اختتم معرض مسقط للكتاب 2024 بعد أيام جميلة ستترك أثرها في الذاكرة لأمد طويل، خاصة أن مناسبات الكِتاب لا تنتهي بعد انقضاء مدة الحدث، بل تفتح آفاقًا رحبة تحاول الإجابة عن أسئلة الإنسان وحيرته، بمعنى أن الأثر الحقيقي لمعرض الكتاب يبدأ من لحظة ختامه، حين يعيد القارئ النظر في قائمة مشترياته ويتفرغ لفعل القراءة، كما يبقى التواصل مستمرًا بين الكُتاب والناشرين والمؤسسات لتوقيع اتفاقات لإصدارات جديدة، ويبدأ التحضير لمراحل الطبع والنشر في معارض الكتب القادمة.
كما وجبت الإشادة بتخصيص حيز للقضية الفلسطينية والأدب الفلسطيني في برنامج الفعاليات الثقافية، وكذلك فتح النقاش حول الذكاء الاصطناعي والعمليات المرتبطة به، فنجاح أي حدث يعود في المقام الأول إلى العنصر البشري في التخطيط المسبق والتحضير للحدث والتنفيذ أيضا، كاختيار الضيوف والتواصل معهم وتوجيه الدعوات لهم ومتابعة العمليات اللوجستية مع حجز التذاكر والإقامة والتأشيرات، ثم استقبال المشاركين وتهيئة كافة الأجواء لاستمتاعهم بزيارة سلطنة عمان والتعرف على معالمها الثقافية، واللقاء بمثقفيها، أو زيارة مؤسساتها الثقافية، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بتضافر جهود الجميع من المسؤولين وإلى المؤسسات المعنية، وبتفاني أعضاء اللجان لتحقيق الأهداف المرجوة لأهم حدث سنوي ثقافي في عُمان. كما وجبت الإشادة بجهود كافة العاملين في وسائل الإعلام المحلية المرئية والمسموعة والمقروءة، على جهودها في الرصد والمتابعة لكافة الفعاليات والبرامج واستضافة المشاركين الذين ما انفكوا يثنون على الإعلامي العُماني وثقافته العميقة.
ومن باب الحرص على الحفاظ على استمرارية نجاح معرض الكتاب، فإننا نطرح عدة أفكار نأمل رؤيتها مُجسدة على أرض الواقع، خاصة أن المعرض سيقام خلال الفترة من 23 أبريل إلى 2 مايو 2025، وإلى ذلك التوقيت لا بد من وضع برامج مختلفة ونوعية تترك أثرها لدى الزائر بعد انتهاء الحدث، مثل الدورات التدريبية الخاصة بالكتابة الإبداعية: كالكتابة السردية، وكتابة السيناريو، والكتابة المسرحية، وكتابة المقال. ومن متابعتنا لتجارب الورش الأدبية فإننا نعول عليها لرفد الساحة الثقافية بأقلام شابة ووعي تام بفعل الكتابة والتعبير، وقادرة على صناعة محتوى إبداعي مميز.
ونقترح كذلك أن يتم توجيه دعوات للمشاركة في المعرض لأقسام اللغة العربية بالجامعات الأجنبية وخاصة الجامعات الأسيوية كالهند وإيران والصين، للتعرف على الإنتاج الثقافي العُماني وخلق قنوات تواصل ثقافية مع تلك المؤسسات العلمية ومثيلاتها في سلطنة عمان.
إن اللافت للنظر في الفعاليات المصاحبة لمعرض الكتاب هو كثرة الفعاليات التي لا علاقة مباشرة لها بالكتاب ولا بالعمليات المرتبطة به مثل الطباعة والنشر والتوزيع، فضلًا عن أن تزامن الفعاليات الثقافية مع بعضها البعض في التوقيت نفسه شتت الجمهور بين حضور فعالية والغياب عن أخرى.
أما مركز عُمان للمعارض والمؤتمرات -علاوة على إشادة الجميع بالمركز ومرافقه- فإنه بحاجة إلى توفير بعض الخدمات، مثل مركز للاستقبال والمعلومات، وتوفير شاشات إلكترونية للإعلان عن الفعاليات المصاحبة للمعرض، والحرص على سهولة الوصول إلى قاعات المعرض، حيث أثر إغلاق بعض البوابات الخارجية على حركة الزوار ولاقى تذمرًا ملحوظًا.
بقيت كلمة أخيرة لا بد من توجيهها إلى زوار معرض الكتاب من المواطنين والمقيمين، وهي أن حضورهم قد أسهم في إنجاح المعرض، وهذا ما أشاد به الضيوف الذين لفت انتباههم حرص الزوار على الحضور مع عائلاتهم، حتى أصبح معرض مسقط الدولي للكتاب مكانًا تلتقي فيه الأسر العمانية بمختلف فئاتها العمرية، وتجد فيه بغيتها وبهجتها.
محمد الشحري كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: معرض الکتاب
إقرأ أيضاً:
معرض جدة للكتاب يسلط الضوء على علاقة الفن بالفلسفة والقراءة المتخصصة والكتابة الروائية
جدة – صالح الخزمري
شهد معرض جدة للكتاب على مدى أيامه السابقة، مع اقتراب ختام فعالياته لهذا العام، إقبالاً كبيراً من الزوار وضيوف البرنامج الثقافي، الذين تفاعلوا مع فعاليات ثرية، شملت ندوات وورش عمل وأمسيات شعرية وحديث كتاب.
هذا التفاعل أسهم في إبراز المعرض بوصفه منصة ثقافية، تجمع بين الأدب والفن والفكر، وسط حضور مميز لأسماء بارزة من داخل المملكة وخارجها.
ووسط أجواء ثرية بالإبداع والتفكير النقدي، سلَّط معرض جدة للكتاب 2024 الضوء على العلاقة المتشابكة بين الفن والفلسفة من خلال ورشة عمل مميزة قدَّمها الدكتور بدر الدين مصطفى.
الورشة التي كانت جزءاً من البرنامج الثقافي للمعرض جمعت تحت سقفها نخبة من الفنانين التشكيليين المهتمين بالمجال الأدبي والفلسفي، وصُنَّاع الأفلام، في نقاش فكري ممتع وملهم.
وفي حديثه أشار الدكتور مصطفى إلى أن الفلسفة تُعنى بفهم العالم عبر التفكير النقدي والتحليل العقلي المجرد. وأوضح أن القوانين التي تحكم المجتمع هي ذاتها التي تُشكِّل لغته وإدراكاته ومفاهيمه وقيمه وفنونه، وقال: “على ضوء هذه القوانين برزت ثقافتنا مثالاً على وجود نظام متكامل، وجميع معارفنا وفنوننا تدين لهذا النظام”.
وأضفى مصطفى بُعداً عملياً على الورشة من خلال عرض مجموعة متنوعة من الأعمال الفنية، بما في ذلك الرسومات والصور والأفلام، وناقش كيفية تناول الفلسفة لهذه الأعمال لخلق مفاهيم متعددة، وعلَّق: “الفن دائمًا مجال للتأويل؛ إذ تتعدد وجهات النظر حوله. لا يمكننا محاكمة الفن فلسفياً، ولكن من المشروع قراءة الفن من زاوية فلسفية”.
* فيما استعرضت ورشة عمل “القراءة المتخصصة” الأسس التي تجعل من القراءة المتخصصة أداة فعالة لتطوير الفكر والمعرفة.
وركزت الورشة على أربعة عوامل رئيسية، هي: التأسيس، والتركيز، والتراكم، والتكامل، التي تقود القارئ إلى خلاصة التجربة الفكرية.
وأوضح المتحدث في الورشة عبدالرحمن الطارقي أن القراءة ليست مجرد نشاط اعتيادي، بل هي فعل وجودي، يعكس حالة من الانبعاث الفكري.
وأشار إلى دور القراءة الدقيقة في فك رموز النصوص، والوصول إلى أعماقها، مستشهدًا بمقولات الجاحظ التي تؤكد أن القراءة تجربة تفاعلية مع النصوص.
وأضاف الطارقي بأن فهم النصوص يتطلب توظيف المعارف السابقة؛ إذ تصبح القراءة مهارة لغوية، تسهم في بناء بيئة معرفية متكاملة. كما أشار إلى أن الكتابة منذ نشأتها، كانت وسيلة للتطور الفكري، موضحًا أن الكتب الجيدة لا تكتفي بإشباع فضول القارئ، بل تفتح أمامه أبواب تساؤلات جديدة، تعزز البحث المستمر.
وأكَّد أن القراءة المتخصصة تُعد بوابة لفهم أعمق للعالم والعلوم المختلفة؛ إذ تجمع بين تحليل المعرفة المكتسبة وإضافة أبعاد جديدة من خلال التساؤل والبحث، ولفت إلى أن هذه العملية تُفضي إلى تكامل فكري يدفع القارئ إلى استكشاف المزيد.
* وكشفت ندوة (من الهواية إلى الاحتراف: الكتابة الروائية) عن تجارب ملهمة لثلاثة كُتَّاب: رزان العيسى، وغدير هوساوي، وناصر السنان، الذين شاركوا قصصهم عن مواجهة التحديات وتحقيق النجاح بدعم الحاضنات الأدبية.
وقد أجمع المشاركون على أهمية الورش الإبداعية والإرشاد الشخصي في صقل مواهبهم وتوجيههم نحو الاحتراف.
وأوضحت رزان العيسى أن البدايات كانت متعثرة، لكنها تمكنت من تجاوز الصعوبات بفضل الدعم المستمر والرغبة في التطوير، مؤكدة أن الإصرار كان المفتاح للوصول إلى مراحل متقدمة في الكتابة.
أما غدير هوساوي فقد أشارت إلى أن شغفها بالكتابة بدأ منذ الطفولة؛ إذ كانت حصص التعبير المدرسي نافذة لاكتشاف موهبتها، مؤكدة أن القراءة وتوسيع آفاق البحث كان لهما دور كبير في تطوير قدراتها الأدبية.
من جانبه، تحدث ناصر السنان عن التحدي الذي واجهه في تحقيق التوازن بين حياته المهنية كونه مهندساً وحياته الأسرية وشغفه بالكتابة، مشيرًا إلى أنه كان يضطر للاستيقاظ مبكراً لكتابة رواياته.
وأكَّد السنان أن الحاضنة الأدبية لعبت دوراً كبيراً في تطوير شخصيات رواياته وأفكارها، بفضل الإرشاد المستمر والمراجعات التفصيلية.
وأجمعت هوساوي والسنان على أن الدعم الذي قدمته الحاضنات الأدبية كان حاسماً في تخطي التحديات وتحقيق التقدم؛ إذ عمل المرشدون معهم خطوة بخطوة لتطوير أفكارهم وتخطيط رواياتهم بشكل احترافي.