حرب "أماني ريناس" ضد الرومان.. صفحات مضيئة من تاريخ السودان القديم
تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT
قلة من القادة الرجال الأجانب في العالم واجهوا الإمبراطورية الرومانية التي كانت في زمانها دولة عظمى، لكن أماني ريناس ملكة مملكة كوش السودانية واجهتها بشجاعة وصدتها بنجاح.
إقرأ المزيدتمكنت أماني ريناس من عام 25 إلى 21 قبل الميلاد من تحقيق إنجاز كبير وصدت الغزو الروماني على منطقة النوبة السفلى الواقعة فيما يعرف اليوم بالسودان.
الرومان بعد أن احتلوا مصر اتجهت قواتهم إلى الجنوب، وكان الهدف مملكة كوش وعاصمتها مروي على الضفة الشرقية لنهر النيل، وهي مدينة تبعد حوالي 200 كيلو متر عن العاصمة الحالية الخرطوم.
أماني ريناس كانت جلست على العرش بعد وفاة زوجها الملك تيرتيكاس نهاية عام 25 قبل الميلاد، وكان ذلك بعد خمس سنوات من الاحتلال الروماني لمنطقة النوبة السفلى.
في السابق، استفادت مملكة كوش من تصدير ذهبها وثرواتها الأخرى إلى مصر، إلا ان الوضع تغير حين سيطرت القوات الرومانية بقيادة القيصر أغسطس على مصر من مارك أنتوني وكليوباترا.
عقب توليها العرش في مملكة كوش، وضعت أماني ريناس الخطط ونفذ جيشها هجمات على القوات الرومانية المحتلة.
الملكة أماني ريناس جمعت في البداية جيشا يقدر بـ 30000 مقاتل واستعدت لقتال الغزاة الرومان الذين حاولوا السيطرة على المناطق الزراعية الخصبة الواقعة في جنوب مصر والمعروفة باسم النوبة.
تمكن الرومان في البداية من تحقيق مكاسب في المنطقة وقاموا بفرض ضرائب عالية على سكان مروي، عاصمة مملكة كوش.
أعادت الملكة أماني ريناس تنظيم جيشها واستغلت انسحاب القوات الرومانية المؤقت خلال حملتها التي توجهت إلى غزو الجزيرة العربية في عام 25 قبل الميلاد بقيادة أرابيليوس. هذه الحملة وصلت على مدينة نجران في جنوب الجزيرة العربية قبل أن تتقهقر وتفشل ويفر قائدها من المعركة.
زحف جيش الملكة أماني ريناس إلى الشمال وتمكن من تحرير جزيرة فيلة الواقعة في منتصف النيل في المنطقة الحدودية مع مصر، وحررت أيضا أسوان ومدينة إلفنتين.
بعد أن أنهى جيش مملكة كوش عمليته في المنطقة انسحب إلى الجنوب، وبدأت المناوشات الأولى للحرب بين مروي وروما والتي استمرت أربع سنوات.
تعد تلك السنوات من المعارك بين جيش مملكة كوش والجيش الروماني حقبة تاريخية هامة في تاريخ النوبة على الرغم من أن الرومان بنهاية المطاف تمكنوا من فرض سيطرتهم على النوبة، إلا أنهم كانوا مضطرين إلى تقديم تنازلات لمملكة كوش أضعفت موقفهم السياسي والاقتصادي وأكدت السيادة المحلية لمملكة كوش.
كان نجاح أماني ريناس العسكري في مواجهة جحافل الرومان فريدا في تاريخ المنطقة، إلا أن دور الملكات النساء لم يكن غريبا عن السودان القديم، إذ حكمت عدة نساء ولفترات طويلة ممالك كوش الثلاث، كرمة ونبتة ومروي في الوادي النوبي للنيل الأوسط.
هذه الملكة كانت معاصرة لعهد كليوباترا في مصر ومارك أنتوني في روما إلى أن أطاح بهما القيصر أغسطس في عام 30 قبل الميلاد.
إرث أماني ريناس في الدفاع عن النوبة استمر بعددها، وقد جاءت بعدها الملكتان أماني شاكيتو وأماني تور وواصلتا نهج التصدي للرومان.
مملكة كوش أصيبت بالضعف بنهاية الأمر وعادت الإمبراطورية الرومانية إلى فرض سيطرتها على منطقة النوبة، وبقي التاريخ في نفس الوقت يذكر الملكة أماني ريناس، باعتبارها من الشخصيات التاريخية القليلة التي قاومت هيمنة أقوى إمبراطورية في عصرها.
المصدر:RT
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: أرشيف قبل المیلاد
إقرأ أيضاً:
السعودية تخلع معطفها القديم
في عالم السياسة، لا شيء يحدث مصادفة، وحين يتغير خطاب بحجم الإعلام السعودي الرسمي، فذلك لا يعد مجرد تعديل في النشرة، بل انقلاب في البوصلة، منذ شهور وأنا أتابع هذا التحول الغريب، جميل في بعضه، مربك في توقيته، ومذهل في إيقاعه المتصاعد، القناة السعودية الأولى، التي اعتادت لعقود أن تتجنب الاقتراب من حدود السياسة الإقليمية المشتعلة، باتت تتكلم كما لو أن داخلها قناة عربية ثائرة أطلق سراحها
في قلب شاشة الإخبارية الرسمية، تقرير عن هتلر العصر نتنياهو بلغة حادة، ويدك الكيان الصهيوني بلغة كانت محظورة في الإعلام الخليجي لعقود، باستثناء الإعلام القطري، واللافت أن هذا الخطاب لا يظهر عرضا، بل هو مستمر منذ أسابيع في هذه القناة تحديدا، التي تعبر بشكل مباشر عن التوجه الرسمي
وفي الوقت ذاته، كانت القناة تبث مقابلات مع معتمرين سودانيين من قلب الحرم المكي، يدعون للبرهان بالنصر، ويشاركهم الدعاء الصحفي السعودي ذاته، المشهد لا يحتمل التأويل، الرسالة واضحة، السعودية اختارت طرفا في الصراع، دون مواربة، ولا لغة رمادية، كما أن وزير الخارجية السوداني قال أن المملكة أبلغتهم أنها ستتكفل بكل احتياجات السودان لمدة ستة أشهر ،،
حتى المعرفات السعودية ذات الأعلى متابعة، بما فيها حسابات صحفيين بارزين، لم تعد تغرد خارج السياق الجديد، تحول خطابها بشكل لافت ليواكب التوجه الرسمي، تبنت نبرة دعم واضحة للجيش السوداني، وقبلها انفتاحا كبيرا تجاه السلطة السورية، هذا التحول في المزاج الرقمي يعكس أن التغيير لم يعد مقتصرا على القنوات الرسمية، بل أصبح يشمل الوعي العام الموجه أيضا
منذ متى تفعل السعودية ذلك، منذ متى يتحدث إعلامها بلهجة الجزيرة، دون أن تكون الجزيرة، هناك شيء يتغير، لا في الشاشة فقط، بل في القصر
منذ عام 2011، وأنا أتابع الإعلام السعودي حين أنشأت أول صفحة لي على تويتر،، كما عملت مراسلا لصحيفة الاقتصادية لعام ونصف من صنعاء ، كان الإعلام السعودي أقرب إلى متحف رسميات، لا يعادي ولا يناصر، كان حياديا إلى درجة البرود..
اليوم، لم يعد كذلك
الخطاب تغير
اللهجة تغيرت
كما أن تجربتي المهنية في مجال رصد وتحليل المحتوى، والتي امتدت لست سنوات، تجعلني أقرأ هذا التحول في الخطاب السعودي بدقة، ما يحدث في المنصات الرقمية، خصوصا عبر المعرفات الأعلى متابعة، بما فيها حسابات صحفيين وإعلاميين مؤثرين، ليس مجرد تفاعل لحظي، بل هو تحول موجه ومتدرج في المزاج العام، يعكس انسجاما مع التوجه الرسمي الجديد
هذا التغير لم يأت ارتجالا، بل يظهر بوضوح أن هناك إعادة تموضع شاملة في الخطاب، تتجاوز الإعلام الرسمي لتصل إلى وعي الجمهور عبر أدواته اليومية..
قبل أيام، ظهر عيدروس الزبيدي في خطاب تهديدي فج تجاه قبائل حضرموت، خطاب لم يأت من فراغ، بل من أزمة ثقة تتعمق بين مشروعه والمكون القبلي في الشرق، بعدها بأيام فقط، يظهر وزير الدفاع السعودي في لقاء مباشر مع رئيس حلف قبائل حضرموت
الرسالة لا تحتاج إلى محلل استراتيجي
في الملف السوري، الخطاب السعودي أقرب إلى نبض الشعب، منه إلى الخط الرسمي للدولة، أحيانا لا يمكنك أن تفرق بينه وبين خطاب قناة الجزيرة حين تتحدث عن القضايا الكبرى..
من كان يتوقع أن تتحدث القنوات السعودية بهذا الوضوح عن الغارات والاحتلالات والحق الفلسطيني، بهذا القدر من الحزم والصفاء، ما نراه ليس تغييرا في اللهجة فقط، بل تفكيك كامل للخطاب القديم
قد يقول البعض إن التغير نتيجة ظروف إقليمية بعد السابع من أكتوبر، وآخرون يرونه استجابة لحاجة واستدارة داخلية وخارجية واسعة، لكن مع ذلك، السعودية تغيرت.
من يراقب المشهد بعين أوسع سيدرك أن ما يحدث في الإعلام ليس سوى انعكاس لتحول جذري أعمق في السياسة السعودية مع صعود محمد بن سلمان، فقد نسجت المملكة خلال السنوات الأخيرة علاقة استراتيجية متنامية مع الصين، متجاوزة بذلك النمطية التقليدية التي حصرت توجهاتها لعقود في النفوذ الأمريكي، وكأن واشنطن كانت الخيار الإجباري الوحيد، هذا الانفتاح نحو الشرق أجبر واشنطن على إعادة النظر في تعاملها مع الرياض، بعدما تخلت الأخيرة عن موقع التابع واختارت أن تتصرف كقوة مستقلة وفاعلة في توازنات الإقليم والعالم، وكان اختيار السعودية كمقر للحوار الروسي الأمريكي دليلا واضحا على هذا التحول