اللبناني يعيش على وقع الصدمات الخارجية والداخلية
تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT
يشبه اللبناني اليوم غريقًا يحاول أن يُمسك بحبال الهواء ظنًّا منه بأنها السبيل الوحيد للنجاة من الغرق المحتّم. لكن غريزة البقاء تدفعه إلى المزيد من الصمود ومواجهة الأمواج العاتية، التي تعصف بها الرياح علّه يصادف مرور مركب بقربه فينتشله وينقذ حياته من الهلاك.
والأهم في صراع البقاء أن يشعر اللبناني، الذي يعيش في يومياته على وقع الصدمات الخارجية والداخلية المتتالية والمتوالية فصولًا، أنه غير متروك في ساحات الوغى، وأنه ليس مستفردًا في مقارعة الذين يحاولون أن يغرقوه، وهو المبّلل من رأسه حتى أخمص قدميه بما لا يشبه أي شيء آخر من مشاكل لها أول وليس لها آخر.
وعلى رغم معرفته المسبقة أن حبال النجاة المتوافرة ليست سوى "حبال هواء"، فإن اللبناني يعتقد أن بعض الغيارى على مصلحة لبنان لا يزالون يعملون على الحؤول دون تفاقم الأمور إلى ما هو أسوأ، أقّله بالنسبة إلى منع جرّ لبنان إلى حرب لن تقتصر أضرارها على الجنوب، بل قد تشمل كل لبنان، ومنه قد تمتد نيران الحرب إلى المنطقة كلها. وهذا ما حاول المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين شرحه للمسؤولين اللبنانيين، الذين التقاهم في زيارته السريعة لبيروت.
فبين اللبنانيين أنفسهم تباين في التفسير والتحليل والتعليل لما يجري على ساحتهم الجنوبية. وهذا التباين – الاختلاف ينعكس في صورة مباشرة على حركة الموفدين الدوليين، الذين ينصحون الجميع بأن تكون لديهم مقاربات متقاربة، أقّله لناحية توحيد بعض المصطلحات، التي من شأنها أن تسهم في تنظيم إدارة هذا الاختلاف قبل الحديث عن المراحل المتقدمة في أي مفاوضات قد يسعى إليها بعض، الذين يرون أبعد من أنوفهم، وهم يتوقعون أن تصل أمور اللبنانيين إلى الأسوأ في حال لم يُنزل البعض السلم عن اكتافهم مع إصرارهم على حمله بالعرض.
وما يؤسف له هو أن هؤلاء الذين لا يرون سوى القشة في عيون الآخرين ويرفضون الاعتراف بأن ما في عيونهم يخفي عنهم الحقيقة النسبية لا يزالون متمسّكين بخيارات لا تلقى إجماعًا وطنيًا، إن كان بالنسبة إلى قرار الحرب والسلم أو بالنسبة إلى خيار تحييد لبنان عن صراعات المنطقة واعتماد سياسة النأي بالنفس كخيار من بين خيارات عدّة توازن بين مصلحة لبنان أولًا وأخيرًا قبل أي مصلحة أخرى وبين مصالح الآخرين، على رغم الاعتراف الضمني بأهمية هذه المصالح، شرط ألا تكون على حساب المصلحة الوطنية الأولى والأخيرة، وهي الحؤول دون توريط لبنان في حرب إقليمية ليس مهيأ لها، مواجهة وصمودًا.
ما سمعه كل من الرئيسين نجيب ميقاتي ونبيه بري ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب وقائد الجيش العماد جوزاف عون من هوكشتاين فيه الكثير من الواقعية السياسية المحصّنة بقراءة شاملة ومعمّقة لما ينتظره لبنان في المستقبل المنظور بالنسبة إلى إحداثيات ما هو متوقع أن يصدر عن محادثات القاهرة من نتائج قد تكون مطمئنة للسماح بالتفكير بما يلي "هدنة رمضان" في حال التوصّل إلى الحدّ الأدنى من القواسم المشتركة على آليات هذه الهدنة وكيفية التعاطي معها بما تفرضه الوقائع الميدانية في قطاع غزة، وما يليه من انعكاسات على الساحة الجنوبية، التي ستتأثر حتمًا بأي قرار قد يُتخذ، سلبيًا كان أم إيجابيًا.
فخشبة خلاص اللبنانيين من الغرق في رمال الحرب الإقليمية لا يمكن إلا أن تكون عبر الاستعانة بأصدقائه وأشقائه، الذين يرون أن من مصلحة لبنان عدم الانجرار في حرب غير متكافئة من حيث النتائج، وليس بالضرورة التكافؤ الميداني أو موازين الردع. والدليل أن هذه المعادلة لا تحول دون تحقيق "المقاومة الإسلامية" إصابات بالغة في صفوف جيش العدو وقواعده العسكرية، وبالتالي لا تمنع إسرائيل من القيام باعتداءات متواصلة تستهدف فيها معظم القرى الحدودية، التي لم تسلم من شرّها.
وعليه، فإن المعّول حاليًا هو على ما سيصدر من محادثات القاهرة، وإن كانت الظروف التي يعيشها أهل غزة وأهل الجنوب أكثر من قاهرة، لكي يستطيع المراقبون الانتقال إلى مرحلة ثانية من الترقب والانتظار، خصوصًا إذا نجحت هذه المحادثات في التقليل من الشروط الإسرائيلية لفرض هدنة الستة أسابيع المقبلة. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: بالنسبة إلى
إقرأ أيضاً:
الموتُ يعيش بيننا
تسير بين أبنية مدمرة أثناء ذهابك وعودتك، تحدثك الأبنية عن تفاصيل وحياة وجرائم ارتكبت عن رسومات كشفتها الجدران المفتوحة بالغرف السكنية أو ببقايا العمارات، أحدهم كتب «أمي جنتي» وكأنها كانت في يوم ميلاد.
على كومة الركام بقي فستان عروس شاهدا على حفل زفافٍ طوته الذاكرة، لعبة أطفال على هيئة «دب» أو عروس أطفال، وألعاب وقصص وكتب ممزقة، أبنية محترقة أخرى مائلة على بعضها، وبنايات بقيت أعمدتها المتهشمة وتفرغت جدرانها كشجرة بلا أوراق، تتعجب أن أصحابها عادوا وسكنوا فيها، نصبوا خيمة بجانب البيت المهدم، أو استصلحوا غرفة في الأبنية المدمرة بشكل جزئي، بعض الأبنية تجثو على ركبتيها بعدما قص الصاروخ الأعمدة من الأسفل فجلست الجدران على قاعدة أول طبقة، أو بعضها قص الصاروخ جانبها الأيمن أو الأيسر، أو اكتفى بقص عدد من الطوابق، وكأن من ارتكبوا الجرائم تفننوا في صنع دمار يحتار وصفكَ له.
تلاحقنا المسؤوليات، وتجثم على ظهورنا وكاهلنا؛ تبدأ صباحك بجدولٍ لا ينتهي من الالتزامات التي فرضتها ظروف الحرب، لا مرآة تقف أمامها لتحسن مظهرك، فتستعين عن ذلك بهاتفك إن لم تنفد بطاريته، تقرأ الأذكار على عجل، لأن الوقت في الحرب يركب على ظهر خيلٍ على مضمار السباق، تبدأ بالبحث عن طريقة سريعة لتعبئة خزانات المياه «جالونات صغيرة» تكفي لاستعمال عائلتك، أو تشعل النار أو تستعمل غاز الطهي للاغتسال، مطلوب منك توفير طعام الإفطار تحتار ماذا تشتري بين قائمة مرتفعة من الأسعار وكأنك سافرت إلى أغلى مدن العالم وليس في غزة فكل شيء هنا تضاعف سعره.
تحاول الوقوف على طابور الخبز، أو توفير ما يكفي من الطحين لإنهاء مسؤولية يومكَ، تتصل بوالدك أو عزيز عليك البعيد من الناحية الأخرى لحاجز «نيتساريم» ذلك الصوت القادم من هناك، أجمل ما يمكن الاستماع إليه مع بداية يومكَ، لكن ألف مكالمة لن تغني عن لحظة عناق واحدة وجها لوجه.
تذهب إلى عملك، أمامك قائمة من الأعمال المطلوب إنجازها، وعليك تجاوز ثلاثة تحديات يومية، غياب الكهرباء وضعف الإنترنت صعوبة الوصول لمصادر المعلومات، فتستمر بالمحاولات التي تنهك أعصابك، كما أنهكت المسؤوليات جسدك.
«في أخبار جديدة!؟» ترد على السؤال المتكرر لكَ كونك تعمل في حقل الصحافة، «بالتأكيد الأخبار في الحرب كثيرة، اليوم استشهدت عائلة، وهناك مجزرة في جباليا، وأخرى في بيت لاهيا» يمتعض الرجل من إجابتك «لا يا رجل، أخبار عن الهدنة!؟» تضطر للمسايرة وإغلاق باب النقاش، فالناس أصبحوا كالغريق يتعلقون بقشة أمل، تبتلع حرقتك تلك، وترسم ابتسامة يتخفى خلفها القهر «إن شاء الله، نأمل خيرًا».
تمسك هاتفك قبل النوم، وقبل ترميم قواك الخائرة، تتصفح الهاتف، تطل صورة صديق تعرفه، جمعتك به صداقة عمر وبجانبها خبر نعيه هو وأهله، تغلق عينيك على دموعكَ، وأنت تمر على شريط ذكرياتك معه، في هذه اللحظة تتمنى لو يحملك طائر لتقفز عن الحاجز اللعين وتواسي من بقي حيا من أهله، أو لتلقي عليه نظرة وداع، وحضن أخير، تسقط دمعاتك على وجهه وأنت تضمه، لكنك تجلس مقيدًا أسيرًا لظروف الحرب لا تستطيع فعل شيء، تتوالى الأخبار، وتتسع قائمة الأصدقاء والأقارب الراحلين، وأنت لا تعرف إن كنت سترحل أم ستشهد نهاية الحرب، فالموت يا صديقي في غزة يجلس ويمشي وينام معنا.
صحفي من غزة