إذا استعرضنا تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي لا يسعني إلا الاستنتاج بأن فكرتين أساسيتين تضمنهما هذا التاريخ قد تجاوزتهما الأحداث والحقائق، ألا وهما فكرة الصهيونية التي قامت عليها إسرائيل، وفكرة تقسيم فلسطين التاريخية إلى دولة فلسطينية ودولة إسرائيلية تعيشان جنبا إلى جنب.
الصهيونية في الأساس حركة استعمارية استيطانية نشأت في أواخر القرن التاسع عشر لإقامة دولة لليهود على أرض فلسطين.
وقد نادت هذه الحركة منذ نشأتها بإقامة دولة يهودية من الناحية «القومية» علمانية من الناحية «الدينية» و«ديمقراطية» من ناحية تعاملها مع المواطنين اليهود فقط. لكن هذا الحلم الصهيوني اصطدم بوجود أغلبية ساحقة من الفلسطينيين على أرض فلسطين، لذا فقد اتّبعت الحركة الصهيونية خطة متدرجة ومنهجية تم توثيقها اليوم من قبل بعض المؤرخين الإسرائيليين بما لا يدع مجالا للشك، لتهجير القسم الأكبر من الفلسطينيين من أرضهم وذلك لضمان قيام دولة يهودية في فلسطين.
وبالفعل، تمكنت هذه الحركة بتهجير 750.000 من أصل 900.000 فلسطيني عام 1948 ولم تنجح في تهجير 150.000 فلسطيني عاملتهم إسرائيل بتمييز واضح. وقد ادى هذا الصمود الفلسطيني على الأرض لزيادة هذا العدد لنحو مليوني فلسطيني في الداخل يشكلون اليوم 21٪ من السكان مما دعا إسرائيل لإقرار قانون القومية اليهودية عام 2018 الذي يقر بحق تقرير المصير حصريا للمواطنين اليهود دون الفلسطينيين ضمن إطار أبارتهايد واضح.
زعمت إسرائيل منذ إنشائها أنها دولة ديمقراطية، وكانت تعني بالطبع أن هذه الديمقراطية تنطبق على المواطنين اليهود فقط.لم تكتفِ إسرائيل بذلك، بل أرادت ابتلاع كل الأرض الفلسطينية التي يسكنها اليوم 5.4 مليون فلسطيني، مما أدى الى نشوء أغلبية فلسطينية متزايدة داخل المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل. بمعنى آخر إن حلم الدولة اليهودية انتهى.
زعمت إسرائيل منذ إنشائها أنها دولة ديمقراطية، وكانت تعني بالطبع أن هذه الديمقراطية تنطبق على المواطنين اليهود فقط، وقد تبنى العالم، خاصة الغربي منه، هذه المزاعم وأعتمد عليها ليبرر دعمه لإسرائيل «الديمقراطية» المحاطة ببحر من «السلطوية». لكن هذه المزاعم بدأت بالتخلخل بعد الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 الأطول في العالم، وبعد الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي في الأراضي العربية المحتلة. ولكن الشعرة التي قصمت ظهر البعير جاءت عندما انقلبت إسرائيل «الديمقراطية اليهودية» على بعضها البعض، حين أراد الائتلاف الإسرائيلي الحاكم نسف أسس أي نظام ديمقراطي حقيقي من خلال محاولته إقرار قوانين تضمن تغول السلطتين التنفيذية والقضائية على السلطة التشريعية. لا تستطيع إسرائيل بعد اليوم الادعاء بأنها دولة ديمقراطية حتى لمواطنيها اليهود.
وقد أرادت الحركة الصهيونية في بداياتها أن تنشئ دولة علمانية، فعرفت اليهودية كصفة قومية، بينما كانت أكثر القوانين التي تحكم الدولة الإسرائيلية علمانية الاتجاه. ومع مرور الوقت، بدأت العلمانية تنحسر لصالح التطرف الديني والقومي، حتى تمازج اليوم التطرف القومي العنصري مع التطرف الديني العنصري أيضا، ولم تعد إسرائيل نتنياهو وبن غفير وسموتريتش هي نفس إسرائيل بن غوريون وموشيه شاريت وأبا إيبان من ناحية العلمانية. لا يمكن نعت إسرائيل اليوم بانها دولة علمانية على الإطلاق.
إذن الأسس التي قامت عليها الصهيونية لم تعد قائمة. إسرائيل اليوم ليست يهودية ولا ديمقراطية ولا علمانية. ماذا بقي من الصهيونية التقليدية إذن؟ لا شيء.
أما فكرة حل الدولتين فقد نادى بها قرار التقسيم 181 للأمم المتحدة عام 1947 والذي لم يقبله العرب، ولم تحصل أي مفاوضات بين الجانبين حوله، بل بقيت منظمة التحرير الفلسطينية تنادي بدولة واحدة ديمقراطية. وعاد حل الدولتين يذكر بوضوح في مبادئ كلينتون التي طرحها الرئيس الأمريكي على الجانبين نهاية عام 2000. ومنذ إطلاق مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 ثم عملية أوسلو عام 1993، بات المجتمع الدولي ينادي بحل الدولتين بشكل متزايد بينما ترفضه إسرائيل وتواصل بناء المستوطنات، حتى تلاقت اليوم الديموغرافيا المتمثلة في وجود أكثر من سبعمئة وخمسين ألف مستوطن في الضفة الغربية والقدس الشرقية مع الموقف السياسي الإسرائيلي الرافض لإنهاء الاحتلال والموقف الدولي الذي لا يجبره على ذلك للوصول الى نتيجة باتت واضحة: لا يمكن اليوم ولا غدا فصل الجانبين وتحقيق حل الدولتين إنْ لم يضغط المجتمع الدولي جديا لإيقاف الاستيطان وإنهاء الاحتلال والاعتراف بدولة فلسطينية على أساس حدود 1967. نعرف تماما أن الجدية لا تتوفر لدى المجتمع الدولي لفعل ذلك وبالتالي فإن حل الدولتين انتهى.
إضافة الى ذلك فإن 64٪ من الفلسطينيين اليوم لم يعودوا مؤمنين بحل الدولتين، كما أن فلسطينيي المهجر لم يكونوا يوما متحمسين لهذا الحل الذي لا يعالج موضوع حق العودة بما يحاكي تطلعاتهم وأمانيهم. كذلك فإن المجتمع الإسرائيلي يسير في اتجاه يميني متطرف متزايد، والغالبية العظمى من الإسرائيليين اليوم، وبخاصة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لا يرغبون في إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية.
هذا هو الواقع حاليا. هذه حقائق قد تكون صادمة للكثيرين ولكن لا يمكن تجاهلها بعد اليوم. لا يجوز أن يبقى حل الدولتين شعارا فارغ المحتوى يرفع للتغطية على العجز الدولي بينما تواصل إسرائيل ابتلاع الأرض وزرع المستوطنات والمستوطنين.
واقع الحال إن الصراع العربي الإسرائيلي يشهد اليوم تحولا جذريا. يعيش الإسرائيليون الآن في مرحلة ما بعد الصهيونية التي فشلت في إدامة مشروعها لأنها تصطدم اليوم بواقع أكثر من سبعة ملايين فلسطيني يحطم صمودهم على الأرض الحلم الصهيوني في دولة يهودية خالصة. ويعيش الفلسطينيون في مرحلة أصبحت حقوقهم القومية والسياسية والإنسانية وتطلعاتهم للعيش على كامل الأرض الفلسطينية تطغى على دولة منقوصة السيادة لا تتضمن القدس وغور الأردن وأراضي المستوطنات وحق العودة.
إن الصمود الفلسطيني حاضرا ومستقبلا على كامل الأرض الفلسطينية من شأنه قلب الطاولة على إسرائيل وكافة مخططاتها خاصة بعد أن يشكل الفلسطينيون أغلبية واضحة ستفرض على المجتمع الدولي في النهاية أن يرفض نظام الفصل العنصري الإسرائيلي. ليس ذلك أحلام طوباوية بل واقع الحال والتاريخ.
المصدر: القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فلسطين الاحتلال فلسطين غزة الاحتلال مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المجتمع الدولی حل الدولتین
إقرأ أيضاً:
المقررة الأممية لحقوق الإنسان: تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة واجب على المجتمع الدولي تنفيذه
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قالت المقررة الأممية المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، "إن إسرائيل تستهدف الشعب الفلسطيني في عملية الإبادة الجماعية في كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967"، مؤكدة أن محاولة الفصل بين الضفة الغربية وغزة سيبقى مجرد وهم.
وأضافت ألبانيز، في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء الفلسطينية، أمس السبت، أن إسرائيل تعمل على تقسيم الأرض والشعب الفلسطيني بطريقة تجعل الناس يعتقدون أن غزة والضفة الغربية منفصلتان، لكن لا، الحقيقة غير ذلك، فإسرائيل تستهدف الفلسطينيين كشعب.
وتابعت: "أنا لا أعتقد أن إسرائيل تريد قتل كل فلسطيني، لكنها تريد القضاء على فكرة الوجود الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة لصالح مشروع (إسرائيل الكبرى)، تاركة أمام الفلسطينيين ثلاثة خيارات كما أعلنها وزير المالية سموتريتش: المغادرة، أو البقاء شريطة الخضوع، وفي حال الرفض مواجهة القتل".
وبينت ألبانيز أن ما يحدث في الضفة الغربية يختلف عن غزة من حيث الشدة والسرعة، لكن تبقى الضفة الغربية النموذج الأول لأعمال الإبادة الجماعية"، وقالت: "لقد حدث ذلك في غزة بعد السابع من أكتوبر 2023 ضمن عملية التطهير العرقي لفلسطين وهو هدف إسرائيل، وقد حدث خلال النكبة والنكسة، والآن خلال الحرب، إذ تستغل إسرائيل حالة الطوارئ، ولم يتوقف ذلك أبدًا، والفلسطينيون يعرفون ذلك أكثر من أي شخص آخر. هم دائما يواجهون التجريد من ممتلكاتهم والتهجير، ويجب على العالم أن يدرك ذلك. هذه ليست مجرد (حرب) أو (نزاع)، بل هو عمل استيطاني استعماري يجب إيقافه".
وحول وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، أكدت ألبانيز أنه لا يمكن لأحد إنهاء "الأونروا" التي وُجدت بموجب قرار دولي ومحمية بقواعد ومواثيق الأمم المتحدة.
وأوضحت أن إسرائيل لا تستهدف الأونروا لإنهاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين، بل تستهدفها لأنها أكبر هيئة تابعة للأمم المتحدة في فلسطين المحتلة، وبالتالي فإن التخلص منها سيسهل ويسرّع التخلص من أي وجود أممي آخر يعارض سياسة إسرائيل القائمة على التطهير العرقي وإخضاع الشعب الفلسطيني.
وقالت ألبانيز إن الأونروا لن تختفي لأنها جزء من الأمم المتحدة، وإذا أرادت الدول الأعضاء إنهاء عملها فلا يمكنها فعل ذلك إلا من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وليس من خلال تغيير القوانين أو تجريم الوكالة كما تفعل إسرائيل، ولا عبر قطع التمويل عنها كما فعلت سويسرا، ونذرلاند، والولايات المتحدة وغيرها، أما حقوق اللاجئين الفلسطينيين فستظل محفوظة لأن هذه الحقوق منصوص عليها في القانون الدولي.
وأضافت أن طلب تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة أمر لا ينبغي إهماله لما قامت به إسرائيل من اعتداء على مؤسسات الأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي هذا السياق، قالت ألبانيز: "عندما طالبت بتعليق عضوية إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ركزت على نقطة محددة ألا وهي أنه حتى لو تجاهلنا الاحتلال غير القانوني ونظام الفصل العنصري الذي هو جريمة ضد الإنسانية، وحتى لو تجاهلنا الإبادة الجماعية، فإن تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة واجب على المجتمع الدولي تنفيذه بسبب ما فعلته خلال الـ15 شهرا الماضية ضد الأمم المتحدة، إذ دمرت 70% من مقراتها في غزة، واستهدفت مدارس الأونروا التي كانت تؤوي اللاجئين، ورأينا أطفالا قُصفوا أثناء بحثهم عن مأوى في منشآت الأونروا، كما جرّمت إسرائيل الأونروا ووصفتها بالإرهاب، واعتبرتني أنا نفسي والأمين العام للأمم المتحدة شخصيات غير مرغوب بها، واتهمت العديد من مسؤولي الأمم المتحدة بمعاداة السامية وتمجيد الإرهاب.
وتابعت: "إسرائيل مزّقت ميثاق الأمم المتحدة أمام أعضاء الجمعية العامة، ولذلك، وبسبب عدم احترامها لقوانين الأمم المتحدة، فإنها لا تستحق أن تبقى ضمن عضوية الأمم المتحدة حتى تتراجع وتحترم قواعد وقوانين المنظمة الأممية".