الجزيرة:
2024-07-06@00:35:09 GMT

الدعم الديمقراطي للإبادة.. الأونروا نموذجًا

تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT

الدعم الديمقراطي للإبادة.. الأونروا نموذجًا

امتلكت حوالي 17 دولة، ديمقراطية بمعظمها، كفايةً أخلاقية لقطع التمويل عن وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في أصعب ظرف إنساني يمرّ به بشر في القرن الحادي والعشرين.

وطلبت هذه الدول تحقيقًا لكشف ملابسات الاتهامات الإسرائيلية بتورط عدد من موظفي الأونروا بهجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول. تشكلت لجنة تحقيق برئاسة وزيرة خارجية فرنسا السابقة؛ للوقوف على المزاعم الإسرائيلية يوم 15 فبراير/ شباط الماضي.

ويشترك في عمل اللجنة ثلاث منظمات بحثية وحقوقية أوروبية.

تعطيل وتجويع

منذ الأيام الأولى لإعلان التحقيق تمَّ اعتماد تقديرات زمنية لانتهاء التحقيق، حيث ستقدم اللجنة تقريرًا مؤقتًا أواخر مارس/ آذار للأمين العام للأمم المتحدة، بينما التقرير النهائي سيُقدم أواخر أبريل/ نيسان هذا العام.

أي أن الدول التي أوقفت تمويلها للأونروا، لديها الراحة الكافية لتجويع الفلسطينيين، وتعطيل عمل المنظمة الأهم على الإطلاق في قطاع غزة في هذه الأيام الحرجة، التي يموت فيها الأطفال جوعًا في شمال قطاع غزة.

عندما تمّ قصف مستشفى المعمداني الذي ذهب ضحيته حوالي 470 مدنيًا فلسطينيًا، ادعت إسرائيل أن صاروخًا فلسطينيًا محليًا هو الذي تسبّب بالمذبحة، رغم الإعلانات المتكررة من مسؤولين إسرائيليين رسميين بالمسؤولية قبل حذفها.

لم ترد الدول الغربية – ومن بينها كل الذين أوقفوا تمويل الأونروا اليوم – أكثر من ساعات لاكتشاف "الحقيقة" التي تلاها بايدن بحضرة نتنياهو من قصاصة ورقية كُتبت على عجل. رددت الديمقراطيات التي تقدس "الحقيقة" كالببّغاوات، الرواية الإسرائيلية، دون تحقيق أو المطالبة به أصلًا.

أما في قصة الأونروا، فالتحقيق مطلوب، وهو ذو سياق مهم؛ كونه يساهم في تركيع الأطفال الفلسطينيين، ويزيد من آلامهم. ولنا أن نتخيل ماذا يعني تعطيل عمل 13 ألف موظف للوكالة الدولية في قطاع غزة الآن، وإعاقة المنظمة التي لها قدرة على الوصول لكل أجزاء القطاع، ولديها الموارد البشرية واللوجيستيّة لكل ذلك. المطلوب هو ضرب هذا الشريان الذي ساهم في تصْميد الناس من مرضى وأطفال ومسنين وحوامل.

قتل الشهود

هكذا كان "النموذج الديمقراطي" للتعامل مع جرائم الحرب في غزة. فالأصل في الكذب الإسرائيلي الصدق، حتى لو اتضح خلافه. كلنا نعلم أن المواقف الدولية – التي تتالت بشكل تمثيلي على التهمة الإسرائيلية الموجهة ضد الأونروا – هي جزء من دعم جهود الحرب الإسرائيلية؛ الحرب ضد المدنيين والسكان تحديدًا، لكن بوجوه مختلفة حتى يتم تجنب التورط بالجريمة مباشرةً.

التحقيق هو شراء للوقت من أجل اكتمال الإبادة، ومن ضمن أهداف الإبادة قتل شهودها. تمثل الأونروا الشاهد الدولي على ما يحدث، وهي بنك معلوماتي هائل لكل ما حدث أصلًا منذ 75 عامًا بالفلسطينيين.

وهدف قتل الشاهد ومحاولات اغتياله ليست جديدة، والتصريح برغبة الاغتيال يتردد على ألسنة المسؤولين الإسرائيليين، وخاصة نتنياهو، في مناسبات لم تتوقف. وقد تساوقت واشنطن مع هذه الرغبات خلال ولاية ترامب عمليًا.

بدت غزة يتيمة في هذه الحرب، كما لم تبدُ من قبل. يتيمةً من النصرة الفاعلة من القريبين، ويتيمةً من الشهود. فقد تجلّت سوابق كثيرة في هذه الحرب، منها منع الإعلاميين من دخول القطاع وتغطية الحرب، كأي حرب أخرى في العالم.

وتردَّد أن شركات التأمين العالمية ترفض تغطية الصحفيين الراغبين الذهاب لغزة. ليس هذا سببًا كافيًا بطبيعة الحال، فالجميع يعلم أنّ المتطوعين من مراسلي الحرب العالميين لديهم استعداد الذهاب بدون تأمين، لكن وسائل إعلامهم التي يعملون بها ترفض. كما أن من يعمل بشكل مستقل وحرّ لا يُسمح له بالدخول.

استهتار وازدراء

كان واضحًا منذ اليوم الأول أن المطلوب دوليًا إتمام الجريمة بأقل عدد ممكن من الشهود. كانت الأونروا معضلة مزمنة، فعمرها من عمر الصراع ذاته، وأصالتها مع المأساة الفلسطينية راسخة، وبحكم تلك الأصالة، باتت لها أدوار مركّبة تتجاوز مجرد توزيع المساعدات.

لا تمتلك وكالة دولية معلومات ووثائق عن مأساة إنسانية بحجم ما تمتلكه الأونروا عن فلسطين. وليس بمقدور جهة أن تروي الحدث الفلسطيني كما الأونروا. ولذلك يصرّح نتنياهو بمنتهى الاستهتار بشيء اسمه مجتمع دولي أو أمم متحدة، بأن لا وجود للأونروا في غزة بعد الحرب. هل من مواقف حول هذا الازدراء المتكرر للأمم المتحدة؟

لم تصدم هذه الحرب العالم بوحشيّتها فقط، وإنما بحجم الدعم "الديمقراطي" لهذا التوحّش. الدعم الذي تُنتقى قوانينه، وأساليبه، وعباراته، لتتناسب مع التمدن الديمقراطي للقتل والاستعلاء العِرقي والديني والأخلاقي.

ستسجّل الأونروا في وثائقها أن 17 دولةً "ديمقراطية" وجدت من الأخلاقي قطع الدعم عن المنظمة الأممية الوحيدة القادرة على التخفيف من المجاعة. ووجدت أن فتح تحقيق يستمر ثلاثة أشهر يُقطع فيه التمويل مسبقًا عن هذه المنظمة – بينما سيموت واحد من ستة أطفال جوعًا في أماكن عملها – هو عمل "ديمقراطي".

مفترق طرق

بعد تعرض إسرائيل لما تعرضت له في محكمة العدل الدولية، بات الشعور أن آليات المحاسبة الدولية تحتاج إلى تعامل مختلف، يتجاوز الاستهانة المعتادة بآثارها على كيان ذي حصانة خاصة.

تبدو إسرائيل وحلفاؤها الدوليون كمن انتبه فجأة إلى خطورة المنظمات الدولية الشاهدة. وبالرغم من كون استهداف الأونروا لم يكن هدفًا جديدًا إسرائيليًا، فإنّ الجديد هو الشراكة الدولية في هذا الاستهداف وبهذا الحجم.

إن المواقف العدائية الدولية الغربية – باستثناء الأميركية، تجاه الأونروا – جديدة كليًا، وقد تبدو كإعلان مرحلة جديدة لن تتمكّن الأونروا من الاعتماد فيها على داعمها الأكبر المتمثل بالاتحاد الأوروبي.

فهذه الحرب تسجل نفسها كمفترق طرق أمام كثير من القضايا. وتتجلى فيها المساحات والاصطفافات كأنها مسروقةٌ من حقبة الاستعمار التقليدي في بدايات القرن العشرين.

وحتى لا ننسى التحقيق، ماذا لو اكتشفت اللجنة الموقرة أن 7، أكثر أو أقل، من موظفي الأونروا قد شاركوا في هجوم أكتوبر/تشرين الأول؟، وما هو التفسير الديمقراطي للعقاب الجماعي بحق ملايين الفلسطينيين؟، وما هو الجانب الأخلاقي الذي ستبرر فيه هذه الدول مساهمتها في مجاعة الأطفال في غزة تحت أي ذريعة؟

التاريخ يكتب، ولن تستطيع نتيجة أي تحقيق أن تمحوَ عار المشاركة في إبادة الشعب الفلسطيني في غزة.

 

 

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات هذه الحرب فی غزة

إقرأ أيضاً:

البرهان: مسلحون من تنظيم الدولة يقاتلون مع قوات الدعم السريع

بورتسودان- قال رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان إن مسلحين من تنظيم الدولة الإسلامية يقاتلون في صفوف قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، مؤكدا أن الجيش يرفض أي اتفاق لا يسبقه انسحاب قوات الدعم وأن الحرب لن تنتهي سوى بـ"تطهير" السودان من تلك القوات.

وتحدث البرهان خلال لقاء وفد إعلامي في بورتسودان الخميس عن استهداف قوات الدعم مقار اعتقال لعناصر تنظيم الدولة ونجحت في تحريرهم وأصبحوا الآن مقاتلين في صفوفها.

وأشار إلى أن السلطات السودانية رصدت تحركات لخلايا من التنظيم ودخول عناصر من الخارج خلال الفترة الأخيرة، تم اعتقال عدد منهم.

واعتبر البرهان أن الخطر الذي تشكله تلك العناصر جزء من المخاطر المحدقة بالمنطقة في حال انهيار السودان، وهو ما لا تدركه الكثير من الدول في المنطقة، وفق تعبيره، وأوضح أنه رغم زياراته المتكررة لتلك الدول فإن تحذيراته لم تلق صدى.

وأكد رئيس مجلس السيادة أن عدد المقاتلين في صفوف قوات الدعم السريع هو الأقل منذ بداية الحرب، مشيرا إلى أن الجيش مصرّ على مواصلة القتال حتى تحقيق النصر وإبعاد قوات الدعم عن جميع المناطق التي سيطرت عليها.

وقال إن الجيش اختار اللجوء للاستعانة بالمقاومة الشعبية ردا على استهداف عناصر الدعم المواطنين وارتكاب انتهاكات بحقهم من بينها جرائم السرقة والنهب والاغتصاب، وأكد أن الجيش اشترط على كل الجهات التي أرادت المساعدة في قتال قوات الدعم أن يتم ذلك تحت راية السودان ومن دون استخدام أي انتماء آخر.

الدعم الشعبي

وأشاد البرهان بالدعم الشعبي الذي لم يقتصر على المشاركة في الحرب، إذ كان أيضا سببا في تخفيف أعباء التكفل بملايين النازحين الفارين من مناطق المواجهات.

واعتبر أن اتفاق جدة هو الإطار الأنسب للتوصل لحل للأزمة السودانية، لأن الاتفاق تطرق لكافة النقاط المتعلقة بالانسحابات ونقاط التمركز مع تحديد آليات التنفيذ، وقال إن الاتفاق لم يجد طريقه للتنفيذ بسبب عمل بعض الأطراف على عرقلته لأنه لا يلبي طموحاتهم السياسية، وفق تعبيره.

كما أكد أن الجيش يرفض مقترحات وقف إطلاق النار التي تسعى لتكريس الأمر الواقع، ولن يتجاوب مع أي اتفاق قبل انسحاب قوات الدعم.

وذكر أن الجيش مصرّ على أن يجلس جميع السودانيين بمختلف اتجاهاتهم من أجل اختيار نظام الحكم المناسب، وتعهد بالعمل على تشكيل حكومة مستقلة قريبا ما يسمح للقوات المسلحة التفرغ للجهد الحربي.

من جانب آخر، انتقد البرهان تضخيم بعض الجهات لحجم المساعدات التي تقدمها للسودان، وتحدث عن مبالغة في التقديرات التي تنذر بأزمة جوع قد تهدد نصف سكان البلاد، واعترف بأن استمرار الحرب مع حرمان الكثير من المزارعين من متابعة العمل في أراضيهم قد يسبب أزمة في توفير الغذاء خلال الأشهر المقبلة.

وأشار إلى أنه بالرغم من الأزمة الاقتصادية الخانقة وشح الموارد، نجح الجيش السوداني في استكمال المجهود الحربي والتكفل بالاحتياجات اليومية للمواطنين.

مقالات مشابهة

  • تزامنا مع عيد الاستقلال.. مظاهرة احتجاجية بمدينة نيويورك ضد الحرب الإسرائيلية على غزة
  • «الأونروا» تشدد على أهمية فتح تحقيق بشأن الانتهاكات الإسرائيلية بحق القانون الدولي
  • البرهان: مسلحون من تنظيم الدولة يقاتلون مع قوات الدعم السريع
  • "الوفد" ينشر قائمة العار للشخصيات الإسرائيلية والمنظمات الإرهابية تمهيدًا لمحاكمتهم
  • تحركٌ عربي لتجميد مشاركة إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة
  • الجامعة العربية تتخذ جملة من القرارات ضد إسرائيل وتستنكر عرقلة بريطانيا للعدالة
  • الجامعة العربية تدرس خطوات تجميد مشاركة إسرائيل في الأمم المتحدة
  • باحث: موقف الشباب الأمريكي ضد السياسة المنحازة بشكل أعمى لإسرائيل
  • لبنان يأخذ التحذيرات الدولية على محمل الجدّ
  • قتلى وجرحى بسبب هجوم «الدعم السريع » على قرى الكنابي بالجزيرة