السويد ستنضم إلى الناتو لكنها غير مستعدة نهائيا لحرب
تاريخ النشر: 4th, March 2024 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
جاء التدخل الروسي في أوكرانيا في فبراير 2022 صحوة عنيفة للسويد. إذ أدرك الشعب بغتة في جميع أنحاء البلد أن نقاط ضعف الأمن القومي قائمة في كل مكان. فعلى سبيل المثال، تقوم شركة «إم تي آر» بتشغيل شبكة السكك الحديدية للنقل العام بالكامل في ستوكهولم، وهي شركة مقرها هونج كونج وترتبط بعلاقات مع الحزب الشيوعي الصيني.
ففي حال تعرض ستوكهولم لهجوم قوات أجنبية، فمن الممكن أن يطلع الأعداء على أغلب التفاصيل المتعلقة بالبنية الأساسية الحيوية والأنفاق التي تمر أسفل وسط المدينة، حيث يوجد مقر البرلمان السويدي، ومقر رئيس الوزراء، ووزارة الخارجية، والقلعة الملكية.
يقول باتريك أوكسانين، خبير الأمن القومي: إن «علينا أن نفترض أن كل ما تعرفه شركة «إم تي آر» عن الأنفاق والبنية الأساسية في ستوكهولم معروف أيضا لبكين».
من المقرر أن تنضم السويد إلى حلف شمال الأطلسي هذا العام، بعد أن صوَّت أخيرا برلمان المجر يوم الاثنين بالموافقة التي طال انتظارها على ذلك. وكانت تركيا قد سحبت اعتراضاتها في يناير. وهذا تحول تاريخي: فبعد أكثر من قرنين من السلام، سوف يتعين على السويد المحايدة أن تتكيف بسرعة مع عالم جديد عدائي.
ولكن هذا يأتي مشفوعا بتحذير صريح: جاء التحذير عن طريق وزير الدفاع المدني كارل أوسكار بوهلين إذ قال: «إن السويد قد تشهد حربا». ولو أن هذا لم يكن مثيرا للقلق بما فيه الكفاية، فقد أعقبه وزير الدفاع السويدي، ميكائيل بايدن، بقوله: إن الشعب السويدي بحاجة إلى «التهيؤ ذهنيا» لاحتمال الحرب. وقد تعرض كلا الرجلين للانتقاد بسبب إثارتهما حالة ذعر: فلجأ العديد من الأطفال السويديين إلى تطبيق تيك توك يعرضون من خلاله مخاوفهم. وقد يقال: إن التحذيرين صيغا على نحو أخرق، لكنهما كانا يرميان إلى إيقاظ البلد من سبات طويل قوامه السذاجة الجيوسياسية.
وحسبما أوضح عدد متزايد من خبراء الأمن القومي في السويد، فإن الوضع الحالي للبنية الأساسية السويدية وحجم الملكية الأجنبية فيها يجعل السويد عرضة للخطر بشكل فريد. ومن المؤكد أن في هذا استهزاء بتراث «الدفاع الشامل» السويدي، حيث من المفترض بموجبه أن يكون كل شيء، من سلاسل توريد الحبوب إلى إدارات مكافحة الحرائق، شريكا في حماية البلد وشعبه في حالة وقوع كارثة أو غزو. وفي كثير جدا من الأحيان، نجد أن الشركات الخاصة التي استحوذت على البنية الأساسية العامة سابقا تعلي أولوية الأرباح على السلامة، وأن العديد من المناطق الساحلية الأكثر ضعفا في السويد تفتقر إلى الأصول الأساسية للدفاع المدني، من قبيل الملاجئ.
تشير تقارير صادرة حديثا عن وكالة أبحاث الدفاع السويدية (FOI)، وتحليلات مستقلة أجرتها النقابات العمالية ومجموعات الأعمال، إلى أمثلة لا حصر لها من تضاربات المصالح بين الأمن القومي بعيد المدى والمصالح قصيرة المدى للشركات والإدارات البلدية الحريصة على جلب فرص عمل جديدة في المدن ما بعد الصناعية. وفي أغلب الأحيان، كان حل هذه التضاربات يأتي من خلال تجاهل المخاوف الأمنية الوطنية.
وليست المشكلة بالضرورة هي الخصخصة في حد ذاتها، وإنما هي الطريقة الطائشة التي نُفِّذت بها، فغالبا ما تم ذلك دون بذل العناية الواجبة أو التحقق من الخلفية. إذ كثيرا ما عمد المسؤولون ببساطة إلى إبرام صفقات مع مقاولي القطاع الخاص الذين قدموا أرخص العروض. ولقد كان التفاؤل بالعولمة في تسعينيات القرن الماضي، عندما ساد التوقع بأن تنفتح روسيا والصين تدريجيا وتتحالفا في نهاية المطاف مع الديمقراطيات الليبرالية الغربية، بما يمهد الطريق للسلام إلى الأبد، متجذرا بقوة في السياسة السويدية لدرجة أن المسؤولين المحليين حتى وقت قريب جدا كانوا يعرضون صفقات البنية الأساسية شديدة الحساسية على مستثمرين لهم علاقات مع حكومات منافسة. ففي مدينة تيمرا، استقالت المسؤولة الأمنية في الإدارة المحلية جوهانا هيلجرين أخيرا بسبب قرار المدينة السماح بإنشاء مصنع بطاريات صيني بجوار مطار ميدلاندا مباشرة، وهو مطار يعد أصلا بالغ الأهمية من أصول الأمن القومي.
ولعل ربع توربينات الرياح الجديدة المقامة في السويد منذ عام 2017 قد أنشئت على أيدي شركات صينية، مما قد يعرض للخطر إمدادات الطاقة السويدية في حال ازدياد التوترات بين الاتحاد الأوروبي والصين.
يقول أوكسانين: إن «السويد لا تزال متخلفة بنحو عشر سنوات فيما يتعلق بإدراك أن للصين طموحات عالمية».
كما أن عقودا من التقشف وإلغاء القيود التنظيمية قد أدت إلى معاناة السويد نقصا حادا في الاستعداد والبنية الأساسية المدنية. وقد بلغ الخوف في إدارة بلدية ليكسيل في المناطق الريفية بشمال السويد من الوصول إلى الإمدادات الغذائية حد أنها اشترت عشر أبقار تحسبا لتعرض سلاسل التوريد للخطر بسبب حرب أو أزمة وطنية.
هناك أيضا نقص في الملاجئ الدفاعية التي يمكن الاعتماد عليها. فقد تم بناء مرافق جديدة ضخمة، من قبيل أعلى المستشفيات تكلفة في تاريخ السويد، وهو مستشفى نيا كارولينسكا، في شمال ستوكهولم، دون أن يقام فيها مأوى واحد. والوكالة الحكومية المكلفة بتفتيش الشبكة الوطنية المكونة من أربعة وستين ألف ملجأ ـ بمساحة لاستيعاب سبعة ملايين شخص ـ لديها حاليا موظفان فقط يفترض بهما أن يزورا جميع المواقع البالغ عددها أربعة وستين ألفا. وردا على سؤال من التلفزيون الوطني السويدي عما لو أن الوكالة قد تضطر إلى الحصول على تمويل إضافي، أجاب وزير الدفاع المدني مهونا من الأمر بقوله «لا يمكننا أن نستبعد ذلك».
ويتبادل المحافظون والديمقراطيون الاشتراكيون الذين تناوبوا الحكم على مدى العقود الأربعة الماضية إلقاء اللوم على بعضهم بعضا. لكن في الواقع، كان هناك إجماع بين الحزبين في أغلب الحالات على بيع الأصول العامة، والتلهف على دعوة الشركات الصينية للاستثمار في المصانع والبنية الأساسية الحيوية.
والحكومة الحالية، وهي ائتلاف يميني، تقوم بتغيير الأولويات بعد طول تأخير، من خلال أدوات جديدة للتحقيق في الاستثمار الأجنبي. وسوف تفقد شركة إم تي آر بعض عقودها في مارس.
لكن زيادة تمويل الدفاع المدني والجيش غالبا ما يتم تقويضها بسبب اللوائح البالية، أو الأنظمة اللامركزية التي تضم العديد من الجهات الفاعلة الخاصة والمجتمعات المحلية. فشبكة السكك الحديدية الوطنية، على سبيل المثال، تقوم بتشغيلها ستون شركة مختلفة.
وليس مسموحا لـ وكالة أبحاث الدفاع السويدية FOI باختبار الطائرات الدفاعية المسيرة التي اشتريت أخيرا في الهواء الطلق، ولكن عليها بدلا من ذلك استئجار ملعب رياضي خاص لإجراء عمليات تجريبية.
كما أعاق مسؤولون محليون إنشاء مركز حكومي ضخم جديد للأمن السيبراني وذلك لتخوفهم من أن يتطلب السياج المحيط بالمبنى قطع خمس أشجار. وفي قاعدة عسكرية في لينشوبينج، ليس مسموحا للمروحيات بالتدريب بعد الثالثة ظهرا في أيام الجمعة، لأن السكان المحليين يشكون من أن سماع أصواتها بعد الظهر لا يكون ممتعا وهم في انتظار إجازة هادئة.
ثمة تعبير سويدي يعبر عن هذا الموقف معناه «الإضرار بالسلام» بمعنى أن قرنين من السلام في السويد قد جعلا المواطنين غير مستعدين لواقع أكثر قسوة. لقد اعتبر السويديون سلامتهم لفترة طويلة أمرا مفروغا منه، وذلك في حين كان المسؤولون الحكوميون يبيعون في طيش الأصول العامة والبنية الأساسية الحيوية لقوى أجنبية.
قد يكون من الأعراض الأخرى ضعف السويد بشكل خاص في مواجهة الدعاية الخارجية والمعلومات المضللة والحروب الهجينية. ومع اقتراب موعد انتخابات الاتحاد الأوروبي في يونيو، انكشفت بعض من نقاط الضعف هذه، في ظل وجود جماعات متطرفة سويدية معروفة بنشر دعاية الكرملين. وقد قالت وكالة الدفاع النفسي التابعة للحكومة السويدية العام الماضي: إن المنابر الإعلامية الخاضعة لسيطرة الكرملين كانت تنشر مقالات باللغة العربية تزعم أن السلطات السويدية تدعم حرق القرآن. وبعض هذه الروايات يعاد تدويرها في النهاية في المنتديات السويدية اليمينية المتطرفة على الإنترنت.
كما نجحت الصين في إغراء «وسائل الإعلام البديلة» لعرض روايات بكين على السويديين السذج.
ويأتي هذا في ظل تخفيضات جذرية في موازنات الإذاعة العامة السويدية، مع تسريح أكثر من مائة وثمانين موظفا، منهم خبراء في أزمة المناخ وفي شؤون الصين. وتقوم الإذاعة بإلغاء البث باللغة الروسية ونحو ست لغات أخرى.
كما قامت الحكومة بقطع التمويل عن الصحافة الحرة ومنظمات المجتمع المدني ومعاهد البحوث المستقلة، بما قد يزيد من تقويض قدرة المواطنين على الاطلاع على التهديدات المحتملة. ولنا نزر من العزاء في أنه على الرغم من سوء الأمور، فإن العديد من السويديين ليس لديهم ما يخشونه، لأنهم لن يعرفوا أصلا أنهم ينبغي أن يشعروا بالقلق.
مارتن جيلين صحفي سويدي يقيم في باريس ونيويورك
عن الجارديان البريطانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: والبنیة الأساسیة الأمن القومی فی السوید العدید من
إقرأ أيضاً:
"الدفاع المدني" يستضيف المؤتمر الـ25 لاتحاد رياضة الإطفاء والإنقاذ الاثنين
تستضيف المديرية العامة للدفاع المدني المؤتمر الـ 25 للاتحاد الدولي لرياضة الإطفاء والإنقاذ، في مدينة الرياض خلال الفترة من 18 حتى 20 نوفمبر 2024م.
ويهدف المؤتمر إلى مناقشة واعتماد قرارات الاتحاد، ومراجعة وتحديث لوائح البطولة، ومناقشة خطط الاتحاد المستقبلية، واستعراض ما تم في البطولة السابقة، وتبادل الخبرات بين الدول الأعضاء.
أخبار متعلقة وزير الخارجية يصل الهندانطلاق منافسات بطولة وزارة الداخلية الـ14 لكرة القدم بالرياض