أجمع العلماء والفقهاء على أن التاجر الصدوق الأمين يحشر مع النبيين والصديقين والشهداء، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة".
كما قال الله تعالى: "وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا" (النساء:69)، والتاجر الصدوق الأمين، لا يغش ولا يكذب أبدا مهما كانت مكاسبه، لذلك من يصدق اختصه الرسول الأكرم - صلى الله عليه وسلم - بمصاحبته في الجنة.
فما أعظم جزاء الصدق والأمانة فى التجارة، لما لذلك من أثر طيب فى المجتمع، وخاصة فى وقت الأزمات.
وفى المقابل التاجر الكذاب المحتكر الجشع الذى لا يرى إلا مصلحة نفسه، ملعون فى الدنيا والآخرة.
وما من إنسان يتصف بالصدق إلا وكانت أخلاقه حسنة، والنبي صلى الله عليه وسلم لما اتصف بالصدق حسنت جميع أخلاقه، والمتصف بالصدق إذا تأملناه نجده تقيا، مواظبا على الصلاة، نجده مع أهله حسن الخلق، ومع جيرانه حسن السيرة، فالصدق من أعظم الأخلاق النبيلة، التى إذا اتصف بها الإنسان جمع الأخلاق الحسنة.
وتحدث القرآن الكريم مؤكدا أن الصدق من صفات الله، قال تعالى: "قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين" وقال: "من أصدق من الله قيلا"، و"من أصدق من الله حديثا"، والصدق من صفات الرسل ـ عليهم السلام ـ قال تعالى: "واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا"، "واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا"، "واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا".
وإن الصدق من صفات عباد الله عز وجل، قال تعالى: "من المؤمنين رجال صدقوقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا".
والقرآن الكريم يعتبر الصدق جامعا لكل صفات البر، فالصدق من أعظم الأخلاق التى أمر بها الله تعالى، وقد أكد النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ضرورة أن يتحلى الإنسان المسلم بالصدق، وأوضح أن الصدق هو طريق المسلم إلى الجنة، فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وما زال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً" (متفق عليه).
وقد أمر الإسلام بالصدق وحث عليه في كل المعاملات التي يقوم بها المسلم، والأدلة كثيرة من القرآن الكريم على هذا الخلق النبيل، قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ" أي: اصدقوا والزموا الصدق تكونوا مع أهله، وتنجوا من المهالك، ويجعل لكم فرجا فى كل أموركم ومخرجا.
وقال الله تعالى: ".. هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"، أي: ينفع الصادقين في الدنيا صدقهم في الآخرة، فجازاهم على عملهم بالمغفرة لذنوبهم، لأن الحسنات يذهبن السيئات، والفوز العظِيمً لا يقدر قدره، إلا الذي أعطاه، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نسأل الله أن يجعلنا منهم، وأن يرفع عنا الغلاء، ويجعل مصرنا الحبيبة سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين.
[email protected]المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم الله تعالى الصدق من یهدی إلى
إقرأ أيضاً:
إفيه يكتبه روبير الفارس: اللعب بالنار
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
الخوف من العذاب الأبدي المتمثل في النار يقود وينظم ويهدد ويعلم ويدفع كثيرين إلى طاعة الله والالتزام بشرائعه. هذه فكرة أساسية وثابتة، بل وجذرية، في معظم الأديان. من هنا، قامت الدنيا ولم تهدأ على الكلمة التاريخية الرهيبة التي نطق بها مفتي مصر الأسبق، الشيخ الفاضل "علي جمعة"، حين قال: "بأن الله قد يلغي النار".
ورغم أن فضيلته قد شرح مقصده قائلًا: "إنني لا أقول بفناء النار أصلًا، ولكنني أفتح باب رحمة للناس، وأقول إن هذا وارد. لماذا؟ لأن الناس شغلت نفسها بالجنة والنار، وتركت هذه العبادة المحببة والشوق إلى الله سبحانه وتعالى..."، وتابع: "تركنا أصل المسألة وذهبنا نتكلم في كلام لا طائل من ورائه: من الذي سيدخل الجنة؟ ومن الذي سيدخل النار؟ هل ستبقى النار أو لا تبقى؟ طيب، ما هو ربنا سبحانه وتعالى؟ العقيدة تقول إنه لا بد أن نؤمن برحمته وعفوه ورضاه وهدايته، وبأنه سبحانه وتعالى حبيب إلى قلوبنا. هذا هو المعنى الذي نريد أن نوصله..."
إلا أن الغضب العام يعمي العقول عن فهم هذا المعنى الجليل الذي يقصده الشيخ، والذي يزحزح خلاله تلك الأصوات الهادرة التي تهدد المختلفين معها بهذا العذاب الرهيب، بل والمنتظرين لهذا الانتقام من الأشرار الذين آذوهم في حياتهم وظلموهم وصنعوا بهم كل جرم، والرافضين لمعتقدهم وفرقتهم وطائفتهم. وفكرة الشيخ الملهمة، في نظرنا، تفتح بابًا أوسع لتحقيق قول المتصوفين: "ما عبدتك شوقًا إلى جنتك، ولا خوفًا من نارك"، والذي يشرحه البعض بالقول: "إن الله تعالى مستحق للعبادة، ولو لم يخلق جنة أو نارًا، فلا ينبغي للعابد أن تقتصر علّة عبادته لربه سبحانه على رغبته في الجنة، أو خوفه من النار، بحيث لو لم يوجدا لما عمل شيئًا، ولا أدى حق العبودية لله تعالى، وإنما ينبغي أن يقصد بذلك أداء ما ينبغي لله تعالى لكمال ذاته، وصفاته، وأفعاله، ويجمع إلى ذلك رجاء ثوابه وخوف عقابه، اللذين هما من جملة أفعاله، فيعبد ربه محبةً وتعظيمًا وحياءً، كما يعبده خوفًا ورجاءً".
كل هذه المعاني السامية أصبح لها أعداء، خاصة ممن يظنون أنفسهم الفرق الناجية من جماعات أصولية، وحماة الإيمان في المسيحية، وهم بالمناسبة يرفضون أيضًا من يتحدث عن معنى آخر للجحيم أو نار جهنم بعيدًا عن حفلة الشواء المعتادة. وقد كتب الباحث أشرف بشير دراسة مهمة بعنوان "جهنم أو الجحيم في الإنجيل والفكر الأرثوذكسي الآبائي"، بدأها بقول للقديس صفرونيوس:
"كل من يحاول أن يغرس أي فكرة ما ضد محبة الله... فهو متحالف مع الشيطان"
وجاء في الدراسة أن فكرة الجحيم في المسيحية الأرثوذكسية تختلف تمامًا عن الجحيم في صورته الفلكلورية المتعارفة، فمثلًا، حاول بعض الرسامين المسيحيين في العصور الوسطى تصوير الجحيم في الأعمال النحتية والتصويرية، فأخرجوه في صورة مساحة كبيرة من النار يتعذب فيها البشر، بل وبالغ البعض منهم فصور الله يلقي البشر فيها بواسطة ملائكته كنوع من العقوبة، في صورة تشوه صورة الله وتحوله إلى إله "منتقم جبار" هدفه الاقتصاص ممن خالفوه وعصوه، فتتمثل عقوبته العادلة في وضع هؤلاء البشر في عقاب "عادل"، وهو تعذيب "هيولي" دائم في نار لا تطفأ. وقد دحضت الدراسة هذه الفكرة... لكن فيما يبدو أن نار التمسك بالنار تحرق الجميع، ورفض رحمة الله غاية الشعوب التي لا تتأدب إلا بشيء من الخوف.
إفيه قبل الوداع:هزمت "نجاة" عبد الحليم حافظ مرتين:
عندما تفوقت عليه في غناء "لا تكذبي"
وعندما غنى "حبك نار"، غنت "جنة حبيبي براح في براح".