، عندما ضاقوا ذرعا بالحياة المدنية الخانفة، التي بدأت تنحو منحى ذا صبغة مصطنعة، اتجهوا إلى الطبيعة رافعين شعار " العودة للطبيعة"
(Back to nature)
بغية استلهام مادتهم الشعرية منها، فألهمتهم أيما الهام ووجدوا فيها أنفسهم وكذا تفاعلوا مع بيئتها وانغمسوا في مفرداتها البسيطة العميقة، ما أخرجهم من حالة السأم والروتين الحياتي التي كانوا يعانون منها. وقد تبدى هذا التحول في أشعارهم بصورة جلية و عكس الأثر النفسي الايجابي في دواخلهم.
و في العادة يكون النمط الشعري الشعبي على هيئة قصائد بسيطة الصياغة، نابعة من صميم البيئة المحلية ومن قلب التراث الشعبي،لكنها،في ذات الوقت، تعد عميقة الدلالات والمعاني نظرا لكونها تعكس، بعمق و شمولية، النشاط الحياتي لقطاع شعبي عريض فتعبر عن آماله وطموحاته وتطلعاته فضلا عن آلامه وخيباته وأتراحه وذلك في قالب شعري أثير إلى النفس مدر للنشوة، يتفاعل الإنسان مع مضمونه ويتوه في مادته العذبة.
يقول خبراء اللغة Linguists أنه لا يمكن وصف لغة أو لهجة ما بأنها متخلفة، مهما كان تخلف الواقع الاجتماعي لمن يتحدثونها، و ذلك نظرا لأنها تعتبر أداة او وسيلة تواصل Means of communication تعمل على نقل الأحاسيس والأفكار والآراء وغيرها. وبذا فانها تعد كذلك و تؤدي وظيفتها طالما قامت بهذا الدور. و لهذا فان أية لغة أو لهجة محلية يمكن أن تعبر عن أسمى المعاني وتنقل الرؤى التي تولد في النفس الراحة و الهناء وخلافهما. وتأسيسا على هذه الحقيقة فانه يمكن للهجة المحلية أن تكون أداة لنظم الشعر الشعبي الرصين، ذي المعاني المعبرة و الدلالات العميقة.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الشعر الشعبی من الشعر

إقرأ أيضاً:

مقاومة (أنسولين)

#مقاومة ( #أنسولين )

#محمد_علي_الفراية

الأمسياتُ ودارتي

وعتابي

مقالات ذات صلة أسف 2025/04/08

مُستغربٌ انا من جحود

ترابي

بتدافع الشعر الذي دافعته

يأتي حضوري في سبيل

غيابي

ماذا سأشعل و(الحرائق) صنعتي

بعد انحياز الشعر

للأرباب

الزحفُ عافَ يَدَيَّ يطلب قهوةً

من حيرة البن الذي

في بابي

وَرقٌ به أرقٌ فكل حروفنا

كُتبت لتغرق في مياه

سرابي

صامت على نهج الجنود حروفنا

فتساوت الأسباب

في اسبابي .

عَفَويّةٌ كلُ اللغات البِكر إن

رَسَمَت إصابعهن حرف

عتابي

قطّعنَ أيديهنَ ليلاً عندما

اخرجتُ للمعنى فصول

كتابي

مابين مفردتين ثمة نكهة

وحلاوة يحظى بها

اعجابي

لأعود من وجعِ التَذَكّرِ باكياً

ومسافراً ألماً إلى

اعصابي

ما غيّرت كل الحروب ملامحي

حتى أناخ الأهل

بعض ركابي

قالوا بأنكَ قد سقطتَ ولم نكن

من داعميك …وما همو

بحسابي

منذُ اكتوت اوجاعكن على فمي

وفمي يهذرم ..لا يريد

جوابي

ذئبٌ هوَ الالم الذي في مفصلي

وكانه يعوي على

الأبواب

بين الحضارة..والحقارة حيّةٌ

خضراء ملمسها يكون

ضبابي

يا مُشعلات النارِ فيَّ كما انا

رهن احتمال العصر

للأعناب

السارقات حياتنا ووجودنا

السارقات الصمغ

من اخشابي

إن قلنَ لا ندري ..فتلك مصيبة

هنّ اللواتي قد أضعن

شبابي

إن قلنَ ندري ما كذبن وانني

اهدرت روح الباب

في أعتابي

مقالات مشابهة

  • مقاومة (أنسولين)
  • متحف الشاعر قسطنطين كفافيس بالإسكندرية
  • فوائد المشاط للشعر المصبوغ.. حماية طبيعية ولمعان صحي
  • "حد يخبر سهيل"
  • تلاقي الإبداعات الإماراتية والمغربية في أمسية شعرية
  • قصائد «الأخطل الصغير» تُحيي ليلة مميزة في مكتبة محمد بن راشد
  • قَرار يوحِّد السوداني والعامري وقادة في الحشد الشعبي لانتخابات تشرين
  • الشيب المبكر: الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى ظهور الشعر الرمادي في سن الشباب
  • ‏الأردن يرحب بالتوافق الذي توصّلت إليه واشنطن وطهران خلال الجولة الثانية من المباحثات التي عُقِدَت في العاصمة الإيطالية روما
  • العبارة العجيبة بين لانا نسيبة وشاعر الحقيبة