«الحاءات» الليبية الثلاثة.. حوار وحكومة وحرب
تاريخ النشر: 4th, March 2024 GMT
(مؤشرات الأزمة السياسية الليبية تشير إلى صعوبة تنظيم إنتخابات بدون حكومة.. وتشكيل حكومة بدون حرب)
لا يتغير المشهد السياسي الليبي إلا بصِدام أو صدمة.. تاريخياً السلطة في ليبيا تُنتزع بالقوة الخشنة تحت مسميات مختلفة.. وإن كانت الوسيلة ناعمة في صورة حوار وتوافق وتقاسم أو ما شابه.. هذه هي المعطية التاريخية المستخلصة من تجربة ليبيا السياسية الحديثة.
محطات التغيير السياسي الرئيسية الحديثة في ليبيا تبقى شاهداً على هذا القول.. فأول حكومة استهلت مرحلة فبراير تشكلت بعد حرب 2011 الضروس.. وحكومة 2015 نتجت عقب حرب 2014 الغبية.. وآخرها حكومة الوحدة الوطنية التي كانت وليدة لحرب 2019 المفصلية.. إنها (خوارزمية) سياسية ليبية بامتياز.. (ثالوث) من حاءات متلازمة ومترابطة (حرب وحوار وحكومة).. حرب تقود إلى حكومة.. والحكومة تمهد لحرب.. تتخللهم حوارات صورية.
لا وجود أو معنى لمفردة التعددية في قاموس الذهنية الليبية.. الأحادية هي المحرك لبواطن الفكر والسلوك والفعل للنخبة السياسية.. هناك هامش ضيق لفكرة الحوار والقبول بالآخر والشراكة.. حالة متوحشة ومستديمة من الأنانية والتوحد وانعدام الثقة.. ولذا حينما يتعاطى الليبي السياسة ينبذ الحوار الفاعل.. وينجذب أوتوماتيكيا للعنف المادي أو اللفظي عندما يكون أمام حالة تنافسية أو متعددة الرؤى والاتجاهات.
هذا هو السبب الجوهري لتردي الوضع السياسي المأزوم في ليبيا.. الوصول للسلطة والقبض على زمامها يبرر كل وسيلة تُتخذ.. من يصل إلى كرسي السلطة يلتحم به.. ثم يختلق المبررات لذلك الالتحام.. حتى ينتهي الأمر لصِدام.. ولذا لا يشكل السلوك السياسي لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة (استثناء) من منطق السياسة الليبية.. فالطريق لتجديد الحكم من (طريق السكة) ثمنه حرب.
مشكلة النخبة السياسية الليبية في العموم تكمن في الافتقار للضوابط الوطنية.. وتضارب الرغبات الخاصة والمصالح الوطنية.. والإطار الأخلاقي الذي يضع ذلك السياسي نفسه خلاله.. والبُعد الأسوأ والكارثي و(الحصري) للنخبة السياسية المسيطرة هو التضحية بكل الأعراف السياسية والقيم المجتمعية والوطنية والدوس عليها وتقديمها قرابين للحلفاء والشركاء أو الأعداء.. و(كلهم سواء).. مقابل التشبث بالمكاسب ومنع أي تغيير سياسي أو حالة تداولية.. لا توجد حدود لضبط وإدارة التنافس السياسي.. فمع غياب أدبيات ومرجعيات سياسية رصينة.. يشترك الإسلاموي والعقائدي والقومي والثورجي والليبرالي.. والخالي من كل ما سبق.. في اتباع (التبرير) كمنهج أصيل للممارسة السياسية.. حتى يُخيل إليك أن النظرية (الميكافيلية) موطنها ليبيا.. ولذا تكونت لدى مجلس النواب والدولة عقيدة سياسية (تبريرية) منحرفة مفادها أن حل الغرفتين التشسريعيتين أو إنهائهما دستورياً أو شعبياً يعني نهاية الدولة وضياع الأمة الليبية وعودتها للمربع (الدكتاتوري) بزعمهم.. ولا يفرُق السلوك السياسي (اللعوب) للمجلس الرئاسي عن نظرائه من النخبة السياسية في البرلمان ومجلس الدولة باختلاق المبررات (المُنَمقة) للخلود في قاعدة أبوستة البحرية وتقمص دور قائد المصالحة الوطنية برغم أن القِوى (الخشنة) صاحبة القول الفصل في العاصمة (الوادعة) وتراب غرب ليبيا رفعت عنه الحرج السياسي والغطاء الوطني.
إن أشد الأخطار التي تهدد وجود وتماسك كيان الدولة الليبية المتصدع هي أولاً التدخلات الأجنبية المخزية (عسكرياً وسياسياً وإقتصادياً ومالياً وديموغرافياً) التي تصادر استقلالية وحرية القرار الوطني.. وثانياً انقسام المؤسسات الحكومية الأمنية والاقتصادية والسيادية وعودة نموذج العاصمتين (طرابلس وبنغازي) وما يتبعه من انقسام جغرافي تظهر معالمه صريحة عند الكيلومتر الخمسين غرب سرت وعند المنتصف ما بين القريات والشويرف.. حيث أعمال (التشوينات) العسكرية لمشروع انشطار الدولة انطلقت.
لذلك فالسلوك (التبريري) للنخبة السياسية المسيطرة يصيب في مقتل كل الجهود والآمال والتطلعات للقوى الوطنية في تنظيف البلد من (خازوق) التدخلات الأجنبية التدميرية في جسد الدولة الليبية.. ومحاولات توحيد مؤسسات الدولة كأساس لإنطلاق مشروع إعادة بناء الدولة.. فلا ضير أن تٌهدم الدولة لتبقى السلطة.. وأن تُرابض القوى العسكرية الأجنبية داخل حرمة الوطن للحماية من أبناء الوطن على الضفة الأخرى.. وأن يُقدم المواطن الليبي المُسن (المريمي) قرباناً للمخابرات الأميركية مقابل غض النظر عن انتهاء ولاية الحكومة.. وأن تغازل وزيرة الخارجية نظيرها من كيان قتلة الفلسطينيين لكسب مزيد من الوقت في السلطة.. وأن يتراشق البرلمان ومجلس الدولة بمقترحات القوانين الانتخابية والطعون وفوبيا (سيف الإسلام) والعسكر ومزدوجو الجنسية من أجل التلاعب بالوقت والتمسك بمزايا السلطة على حساب تفويت الاستحقاق الانتخابي.. وليذهب الوطن وبقايا شعبه للجحيم.. وأن.. وأن.. وأن.
هذا المنهج (التبريري) السلبي المتجذر لساسة ليبيا يمثل أكبر خطر على وحدة ليبيا وسيادتها واستقلالها واستقرارها واستمرار حالة الصراع المفتوح الأجل.. وهو الذي وأد آخر محاولات الحفاظ على ليبيا (الموحدة) وإجراء تغيير سياسي (سلمي) بتنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية ليلة (كريسمس) 2021.. سلوك نخبوي سياسي متناقض.. ظاهره رغبة في إجراء الانتخابات وباطنه عمل كل ما يعيق ذلك.. ضجيج يتعالى ويخبو حول شرعية لجنة 6+6 ومخرجاتها.. ورغبة رئيس مجلس النواب (عقيلة صالح) واصطدامها مع رغبات رئيس مجلس الدولة (محمد تكالة) حول مواصفات الرئيس الليبي المنتظر.
تعلم الأطراف السياسية الرئيسية ومن ورائها محلياً وإقليمياً ودولياً أن إجراء الإنتخابات الوطنية بدون (نسخة) حكومة جديدة يعد ضرباً من المستحيل.. قياساً على مبدأ تعارض المصالح.. و(القاضي هو الخصم).. وأن تكوين حكومة جديدة يستلزم (افتكاك) السلطة من حكومة (الدبيبة) بالقوة عملاً بالأسلوب السياسي (الليبي) لتداول السلطة.. وتعلم هذه الأطراف أيضاً أن طقوس البعثة الأممية وتراتيل المبعوث الأممي (باتيلي) سليل أعرق الديمقراطيات الأفريقية لفك طلاسم الانسداد السياسي عبر الحوار لم تعد مفهوهه ومسموعة.. حيث أصوات التكبير في (الوطية) وقرب قاعدة (القرضابية) والجفرة تعلو.
الحرب تصنع السلام في كثير المواضع واللحظات التاريخية للصراع الإنساني الأزلي.. أما في الحالة الليبية فالحرب سبيل لتمويل العملية السياسية وإحداث تغيير سياسي.. ومداها وضراوتها ستكون على قدر الحكومة القادمة.. إما حرب مباغتة وخاطفة وحكومة تكنوقراط مصغرة.. أو حرب ضروس تعيد رسم خارطة ليبيا.. حبيسة (ثلاثية) الحوار والحكومة والحرب.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
إقرأ أيضاً:
المقاومة الفلسطينية تدعو واشنطن لإنهاء انحيازها الأعمى وحكومة الاحتلال تحتفل بعودة ترامب
حماس: ندعو ترامب إلى الاستفادة من أخطاء بايدن
حزب الله : الانتخابات الأمريكية بلا قيمة بالنسبة لنا
عواصم "وكالات": قالت حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) في بيان إن "موقفنا من الإدارة الأمريكية الجديدة، يعتمد على مواقفها وسلوكها العملي تجاه شعبنا الفلسطيني وحقوقه المشروعة وقضيته العادلة" لكنها دعت إلى "وقف الانحياز الأعمى" لإسرائيل.
وقال سامي أبو زهري القيادي بحركة حماس لرويترز "ندعو ترامب إلى الاستفادة من أخطاء (الرئيس جو) بايدن".
واحتفى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وأنصاره بعودة دونالد ترامب المتوقعة لرئاسة الولايات المتحدة بعد أن أعلن فوزه في الانتخابات التي جرت قبل ساعات، وأشادوا بمن وصفه زعيم لحركة استيطانية إسرائيلية بأنه حليف سيدعمهم "دون قيد أو شرط".
وهنأ نتنياهو ترامب وقال إن الرئيس الأمريكي السابق على وشك تحقيق "أعظم عودة في التاريخ".
وقال نتنياهو في بيان "عودتك التاريخية إلى البيت الأبيض تمنح الولايات المتحدة بداية جديدة وتجدد الالتزام بالتحالف العظيم بين إسرائيل والولايات المتحدة" وهو نفس الموقف الذي عبر عنه زعماء الأحزاب الدينية القومية اليمينية المتطرفة في ائتلاف نتنياهو.
وتمثل النتيجة ارتياحا لائتلاف نتنياهو، الذي نشب خلاف بينه وبين إدارة الرئيس الحالي جو بايدن بشأن الحروب في غزة ولبنان والتي أثارت احتجاجات في جميع أنحاء العالم وجعلت إسرائيل معزولة على نحو متزايد دوليا.
وبينما كان العالم يتابع انتخابات الرئاسة الأمريكية خلال الساعات الماضية، استغل نتنياهو الفرصة لإقالة وزير الدفاع يوآف جالانت الذي كان من بين الوزراء الإسرائيليين الذي تفضل إدارة بايدن والجيش الأمريكي الحوار معهم.
وقال إفرايم سنيه وهو بريجادير جنرال سابق في الجيش الإسرائيلي "الإدارة (الأمريكية) الحالية تثق في الوزير جالانت".
وأدت إقالة جالانت، في خضم حرب متعددة الجبهات تنذر بالتحول إلى مواجهة شاملة مع إيران، إلى خروج محتجين إلى الشوارع في إسرائيل، لكن معسكر نتنياهو رحب بالإقالة.
وقال يسرائيل كاتس، الذي خلف جالانت في المنصب، وكان يشغل منصب وزير الخارجية، إن فوز ترامب من شأنه أن يعزز التحالف مع إسرائيل ويساعد في تأمين عودة 101 محتجز ما زالوا في غزة.
مكاسب كبيرة
حققت إدارة ترامب الأولى مكاسب كبيرة لنتنياهو عندما خالفت معظم دول العالم واعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل وبالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان.
لكن بورجو أوزجيليك، الباحثة في معهد رويال يونايتد سيرفيسز في لندن قالت إنه من غير الواضح ما إذا كانت إدارة ترامب الجديدة ستقدم نفس الدعم في خضم حرب من الممكن أن تنجر لها الولايات المتحدة مباشرة.
وأضافت "الأمر الذي يتصدر قائمة معقدة من الأمور المجهولة هو مدى النفوذ الذي قد يتمتع به ترامب على نتنياهو".
وعلى الرغم من الخلافات بين نتنياهو وبايدن، قدمت الإدارة الأمريكية دعما غير محدود لإسرائيل منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 الذي أعقبته الحرب على قطاع غزة.
ورحب زعماء المستوطنين في إسرائيل بنتائج الانتخابات بعد أن فرضت إدارة بايدن عقوبات وجمدت أصول جماعات استيطانية ومستوطنين ضالعين في أعمال عنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.
وقال يسرائيل جانتس، رئيس مجلس يشع للمستوطنين، في بيان لرويترز "نتوقع أن يكون لدينا حليف يقف إلى جانبنا دون قيد أو شرط بينما نخوض حروبا مع الغرب بأكمله".
وأظهر استطلاع أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية أن ثلثي الإسرائيليين تقريبا يعتقدون أن ترامب سيكون أفضل لإسرائيل من منافسته كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي.
ليس له قيمة
في المقابل، أكد الأمين العام لحزب الله اللبناني نعيم قاسم اليوم، أن إسرائيل ستصرخ من الصواريخ والطائرات ولا يوجد مكان في الكيان ممنوع عليها والأيام آتية وما سيحصل سيكون أكثر، مشيرا إلى أن "حزب الله لا يبني على الانتخابات الأمريكية وهي بلا قيمة بالنسبة لنا".
وقال قاسم، في كلمة متلفزة بمناسبة ذكرى أربعينية حسن نصرالله: "نحن لا نبني على الانتخابات الأمريكية سواء نجحت كمالا هاريس أو نجح دونالد ترامب هذا ليس له قيمة بالنسبة لنا ".
وأضاف: "لدينا عشرات الآلاف من المقاتلين المدربين الذين يستطيعون المواجهة والثبات ولدينا الإمكانات اللازمة لفترة طويلة".
وتابع أن "الميدان وحده هو من يوقف العدوان عبر الحدود إضافة إلى الجبهة الداخلية الإسرائيلية"، مؤكدا أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يرفض تحديد موعد لنهاية الحرب وهو أمام مشروع يتخطى غزة وفلسطين ولبنان إلى الشرق الأوسط.
وأوضح أن خطوات هذا المشروع من خلال الحرب على لبنان يهدف إلى إنهاء وجود حزب الله، وإحتلال لبنان ولو عن بعد وجعله شبيه بالضفة، والعمل على خارطة الشرق الأوسط".
وشدد على أن "خيارنا الحصري هو منع الاحتلال من تحقيق أهداف عدوانه وليس في قاموسنا إلا استمرار المقاومة"، قائلا :"سنجعل الإسرائيلي يدرك تماما أنه في الميدان خاسر وليس رابحا وهذه الخسارة ستمنعه من تحقيق أهدافه".
وأكد أنهم سيجعلون "العدو هو الذي يسعى إلى المطالبة بوقف العدوان"، مضيفا :"نحن لن نبني توقع وقف العدوان على حراك سياسي ولن نستجدي لإيقاف العدوان".
من جهتها، أعربت الحكومة الإيرانية عن عدم مبالاتها بفوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وقالت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني إن"انتخاب رئيس الولايات المتحدة ليس له علاقة بنا. السياسات العامة لأمريكا وإيران سياسات ثابتة، بحسب وكالة أنباء تسنيم الإيرانية.
وأضافت "التدابير اللازمة تم التخطيط لها مسبقا. لن يكون هناك تغيير في معيشة الناس، ولا فرق كبير في من سيكون الرئيس في أمريكا"، بحسب وكالة أنباء تسنيم.
بينما نقلت وكالة الطلبة الإيرانية للأنباء عن نائب قائد الحرس الثوري الإيراني علي فدوي قوله إن طهران مستعدة للمواجهة مع إسرائيل ولا تستبعد توجيه ضربة استباقية من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل، بعد أن أعلن دونالد ترامب فوزه في الانتخابات الرئاسية.