فاطمة اليماني
" أشعرُ أنّ على أحدهم أنْ يكتب كِتابًا يقع فيه البطل في حب قارئه!" (مجهول).
*******
وصلتها هذا الصباح مقولة متداولة، وهي:
"أريد أنْ أعرف ما الذي سيحدث في القصّة، ولكن لا أريد للكتاب أنْ ينتهي"!وكانت مثل قائلها تمامًا... تريدُ أنْ تعرف ما الكتب التي ستهديها لنفسها؟ ولكن دون الشعور بالاكتفاء؟ أو أنْ تغادر معرض الكتاب -كما يحدث كل مرّة- وشعور بعدم الارتياح يلازمها؛ وبأنّ ثمّة كتاب كُتِبَ لها! يخاطب عقلها وروحها! كان ينتظرها! لكنّها فشلت في العثور عليه!
وكعادتها، طافَت بين أروقة المكتبات المكتظّة بالكتب، متجنبة الاصطدام بمرتادي المعرض من مختلف الأعمار؛ مرتدية حذاءً رياضيًّا يعينها على قطع المسافات الطويلة التي تعرف مسبقًا بأنّها ستقطعها ذهابا وإيابًا!
مختبئة خلف نقاب الوجه؛ لتأخذ أكبر قدر من الحرية أثناء شبه الجدال الذي تتراشقه مع أحدِ باعة الكُتب؛ ليخفّض مبلغًا يسيرًا؛ فتشتري المزيد، وتغادر المكتبة، وهي سعيدة بجدالها المُرْبِح، والبائع سعيد؛ لأنّه خدّر عقلها بعد أول خصم على أول كِتاب، وعوّض قيمة الخَصم في بيع المزيد من الكتب لها!
ورغم إدراكها بأنّ الجدال في أسعار الكتب ليس مُجْدٍ معها هي شخصيًّا؛ لكنّها لو لم تجادل؛ لشعرت بأنّها خُدِعَت!
لذلك كانت تجادل؛ وتشتري كتبًا كثيرة دون عقدة الشعور بالاستغلال!
وقال لها أحدهم:
أنتُن تعشَقن الجِدال...
ثم ضحك بهدوء مهذّب! ولم تدرك إذا كان ساخرًا، أو مازحًا بسبب لُطْفِ نبرة صوته، وانشغالها بتفحص عناوين الكتب المرصوصة بنظام متناسق على الطاولة؛ فناولها كتابًا بعنوان:
غدًا أجمل!اكتفَت بقراءة عنوان الكتاب، وأعادته له، وهي تقول:
لنْ يكون غدًا أجمل، والأوضاع في العالم بهذه البشاعة!ولم تنتبه لسيدة كانت تقف قربها، ضحكت مع البائع مستنكرة كلامَها، وقالت لها:
لِمَ...لِمَ التشاؤم؟... يا ساتر؟!ودار بينها وبين السيدة حديث سريع، عرفت بأنّها معلمة قصدت معرض الكتاب لشراء كتب للطالبات، وأخبرتها بأنّها هي الأخرى معلمة متقاعدة، فقال البائع:
متقاعدة؟ ما زلتِ شابّة! هل أشتري المزيد من الكتب الآن؟!ضحك البائع من سؤالها الساخر، وأقسم بأنّه لا يقصد شيئًا! وليظهر حسن نيّته؛ قال بأنّه سيهديها كتابًا، ولها حريّة الاختيار...
فتأمّلَت عناوين الكتب من جديد، وتناولَت رواية مترجمة، وشكرته على هديّته...
وقصدت بعدها إحدى المكتبات باحثة عن بعض مصادر اللغة العربية، فأشار صاحب المكتبة إلى مجلّدٍ ضخم، وادّعى بأنّه النسخة الأصلية، وقيمته ثمانون ريالًا؟!
لكنّها طلبت النسخة المُختصرة المتداولة، التي تستطيع حملها، ووضعها على الطاولة، أو تركها في السيارة، وتتمكّن من تصفّحها بكل سهولة ويسر...
وأخذ يخفض السعر حتى وصل إلى ثلاثين ريالًا... لكنّها رفضت؛ لتجربتها السابقة مع موسوعة علمية اشترتها بسعر مرتفع، والإشكالية التي واجهتها كانت في ثقل الموسوعة، وصعوبة حملها، وصغر خط الكتابة، فتعاملت معها كأنّها تحفة من التحف النادرة، وتركتها في مكتبة المنزل للتّباهي، والاستعراض!
ثم اتّجهَت إلى مكتبة قريبة بعد أنْ لوّحت لها إحدى الفتيات، فألقت عليها التحيّة، وتأمّلت عناوين الكتب، ولمحت فتاتين أخريين تجلسان خلف الطاولة، كانتا تتهامسان، وتضحكان بطريقة توحي لمن يشاهدهما بأنّه لا علاقة لهما بالمكان!
اقتربت الفتاة منها، وقالت لها:
خالوه... خالوه! هل أساعدك؟!وقبل أنْ ترد عليها ناولتها كتابًا من كتب الخواطر الدينية، تلك الكتب التي يمزج فيها المؤلفُ بين تأمّلاته الخاصّة في الحياة، وبين الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، والقصص التي يدّعي أنّها واقعية؛ ليؤكّد أفكاره... لكنّها تعتقد بأنّ هذا النوع من الكتب – المنشرة بكثرة في هذا الزمن- تصلح لفئة اليافعين، والشباب الذين هم في مقتبل العمر...
ولم تشرح وجهة نظرها للفتاة، وأعادته لها، لكنّ الفتاة قالت بأنّ هذا الكتاب يتحدث عن الطريقة المثلى للتقرب إلى الله...
وأخذَت تثني على مضمون الكتاب، وهي تصلح حجابها، فتظهر رقبتها وشعرها أثناء شرح محتوى الكتاب الذي يقرب الناس إلى الله!
ثم تناولت كتابًا آخر، وقالت لها:
خالوه... خالوه! هذا أيضا كتاب يعلمك كيف تفعلين أشياء كثيرة تقربك إلى الله؟!وأعادت لفّ حجابها من جديد؟! ونظرات الامتعاض تعلو وجهها؛ لأنّ "خالوه" لم توافق على شراء الكتاب الثاني الذي سيقربها إلى الله؟!
فأعادته لها، وسألتها:
لديكم دلّة قهوة؟! لتفترش خالتك الأرض، وتشرب القهوة! ريثما تبحثين عن كتابٍ ثالث يقرّبها إلى الله!حدّقت الفتاة فيها برهة من الزمن كأنّها تتذكرُ شيئًا، ثم ذهبت إلى زميلتيها خلف الطاولة، وتناوَلت دلة قهوة، ثمّ هزّتها، فاكتشفت بأنّها فارغة!... تأفّفت الفتاة، وعادت وهي مستاءة، وقالت:
خالوه... خالوه... دلة القهوة فارغة!ولو لم تكن في مكان عام؛ لضحكت بصوتٍ مرتفع...
كانت الفتاة بسيطة وبريئة؛ ولكن ينقصها دبوسًا؛ لتثبيت حجابها، وكلمات بديلة تصلح لمخاطبة من هم أكبر عمرًا في مثل هذه المحافل، وجملًا جديدة؛ لشرح مضامين كتب الخواطر الدينية التي كانت أهم إصدارات المكتبة.
وغادرت المكتبة بعد شراء كتابين لإحدى فتيات العائلة، منبهرة من برمجة لسان الفتاة الشابّة على نفس العبارات والجمل لجميع الكتب، وهي مقتنعة تمامًا بأنّ ما تقوم به يندرج تحت بند الترويج لكتب المكتبة!
لكنّها كانَت اكثر انبهارًا من تلك الحكاية التي لم تنتهِ بين الفتاتين الأخريين، والضحك الملغوم من أسفل الطاولة!
لذلك قرّرت ألّا تقف أمام أيّ مكتبة ينادي عليّها صاحبها أو صاحبتها؛ فلفت انتباهها بائع كتب يتحدث في هاتفه… ويبدو من خلال الكلمات العائمة التي التقطتها أذنها أنه يكلم زوجته عن الأولاد والمدرسة!
ولم يعبأ بوجودها؛ بل ابتعد؛ ليواصل مكالمته الهاتفية!
فشعرَت بالارتياح، فهذه فرصة للبحث عن كتب دون أنْ يقترح عليها أحدهم ماذا تشتري، أو ماذا يناسبها!
ورغم أنّ الكتب المعروضة كانت للأطفال، إنّما أعجبتها العناوين الجذّابة؛ ومضمون الكتب؛ فتناولت كتابًا بغلاف أصفر اللون، كُتِب على غلافه بطريقة لافتة وذكية:
(يوميات مشاغبة) مناسب للفتيات من عمر 8 سنوات إلى 88 سنة!وعندما فرغ البائع من مكالمته، سألها:
تريدين هذا الكتاب؟! نعم... لكنّه للأطفال يا حجّه!فأشارت للمرحلة العمرية المدوّنة على غلاف الكتاب... وقالت له:
نعم... هذا الكِتاب يشمل الحجّه! رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
فضائيات الأطفال في ثاني جلسات أدب الطفل بدار الكتب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
انعقدت صباح اليوم في ثاني جلسات مؤتمر أدب الطفل السنوي التاسع في دار الكتب والوثائق القومية، والتي أقيمت تحت عنوان "الأطفال و تفضيلاتهم لمواقع ومجلات القنوات الفضائية الكرتونية ومحاكاة الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي"، تحدث فيها كل من الدكتورة، إيناس محمود حامد أحمد - أستاذ الإعلام بجامعة عين شمس وعميد معهد الجزيرة العالى للإعلام وعلوم الاتصال، و منتصر ثابت رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام للتنمية الثقافية، د. نسرين محمود
دكتوراه الفلسفة في التربية تخصص أصول التربية- جامعة المنصورة،و د. نورا عبد العظيم، باحثة بمركز تحقيق التراث- دار الكتب والوثائق القومية.
وتحدثت الدكتورة إيناس محمود حامد أحمد عن "الأطفال وتفضيلاتهم لمواقع ومجلات القنوات الفضائية الكرتونية ومحاكاة الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي".
وأكدت إننا نشاهد الآن ثورة هائلة في مجال التكنولوجيا الذي كان له أثره الكبير على شكل الاتصال ومحتواه وأساليب إنتاجه والمتغيرات المشتركة في عملية الإنتاج، وقد تأثرت صناعة الصحافة كأحد أشكال الاتصال بالتطور التكنولوجي بشكلٍ ملحوظٍ، والذي انعكس على كم المضمون ونوعه وطبيعة الخدمة ومظهرها النهائي، كما خلق علاقات مستحدثة بين الإنسان والتكنولوجيا، فكثيرًا ما نرى الطفل يتفاعل مع فيلم أو صورة، ويعيش هذا الواقع الخيالي مع نفسه.
والآن مع ظهور تقنية (VR) الواقع الافتراضي وإدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي تعتمد على مشاهدة صورتين لنفس المشهد قبل أن يترجمها المخ إلى مشهدٍ واحدٍ ليضفي ميزة العمق، يستطيع الطفل من خلال ارتداء نظارة الواقع الافتراضي وسماعات رأس دخول عالم افتراضي للشعور بموقع الصوت والحركة، فيخرج عن الواقع ويدخل عالمًا خياليًّا بالكامل.
ويعتبر هذا الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي هو الأكثر إثارة للدماغ والأعصاب؛ فقد نرى الكثير من المشكلات التي قد يتعرض لها الطفل، والتي قد تصل إلى الإدمان.
وتحدث الكاتب منتصر ثابت عن الذكاء الاصطناعي واستلهام التراث المصري. ووضح في كلمته أن الذكاء الاصطناعي هو قدرة الكمبيوتر على التفكير والتعلم حتى يتمكن من أداء المهام التي يقوم بها البشر العاديون، إضافًة إلى أنه يمكن للذكاء الاصطناعي معالجة كميات كبيرة من البيانات بطرقٍ لا يستطيع البشر القيام بها بشكلٍ عام. والهدف من استخدام الذكاء الاصطناعي هو القيام بعمل نماذج وأنماط واتخاذ قرارات مستنيرة و صائبة مثل الإنسان، أو بقولٍ آخر فعل ما يستطيع الإنسان فعله بشكلٍ صحيحٍ وعلمي ومدروس متحاشيًا السلبيات والأخطاء قادرًا على العمل بأكثر سرعة وحرَفيَّة.
والتراث المصري القديم حافل بقصصٍ ورواياتٍ للطفل كان لها الريادة في شتى مجالات الكتابة الأدبية. وعلى سبيل المثال قصة سنوحي أو سنوهيت القائد المصري الذي ذهب إلى سوريا ثم عاد في أواخر أيامه مُصرًا أن يدفن في وطنه مصر.
كما لدينا قصص لا تُحصى للفراعنة الذين يمكن تقديمهم كنماذج باهرة للشباب والأجيال القادمة؛ سيظل التاريخ يذكرها بكل فخرٍ.
وتحدثت دكتور نسرين محمود محمد رضوان عن توظيف الذكاء الاصطناعي في أدب التراث الشعبي للطفل لتحقيق فرص التنمية المستدامة حيث أكدت أن التراث الشعبي هو مادة خصبة وترجمة بليغة للمشاعر العامة؛ نظرًا لاغتنائه بألوانٍ وضروبٍ مثيرة من التعبيرات التي تسوغ مراحل وفترات متباينة من التاريخ البشري والكيان الإنساني؛ والتراث الشعبي هو جزء من الأدب الشعبي الذي يتسع ليشمل العادات والتقاليد، والأزياء والطقوس في المناسبات المختلفة، بالإضافة إلى سلوكيات الأفراد في حياتهم اليومية، وعلاقاتهم بالآخرين.
والذكاء الاصطناعي هو أحد أهم وسائل نشر الثقافة المجتمعية وتبسيطها بأسلوبٍ مبتكر ومشوق؛ لأنه ينمي أسلوب التفكير العلمي ويزيد من قدرة الأفراد على إدراك المفاهيم العلمية واستيعابها.
تناولت الدكتورة نورا عبد العظيم "توظيف الذكاء الاصطناعي في أدب الأطفال من خلال التراث."
وأشارت إلى أن الذكاء الاصطناعي هو العلم الذي يشتغل بابتكار وتطوير خُوارِزْميات مفيدة تسهم في المحاكاة الآلية لقُدُرات الدماغ البشري، من إدراكٍ للبيئة المحيطة، والاستجابة المناسبة لمثيراتها، وتعلُّمٍ، وتخطيطٍ، وإيجاد حلولٍ للمسائل المُستجدَّة والتواصل اللغوي، وإدارةٍ للتراكم المعرفي،… إلخ، ويُطْلِقُ البعض على هذه القُدُراتِ وأمثالها «المَلَكات العليا» للإنسان.
وأدب الطفل هو ذاك الأدب الذي يختص بما يضيف للأطفال المعلومة والفكرة ولكن بأسلوبهم، وتغليف المعلومة بشكلٍ تربوي يتناسب مع الأطفال.
ومن الضروري أن نشير إلى أهمية التحديثات المواكبة لتحديات العصر، ولا سيما الذكاء الاصطناعي الذي أصبح من سمات العصر، والذي من الممكن أن يوظَّف لخدمة صناعة المحتوى الرقمي للأطفال، وذلك عن طريق: تحويل النص المكتوب إلى صورة مُعبرة وهناك مواقع كثيرة تساعد في توليد الصور، من خلال النصوص المكتوبة، إضافة لذلك إن عملية ابتكار صور مولدة تجعلك تجسد الخيال الذى يفشل أحيانًا في تجسيده رسامو أدب الطفل، فمثلًا نجد موقع (Leonardo AI) أحد المواقع المتخصصة بتحويل النص المكتوب إلى صورة تعبر عن النص، فنجد مثلًا هذه الصورة التي تعبر عن شارع المعز قديمًا ولَّدها الموقع بشكلٍ عصري وجذَّاب يلائم خيال القارئ.