شهد المعهد العالي للنقد الفني مساء اليوم انعقاد اللقاء الفكري بقاعة ثروت عكاشة ضمن المؤتمر النقدي الثالث للمعهد العالي للنقد الفني وعنوانه "الوعي النقدي وتحولات الإبداع التنوع الثقافي وسؤال الهوية"، بحضور الدكتورة رانيا يحيي عميد المعهد العالي للنقد الفني الناقد الكبير الدكتور محمد عبدالمطلب، والناقد الناقد الدكتور محمد زعيمة، والناقد الدكتور شوكت المصري، والناقد الكبير سيد الوكيل، والناقد الدكتور حسام جايل، وأدار اللقاء الناقد الدكتور هيثم الحاج علي، الرئيس السابق للهيئة المصرية العامة للكتاب.

وفي بداية اللقاء تحدث الناقد الكبير الدكتور محمد عبدالمطلب، عن أزمة سؤال المجاملات في الرسائل العلمية الذي سُأل عنه في معرض القاهرة الدولي للكتاب، وأضح أن الدنيا حينها قامت ولم تقعد موضحا أن المجاملات تأتي في المعاملات وليست في التقديرات، المجاملات تأتي في الاهتمام ورعاية الطلبة النابهين والتركيز معهم، وليست مجاملات على المستوى العلمي والتقدير أو منح الدرجة.
وأضاف عبدالمطلب، متحدثا عن البلاغة وإعادة قراءتها التي قدم بعدها كتابه الأول بعنوان البلاغة والأسلوب، ثم قدم كتاب قضايا الحداثة عند عبدالقاهر الجرجاني وغيرهم من الكتب.
وأضاف الناقد الكبير، البلاغة قادتني تلقائيا إلى نصين كبيرين النص القرأني المعجز والنص الثاني هو النص الشعري ولابد أن اعترف أني كنت أهوى أن أكون شاعرا ولكني لم أمتلك تلك الموهبة وعجرت عنها وهذا العجز جعلني أقبل على دراسة الشعر وأنجزت كتب في الشعر القديم والشعر الحديث وجمعت كل ما قدم من أشعار واستطعت أن أحللها وأقدمها للقراء.
وواصل الدكتور عبدالمطلب، كنت في ندوة في إمارة الشارقة وسألني الدكتور سلطان القاسمي حاكم إمارة الشارقة وهو شاعر، سألني ما رأيك في قصيدة النثر فقلت له أنا ناقد لي ذوقان الذوق الخاص يميل لفحول الشعراء أما ذوقي العام فيحتم عليّ قراءة كل ما يصدر من أشعار ومن ثم أحللها وأقدم فيها رؤيتي. وفي ثمانينيات القرن الماضي كنت في ندوة في الأردن وقام أحد الحضور وقال لي أنت نصف ناقد فكل كتاباتك في الشعر ولكن أين الرواية والمسرح، وهذا الأمر نبهني إلي الكتابة في السرد وحينما تنبهت للأمر وبدأت قراءة الرواية شعرت بالجمال وأصدرت ثلاثة كتب عن الرواية، ومن خلال قراءة الرواية تعلمت ألا أحكم على الرواية إلا حينما أشعر أني كاتبها، فمثلا رواية موسم الهجرة للشمال للكاتب السوداني الطيب صالح استغرقت منّي ثلاثة أشهر لاستطيع الحديث عنها.
وقال الدكتور محمد عبدالمطلب: اللغة العربية الآن تضيع تدريجا، حفيداتي في الجامعة وحينما أسأل احداهن هل قرأتي مقالي اليوم في الأهرام فتقول لي لا استطيع قراءته بالعربي، والجامعات الآن في كارثة تسمى الساعات المعتمدة، وهو ما يصدر لنا طلبة لا يعرفون شيء عن اللغة العربية ولا الشعراء، ولذلك أصدرت عدد من الكتب حول اللغة العربية.
وأضاف عبدالمطلب، كتاب الشعر والمشروع القومي الصادر مؤخرا عن بيت الحكمة، هو بمثابة عودة مرة أخرى إلى الشعر الذي بدأت به، كان الشعر قديما يحتفل به وكانت القبائل إذا ولد لها شاعر تقيم له الاحتفالات، والآن يقولون أنه زمن الرواية وقال نجيب محفوظ الرواية ديوان العرب فرد عليه العقاد ردا مفحما، وأنا أقول أن الشعر هو الفن الوحيد القادر على الولوج لداخل الإنسان. فالشعر يدخل المكان الذي تعجر الأبرة إلى دخوله فهو يتميز عن كافة الفنون الأخرى في التعبير عن الإنسان وما يدور في نفسه.
وأضاف الناقد الكبير، كتاب الشعر والمشروع القومي بدأته بالشعر ثم سطوة الشعر ثم القضايا القومية وبعض الناس يظن أن القضايا القومية حديثة الظهور، ولكن الحقيقة أن القضايا القومية ظهرت منذ العصور القديمة وبرزت في الشعر العربي، وتتبعتها في كافة الأشعار منذ العصر الجاهلي وصولا للعصر الحديث، ثم تابعت في الكتاب مجموعة من القضايا من أهمها قضية فلسطين في أشعار مجموعة من الشعراء العرب.
ومن جانبه  قال الناقد والروائي سيد الوكيل، في التسعينيات أصدرت مجموعتي القصصية الأولى وبعدها شعرت أني بحاجة لنقد هذه الكتابات، ولذلك أصدرت كتاب أفضية الذات، وكان كتابي النقدي الأول.
وأضاف الوكيل، التجربة تكون ثرية حينما يسعى الناقد لإصقال ذاته بمهارات متعددة، والنقد له اتجاهات الأول هو الكتابة الانطباعي على صفحات الجرائد، أما الاتجاه الثاني هو الاتجاه الأكاديمي الذي لا يتجاوز كونه مصطلحات علمية، يكون حينها الناقد بمعزل عن عملية الكتابة الإبداعية وهنا تظهر الفجوة لدى الناقد وهو ما حاولت أن اتعامل معه من خلال مروري بالتجربة بشكل مباشر وعملي.
وواصل الوكيل، بعد صدور كتابي الأول أفضية الذات جاءتني ردود فعل محفذة ودفعتني لإصدار كتاب نقدي لنقد الكتابات النقدية التي كُتبت عن أعمال نجيب محفوظ، واشتغلت على هذه الكتب لنقدها.
واختتم الوكيل بقوله، كتابي الصادر مؤخرا عن بيت الحكمة يتناول المسافة بين الناقد والمبدع، ونظريات النقد تتطور كل ١٠ سنوات وتهدم بعضها بعضا، واعتقد أنه لن يكون هناك نقدا مؤثرا ما لم يكن مرتبطا بكاتب متميز.

ومن جانبه قال الناقد الدكتور حسام جايل، بعض الأكاديميين لديهم بعد وجفوة عن الإبداع، وبعضهم يتعاملون معه من منطلق أخلاقي، وطالب الدراسات العليا لا بد أن يقرأ النظرية بشكل جيد وأن يكتب فصلا واحدا تطبيقيًا وباقي الرسالة يكون نظريًا ليتمكن من النظرية النقدية.
وأضاف جايل، علم النص علم غربي وله جذور عربية ولكن ليس كل غربي جيد وليس كل عربي سيء فنحن لنا شعراء عظماء ونقاد عظماء مثل ابن جني وعبدالقاهر الجرجاني، وعلم النص يعيدنا لفكرة العالم باللغة وأن تكون ملما باللغة العربية.
وواصل جايل، ميزة الغرب أنه يبحث في النص بشكل كلّي وهو ما لم يكن يحدث عند العرب قديما حيث كانوا يبحثون في التفاصيل وفي الأخطاء المفردة ويتناولوها بالنقد. والتناص كان قديما يعامل معاملة السرقات، فكان قديما يقف الحاتمي أمام بيت المتنبي ويتهمه بالسرقة، أما التناص الأن أصبح ينظر إليه بأنه ميزة تبين تماسك النص وتقويه.

WhatsApp Image 2024-03-04 at 7.02.32 PM (1) WhatsApp Image 2024-03-04 at 7.02.32 PM (2) WhatsApp Image 2024-03-04 at 7.02.32 PM (3) WhatsApp Image 2024-03-04 at 7.02.32 PM WhatsApp Image 2024-03-04 at 7.19.46 PM

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: جامعات ثروت عكاشة رانيا يحيى سلطان القاسمي عميد المعهد العالي للنقد الفني للهيئة المصرية العامة للكتاب معرض القاهرة الدولي للكتاب الناقد الدکتور الناقد الکبیر الدکتور محمد

إقرأ أيضاً:

حينما تصبح الهوية قيدًا .. تأملات في نسب شجرة الغول لعبد الله بولا

إبراهيم برسي
٢٢ ديسمبر ٢٠٢٤

إن الكتابة عن بولا أو عن كتابات بولا نفسها تحتاج إلى جُرأة وشجاعة، وقد ترددت كثيرًا في دخول مثل هذه المقامرة. و تذكرت مقولة الفيلسوف الماركسي أنطونيو غرامشي عن حتمية انتهاء القديم وصعوبة ولادة الجديد: “تتجلى الأزمة تحديدًا في أن القديم آيل إلى الزوال، بينما لا يستطيع الجديد أن يولد.”
هذه المقولة تتناغم مع تأملات نص بولا، حيث نتعامل مع صراع جاد حول الهوية، التاريخ، والوجود.

“نسب شجرة الغول” هو نص لا يُقرأ، بل يُستشعر. كمن ينظر إلى مرآة غامضة تعكس ظلال الروح السودانية، حيث تتداخل الذكريات بالجروح، وتتمزق الهوية بين زوايا الماضي والحاضر.
عبد الله بولا لا يكتب هنا عن أزمة سياسية أو اجتماعية فحسب، بل يتجاوز ذلك ليغوص في صميم الصراع الإنساني: صراع الإنسان مع ذاته، مع الآخر، ومع المعنى الذي يصنعه أو يُفرض عليه.

الغول، الذي يتكرر ذكره في النص، ليس وحشاً أسطورياً من خيال جمعي، بل هو استعارة حية، مرنة، تأخذ شكلاً جديداً في كل مرة تُستدعى فيها.
الغول هو الهيمنة التي تختبئ وراء الأقنعة، حين تُحوّل التنوع إلى شتات، وحين تجعل من الجسد الواحد عدواً لنفسه. لكنه أيضاً الموروث الذي لم يختره أحد، الإرث الذي يُفرض علينا دون أن نستطيع التمرد عليه تماماً، تماماً كالأحلام التي تستدرج اللاوعي لتُفصح عما لا يُقال.

النص يتحدث عن السودان، لكن السودان هنا ليس مجرد بلد، بل هو صورة مصغرة للإنسانية في صراعها الأبدي مع الاختلاف. التنوع الثقافي الذي كان يمكن أن يكون ثروةً، تحوّل بفعل سياسات الهوية المهيمنة إلى عبء يثقل كاهل البلاد. ليس هذا صراعاً بين الهامش والمركز فقط؛ إنه صراع بين الأصوات التي تريد أن تتنفس، وبين سلطة تصر على أن تُعيد تشكيل كل ما حولها وفق صورتها الخاصة.

لغة عبد الله بولا تلتف حول القارئ كنسيم خفيف يخفي وراءه عاصفة. اللغة هنا ليست حيادية؛ إنها السلاح، الساحة، والجائزة.
اللغة العربية، بتغلغلها في المؤسسات التعليمية والإدارية، أصبحت كما يبدو في النص “اللغة السيدة”، بينما صارت اللغات الأخرى أصواتاً باهتة، مقيدة بالسياقات الخاصة، محرومة من الحضور الرسمي. لكن، كما أن الحلم يُظهر المكبوت، فإن النص يكشف عن مقاومة خفية، عن تلك الهويات التي لم تمت، بل تنتظر لحظة استعادة صوتها.

التاريخ في “نسب شجرة الغول” ليس سلسلة أحداث متتالية؛ إنه كيان حي يتنفس في كل زاوية من النص. يكتب عبد الله بولا عن الماضي لا ليفسره، بل ليحاكمه، ليعيد سؤاله عما فُعل باسمه.
الهوية السودانية، كما تبدو في النص، ليست حقيقة ثابتة، بل مشروعاً قيد التفاوض، مشروعاً حاولت الهيمنة أن تحسمه لصالح سردية واحدة، لكنها لم تفلح سوى في ترك جراح أعمق.

وهناك المثقفون. أولئك الذين كان يُفترض أن يكونوا حراس الوعي، لكنهم، كما يصوّرهم النص، وقعوا في فخ إعادة إنتاج الهيمنة.
في لحظات عديدة، يبدو النص كأنه حوار داخلي، حيث يتساءل الكاتب: كيف يمكن لمن يفكر أن يكون أداة في يد من يقمع التفكير؟
المثقف هنا ليس مجرد فرد، بل رمز لصراع أوسع: بين الفكر المستقل والسلطة التي تحاول أن تروضه.

ثم يأتي التحليل النفسي للهوية. في النص، الهوية ليست شيئاً نملكه، بل شيئاً يُفرض علينا. الهوية العربسلامية، كما يصورها النص، ليست مجرد اختيار، بل سلطة تحاول أن تُقصي كل ما لا يتماشى معها. إنها أشبه بظل طويل يخفي تحته التنوع، لكنه لا يستطيع محوه تماماً.
هذا الصراع بين المركز والهامش، بين اللغة السيدة واللغات المكبوتة، بين الماضي الذي يُعاد إنتاجه والحاضر الذي يبحث عن مخرج، هو ما يمنح النص قوته الفلسفية العميقة.

لكن النص ليس اتهاماً فارغاً؛ إنه أيضاً دعوة للتأمل. عبد الله بولا لا يقدم حلولاً جاهزة، لكنه يفتح نافذة على احتمالات جديدة. يدعو إلى القبول، ليس بمعنى الخضوع، بل بمعنى المصالحة مع الذات المتعددة، مع السودان كما هو، لا كما تريده السلطة أن يكون. النص يدعو القارئ إلى التوقف عن البحث عن إجابات سهلة، وإلى مواجهة التعقيد بجرأة.

“نسب شجرة الغول” هو نص يرقص على حافة الكلمة، يحفر في عمق المعنى، ويترك القارئ مسكوناً بأسئلة لا تنتهي. إنه كمن يسير على حبل مشدود بين الحلم واليقظة، بين الواقع والممكن، بين الذاكرة والنسيان. وفي النهاية، ربما لا يكون الغول إلا نحن، حين ننسى، حين نتجاهل، وحين نستسلم للهيمنة بدلاً من أن نقاومها.

zoolsaay@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • هل جهازك قديم؟ واتساب يتوقف عن العمل عليه في 31 ديسمبر!
  • الناقد الرياضي: خلافات داخل الأهلي وقرارات منتظرة في يناير.. ومصير زيزو مع الزمالك ما زال غامضًا
  • الوكيل عاصم يتفقد العمل بمكتب أوقاف محافظة صنعاء
  • مفاوضات غزة.. خلافات وحديث عن صعوبات كبيرة بين حماس وإسرائيل
  • اتهامات لنتنياهو بتخريب المفاوضات وحديث إسرائيلي عن صفقة جزئية
  • 5 رسائل خارجة عن النص من جمهور الأهلي للاعبيه
  • الأربعاء.. افتتاح مؤتمر الرواية والدراما بنادي القصة
  • حينما تصبح الهوية قيدًا .. تأملات في نسب شجرة الغول لعبد الله بولا
  • محمد فكري: الأهلي لم يطلب عودتي مجددًا.. ودور المعد النفسي أصبح هامًا للغاية
  • أن يكون في المكتبة ذخائر طبعت قديمًا