عين ليبيا:
2024-12-23@19:55:23 GMT

«الحاءات» الليبية الثلاثة.. حوار وحكومة وحرب

تاريخ النشر: 4th, March 2024 GMT

(مؤشرات الأزمة السياسية الليبية تشير إلى صعوبة تنظيم إنتخابات بدون حكومة.. وتشكيل حكومة بدون حرب)

لا يتغير المشهد السياسي الليبي إلا بصِدام أو صدمة.. تاريخياً السلطة في ليبيا تُنتزع بالقوة الخشنة تحت مسميات مختلفة.. وإن كانت الوسيلة ناعمة في صورة حوار وتوافق وتقاسم أو ما شابه.. هذه هي المعطية التاريخية المستخلصة من تجربة ليبيا السياسية الحديثة.

»

محطات التغيير السياسي الرئيسية الحديثة في ليبيا تبقى شاهداً على هذا القول.. فأول حكومة استهلت مرحلة فبراير تشكلت بعد حرب 2011 الضروس.. وحكومة 2015 نتجت عقب حرب 2014 الغبية.. وآخرها حكومة الوحدة الوطنية التي كانت وليدة لحرب 2019 المفصلية.. إنها (خوارزمية) سياسية ليبية بامتياز.. (ثالوث) من حاءات متلازمة ومترابطة (حرب وحوار وحكومة).. حرب تقود إلى حكومة.. والحكومة تمهد لحرب.. تتخللهم حوارات صورية.

لا وجود أو معنى لمفردة التعددية في قاموس الذهنية الليبية.. الأحادية هي المحرك لبواطن الفكر والسلوك والفعل للنخبة السياسية.. هناك هامش ضيق لفكرة الحوار والقبول بالآخر والشراكة.. حالة متوحشة ومستديمة من الأنانية والتوحد وانعدام الثقة.. ولذا حينما يتعاطى الليبي السياسة ينبذ الحوار الفاعل.. وينجذب أوتوماتيكيا للعنف المادي أو اللفظي عندما يكون أمام حالة تنافسية أو متعددة الرؤى والاتجاهات.

هذا هو السبب الجوهري لتردي الوضع السياسي المأزوم في ليبيا.. الوصول للسلطة والقبض على زمامها يبرر كل وسيلة تُتخذ.. من يصل إلى كرسي السلطة يلتحم به.. ثم يختلق المبررات لذلك الالتحام.. حتى ينتهي الأمر لصِدام.. ولذا لا يشكل السلوك السياسي لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة (استثناء) من منطق السياسة الليبية.. فالطريق لتجديد الحكم من (طريق السكة) ثمنه حرب.

مشكلة النخبة السياسية الليبية في العموم تكمن في الافتقار للضوابط الوطنية.. وتضارب الرغبات الخاصة والمصالح الوطنية.. والإطار الأخلاقي الذي يضع ذلك السياسي نفسه خلاله.. والبُعد الأسوأ والكارثي و(الحصري) للنخبة السياسية المسيطرة هو التضحية بكل الأعراف السياسية والقيم المجتمعية والوطنية والدوس عليها وتقديمها قرابين للحلفاء والشركاء أو الأعداء.. و(كلهم سواء).. مقابل التشبث بالمكاسب ومنع أي تغيير سياسي أو حالة تداولية.. لا توجد حدود لضبط وإدارة التنافس السياسي.. فمع غياب أدبيات ومرجعيات سياسية رصينة.. يشترك الإسلاموي والعقائدي والقومي والثورجي والليبرالي.. والخالي من كل ما سبق.. في اتباع (التبرير) كمنهج أصيل للممارسة السياسية.. حتى يُخيل إليك أن النظرية (الميكافيلية) موطنها ليبيا.. ولذا تكونت لدى مجلس النواب والدولة عقيدة سياسية (تبريرية) منحرفة مفادها أن حل الغرفتين التشسريعيتين أو إنهائهما دستورياً أو شعبياً يعني نهاية الدولة وضياع الأمة الليبية وعودتها للمربع (الدكتاتوري) بزعمهم.. ولا يفرُق السلوك السياسي (اللعوب) للمجلس الرئاسي عن نظرائه من النخبة السياسية في البرلمان ومجلس الدولة باختلاق المبررات (المُنَمقة) للخلود في قاعدة أبوستة البحرية وتقمص دور قائد المصالحة الوطنية برغم أن القِوى (الخشنة) صاحبة القول الفصل في العاصمة (الوادعة) وتراب غرب ليبيا رفعت عنه الحرج السياسي والغطاء الوطني.

إن أشد الأخطار التي تهدد وجود وتماسك كيان الدولة الليبية المتصدع هي أولاً التدخلات الأجنبية المخزية (عسكرياً وسياسياً وإقتصادياً ومالياً وديموغرافياً) التي تصادر استقلالية وحرية القرار الوطني.. وثانياً انقسام المؤسسات الحكومية الأمنية والاقتصادية والسيادية وعودة نموذج العاصمتين (طرابلس وبنغازي) وما يتبعه من انقسام جغرافي تظهر معالمه صريحة عند الكيلومتر الخمسين غرب سرت وعند المنتصف ما بين القريات والشويرف.. حيث أعمال (التشوينات) العسكرية لمشروع انشطار الدولة انطلقت.

لذلك فالسلوك (التبريري) للنخبة السياسية المسيطرة يصيب في مقتل كل الجهود والآمال والتطلعات للقوى الوطنية في تنظيف البلد من (خازوق) التدخلات الأجنبية التدميرية في جسد الدولة الليبية.. ومحاولات توحيد مؤسسات الدولة كأساس لإنطلاق مشروع إعادة بناء الدولة.. فلا ضير أن تٌهدم الدولة لتبقى السلطة.. وأن تُرابض القوى العسكرية الأجنبية داخل حرمة الوطن للحماية من أبناء الوطن على الضفة الأخرى.. وأن يُقدم المواطن الليبي المُسن (المريمي) قرباناً للمخابرات الأميركية مقابل غض النظر عن انتهاء ولاية الحكومة.. وأن تغازل وزيرة الخارجية نظيرها من كيان قتلة الفلسطينيين لكسب مزيد من الوقت في السلطة.. وأن يتراشق البرلمان ومجلس الدولة بمقترحات القوانين الانتخابية والطعون وفوبيا (سيف الإسلام) والعسكر ومزدوجو الجنسية من أجل التلاعب بالوقت والتمسك بمزايا السلطة على حساب تفويت الاستحقاق الانتخابي.. وليذهب الوطن وبقايا شعبه للجحيم.. وأن.. وأن.. وأن.

هذا المنهج (التبريري) السلبي المتجذر لساسة ليبيا يمثل أكبر خطر على وحدة ليبيا وسيادتها واستقلالها واستقرارها واستمرار حالة الصراع المفتوح الأجل.. وهو الذي وأد آخر محاولات الحفاظ على ليبيا (الموحدة) وإجراء تغيير سياسي (سلمي) بتنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية ليلة (كريسمس) 2021.. سلوك نخبوي سياسي متناقض.. ظاهره رغبة في إجراء الانتخابات وباطنه عمل كل ما يعيق ذلك.. ضجيج يتعالى ويخبو حول شرعية لجنة 6+6 ومخرجاتها.. ورغبة رئيس مجلس النواب (عقيلة صالح) واصطدامها مع رغبات رئيس مجلس الدولة (محمد تكالة) حول مواصفات الرئيس الليبي المنتظر.

تعلم الأطراف السياسية الرئيسية ومن ورائها محلياً وإقليمياً ودولياً أن إجراء الإنتخابات الوطنية بدون (نسخة) حكومة جديدة يعد ضرباً من المستحيل.. قياساً على مبدأ تعارض المصالح.. و(القاضي هو الخصم).. وأن تكوين حكومة جديدة يستلزم (افتكاك) السلطة من حكومة (الدبيبة) بالقوة عملاً بالأسلوب السياسي (الليبي) لتداول السلطة.. وتعلم هذه الأطراف أيضاً أن طقوس البعثة الأممية وتراتيل المبعوث الأممي (باتيلي) سليل أعرق الديمقراطيات الأفريقية لفك طلاسم الانسداد السياسي عبر الحوار لم تعد مفهوهه ومسموعة.. حيث أصوات التكبير في (الوطية) وقرب قاعدة (القرضابية) والجفرة تعلو.

الحرب تصنع السلام في كثير المواضع واللحظات التاريخية للصراع الإنساني الأزلي.. أما في الحالة الليبية فالحرب سبيل لتمويل العملية السياسية وإحداث تغيير سياسي.. ومداها وضراوتها ستكون على قدر الحكومة القادمة.. إما حرب مباغتة وخاطفة وحكومة تكنوقراط مصغرة.. أو حرب ضروس تعيد رسم خارطة ليبيا.. حبيسة (ثلاثية) الحوار والحكومة والحرب.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

إقرأ أيضاً:

حول المقارنة بين الثورة السورية والثورة الليبية

استمعت إلى مقارنة عقدها أحد المهتمين بالشأن العربي والإسلامي بين الثورة السورة والثورة السورية والتي كان ملخصها أن الثورة السورية نضجت فيما كان التطور السريع في مسار الثورة الليبية سببا في عدم نضوجها، وقد يفهم من هذه المقارنة المتعجلة أن فرص نجاح الثورة السورية أكبر في مقابل إخفاقات ماتزال تواجهها الثورة الليبية.

الحكم بنضج الثورة السورية لأنها استمرت نحو 13 عاما يحتاج إلى وقفة، والبداية بالسؤال عن مفهوم النضج، وهل بالفعل توفر في الحالة السورية، إذ لا يكفي أن نعتبر الزمن وحده عاملا لتقعيد أساسات الانتقال من الثورة إلى الدولة، ومفهوم وشكل الدولة، وفق ما هو قائم ومعلوم، مفروض على أي مسعى للتغير.

بالمثل قد يكون من قبيل التسرع الحكم بأن تجربة المعارضة في إدارة المناطق التي كانت تخضع لها قبل سقوط نظام بشار أساس متين وناجع لإدارة الدولة السورية بعد الثامن من ديسمبر، فالفروقات كبيرة والظروف مختلفة على كافة الصعد المحلية والدولية.

السيطرة على دمشق والتحكم في مفاصل الدولة نقل المعارضة من الظل والزوايا المحدودة التي لا تشكل أهتماما كبيرا لكثيرين، إقليميا ودوليا، إلى دائرة الضوء وإلى التدافع والضغوط والاحتواء، وهذا أمر ليس باليسير، ويتطلب حالة فردية وجماعية قوية لمجابهته، واللقاء الذي جمع ساسة أمريكيون مع الشرع يوم أمس هو مثال للظروف المختلفة، والضغوط الكبيرة التي ستواجهها المعارضة والتي قد تكون على حساب رؤيتها ومشروعها ومواقفها.

الانتقال الصحيح والتحول الراشد من الثورة إلى الدولة له اشتراطاته ومتطلباته ومقوماته، في مقدمتها وضع المجموع القائم على الثورة ومدى استعداده لإدارة عملية الانتقال بكفاءة، وهنا يبرز عامل الاتفاق على المشروع ومضامينه التي في حال غيابه تصبح الحالة الثورية مرشحة للاستمرار وقابلة للتشظي، والأهم أنها ستكون عرضة للتدخل وربما مساعي التوظيف من قبل المتربصين. أؤكد أن نقاشي هدفه التنبيه إلى حالة التفاؤل التي أرى أنها مفرطة في تقييم الثورة السورية وأنها قد تكون مختلفة عما واجهه غيرها من الثورات خاصة الحالة الليبية، والتنبيه إلى أن التحديات كبيرة وكبيرة جدا، وأن ما هو متاح ومرئ يجعل حالة التفاؤل غير واقعية وقد تكون من بين أسباب الفشل.

الانتقال الصحيح والتحول الراشد من الثورة إلى الدولة له اشتراطاته ومتطلباته ومقوماته، في مقدمتها وضع المجموع القائم على الثورة ومدى استعداده لإدارة عملية الانتقال بكفاءة، وهنا يبرز عامل الاتفاق على المشروع ومضامينه التي في حال غيابه تصبح الحالة الثورية مرشحة للاستمرار وقابلة للتشظي، والأهم أنها ستكون عرضة للتدخل وربما مساعي التوظيف من قبل المتربصين.

قد يكون من المبكر تقييم المجموع القائم على إدارة عملية الانتقال، وبرغم التقدير لمواقف وتصريحات الشخصية الأبرز في هذا المجموع وهو الشرع، إلا إن ملامح المشروع الذي ستدار على أساسه عملية الانتقال والتحول في سوريا ما تزال غير واضحة، وهناك بعض المؤشرات على أنه لن يكون مشروعا يضم الجميع، أو أهم القوى السياسية والفكرية والمجتمعية، وهذا تحدي قد يصعب تجاوزه.

التعدد العرقي والديني والسياسي وحتى الجهوي في سوريا حاضر وتم اللعب عليه خلال العقود الماضية بشكل خلف أثار كبيرة وخطيرة في المجتمع السوري، والانتقال من الحالة السلبية إلى التعايش الحقيقي يتطلب عملا جبارا ورؤية واستراتيجية، وشرط ذلك أن تعبر سوريا عنق الزجاجة على المسار السياسي وعلى مستوى تحديد شكل الدولة وطبيعة نظام الحكم والعدالة الانتقالية وغيرها من أسياسات الانتقال الراشد، وفي حال تعثر المسار السياسي فستعمل الاختلافات العرقية والدينية والعرقية والجهوية في اتجاه مضاد، ويتيسر توظيفها من قبل المتربضين.

ملف العسف والقهر والعنف الذي استخدمه النظام السابق يمثل تحدي كبير لسوريا الجديدة، وبرغم وجود مؤشرات على ضبط النفس واحتواء ردود الفعل التي كان من المتوقع أن تكون حادة، إلا إن هذا الملف قد يشكل بؤرة توتير كبيرة في ثنايا السير والانتقال، وأقصد هنا عودة بقايا النظام السابق للواجهة من جديد إما لدوافع نبيلة من المتصدرين للثورة، أو خوفا من تهميش هذه الفئة التي تنتسب إلى قطاع واسع من المجتمع السوري، أو تحت ضغوط المجتمع الخارجي الذي له فلسفته أو حتى أغراضه التي لا تتوائم مع المشروع الذي قد تتبناه قوى الثورة السورية، وبالتالي فإن عودة هؤلاء إلى الواجهة ستكون سببا لخلاف حاد بين مكونات الثورة.

البوصلة عندي في تقييم الثورة السورية بعد سقوط النظام هو في مدى تماسك مجموعها واتفاقه، فهذا هو الضمانة الحقيقة لتطورها والسد المنيع أمام التحديات الداخلية والخارجية، أما إذا ظهرت بوادر الخلاف بين مكوناتها الرئيسية، فإن العوامل السابقة الذكر ستعمل بشكل سريع إلى نقل الخلاف إلى نزاع ثم صراع. الجيوبولتيك السوري ربما يمثل أكبر تحدي لسوريا الثورة ولمشروع الانتقال إلى الدولة المستقرة والقوية التي تتماهي مع النفس العربي والإسلامي والقضايا الكبرى للأمة العربية والإسلامية، ولنتذكر أن سوريا تشاطر الكيان الصهيوني الحدود، هذا الكيان الذي يمر بلحظة تاريخية وفق مشروعه، وواجه تحدي لم يعرفه منذ عقود، ولديه من الكيد والخبث والأدوات ما يمكنه من إفساد المشروع الثوري السوري من خلال اللعب على بذور الاختلاف والتناقض، ويقف خلف الكيان الصهيوني دول كبرى.

مفهوم الانتقال من الثورة إلى الدولة في سوريا بالنسبه للكيان وحلفائه من الغرب والعرب أن يتخلى السوريون، وفي مقدمتهم قادة الثورة، عن النفس الثوري والايديولوجي، والقيم العليا والمبادئ الرئيسية، ويكونون براغماتيون شأنهم منحصر في التنمية والاعمار والعيش المادي الرغيد والذي يستلزم التطبيع مع دولة إسرائيل وتحول السلطة الجديدة إلى ذراع إضافي لتأمينها.

البوصلة عندي في تقييم الثورة السورية بعد سقوط النظام هو في مدى تماسك مجموعها واتفاقه، فهذا هو الضمانة الحقيقة لتطورها والسد المنيع أمام التحديات الداخلية والخارجية، أما إذا ظهرت بوادر الخلاف بين مكوناتها الرئيسية، فإن العوامل السابقة الذكر ستعمل بشكل سريع إلى نقل الخلاف إلى نزاع ثم صراع. 

مقالات مشابهة

  • حكومة الدبيبة: المستشار العسكري التركي في ليبيا بحث مع الزوبي تبادل الخبرات
  • بالعون: العمل مع الأمم المتحدة ضرورة لحلحلة الأزمة السياسية الليبية
  • مجلسا النواب والدولة في ليبيا يستغربان تدخل الخارجية الليبية في لقائهم في المغرب
  • “اللافي” يبحث مع سفير جمهورية ألمانيا مستجدات العملية السياسية في ليبيا
  • شياب ليبيا يناقشون سبل النهوض بالعملية السياسية والتصدّي لخطاب الكراهية
  • حكومة الدبيبة ترفض حوار المغرب.. وتستغرب عدم التنسيق معها
  • دعوات لحضور جلسة محاكمة معتقلي دعم المقاومة في الأردن
  • السودان وحرب الأمر الواقع
  • حول المقارنة بين الثورة السورية والثورة الليبية
  • حمّاد: إنشاء سلطة تنفيذية جديدة خطوة إيجابية نحو إنهاء الانقسام السياسي في ليبيا