فرنسا أول دولة في العالم تدرج الإجهاض في دستورها
تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT
باريس- بعد معركة سياسية ونسوية طويلة الأمد، أصبحت فرنسا -أمس الاثنين- أول دولة في العالم تدرج الإجهاض الطوعي "آي في جي" (IVG) في دستورها صراحة، بعد موافقة غالبية ساحقة من النواب وأعضاء مجلس الشيوخ في الكونغرس بقصر فرساي، وسط تصفيق دام عدة دقائق على قرار وصف بـ"التاريخي".
وتميز تمرير النص النهائي لهذا القرار بتصويت الأغلبية الساحقة، التي تخطت بأكثر من الثلاثة أخماس المطلوبة لتعديل النص، حيث صوت 780 برلمانيا لصالحه مقابل 72 صوتا معارضا فقط، ينتمي أغلبهم لليمين واليمين المتطرف.
وعلى عكس الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا الشرقية، تحدد المادة 34 من الدستور "شروط ممارسة الحرية المكفولة للمرأة في اللجوء إلى إنهاء الحمل طوعا"، ونالت هذه الخطوة إشادة فئة من الشعب الفرنسي، في حين لاقت رفضا شديد اللهجة من فئة أخرى.
أم فرنسية مع طفلها في احتجاج على اعتبار الإجهاض حقا دستوريا (الجزيرة) يوم حدادعلى بعد عشرات الأمتار من قصر فرساي، تجمع مئات المتظاهرين للتعبير عن رفضهم القاطع لدستورية الإجهاض، لأنه "يعاقب أطفالا لم يولدوا ويحرمهم من الحياة"، موجهين في الوقت ذاته انتقادات لاذعة للحكومة الفرنسية "التي تتهرب من مسؤولياتها تجاه النساء الحوامل"، على حد تعبيرهم.
واعتبر نيكولا تاردي جوبيرت، رئيس منظمة "من أجل الحياة" التي دعت للمظاهرة، التصويت على النص بأغلبية كبيرة "هزيمة للفكر، واندفاعا صارخا نحو القتل المتهور، وفقا للأجندة التي وضعها أقصى اليسار والتي أقرتها الحكومة، ودعمتها جماعات الضغط القوية"، مضيفا أنهم "يريدون إسكاتنا ليتحكموا في مستقبل أجيال بأكملها".
وقال جوبيرت في حديثه للجزيرة نت إن "الحكومة تهدف إلى تسهيل الوصول إلى الإجهاض، بدل معالجة المشاكل التي تعاني منها النساء الحوامل، وتوفير الدعم الصحي والمالي اللازم لمساعدتهن"، مؤكدا أن "الطريق إلى الشرف يبدأ من عدم التواطؤ مع ثقافة الموت".
وأعربت رئيسة جمعية "الأسرة الكاثوليكية" ألين فيجورنيه عن رفضها الشديد لدستورية ضمان حرية الإجهاض، "لأننا نؤمن بأن الأسرة هي المكان الذي نحمي فيه الأضعف، ولا نوافق على اعتماد الحق بالقتل داخل مجتمعاتنا".
ولفتت فيجورنيه التي تمثل أكثر من 25 ألف أسرة كاثوليكية، في مقابلة مع الجزيرة نت، إلى أن تحريم القتل موجود في كل الأديان بدون استثناء، معتبرة أن "حمل الورود البيضاء ضد ماكرون وحكومته يشبه وقوف الورود البيضاء في وجه النازية بثلاثينيات القرن الماضي"، على حد قولها.
وأوضح أليكسي، وهو طبيب نساء وتوليد فرنسي، أن "النساء الحوامل عادة ما يشعرن بالخوف في بداية الحمل، وهو أمر طبيعي، لكن ما أجده غير مقبول أو منطقي هو عدم توفير المساعدة النفسية اللازمة لهن خلال هذه المرحلة بالتحديد، إذ بدلا من القيام بذلك، تفكر الحكومة في إعطاء الحق الصريح بقتل أجنتهن".
وتابع بالقول خلال حديثه للجزيرة نت "من تجربتي الخاصة، حاولت الكثير منهن التراجع عن قرارهن في الإجهاض، لكن ذلك يأتي متأخرا ويكون الأوان قد فات، واليوم، ستتحمل الحكومة هذا الذنب أيضا".
معارضون لإقرار حق الإجهاض في مظاهرة بباريس (الجزيرة) فخر فرنسيومن أمام برج إيفل في باريس، اجتمع الداعمون لدستورية الإجهاض أمام شاشة عملاقة لمتابعة أحداث جلسة البرلمان، رافعين شعارات "جسدي، خياري" و"الإجهاض قانوني" باللغات الفرنسية والإسبانية والإنجليزية.
كما أشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تغريدة على منصة "إكس" بنتيجة التصويت، بتعبيره "الفخر الفرنسي، رسالة عالمية"، مشيرا إلى أن الاحتفالية الرمزية لختم الدستور ستكون متاحة للجميع في الثامن من مارس/آذار الجاري، الذي يوافق اليوم العالمي لحقوق المرأة.
ويُشار إلى أن قانون "سيمون فيل" الصادر عام 1975 قد ألغى تجريم الإجهاض مؤقتا، ونظمه قبل أن يجعل أحكامه نهائية في ديسمبر/كانون الأول 1979. ومنذ ذلك الوقت، تم تقديم عدة نصوص تضمن الحق في الإجهاض، أبرزها قانون تمويل الضمان الاجتماعي لعام 2013 الذي يمكن المرأة من إجراء عمليات إجهاض مجانية، وآخرها قانون عام 2022 الذي مدد المدة القانونية للجوء إلى الإجهاض من 12 إلى 14 أسبوعا.
ورود بيضاء في إشارة إلى الحداد ردا على إقرار الإجهاض كحق دستوري (الجزيرة) حسابات سياسيةويبدو أن دستورية الإجهاض في فرنسا لا تقتصر على كونها مسألة مجتمعية فقط، إذ تصل حساباتها إلى ما هو أبعد من ذلك، فبعد الترحيب بتصويت الكونغرس من رئيس الجمهورية ومناصريه، تأسّف رئيس حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف جوردان بارديلا عن "تراجع الحريات الأساسية للمرأة".
وأضاف بارديلا لوسائل إعلام محلية أن "أمن النساء في الأماكن العامة يتراجع تحت وطأة التراخي القضائي وارتفاع الضغط الديني، فضلا عن صعوبة الحصول على الرعاية الصحية والدواء".
وانتقد زعيم حزب "فرنسا الأبية" جون لوك ميلانشون في تغريدة على منصة "إكس" تعمد رئيس الوزراء غابرييل أتال بجعل مبادرات النائبة عن حزبه ماتيلد بانو "غير مرئية" خلال خطابه، ووصفه بأنه "مثير للشفقة".
وعند سؤاله عن غياب المسلمين المقيمين في فرنسا عن المظاهرات الرافضة لقانون الإجهاض، لم يستغرب الأمين العام للجمعيات الإسلامية في باريس محمد هنيش من ذلك، موضحا أن "المسلمين لم يتحركوا قبل 3 أعوام ضد قانون الانفصالية الذي يمسهم بشكل مباشر، وقانون الإجهاض يعتبر ضد الجميع، بغض النظر عن المعتقدات الدينية".
ويرى هنيش في حديثه للجزيرة نت أن دستورية الإجهاض عبارة عن "حملة دعائية" تستخدمها الحكومة لتحويل تركيز الرأي العام عن الأمور الأكثر أهمية في البلاد، و"منافسة سياسية" تهدف من خلالها الأحزاب إلى استقطاب أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات المقبلة، وخاصة اليمين المتطرف "الذي من المتوقع أن يتسلم مقاليد الحكم قريبا".
ولفت الأمين العام للجمعيات الإسلامية إلى أن انتقال السلطة إلى اليمين المتطرف يُعد الخطر الأبرز بالنسبة للمساجد والجالية المسلمة التي تعاني منذ أكثر من 5 سنوات من شتى أنواع التضييقات و"الإسلاموفوبيا".
وختم بالقول إن "المسلمين في وضع حرج، وليس لديهم الوقت الكافي للتعامل مع مشاكل تهم المجتمع الفرنسي بأكمله والأديان الأخرى، ويحاولون التركيز على المشاكل الحقيقية التي تواجههم يوميا".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
لقجع يستعرض أهم تعديلات مشروع قانون مالية 2025 أبرزها إعفاء الدخل الذي يقل عن 6000 درهم من الضريبة
زنقة 20. الرباط
استعرض الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، اليوم الثلاثاء بمجلس المستشارين، أهم التدابير والتعديلات التي هم ت مشروع قانون المالية رقم 60.24 للسنة المالية 2025.
وأبرز السيد لقجع، خلال تقديمه لمشروع القانون أمام لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية، أن هذه التدابير شملت أساسا إصلاح الضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة، وعددا من التدابير الجمركية، من ضمنها تعريفة الرسوم الجمركية والضريبة الداخلية على الاستهلاك.
وفي ما يخص إصلاح الضريبة على الدخل، أوضح الوزير أن الحكومة عملت على مراجعة الجدول التصاعدي لأسعار الضريبة على الدخل، من خلال رفع الشريحة الأولى من الدخل السنوي المعفاة من الضريبة من 30 ألف إلى 40 ألف درهم، وهو ما سيمكن من إعفاء دخول الأجور التي تقل عن 6000 درهم شهريا.
وتابع أنه تمت مراجعة الشرائح الأخرى للجدول وتخفيض أسعار الضريبة المطبقة عليها، بالإضافة إلى رفع مبلغ الخصم السنوي من الضريبة على الدخل عن الأعباء العائلية من 360 إلى 500 درهم عن كل شخص يعوله الخاضع للضريبة.
وقال السيد لقجع إن التعديلات التي صادق عليها مجلس النواب، والتي همت الضريبة على الدخل، ارتكزت على رفع مبلغ السندات التي تمثل مصاريف الإطعام أو التغذية المسلمة من لدن المشغلين لمأجوريهم من 30 درهما عن كل مأجور وعن كل يوم من أيام العمل إلى 40 درهما مع إمكانية الأداء بطريقة إلكترونية.
وارتكزت التدابير، وفق الوزير، على مراجعة شروط إعفاء التعويض عن التدريب المدفوع إلى المتدرب خريج التعليم العالي أو التكوين المهني أو الحاصل على شهادة الباكلوريا المعين من لدن منشآت القطاع الخاص، موضحا أنه تم التنصيص على أنه في حالة تغيير المشغل، يمكن للمتدرب الاستمرار في الاستفادة من الإعفاء في حدود مدة 12 شهرا.
وأضاف أنه تم تحسين نظام الضريبة على الدخل برسم الدخول العقارية الخاضعة للحجز في المنبع، ومراجعة النظام الجبائي المتعلق باسترداد اشتراكات التقاعد التكميلي التي لم يتم خصمها.
وفي ما يتعلق بالضريبة على القيمة المضافة، أكد السيد لقجع أنه تم إدراج تدبير مؤقت، برسم سنة 2025، للتنصيص على إعفاء عمليات استيراد كمية محدودة من الحيوانات الحية والمنتجات الفلاحية من الضريبة على القيمة المضافة، وذلك لضمان الإمداد العادي للسوق الوطنية بأسعار مناسبة.
ومن أجل تحسين تمويل الجماعات الترابية، قال السيد لقجع إنه تم الرفع من الحد الأدنى لحصيلة الضريبة على القيمة المضافة المخصصة لميزانيات الجماعات الترابية من 30 إلى 32 في المائة، وذلك لتعزيز دينامية التنمية الترابية.
أما بشأن التدابير الجمركية، فأوضح الوزير أن التعديلات الواردة على مشروع قانون المالية لسنة 2025 نصت على استثناء الجماعات الترابية من الزيادة المطبقة عند عدم أداء مبالغ الرسوم والمكوس والغرامات، وكذا المبالغ الأخرى المستحقة بطريقة إلكترونية، على غرار الإدارات والمؤسسات العمومية.
وتابع أنه تم حذف العصبة الوطنية لمحاربة أمراض القلب والشرايين من لائحة المؤسسات التي تستفيد من رسم الاستيراد الأدنى بنسبة 2,5 في المائة.
من جهة أخرى، أشار السيد لقجع إلى أنه تم إحداث جنحة جمركية جديدة تتعلق بالحيازة غير المبررة للأختام الجمركية أو التزويد بها أو استعمالها، كما تم تخفيف العقوبات المطبقة على الجنح الجمركية، مع إضافة مقتضى جديد ينص على إرجاع الرسوم والمكوس التي تم استيفاؤها بغير حق في حالة تغيير أو إلغاء التصريح المفصل.
وفي ما يهم تعريفة الرسوم الجمركية، لفت الوزير إلى أن التعديلات همت أساسا تخفيض رسم الاستيراد المطبق على عسل المائدة المعبأ في عبوات يزيد وزن محتواها على 20 كلغ من 40 إلى 2,5 في المائة، بالإضافة إلى الرفع من رسم الاسيتراد المطبق على أسلاك الألياف الضوئية من 10 إلى 17,5 في المائة.
وبالنسبة للضريبة على الاستهلاك، أفاد السيد لقجع أن أبرز التدابير هم ت إحداث ضريبة داخلية على الاستهلاك على السجائر الإلكترونية غير القابلة للتعبئة بمقدار 50 درهما لكل وحدة، وإحداث مخالفة مختلفة متعلقة بعدم الالتزام بتطبيق إلزامية وضع العلامات الجبائية على الغازوال والوقود الممتاز خلال عرضهم للاستهلاك.
وتابع أنه تم التنصيص على وقف استيفاء، من فاتح إلى غاية 31 دجنبر 2025 رسم الاستيراد المطبق على كمية محدودة من الحيوانات الحية والمنتجات الفلاحية.
وفي سياق ذي صلة، أبرز السيد لقجع أن الحكومة تسعى من خلال التوجهات العامة لمشروع قانون المالية 2025 إلى “مواصلة تعزيز أسس الدولة الاجتماعية”، و”توطيد دينامية الاستثمار وخلق فرص الشغل”، و”مواصلة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية”، إلى جانب “الحفاظ على استدامة المالية العمومية”.
وبخصوص الفرضيات المرتقبة، قال الوزير إن الحكومة تهدف إلى تحقيق نمو اقتصادي يقدر بـ 4.6 في المائة وذلك بناء على فرضيات استقرار معدل التضخم في حدود 2 في المائة، و ارتفاع الطلب الدولي الموجه للمغرب بنسبة 3.2 في المائة، ومحصول الحبوب في حدود 70 مليون قنطار، ومتوسط سعر غاز البوتان عند 500 دولار للطن.
يشار إلى أن مجلس النواب، صادق في جلسة عمومية عقدها نهاية الأسبوع الماضي، بالأغلبية، على مشروع قانون المالية رقم 60.24 للسنة المالية 2025.