أشار الكاتب الإسرائيلي تسافي بارئيل، في تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، إلى أن استخدام إسرائيل للمعونة كأداة إستراتيجية في قطاع غزة ليس بالأمر الجديد، حيث استخدمت في السابق المساعدات الإنسانية كجزء من إستراتيجيتها الحربية، وحتى كجزء من سياسة تأخير الحلول.

وأوضح بارئيل أن إسرائيل حوّلت إستراتيجية منع المعونات عن القطاع إلى شرط أساسي لمواصلة حروبها، حيث تتحكم في تقديم المساعدات وفقا لمصالحها الإستراتيجية.

وأدى ذلك إلى مفارقة غريبة، حيث أصبحت المساعدات التي تُخصص لإنقاذ الأرواح بالنسبة لإسرائيل ذات أهمية حيوية لاستمرارية قتل البشر، سواء كانوا من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أو من السكان المدنيين في القطاع.

وأفاد بارئيل أن إسرائيل لم تخترع العجلة في غزة، وإنما الولايات المتحدة هي من يفرض معادلة توزيع المساعدات الإنسانية في القطاع بدوافع، بينها تخفيف الضغط الدولي عنها عندما تؤيد إسرائيل (في مجلس الأمن أو محكمة العدل مثلا)، والضغط الداخلي من الجمهوريين والديمقراطيين الذين يرون سياسة الرئيس جو بايدن المؤيدة لاستمرار الحرب كارثة سياسية.

وتطرق بارئيل إلى ادعاء إسرائيلي ثانوي آخر يتعلق بالمعونة، حيث يُزعم أنها تصل إلى أيدي حركة حماس وفصائل أخرى في غزة، وتستخدم لتعزيز مواقفها وتخفيف الضغط الفلسطيني الداخلي عليها.

ورغم وجود جدل حول توسيع المعونة أو معارضتها، فإن سكان غزة يستمرون في مواجهة الموت جوعا ومرضا، بالإضافة إلى تعرضهم للقتل جراء العمليات الإسرائيلية.

يوغوسلافيا وسوريا

وسلط بارئيل الضوء على أن المعونة الإنسانية لا تقتصر فقط على الشحنات والعربات والأموال، بل تتطلب أيضا إقامة مواقع محمية وممرات عبور ومناطق آمنة، وذلك بناء على تفاهمات واتفاقات مع الأطراف المتحاربة.

ويرى بارئيل أن هذه الأطراف تحصل على مكاسب سياسية وعسكرية وتكتيكية وإستراتيجية من هذا التفويض، مما يسمح لها بمواصلة الحروب وتحقيق أهدافها.

كما أشار إلى أن ما يحدث في غزة يشبه ما حدث في يوغوسلافيا، حيث قامت القوات الصربية بنهب قوافل المساعدات الغذائية الموجهة للسكان البوسنيين، وكانت تفرض شروطا على توزيعها، مثل تقسيمها بين السكان الصرب والسكان المحاصرين.

وأضاف أن مئات من قوات حفظ السلام الأممية قد تم اختطافهم عام 1995، واستخدموا كدروع بشرية في بعض المواقع لمنع قصفها، وهو ما تم ذكره في تقرير لمفوضية شؤون اللاجئين عام 1999.

وفي سوريا، أوضح الكاتب أن النظام السوري هو من يحدد شروط دخول المعونة، وعادة ما يتم استلامها عبر أجهزة إغاثة مرتبطة به، ثم يتم نقل جزء منها إلى الجيش السوري والمليشيات المتعاونة معه.

ونتيجة لذلك، ينتهي الأمر بحوالي نصف المساعدات في مستودعات النظام أو مستودعات هذه المليشيات.

وللتصدي لهذه الممارسات، طالب الكونغرس في عامي 2019 و2020، بعد إنفاق الولايات المتحدة ما يقدر بنحو 16 مليار دولار على المساعدات الإنسانية في سوريا، بضرورة وضع إستراتيجية جديدة لمنع وصول المساعدات إلى أيدي النظام.

ورغم ذلك، لم تتبلور هذه الإستراتيجية بعد.

حالة فريدة

وأفاد بارئيل بأنه رغم أن حجم القتل والكارثة الإنسانية أقل في غزة من سوريا، فكان يوجد في سوريا -وحتى البوسنة– جهة يمكن التفاوض معها على توزيع المساعدات، بحيث يصل جزء كبير منها إلى الجهة المستهدفة، حتى بعد استيلاء النظام السوري والقوات الصربية على حصتهما.

أما في غزة، يقول الكاتب إنه لا توجد حكومة محلية تتكفل بالمهمة، ولا قوة دولية أو عربية أو فلسطينية تتحمل عبء ذلك، مما يجعل الوضع أكثر تعقيدا وصعوبة في تقديم المساعدة الإنسانية للمحتاجين.

وأضاف أن إسرائيل تمتنع بالفعل عن السماح للسلطة الفلسطينية بدخول قطاع غزة، وليس فقط لتوزيع المعونة. لكن السلطة ترهن انتشارها في غزة بشروط، بينها عملية سياسية تستند إلى حل الدولتين، وتلبية شروط أميركية مثل مكافحة الفساد وإجراء إصلاحات إدارية وسياسية.

وتشمل الإصلاحات الإدارية والسياسية المشروطة تقليص صلاحيات الرئيس محمود عباس، وتشكيل حكومة من خارج حركتي حماس وفتح، وهو ما اعتبره الكاتب شرطا غير واقعي.

لاحظ الكاتب أنه لم يتم فرض شروط مماثلة لتوزيع المساعدات الإنسانية في أماكن الأخرى مثل سوريا أو اليمن أو السودان. والغريب في الأمر، بحسب تقديره، هو أن إسرائيل تفرض شروطا على دخول المساعدات، بينما تظل حماس هي التي تسيطر في النهاية على توزيعها في غزة.

وتوقع الكاتب الإسرائيلي أن تضطر الحكومة الأميركية، نظرا للوضع الإنساني الكارثي في غزة والفوضى العارمة في توزيع المساعدات، إلى اتخاذ قرار وشيك بشأن انتشار السلطة في القطاع، مع تجاهل الشروط المتعلقة بذلك.

محض استعراض

وبالنسبة لإسقاط المعونة جوا، فيعتبره بارئيل مجرد استعراض وليس حلا فعالا للوضع في غزة، فالمساعدات -حتى وإن وصلت سليمة ولم ينته بها الحال في البحر أو في الأراضي الإسرائيلية- لا تسد حاجة سكان القطاع.

وذكر أنه من أجل الاستجابة للحد الأدنى من المساعدات المطلوبة، والتي تقدر حاليا بـ200 شاحنة يوميا، يجب إطلاق جسر جوي غير مسبوق لتلبية الاحتياجات الأساسية، رغم التحديات المالية والتقنية المرتبطة بهذا الخيار.

أما الخيار الآخر، وهو فتح معبريْ إيريز وكارني (إضافة إلى معبري كرم أبو سالم ورفح)، يشير بارئيل إلى أن تنفيذ هذا الخيار يتطلب توفير طرق آمنة وحماية قافلات المساعدات من قبل قوات شرطية وعسكرية.

ولكنه عبر عن قلقه من أن أفراد الشرطة الذين يعملون تحت إمرة حماس قد يرفضون تقديم الحماية خوفا على حياتهم، وبالتالي يعرضون عمال الإغاثة والقوافل للخطر.

وفي نهاية التقرير، تساءل بارئيل عن مدى تحقيق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لصورة النصر المؤزر التي يأملها في غزة؟!

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات المساعدات الإنسانیة أن إسرائیل فی غزة

إقرأ أيضاً:

وزيرة الصحة الفلسطينية السابقة: مصر حريصة على إدخال المساعدات لغزة.. والعائق الحقيقي إسرائيل

وجهت مي الكيلة، وزيرة الصحة الفلسطينية السابقة الشكر للرئيس عبد الفتاح السيسي وللحكومة والشعب المصري على دعمه ومساندته للقضية الفلسطينية وتقديم المساعدات لأهالي غزة قبل وأثناء الحرب الإسرائيلية على القطاع، مشيرة إلى أن مصر دائما وأبدا الداعم الرئيس للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وخصوصا في ظل الأزمة والكارثة الإنسانية الراهنة في غزة.

وأكدت الكيلة، في تصريح خاص لمدير مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط بعمان، على هامش المؤتمر الإقليمي الثامن للشبكة الشرق أوسطية للصحة المجتمعية "امفنت" المنعقد بالأردن، أن مصر تولي اهتماما كبيرا بتقديم ودخول المساعدات الطبية والإنسانية إلى قطاع غزة، وحريصة على ذلك، ولكن العائق الحقيقي هو الاحتلال الإسرائيلي، مشيرة إلى أنها شاهدت حجم وكمية المساعدات الموجودة على معبر رفح من الجانب المصري ولكن الاحتلال الإسرائيلي يعرقل دخولها.

وأضافت أنها قامت بزيارة معبر رفح برفقة الدكتور خالد عبد الغفار نائب رئيس الوزراء ووزير الصحة والسكان، وشاهدت حجم المساعدات والقوافل المصرية الموجودة عند المعبر تنتظر الدخول إلى قطاع غزة ولكن الإجراءات الإسرائيلية تحول دون ذلك.

وبشأن انتشار شلل الأطفال في قطاع غزة، أشارت إلى أن شلل الأطفال خلل في الصحة العامة التي تعد نتيجة مباشرة لوجود وانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني وخصوصا في غزة، مشيرة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يتعمد تدمير البنية التحتية الفلسطينية في قطاع الصحة وغيره سواء في غزة أو الضفة الغربية المحتلة.

وأوضحت أن فلسطين كانت خالية من شلل الأطفال منذ عام 1988، إلا أنه ونتيجة لهذه الانتهاكات الإسرائيلية وما نتج عنها من خراب وتدمير للمياه والبنية التحتية الصحية مما أوجد هذه الحالات من شلل الأطفال في القطاع، مؤكدة أن هناك كارثة حقيقية في غزة بسبب الخلل في قطاع الصحة العامة والذي يعتبر في خطر حقيقي نتيجة لجرائم الاحتلال.

ونوهت إلى أنه تم السماح مؤخرا بإدخال تطعيمات شلل الأطفال إلى غزة عقب تحذيرات وتدخلات من قبل منظمة الصحة العامة، موجهة الشكر لمسئولي منظمة الصحة العالمية ولكل من تدخل لإنقاذ أطفال فلسطين وخصوصا في غزة.

وحذرت من عدم السماح بإدخال الجرعة الثانية لتطعيم الأطفال عقب النجاح في تطعيم حوالي 90% من الأطفال في غزة ضد شلل الأطفال، مشددة على ضرورة أن يتحرك المجتمع الدولي لإنقاذ أطفال غزة من انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي ووقف الحرب فورا.

يأتي ذلك فيما قال المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فيليب لازاريني، أمس الاثنين، إن نسبة التغطية التي حققتها حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في غزة، بلغت 90 بالمئة.

وأضاف لازاريني في منشور عبر حسابه على منصة "إكس"، أن "التحدي التالي هو تزويد الأطفال بالجرعة الثانية نهاية سبتمبر الجاري"، مشيرا إلى أن هناك أخبارا إيجابية نادرة من غزة، الجولة الأولى من حملة التطعيم ضد شلل الأطفال انتهت بنجاح".

ويواصل الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثرمن 346 يوما، عدوانه على قطاع غزة، فيما أدى العدوان المستمر إلى استشهاد أكثر من 41 ألفا و 226 شهيدا، وإصابة 95 ألفا و413 آخرين، ونزوح 90% من سكان القطاع، بحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة.

اقرأ أيضاًطيران الاحتلال الإسرائيلي يستهدف منزلًا في مدينة غزة

بريطانيا وإيطاليا تؤكدان دعمهما لوقف إطلاق النار في غزة

ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان على غزة إلى 41226 شهيدًا و95413 مصابًا

مقالات مشابهة

  • الدعم السريع تتهم مناوي بسرقة المساعدات الإنسانية الموجهة إلى دارفور
  • وزير الخارجية: جهود مصر مستمرة لوقف إطلاق النار وانفاذ المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة
  • «الدعم السريع» تتهم مناوي بسرقة المساعدات الإنسانية الموجهة إلى دارفور
  • وزيرة الصحة الفلسطينية السابقة: مصر حريصة على إدخال المساعدات لغزة.. والعائق الحقيقي إسرائيل
  • أول دولة عربية أمام مجلس الأمن في مهاجمة إسرائيل
  • اتفاق لنقل المساعدات الإنسانية إلى السودان.. عبر هذه الولاية
  • كبيرة منسقي الشؤون الإنسانية في غزة: يجب العمل لتسهيل دخول المساعدات إلى القطاع
  • مجلس الأمن يناقش وصول المساعدات الإنسانية لغزة
  • مجلس الأمن يناقش وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة
  • هآرتس تكشف: إسرائيل تجند طالبي لجوء أفارقة للقتال في غزة