صحيفة التغيير السودانية:
2025-02-16@14:32:44 GMT

أ ليل السودانيين يطول!

تاريخ النشر: 5th, March 2024 GMT

أ ليل السودانيين يطول!

عمر العمر

أطراف الاقتتال الحمقى لا يدركون تصورا لنهايته مثلما لم يعرفوا شكلاً لبدايته أو يرسموا خطة لحسمه . لكن هذه الحرب الرعناء ستصل إلى خاتمة لامحالة. توقيت النهاية ليس مصدر القلق إنما كيفية الحال بعد سكوت المدافع هو مصدر الرهق. نهاية هذا الخراب لن تأتي في صيغة تسوية سلمية بل على هيئة صفقات. لذلك لن يمثل تصور المستقبل بندا ملحّاً في موازين صفقة القتلة الصُفقاء.

هذه الجريمة تشكل الفصل الأخير لتراحيديا التقتيل والتدمير العشوائيين. فهذا الفصل يتضمن حتما مشاهد إغتيالات فردية تستهدف رؤوسا بعينها. دحرجة تلك الرؤوس تمثل مقدمة لتمرير الصفقات أو هي جزءٌ منها. كما لن يخرج أي طرف أو متربص – وهمُ كثرُ – من الحرب النتنة منتصرا كما لن يخرج من تلك الصفقات رابحا.فالخسران مصير الجميع. وحده الشعب يكسب وقتئذٍ حين يسترد فرص العودة إلى الماضي.
*****
لكن قلق الشعب أكبر من مكاسبه. فبعد معاناة على نار الحرب،لم يستطع قادة الساسة والتنوير إنضاج مشروع وطني يبدد قلق الخوف من المستقبل.الجميع مثقلون بأكداس التشاكس غير قادرين على الإنفكاك من النظرات الضيقة والنجاة من الغرق في التشظي أو ركوب أمواج النجاح حتى عندما يحاولون تلبيس تلك الصراعات المقيتة المزمنة أزياء الفكر السياسي.فهذه الحرب الخرقاء لم تغسل عقولهم رغم انهمار الدماء والدموع.البيانات الصادرة لم يلسعها لهب الحرب أو تتغشاها معاناة النائحات والأيتام.كأنما كاتبوها مصابون بالعمى فلم يروا -ان لم يعانوا-صنوف القهر والارهاب وامتهان كرامة الأحياء والأموات.
*****
كم يا ترى ينبغي سقوط عدد الضايا وارتقاء عددالشهدء حتى يغير القادة الأماجد نهج تفكيرهم؟ كم عدد السنين ينبغي هدرها حتى يعلو الهم الوطني على الذاتي؟ ماهو حجم الثروة يجب نهبها حتى لا يصبح الوطن ملكية والدولة غنيمة؟ ماهي حجم المعاناة الجماعية حيث لابد من خوضها حتى تكتسب حتمية الدفاع عن الشعب واجبٌ يجُب المرافعة عن النظام؟ كم هي الأهوال المفزعة بعدمااصبحت أعمار الأطفال تقاس بعدد الصواريخ والدانات فوق رؤوسهم؟ كل هذا لا يزال يحدث وكل القادة صانعي السياسة والرأي العام يتمتعون بحصانة ضد التغيير الذاتي وينادون بالتغيير على مستوى السلطة والثروة.لهذا ترتفع أصوات الصفقات والمحاصصات نهايات سعيدة لحرب قذرة.
*****
هذا الوطن الفسيح،(هذي الأرض الممتدة كالتاريخ) ضاقت بأهلها فاضطرهم تعسف المتقاتلين على السلطة والثروة إلى الخروج على عجل إلى المنافي. مادام لا كرامة لشعب في وطنه فما للجأر بالشكوى هناك من مبرر. كذب هراء إدعاء البعض تحسين ظروف المكدسين على ارصفة المنافي .الوطن لم يعد فقط منفى بل أمسى برمته مقبرة مفتوحةتضج بالجثث .كذلك صار في أضل هيئاته سجنا بلا جدران.لولا مايفعله الصهاينة في غزة لصح القول السودان مسرح أكثر الفظاعات في حق شعب في القرن الراهن.هذه التراجيديا ليست سوى ذروة ثلاثين سنة من اكذوبة ازدواجية الاسلام السياسي المكتسي زيا عسكريا .اذا افترست الدولة عصبة عمياء بشهوة الثروة ثم استسلمت بدورها لنزوات طاغية أخذ الشعب بأسره رهينة.
*****
لا فرصة امام أطراف الحرب النتنة لتحقيق انتصار. فعندما تسكت المدافع سيكتشفون ان الحرب ضد الفقراء أكثر شراسة منها ضد الأثرياء.كما سيكتشف أصحاب الألسن الطويلة ان قدرهم ليس بأفضل من أصحاب السكاكين الطويلة. فديباجات امتداح القتل والقتلة لا تصنع ثقافة تهضمها الشعوب أو تكسبهم حبا اوجماهيرة.فصورة ذلك العجوز الباكي في ثياب رثة على ناصية شارع يتعرض للنهب أكثر رسوخا في ذاكرة الشعب من كل ظهورهم على الشاشات البلورية . فصورة ذلك المجهول تفيض روحا أعمق وطنية أكثر وقارا وعفوية. كيفما تضع الحرب أوزارها فلم يعد هناك موطئ قدم لمن لايزال يطمع في قيادة مزيفة على صدر شعب منزوع السيادة وسلطة صنع القرار.
*****
كل السودانيين المتخمون والمعدمون قاسوا ليلا كابوسيا طويلا.غالبيتهم استبدلوا الارض بالأسرّة ليال ليست قصيرةجميعهم كابدوا من أجل الحصول على كسرة الخبز أو قرص الدواء، طويلا أو من أجل الإثنين معا.كلالسودانيين تثبّتوا انه ليست وحدها ليالي العاشقين الطويلة .لكن حتى لا يطول ليل السودانيين أكثر فليت قادة السياسة والرأي العام يستبقون سكوت المدافع -كيفما جاء-برؤية موحدة نرسم مسار الخروج من هذا الجب الظلامي إلى غد ينهي مغامرات فرسان الترهيب ،التركيع،الاذلال، الإبادة والفوضى.
*****
فكأنما كل تلك العذابات الفردية والجماعية لم يلسع لهيبها أدمغة القادة وضمائرهم ،إذ يتشاكسون في لجلجة المحاججات وارتباك الخطاب على نحو يتوغل بهم في أتون التشظي.قناعتي من رؤى قطاع عريض من المعذبين في دوامة الأزمة تتجسد في خروج عجول لاتتطلب مسالكه جدلا مترحلا بين عواصم الجوار واتفاقات مصنّعة الديباجات.فأول هذه المسالك تجميع موزاييك مايسمى بالقوى السياسية تحت بضع مظلات .كل مظلة تعتصر ذهنها ، تجربتها وطموحاتها الوطنية في برنامج يرتاد الشعب بهديه آفاقا جديدةحديثة.كل المظلات تلتزم بسودان واحد موحد ينبذ عصبيات التجزئة المقيتة .جميعها تتبنى الديمقراطية طريقا للبناءوالابداع.كلها تؤمن بالعلم الرافعة المحورية للخروج بالشعب من الجب واختزال ليل السودان الطويل.ما تبقى عظام تغري بالتنازع ليس غير!

الوسومعمر العمر

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: عمر العمر

إقرأ أيضاً:

حتى لا يكون النصر مأسسةً لحربٍ جديدة

*حتى لا يكون النصر مأسسةً لحربٍ جديدة*
اللواء (م) مازن محمد اسماعيل
• دعم الشعب السوداني لمؤسسة القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى غير مشروط ، لأنها الأقدم تأسيساً ، والأشمل تكويناً ، والأخلص لشعبها منذ تأسيسها وعلى امتداد أنظمة الحُكم الوطنية وحتى اليوم ، ولكن دعم الشعب لقيادة هذه المؤسسات لطالما كان محدوداً بأمَدٍ ومشروطاً بأداء ، وهذه المحدودية المشروطة هي ما حملت الجيش والقوات النظامية الأخرى على الاصطفاف إلى جانب الشعب ضد قيادة الجيش في ١٩٦٤م و ١٩٨٥م و ٢٠١٩م ، ولطالما كان جيشُنا يخوض الحرب تلو الحرب منذ الاستقلال وحتى اليوم ، ولم يتغير شئ من معادلة العلاقة بين الشعب والجيش وقواته النظامية ، فدعم الشعب لقيادة الجيش محدودٌ ومشروطٌ بما عاهدت عليه القيادة جيشها وشعبها من النصر المُطلق والعدالة المطلقة وعدم المساومة ، وهذه الشرطية قائمةٌ مهما تعالت أصوات الجنجوريين هنا وهناك ، ولهذه القيادة حق الدَّعم والمُناصرة والطاعة ما أوفت بواجبها والتزاماتها ، ولها على الناس كذلك حقُّ النُّصحِ والنَّقد متى ما تطلَّب الأمر ذلك ، كما أنَّ من حقِّها الانصراف مشكورةً متى ما استشعرت ثِقَلَ الواجبِ وطول الأمدِ فوق طاقتها.
• إن حقوق المواطنة لا تحتاج مِنحةً من أحد ، وسيادة القانون فوق كلِّ أحد ، وما هبَّ الشعب باذِلاً أرواحه ومُستنفِداً وُسعَه إلا دِفاعاً عن الحَقِّ والكرامة ، فالحقوق إذا لم تكُن سجيَّةً ألجأت الناس لانتزاعها ، وقوة الحقِّ إن لم تستعلي بالقانون استوجب رفعها بحقِّ القوة ، وليس التلاعُب بالحقوق الفِطرية والقانون مما يُسْتَجلبُ به النَّصر أو تستقِر به الأوطان ، فإن الأخذ على يدِ الظالم وأطْرُه بالقانون على الحق أطْرَاً هو الحِصنُ من ضرب قلوب الصَّف الوطني بعضها ببعض.
• إن باب التوبة الوطنية عن العمالة والتمرُّد والظُّلمِ ، والأوبة إلى الحقِّ والعدلِ مفتوح ، ولكنَّ التوبة لابُد أن تعبُر من خلال مُستوجباتها الوطنية التي تقتضي:-
١. الإعتراف عَلَناً (كما تمَرَّدوا عَلَناً) بالجُرمِ والعمالة والخطإ والنَّدمِ على ذلك .. لا بتبريره.
٢. الارتداد الفوري عن العمالة والتمرُّد إلى صفوف الوطن والطَّاعة .. لا بالمساومة عليها.
٣. الإنصاف من الذات بِردِّ المظالم بالقانون .. لا برغبة صاحب السلطة.
٤. استعادة حقوق المواطنة كامِلةً بعد ذلك وبالتساوي مع غيرِهم بالقانون .. لا بصفقةٍ بين ذوي الوُدِّ أو المصالح المُشتَركة.
• من الصَّعب أن يخسر السودان والسودانيون أكثر مما خسروه ، ومن الحماقة محاولة الصِّراع مع من لم يعُد لديه كثيراً مما يخشى خسارته ، وإنَّ من الخيانة التي لا تُغتَفر .. جعل كلِّ تلك الدِّماء والأعراض والأموال ومئات الآلاف من الأرامل وملايين الأيتام تضيع تضحياتهم هَدَراً من أجل استقرار عرش السُّلطة لشخصٍ أو فِئة ، واليوم قِيادة البلاد وقواتها النظامية وشعبها في أمانتهم هذه بالخيار .. ما بين أن يكون عشرات الملايين من الضحايا أعلاه والأجيال القادمة التي سيترتبُ عليها مآلات هذه الحرب شُفعاء لهم أو خُصوماً لهم ، وقد علَّمتنا التجارب بأن بعض النَّاسِ لا يُبالون أن يبيعوا بلادهم وشعبهم وخاصة أهلهم وآخرتهُم بِحفنةٍ إموالٍ يقتَرِفونها أو سُلْطةٍ يرضونها ، وبعضهم يستميتون في أن يبيعوا لمَرضٍ في قلوبهم فإنهم يبيعون ذلك كله بمصلحةٍ قد يُصيبها غيرِهم ، وأولئكم هم أدنى العدو ، ومن لم يتفكَّر في العواقب فما الدهر له بصاحب ، ومن البَليَّات توضيح الواضحات.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • إعلام إسرائيلي: عجزنا عن هزيمة حماس وجيشنا مستنزف أكثر مما مضى
  • أكثر من 150 ألف يشاركون في مظاهرة لندن ضد التهجير القسري لأهالي غزة
  • طُفيليات بورتسودان..!!
  • غوتيريش: الشعب الفلسطيني عانى أكثر من اللازم.. والحافلات تصل رام الله
  • حماية مصر تبدأ من الداخل| كيف نحافظ على التلاحم الشعبي؟.. فيديو
  • هالة منصور: المصريون من أكثر شعوب العالم ولاء وانتماء لبلدهم
  • مفتاح: الشعب اليمني يعود إلى الساحات وهو أكثر حماساً
  • حتى لا يكون النصر مأسسةً لحربٍ جديدة
  • عالم مصري يروي لـ«الوطن» سبب تصدره قائمة أكثر 10 قادة تأثيرا لعام 2025
  • لا بيتهدد ولا بيتهز.. «مصطفى بكري»: الرئيس السيسي دماغه صلبة وتراب الوطن عنده مقدس