«قمة العُلا لمستقبل الثقافة».. وصياغة المشهد الإبداعي
تاريخ النشر: 4th, March 2024 GMT
نوف الموسى (الرياض)
أبرز الموضوعات الجوهرية ضمن الرؤى المستقبلية للقطاع الثقافي في المملكة العربية السعودية، تركزت بشكل استثنائي على الجوانب الاجتماعية وعلاقتها بالبيئة الطبيعية، ودراسة الموروث الحضاري وآلية ارتباطه بالتكنولوجيا الحديثة، وأثر الهوية في تشكيل الحوارات الفكرية والمعرفية، وتطوير نقاشاتها في الفضاءات الإبداعية العامة.
جاءت مناقشات «قمة العُلا لمستقبل الثقافة» في الفترة ما بين 25 لغاية 27 فبراير الماضي، بموقع «ديمومة» في محافظة العُلا بالمملكة العربية السعودية، لتأصيل تلك الأبعاد الجديدة في تعريفنا للثقافة، من خلال دراسة أولاً: «الأراضي الخصبة»، ومخاطبة العلاقة المتناغمة بين الطبيعة والنشاطات الثقافية، وثانياً: «الأسس الإبداعية» والتمعن في مسألة تطوير سياسات الاقتصاد الثقافي وتعزيز التحول إلى الإبداع العالمي، وثالثاً: «حصاد الأثر» عبر طرح تساؤلات حول فرص التبادل الثقافي والإبداعي بمنحى شمولي يحفظ الثقافة المحلية عبر إنشاء أصول ثقافية تمتد بتجاه الإنتاج الثقافي العالمي.
شاركت نحو 150 شخصية من قادة الثقافة في قمة العُلا لمستقبل الثقافة، استضافتهم الهيئة الملكية لمحافظة العُلا بالشراكة مع وزارة الثقافة، لاستحضار لغة ثقافية جديدة من شأنها أن تؤسس مساحات حوارية لمواجهة التحديات الثقافية الراهنة، باعتبارها فرصا للتفكير بالسياسات الثقافية، خاصةً مسألة الديمغرافيا والتعددية الثقافية، ومآلات التكنولوجيا، وتأثيرها في مفاهيم «الانتماء» و«الاستدامة» و«ريادة الأعمال» بالقطاعات الثقافية.
الاستفادة القصوى
شكل جوهر المعنى التاريخي والحضاري والطبيعي لمحافظة العُلا، مفارقة نوعية في الكيفية البديعة لاختيار الفضاءات الثقافية العامة، التي من شأنها أن تعزز المروية الاجتماعية للمكان، بوصفه حالة إبداعية بحد ذاتها، إلى جانب كونها دعوة مفتوحة لأهل محافظة العُلا وكل من يقطن عليها، بالمشاركة الثقافية، سواءً المباشرة بزيارة المعارض الفنية والاحتفاء بالملتقيات السنوية، أو من خلال مشاهدة عابرة للأعمال التركيبية في المواقع العامة من مثل مزارع النخيل والأسواق الشعبية العامة.
وأكد راكان الطوق، مساعد وزارة الثقافة في المملكة العربية السعودية، في كلمة بهذه المناسبة، قائلاً:«في قمة العُلا لمستقبل الثقافة، نتشارك البحث العالمي لتحديات المستقبل من خلال أسئلة ملحة وهي: كيف يُمكننا الاستفادة من التطورات التي تغير قواعد اللعبة في الذكاء الاصطناعي؟ كيف نجعل الثقافة متاحة وشاملة لمستقبل متنوع؟ كيف نتقبل الاعتبارات البيئية والاجتماعية؟ ولا يمكننا سوى تحقيق الاستفادة القصوى من التراث والتقاليد والتاريخ، لتسهيل التبادل الجماعي المستمر والمفتوح، لتعزيز الإبداع والمهارات العالمية».
موضوعات محورية
تناولت «قمة العُلا لمستقبل الثقافة»، في جلساتها الأولى موضوعات محورية، حول كيفية «نجاح المشاركة المجتمعية ودورها المحوري لرسم خريطة مستقبل المشهد الثقافي»، و«الجغرافيا السياسية والثقافية من خلال إيجاد مساحة حوار»، و«الجذور التاريخية ووجهات النظر المتجددة»، وأشارت حولها الأميرة نورة الفيصل آل سعود، الرئيس التنفيذي لشركة نون للمجوهرات وأعدل للتصميم وفن التراث، بأنه إذا ما نظرنا للثقافة في كونها تعبيراً للإنسانية، فإن الاهتمام بالمجتمع وارتباطه بالثقافة، يُعد أمراً مهماً، لا يُمكن فصله، بل على العكس كل تلك الأجيال الشابه في السعودية، وتعزيز حضورها الثقافي، إنما هو إدراك واع لكيف يمكن أن يكون عليه مستقبل الثقافة بالمملكة، من خلال الإجابة عن أسئلة مفادها: ماذا يريد هؤلاء الشباب، إلى ماذا يتطلعون، وكيف يمكننا أن ندعمهم؟.
وقد جاءت عروض الأداء الفنية ضمن فعاليات «قمة العُلا لمستقبل الثقافة»، منهجاً تفاعلياً لكيفية تصميم منصات إبداعية شبابية لدعم الحراك الفني بالمملكة، من بينها عرض للفنانة السعودية بلقيس الراشد، بعنوان «إذا مات شيءٌ من الحب بقي الباقي»، وهو أداء يتعمق في الأساطير الغامضة لموقع الهجرة التاريخي، تستكشف الفنانة بلقيس الراشد الأبعاد المتعددة للحب والفقد والذكريات والطبيعة الدورية للحياة والموت من خلال مزيج من الفنون والحركة والموسيقى والرائحة.
لغة الجمال
«أنا لستُ فناناً، ولكني ممتن لعملي مع الفنانين» هنا حديث كلاوس بيسنباخ، مدير المتحف الوطني الجديد، ضمن مشاركته في «قمة العُلا لمستقبل الثقافة» حول المعنى من الفن، والذي يراه بمثابة لحظة إنسانية لا تكبر، يصفها بأنها حالة من الأبدية، تهدي الأفراد فرص التماهي مع لغة الجمال، قد يتفق معه لوران لوبون، مدير مركز بومبيدو، الذي أوضح بضرورة البحث عما يمكن أن تحدثه التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في الفضاءات الثقافية والفنية، إلا أنه يرى في تنظيم قمة العُلا والمشاركة في الحضور والنقاش والالتقاء المباشر، انعكاساً لحاجة الإنسان لتواصل الحيّ، ومعايشة الجمال على اختلافه بين ثقافات عديدة. ووسط هذا الاحتفاء بالثقافة كمحرك للتواصل الإنساني، جاءت بالمقابل ورش العمل في «قمة العُلا لمستقبل الثقافة»، بتجارب تقنية ومباحث علمية مغايرة.
من جهته، اعتبر عبدالله الراشد، مدير مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء)، أنه وسط الثورة التكنولوجية العالمية، والمتعارف عليها ذهنياً بشكل أكبر، فإنه واحدة من أهم الأشياء التي علينا إدراكها هو كيفية تعيرفنا للإنسانية، وإدراكها بكل ما تحمله من أبعاد أيدلوجية وسياسية وكذلك تقنية، من خلال فهم دور المؤسسات الثقافية في هذه المساحات الافتراضية المفتوحة، وتحديداً فيما يتعلق بالتأثير الاجتماعي لتقنية وحضورها في النظام العضوي لمكونات المجتمعات الإنسانية ككل، من مثل ماذا سنفعل مع تطور منهجية «NFT»، وكيف ستناقش المتاحف على سبيل المثال طبيعة الإنتاج الثقافي، بين ماضي السردية عبر القصص والمرويات، ومستقبل الاستثمار في القطاع الرقمي. أخبار ذات صلة «الأبيض الأولمبي» يجدد الموعد مع «الفراعنة» في «غرب آسيا» فجر تقهر «قصر الأطراف» بـ«حلم الوالدين»
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: السعودية الثقافة الموروث الحضاري قمة من خلال
إقرأ أيضاً:
الحكومة توافق على مقترح تفعيل توجيه جهود المسئولية المجتمعية في الشأن الثقافي
قال النائب الدكتور رامي جلال، عضو مجلس الشيوخ عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، إن مصر دولة عظمى ثقافيًا، ولا بد أن تمتلك سياسات ثقافية تعكس هذه الحقيقة، مؤكدا أهمية ربط المجال الثقافي بالقطاع الخاص لتحويل الثقافة إلى محور أساسي في تحقيق التنمية المستدامة.
جاء ذلك خلال اجتماع لجنة الثقافة والإعلام والآثار والسياحة بمجلس الشيوخ، أثناء مناقشته مقترحه حول تفعيل دور وزارة الثقافة في توجيه جهود المسئولية الاجتماعية إلى الشأن الثقافي، بحضور ممثلي الحكومة من وزارة الثقافة.
وأضاف أن الثقافة ليست رفاهية بل أداة لتعزيز الهوية الوطنية، وزيادة الوعي الاجتماعي، وتنمية الموارد البشرية.
وأكد جلال أن تفعيل هذا المقترح سيعود بالنفع الاقتصادي، حيث سيزيد الاستثمار الثقافي ويعزز من الناتج القومي للقطاعات الثقافية، وله فوائد مجتمعية تتمثل في تقليل الفجوة الثقافية بين المناطق الحضرية والريفية، فضلًأ عن الفوائد السياسية التي تتجلى في تحسين صورة مصر دوليًا كدولة تدعم الثقافة كجزء من التنمية المستدامة.
ولفت جلال إلى عدد من التجارب الدولية التي سبقتنا منها التجربة الفرنسية التي يتم فيها تشجيع القطاع الخاص على دعم الثقافة من خلال تقديم حوافز ضريبية للشركات التي تستثمر في المهرجانات الثقافية، والمكتبات، والفنون، مثلما يحدث في مهرجان "كان" السينمائي الدولي، الذي يتم تمويله جزئيًا من خلال شركات فرنسية كبرى تدعم الحدث كجزء من مسؤوليتها الاجتماعية.
وأشار جلال إلى تجربة بريطانيا، حيث تساهم الشركات الكبرى في تمويل الأنشطة الثقافية في المدارس والمجتمعات المحلية، موضحا أن معظم جهود المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص في مصر الآن تركز على ملفات الصحة، والتعليم، والبنية التحتية، مع غياب واضح للأنشطة الثقافية، مما أضعف تمويل تلك الأنشطة وانعكس على نسبة المشاركة المجتمعية.
وأضاف جلال أن هناك عددًا من التحديات تواجه هذا المقترح منها مقاومة القطاع الخاص الذي قد يرى في الثقافة مجالًا غير مربح، فضلًا عن ضعف البنية التحتية الثقافية، بالإضافة إلى أن وزارة الثقافة تحتاج بشدة إلى بناء آليات تعاون أكثر فاعلية واستدامة مع القطاع الخاص.
ولفت إلى أن هذا المقترح يدعو إلى تغيير جذري في السياسات الثقافية بما يسمح باستثمار المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص لتصبح رافعة حقيقية للشأن الثقافي في مصر، وقال إنه بدمج التجارب الدولية مع الاحتياجات المحلية، يمكن أن يُحقق هذا المقترح المستهدف منه.
وشهد الاجتماع الموافقة على التوصيات التي أقرتها اللجنة ووافقت عليها الحكومة، ومنها: بعض التوصيات لتنفيذ المقترح من خلال وضع إطار قانوني عبر إعداد تشريع يمنح الشركات حوافز ضريبية إضافية مقابل دعمها للمشاريع الثقافية وإطلاق مبادرات رائدة مثل تخصيص أسبوع ثقافي سنوي بدعم من القطاع الخاص، بالإضافة إلى بناء شراكات استراتيجية مع الشركات الكبرى والبنوك لدعم المبادرات الثقافية طويلة الأمد، فضلًا عن إطلاق حملة توعية لتعريف الشركات بأهمية دعم الشأن الثقافي وأثره على تحسين صورتها الاجتماعية.