لليوم السادس على التوالي تتعالى الهتافات في شمال غرب سوريا ضد "هيئة تحرير الشام" وقائدها أبو محمد الجولاني، في حالة ليست "نادرة"، لكنها أوسع وأشد زخما، قياسا بغيرها من الاحتجاجات، ويرى مراقبون وناشطون أنها تختلف أيضا بزاوية التوقيت والسياق العام.

وكان المحتجون خرجوا لأول مرة إلى الشوارع في يوم 27 من فبراير، وبدأوا بالتدريج يوسعون رقعة المظاهرات، حتى وصلت خلال الأيام الماضية إلى وسط مدينة إدلب، المكتظة بالسكان.

يرددون شعارات تطالب بـ"إسقاط الجولاني" وتبييض السجون التي تتبع لفصيله وكسر الاحتكار المفروض من جانبه على المشهد الاقتصادي والسياسي والأمني، كما يحملون لافتات تطالب بالكشف عن المفقودين.

ويوضح منسقو الحراك لموقع "الحرة" أن مسارهم الاحتجاجي "لن يتوقف" حتى يحققوا مطالبهم المعلنة.

ورغم أنهم لا يفضلون نزولهم إلى الشوارع في الوقت الحالي بما شهدته "تحرير الشام" داخليا خلال الفترة الأخيرة أو بمعنى "اغتنام الفرصة"، يشيرون من جانب آخر إلى "حالة شعبية تقوم على المطالبة بالحقوق، وإعادة التذكير بها من جديد".

ومنذ سنوات تسيطر "هيئة تحرير الشام" على مناطق واسعة في شمال غرب سوريا، وتتوزع بين محافظة إدلب ومناطق في ريف محافظتي اللاذقية وحلب. 

وجاء ذلك بعدما عَمل قائدها "الجولاني" على تصفية كافة منافسيه في الساحة، من فصائل عسكرية صغيرة وكبيرة (جهادية ومعتدلة)، حتى استأثر بالقيادة الإدارية والخدمية والعسكرية لإدلب.

"نقطة تحوّل"

لكن سلسلة تطورات مفاجئة وقعت خلال الأشهر الماضية جعلت حالة الاستئثار بالمنطقة من جانب الجولاني مهددة.

وكانت الشرارة الأولى التي فتحت باب التهديد إقدامه على اعتقال قادة من الصف الأول في "تحرير الشام"، بتهم تخص "العمالة للخارج والتواصل مع جهات خارجية".

وعلى رأس المعتقلين القيادي البارز "أبو ماريا القحطاني"، وقادة آخرون من الجناح العسكري لـ"تحرير الشام"، فيما تمكن عيسى الشيخ (أبو زكور) من النجاة بعدما فر إلى مناطق ريف حلب الشمالي الخاضعة لسيطرة فصائل "الجيش الوطني".

ولم يدم الاعتقال طويلا بسبب ضغوط تعرض لها قائد "تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقا)، مما دفعه مع جهازه الأمني للإفراج عنهم بالتدريج وتقديم اعتذارات من جانبه ظهرت في عدة تسجيلات مصورة، في مشهد أعطى مؤشرا عن حالة من ضعف. 

وبينما كانت أوساط بعض القادة المفرج عنهم تطلق النيران احتفالا بخروجهم تأكدت عائلة أحد المقاتلين من فصيل "جيش الأحرار" (لا يتبع لفصيل الجولاني) من مقتله تحت التعذيب في سجون "الهيئة".

المقاتل يدعى عبد القادر الحكيم ويعرف بـ"أبو عبيدة تل حديا"، وكانت "تحرير الشام" اعتقلته قبل نحو عشرة أشهر بتهمة "العمالة"، وبعدما قتلته تحت التعذيب دفنته في مقبرة بمنطقة الشيخ بحر بريف حلب.

وعادت عائلته لتنقل جثمانه إلى بلدته تفتناز الواقعة شرقي إدلب بعد بلوغها الخبر، وسط أجواء غضب واسعة، ولتبدأ هنا القصة.

"الحالة تراكمية"

ورغم أن الكشف عن مقتل المقاتل في سجون الفصيل المسلح تحت التعذيب فتح باب الاحتجاجات المناهضة للجولاني وفي مدينة سرمدا أولا، يوضح منسقو الحراك ومن بينهم عبد الرحمن طالب أن ما يحصل منذ ستة أيام هو "نتاج احتقان".

الناشط طالب يتحدث عن عن 3 مطالب هي: إسقاط الجولاني وكف ممارسات جهاز الأمن العام التابع له عن المدنيين وإخراج المعتقلين في السجون والكشف عن المختفين قسريا.

مطالب بإسقاط قائد "هيئة تحرير الشام"

ويقول لموقع "الحرة": "هناك حالة تراكمية. الناس استغلت الظرف وأصبحت الاحتجاجات الآن تكبر مثل كرة الثلج".

لا توجد أي قيادة للحراك الشعبي ضد الجولاني وفصيله العسكري، ومع ذلك تبرز جهود لفئة من الشبان بينهم طالب والصحفي أسامة خلف. 

ويضيف طالب أنهم سيستمرون بالحراك، مشيرا إلى "جلسات يعقدونها ويقيمون من خلالها المشهد والمطالب".

ويوضح الصحفي أسامة خلف أن "الناس التي نزلت إلى الشوارع تخرج على نفس الهتافات".

ويقول لموقع "الحرة": "توجد مطالب صريحة بتفعيل دور النقابات وإسقاط الجولاني وحل الهيئات التي كانت موجودة سابقا ومصدر سلطتها تحرير الشام".

كما يطالب المتظاهرون بمنع الاحتكار السياسي والتجاري من جانب "تحرير الشام"، ورفض "احتكار السلم والحرب"، وفق خلف.

ويضيف أن الهدف "تذكير الناس بحقوقها. لكي تتحرك من جديد وتؤجج روح الثورة كون غالبيتهم باتوا في طور الملل".

"مفترق طرق" 

وتصنف الولايات المتحدة الأميركية "هيئة تحرير الشام" وقائدها "الجولاني" على قوائم الإرهاب.

وكانت قد عرضت مكافأة مالية مؤخرا للجهة التي تقدم أي معلومات عن الأخير أو أماكن تواجده في الشمال السوري. 

والآن يرى مراقبون أن الصراع الأخير الذي خاضه وارتداداته القائمة وما تبعه من احتجاجات متواصلة يجعله أمام "مفترق طرق"، وفق قول الباحث السوري في "مركز جسور للدراسات"، وائل علوان.

ويعتقد علوان في حديث لموقع "الحرة" أن المظاهرات الحالية "بمثابة استثمار للخلافات الداخلية في فصيل الجولاني"، وأنها تشكل تحديا إضافيا على "الهيئة" بعد التحدي البنيوي الذي دخلت فيه.

ولا يقتصر الاستثمار على فئة دون غيرها، بل يشمل، حسب علوان، الحاضنة الشعبية بكل ما فيها من مدنيين مستاءين من الأوضاع الاقتصادية والقبضة الأمنية ومنتسبين سابقين لفصائل قضت عليها "تحرير الشام".

ويضيف أن "الجولاني وفصيله (تحرير الشام) بات يمر الآن بمفترق طرق"، وأنه سيذهب إلى "احتواء المشكلات الداخلية وتقديم تنازلات على المستوى الداخلي والخارجي".

وفي غضون ذلك يتوقع علوان أن "يتجه لاحتواء المظاهرات وليس مواجهتها". وفي كلا الحالتين يعطي ذلك مؤشرا عن حالة الضعف.

ويتابع: "المركزية الشديدة التي كانت تتمتع بها تحرير الشام في السابق تتأثر الآن بالسلب كثيرا، سواء فيما يتعلق بحكم إدلب كما في السابق أو مستوى العلاقة مع بقية المكونات الأمنية والعسكرية".

"تيارات ودعوات"

وتظهر بيانات "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" أن "تحرير الشام" قتلت ما لا يقل عن 505 مدنيين منذ الإعلان عن تأسيس "جبهة النصرة" في سوريا في يناير 2012، وحتى نهاية عام 2021.

وتوضح أيضا أن ما لا يقل عن 2327 شخصا لا يزالون قيد "الاحتجاز التعسفي" أو الاختفاء القسري في سجونها. 

ورغم أن الاحتجاجات الشعبية المتواصلة حتى الآن تأخذ طابعا شعبيا مناهضا بقوة لسياسات الجولاني وفصيله العسكري يرى خبراء في شؤون الجماعات الجهادية أن المشاركة لا يمكن حصرها بفئة واحدة.

يعتقد الباحث في شؤون الجماعات المتشددة، عرابي عرابي أن المشاركين في الاحتجاجات ينقسمون بين 3 تيارات.

الأول يحظى بدعم وتحريض من عسكريين أطلق سراحهم مؤخرا بعدما اتهموا بـ"العمالة".

ويرتبط الثاني بجهات معارضة لـ"الهيئة" معروفة في السابق، بينما يضم التيار الثالث المدنيين المتضررين من الفصيل العسكري وسياساته بمختلف الاتجاهات.

ويرى عرابي في حديث لموقع "الحرة" أن الزخم سيكون "مرهونا بتحركات هيئة تحرير الشام والإصلاحات التي قد يقومون بها".

ويستبعد الباحث من جانب آخر أن تصل "تحرير الشام" إلى نقطة التصدع الكبير، مع ترجيحه لفكرة "تراجع الجولاني إلى الخلف في بعض الملفات". 

ويقول المحامي والحقوقي السوري، فهد الموسى إن "المظاهرات نتيجة إرهاصات متراكمة"، وإنها "تشبه بدايات 2011 وخصوصا بعد التصرفات التي حصلت وبعد التضييق".

ومع ذلك يضيف لموقع "الحرة" أن المشاركة فيها تنسحب على أفراد من فصائل قضت عليها "تحرير الشام" تتحرك الآن من منطلق "الثأر القديم".

ويشارك فيها أيضا "أفراد من حزب التحرير الذي عمل الجولاني على تصفيته بالتدريج واعتقال أعضائه"، بالإضافة إلى "شباب ثوري نقي يطالب ويحلم بالديمقراطية لكنه لا يملك القوة الناعمة"، وفق المحامي السوري.

ويتوقع الموسى أن "تكبر المظاهرات ويزداد زخمها في الأيام المقبلة، كوننا مقبلين على الذكرى الـ13 للثورة السورية".

ويشير أسامة خلف وهو أحد منسقي الحراك الشعبي إلى أنهم أطلقوا دعوات علنية من أجل "تحييد المظاهرات عن أي فصائلية أو شيء يخص الأحزاب ومطالبها السابقة".

ويضيف أن الواقع الآن تغير عن السابق، وأنه "لم يعد هناك خوف من القبضة الأمنية".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: هیئة تحریر الشام من جانب

إقرأ أيضاً:

قاسم جاموس أبو الوطن.. رفيق الساروت في دروب الثورة السورية

قاسم جاموس -ويكنى بـ"أبو وطن"- أحد أبرز الأصوات الثورية السورية التي صدحت بالأهازيج في المظاهرات ضد النظام السوري السابق تنديدا بجرائمه إبان الثورة السورية. غادر درعا إلى الشمال السوري بعد سيطرة قوات الرئيس المخلوع بشار الأسد عليها، وهناك تعرف على عبد الباسط الساروت قبل رحيله.

انخرط لاحقا مع فصائل المعارضة السورية وشارك معها في معركة "ردع العدوان" التي أسقطت حكم بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، وتوفي في حادث سير أوائل مارس/آذار 2025.

الولادة والنشأة

ولد قاسم جاموس في مدينة داعل بمحافظة درعا جنوبي سوريا عام 1989، وفيها كبر وترعرع. ويكنى بـ"أبو الوطن" على اسم ابنه وطن.

التجربة الثورية

ومع اندلاع الثورة السورية، شارك جاموس في المظاهرات في ريف درعا ولقب آنذاك بـ"صدى حوران" إذ كان يعيد إنشاد أهازيج الراحل الساروت بلهجته الحورانية على أسلوب أهل مدينته الغنائي.

ولم يقتصر تأثيره على تقديم الأناشيد فحسب، بل كان حاضرا في المظاهرات وهو يردد أناشيد تحاكي تراث حوران، منها "حوران حبي رجالها" وهي أول ما خطته يده في طريق الثورة، معبرا عن حبّه وولائه لمدينته وتراثها.

وفي أثناء زفافه شدا بأغنية طابعها ثوري، تحولت فيما بعد إلى رمز يُحتفى به في أفراح الثوار السوريين، وصارت تهدى دعما للعرائس اللاتي اتخذن درب الثورة مسارا لحياتهن.

هجّر قاسم من مدينته درعا عقب سيطرة النظام السوري عليها، إلى إدلب في الشمال السوري باتفاق التسوية عام 2018، وهناك التقى بالساروت وأكملا مسيرة الدرب معا، وكانا يشدوان في أمسيات الأناشيد الثورية، ويغنيان لحماة وحمص ودرعا وباقي المدن السورية.

إعلان

بعد انتقاله إلى إدلب، واصل قيادة غالبية المظاهرات في المدينة، ودعا إلى تنظيم مظاهرات بمشاركة تصل إلى مليون محتج، وبقي صوته يسمع كل يوم جمعة في المسيرات التي يرأسها.

تأثر "أبو الوطن" برحيل صديقه الساروت في 8 يونيو/حزيران 2019، وكرّس صوته لنقل معاناة السوريين عبر الأناشيد والمظاهرات، منطلقا من إيمانه بأن "المظاهرات تبني وطنا"، وكان دائما يردد "الثورة يلي يخونها.. ماله أصل ماله أحد".

انخرط الجاموس لاحقا مع فصائل المعارضة السورية مع اشتداد القصف والقتل من النظام السوري على مناطق شمال البلاد، وشارك في عملية "ردع العدوان" التي استطاعت فيها المعارضة إسقاط النظام السوري في 12 يوما، وإنهاء حكم الأسد الذي استمر 54 عاما.

قاسم جاموس بعد انتقاله إلى إدلب واصل قيادة غالبية المظاهرات في المدينة (مواقع التواصل) أبرز أهازيجه

قدم "أبو الوطن" مجموعة من الأناشيد التي تركت بصمة عميقة في الذاكرة السورية، أبرزها:

"أقسمنا بالله" وأنشدها في ذكرى الثورة السورية. "الله أكبر يا بلد" وهو أول أناشيده بعد رحيل الساروت وأنشده تجديدا للعهد معه. "سلام الله على إدلب" تعبيرا عن امتنانه للمدينة التي احتضنته وعانت من قصف وتدمير واستهداف مستمر، وغنّاها مع محمد الساروت ابن أخ عبد الباسط الساروت. "هيهات أشوفك بعد هيهات" التي غناها بأسى على فراق الساروت ورفاق الثورة. "منصورة الثورة يا ناس". "جاي النصر". الوفاة

توفي الجاموس في حادث سير على طريق بلودان-الديماس بريف العاصمة السورية دمشق في الثالث من مارس/آذار 2025، ونُقل إلى مستشفى الرازي في دمشق بعد تعرضه لإصابات بالغة، لكنه فارق الحياة داخل قسم العناية المركزة متأثرا بجراحه.

وجاءت وفاته بعد ساعتين فقط من نشره منشورا على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي، تساءل فيه عن مدة الطريق من جبال بلودان إلى الضاحية الجنوبية.

إعلان

شيّع "أبو الوطن" من الجامع العمري في درعا في 4 مارس/آذار، ودفن في مسقط رأسه.

مقالات مشابهة

  • ساعات الإطفاء 15يوميا..تصاعد الاحتجاجات في المكلا
  • اليونان.. تصاعد الاحتجاجات على خلفية أسوأ كارثة سكك حديدية | فيديو
  • تصاعد الصراع الإيراني التركي على النفوذ في سوريا والعراق
  • NYT: هدوء في دمشق مقابل تصاعد المعارك في شمال شرق سوريا
  • تصاعد التوترات الأمنية فى جوبا.. سلفاكير يعلن حالة الطوارئ 
  • بوادر حرب أهلية في سوريا.. استبعاد الأكراد من "الحوار الوطني" تضع سوريا عند مفترق طرق
  • قاسم جاموس أبو الوطن.. رفيق الساروت في دروب الثورة السورية
  • إسرائيل تسعى لإعادة روسيا إلى سوريا
  • الفرقة الرابعة.. الإمبراطورية التي نهبت اقتصاد سوريا
  • دروز سوريا بين إسرائيل و"هيئة تحرير الشام"