جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-29@03:50:49 GMT

في معرض الكتاب

تاريخ النشر: 4th, March 2024 GMT

في معرض الكتاب

 

فاطمة اليماني

 

 

" أشعرُ أنّ على أحدهم أنْ يكتب كِتابًا يقع فيه البطل في حب قارئه!" (مجهول).

*******

 

وصلتها هذا الصباح مقولة متداولة، وهي:

"أريد أنْ أعرف ما الذي سيحدث في القصّة، ولكن لا أريد للكتاب أنْ ينتهي"!

وكانت مثل قائلها تمامًا... تريدُ أنْ تعرف ما الكتب التي ستهديها لنفسها؟ ولكن دون الشعور بالاكتفاء؟ أو أنْ تغادر معرض الكتاب -كما يحدث كل مرّة- وشعور بعدم الارتياح يلازمها؛ وبأنّ ثمّة كتاب كُتِبَ لها! يخاطب عقلها وروحها! كان ينتظرها!  لكنّها فشلت في العثور عليه!

وكعادتها، طافَت بين أروقة المكتبات المكتظّة بالكتب، متجنبة الاصطدام بمرتادي المعرض من مختلف الأعمار؛ مرتدية حذاءً رياضيًّا يعينها على قطع المسافات الطويلة التي تعرف مسبقًا بأنّها ستقطعها ذهابا وإيابًا!

مختبئة خلف نقاب الوجه؛ لتأخذ أكبر قدر من الحرية أثناء شبه الجدال الذي تتراشقه مع أحدِ باعة الكُتب؛ ليخفّض مبلغًا يسيرًا؛ فتشتري المزيد، وتغادر المكتبة، وهي سعيدة بجدالها المُرْبِح، والبائع سعيد؛ لأنّه خدّر عقلها بعد أول خصم على أول كِتاب، وعوّض قيمة الخَصم في بيع المزيد من الكتب لها!

ورغم إدراكها بأنّ الجدال في أسعار الكتب ليس مُجْدٍ معها هي شخصيًّا؛ لكنّها لو لم تجادل؛ لشعرت بأنّها خُدِعَت!

لذلك كانت تجادل؛ وتشتري كتبًا كثيرة دون عقدة الشعور بالاستغلال!

وقال لها أحدهم:

أنتُن تعشَقن الجِدال.

..

ثم ضحك بهدوء مهذّب! ولم تدرك إذا كان ساخرًا، أو مازحًا بسبب لُطْفِ نبرة صوته، وانشغالها بتفحص عناوين الكتب المرصوصة بنظام متناسق على الطاولة؛ فناولها كتابًا بعنوان:

غدًا أجمل!

اكتفَت بقراءة عنوان الكتاب، وأعادته له، وهي تقول:

لنْ يكون غدًا أجمل، والأوضاع في العالم بهذه البشاعة!

ولم تنتبه لسيدة كانت تقف قربها، ضحكت مع البائع مستنكرة كلامَها، وقالت لها:

لِمَ...لِمَ التشاؤم؟... يا ساتر؟!

ودار بينها وبين السيدة حديث سريع، عرفت بأنّها معلمة قصدت معرض الكتاب لشراء كتب للطالبات، وأخبرتها بأنّها هي الأخرى معلمة متقاعدة، فقال البائع:

متقاعدة؟ ما زلتِ شابّة! هل أشتري المزيد من الكتب الآن؟!

ضحك البائع من سؤالها الساخر، وأقسم بأنّه لا يقصد شيئًا! وليظهر حسن نيّته؛ قال بأنّه سيهديها كتابًا، ولها حريّة الاختيار...

فتأمّلَت عناوين الكتب من جديد، وتناولَت رواية مترجمة، وشكرته على هديّته...

وقصدت بعدها إحدى المكتبات باحثة عن بعض مصادر اللغة العربية، فأشار صاحب المكتبة إلى مجلّدٍ ضخم، وادّعى بأنّه النسخة الأصلية، وقيمته ثمانون ريالًا؟!

لكنّها طلبت النسخة المُختصرة المتداولة، التي تستطيع حملها، ووضعها على الطاولة، أو تركها في السيارة، وتتمكّن من تصفّحها بكل سهولة ويسر...

وأخذ يخفض السعر حتى وصل إلى ثلاثين ريالًا... لكنّها رفضت؛ لتجربتها السابقة مع موسوعة علمية اشترتها بسعر مرتفع، والإشكالية التي واجهتها كانت في ثقل الموسوعة، وصعوبة حملها، وصغر خط الكتابة، فتعاملت معها كأنّها تحفة من التحف النادرة، وتركتها في مكتبة المنزل للتّباهي، والاستعراض!

 ثم اتّجهَت إلى مكتبة قريبة بعد أنْ لوّحت لها إحدى الفتيات، فألقت عليها التحيّة، وتأمّلت عناوين الكتب، ولمحت فتاتين أخريين تجلسان خلف الطاولة، كانتا تتهامسان، وتضحكان بطريقة توحي لمن يشاهدهما بأنّه لا علاقة لهما بالمكان!

اقتربت الفتاة منها، وقالت لها:

خالوه... خالوه! هل أساعدك؟!

وقبل أنْ ترد عليها ناولتها كتابًا من كتب الخواطر الدينية، تلك الكتب التي يمزج فيها المؤلفُ بين تأمّلاته الخاصّة في الحياة، وبين الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، والقصص التي يدّعي أنّها واقعية؛ ليؤكّد أفكاره... لكنّها تعتقد بأنّ هذا النوع من الكتب – المنشرة بكثرة في هذا الزمن- تصلح لفئة اليافعين، والشباب الذين هم في مقتبل العمر...

ولم تشرح وجهة نظرها للفتاة، وأعادته لها، لكنّ الفتاة قالت بأنّ هذا الكتاب يتحدث عن الطريقة المثلى للتقرب إلى الله...

وأخذَت تثني على مضمون الكتاب، وهي تصلح حجابها، فتظهر رقبتها وشعرها أثناء شرح محتوى الكتاب الذي يقرب الناس إلى الله!

 ثم تناولت كتابًا آخر، وقالت لها:

خالوه... خالوه! هذا أيضا كتاب يعلمك كيف تفعلين أشياء كثيرة تقربك إلى الله؟!

وأعادت لفّ حجابها من جديد؟! ونظرات الامتعاض تعلو وجهها؛ لأنّ "خالوه" لم توافق على شراء الكتاب الثاني الذي سيقربها إلى الله؟!

فأعادته لها، وسألتها:

لديكم دلّة قهوة؟! لتفترش خالتك الأرض، وتشرب القهوة! ريثما تبحثين عن كتابٍ ثالث يقرّبها إلى الله!

حدّقت الفتاة فيها برهة من الزمن كأنّها تتذكرُ شيئًا، ثم ذهبت إلى زميلتيها خلف الطاولة، وتناوَلت دلة قهوة، ثمّ هزّتها، فاكتشفت بأنّها فارغة!... تأفّفت الفتاة، وعادت وهي مستاءة، وقالت:

خالوه... خالوه... دلة القهوة فارغة!

ولو لم تكن في مكان عام؛ لضحكت بصوتٍ مرتفع...

كانت الفتاة بسيطة وبريئة؛ ولكن ينقصها دبوسًا؛ لتثبيت حجابها، وكلمات بديلة تصلح لمخاطبة من هم أكبر عمرًا في مثل هذه المحافل، وجملًا جديدة؛ لشرح مضامين كتب الخواطر الدينية التي كانت أهم إصدارات المكتبة.

وغادرت المكتبة بعد شراء كتابين لإحدى فتيات العائلة، منبهرة من برمجة لسان الفتاة الشابّة على نفس العبارات والجمل لجميع الكتب، وهي مقتنعة تمامًا بأنّ ما تقوم به يندرج تحت بند الترويج لكتب المكتبة!

لكنّها كانَت اكثر انبهارًا من تلك الحكاية التي لم تنتهِ بين الفتاتين الأخريين، والضحك الملغوم من أسفل الطاولة!

لذلك قرّرت ألّا تقف أمام أيّ مكتبة ينادي عليّها صاحبها أو صاحبتها؛ فلفت انتباهها بائع كتب يتحدث في هاتفه… ويبدو من خلال الكلمات العائمة التي التقطتها أذنها أنه يكلم زوجته عن الأولاد والمدرسة!

ولم يعبأ بوجودها؛ بل ابتعد؛ ليواصل مكالمته الهاتفية!

فشعرَت بالارتياح، فهذه فرصة للبحث عن كتب دون أنْ يقترح عليها أحدهم ماذا تشتري، أو ماذا يناسبها!

ورغم أنّ الكتب المعروضة كانت للأطفال، إنّما أعجبتها العناوين الجذّابة؛ ومضمون الكتب؛ فتناولت كتابًا بغلاف أصفر اللون، كُتِب على غلافه بطريقة لافتة وذكية:

(يوميات مشاغبة) مناسب للفتيات من عمر 8 سنوات إلى 88 سنة!

وعندما فرغ البائع من مكالمته، سألها:

تريدين هذا الكتاب؟! نعم... لكنّه للأطفال يا حجّه!

فأشارت للمرحلة العمرية المدوّنة على غلاف الكتاب... وقالت له:

نعم... هذا الكِتاب يشمل الحجّه! رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الإبادة العرقية.. وجه الغرب الخفي في تدمير الحضارات.. قراءة في كتاب

الكتاب: الغرب نقيضا للحضارة
المؤلف: روبير جولان
المترجم: مراد دياني
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات


في العام 1974 وضع عالم الإثنولوجي الفرنسي روبير جولان (1928-1996) هذا الكتاب الذي جمع فيه بعضا من مقالاته، وحوارات صحفية أجريت معه، بالإضافة إلى مقالات باحثين آخرين، تدور كلها حول موضوع "الإبادة العرقية" وممارساتها، بما تعنيه من "إنكار" النظام الغربي وإبادته لأي ثقافة أخرى، لا سيما ثقافات الشعوب الأصلية. هي إبادة، كما يشير مترجم الكتاب مراد دياني في المقدمة، تسعى بحسب جولان "للقضاء كليا على وجود الآخر وهويته وحضارته، كما تسعى لاستلابه وتغريبه تغريبا تاما تمحي معه جميع خصوصياته الذاتية، وهي كذلك لا تتوقف عند حدود الآخر غير الغربي، بل تتعداه إلى كل من يقف في طريق الغرب لتحويل العالم إلى سلعة أو مادة استعمالية، حتى لو كان من داخل الغرب ذاته".

يقول دياني أن الفكرة الرئيسية عند جولان تقوم على أن "روح" الغرب هي روح أحادية ونافية للآخر ومنغلقة على الذات. وبالتالي فإن الغرب أو "الحضارة" الغربية نشأت في عمقها على إنكار الآخر ورفض التعايش معه، وقد تجلى ذلك بوضوح في إبادة السكان الأصليين في الأميركتين. وقد أجرى جولان دراسات على الكثير من السكان الأصليين في إفريقيا وأميركا الوسطى والجنوبية، وأقام لفترات طويلة بين قبائل الهنود الأميركيين الأصليين، حيث تعمّق نضاله ضد ما يسميه "الإبادة العرقية".

حضارة "لا تطيق" الحضارات

يقول جولان إن "الإبادة العرقية" تشير إلى فعل تدمير الحضارة، أي فعل "نقيض الحضارة"، ويمكن أن يستخدم هذا الفعل لتوصيف "الفاعل" المدان بالإبادة العرقية. وهو مصطلح عُرف منذ زمن طويل لكن جرى رفضه لانعدام سياق يسمح باستخدامه، لأن المصارحة الرسمية لمشكلة الإبادة العرقية، بحسب جولان، كانت محظورة منذ قرون، وعُدت استحالة أو مزحة في بلاد الغرب.

ويضيف أنه "في عامي 1947و1948 بحثت اللجنة السادسة للأمم المتحدة مفهوم الإبادة الجماعية، وتمت حينئذ الإفادة بوقائع الإبادة الثقافية، غير أن اللجنة رفضت في نهاية المطاف فكرة الإبادة الجماعية الثقافية بحجة أن ذلك قد يلحق الأذى بمفهوم الإبادة الجماعية. فقد كان العالم خارجا من الحرب والنفوس مهووسة حقا بذكرى أفران المحرقة." ويرى جولان أن الشعور بالذنب المرتبط بتصفية "عرق يُزعم أنه معبر عن إثنية يحجب مشكلات تصفية الشعوب باعتبارها معبرة عن ثقافات وحضارات".

إن "الإبادة العرقية" تشير إلى فعل تدمير الحضارة، أي فعل "نقيض الحضارة"، ويمكن أن يستخدم هذا الفعل لتوصيف "الفاعل" المدان بالإبادة العرقية. وهو مصطلح عُرف منذ زمن طويل لكن جرى رفضه لانعدام سياق يسمح باستخدامه، لأن المصارحة الرسمية لمشكلة الإبادة العرقية، بحسب جولان، كانت محظورة منذ قرون، وعُدت استحالة أو مزحة في بلاد الغرب.في حوار مع جولان نشرته مجلة أرجنتينية يسأله المحاور عما إذا كانت الإبادة العرقية مسألة خاصة بالغرب والعالم الأبيض المسيحي، فيجيب بأنه يراها كذلك بالفعل. ويقول إن الغرب ينظر إلى نفسه باعتباره نموذجا للبشرية في الحاضر والمستقبل، وبالتالي يميل إلى اختزال ما هو ليس كذلك، ويؤدي هذا الميل إلى  محاولة للتوسع في كل شيء وغزو العالم.

ويضيف إن الإبادة العرقية هي "في المقام الأول تتعلق بإحداث الاختلال في النظام اليومي للآخرين. أي تدمير نمط تنظيم علاقات الإقامة والجوار بقدر ما هو تدمير نمط تنظيم علاقات الاستهلاك والإنتاج. فعندما لا نعود أحرارا في النوم في منزل كبير مشترك كله راحة، مصنوع من أوراق الشجر، وعلينا باسم التقدم أن نعيش في منزل صغير ومعزول ومصنوع من الأسمنت، فمن الواضح أن هناك تدميرا للبنية الاجتماعية المرتبطة بهذا البيت الجماعي بأسرها". ويرى جولان أن الحضارة الغربية "لا تطيق" الحضارات الأخرى، وهو ما يثبت أنها، على حد قوله، نقيض للحضارة، وبينما يمكن ملاحظة أن الحضارات الأخرى تحترم اختلافات الآخرين فإن الحضارة الغربية بذلت قصارى جهدها لتدمير الآخرين تحت عنوان زائف هو "الاندماج".

ويضيف إن الهنود الأمريكيون الأصليون لم يزعجهم أبدا وجود البيض، بل أن البيض هم من يزعجهم وجود الهنود الأصليون الذين يبدون تسامحا وقبولا للآخرين (الغرب) "أكثر من اللازم"، لكن للأسف يجري تدميرهم برغم ذلك.

الغرب المتعطش للغزو

في فصل من الكتاب مخصص للحركة الهندية الأمريكية يقول جولان إنه منذ بضعة قرون عمد الأوروبيون إلى تملك الأرض بطريقة غريبة، يحركها الاعتقاد بأنهم يمتلكون عليها حق الإحياء وحق الإماتة. فتعاملوا معها، بكل ما فيها، ليست باعتبارها كائنا آخر يمكن عقد تحالفات معه، بل عبدا خاضعا. ويضيف أنه مع ما شهدته أوروبا من عمليات تحديث، "وجدت الحضارات الزراعية فيها نفسها معنّفة، ووجد المزارعون أنفسهم مطرودين من ديارهم، فتطورت طبقة اجتماعية من المحبطين وذوي الشره المرضي".

مع هذا التراكم للهبات الكاذبة، نجد أنفسنا في مواجهة مفارقة صادمة ومثيرة للسخط، إذ يجري تقديم فرنسا باعتبارها الحضارة التي تمنح كل شيء، في حين أنها تأخذ كل شيء، وإن منحت شيئا فهو البؤس والاستغلال..هؤلاء، الذين سيصبحون مستوطنين بعد ذلك، كانوا، بحسب جولان، التعبير الأكثر سطوعا لمعنى الغرب المتعطش للغزو والحصول على "الكون" كله، إلى حد الإشباع، بعد أن حرموا من الأرض. المستوطنون البيض الغربيون، الذين ادعوا اكتشاف أمريكا، سينكرون وجود الهندي الأميركي الأصلي، وبالتالي سيكون شاغلهم الأساسي قتله، "لأنهم كانوا حريصين على كسر العلاقة التي يعقدها الهنود الأصليون بالعالم". وعمليات القتل هذه ستتم بآلاف "الحيل والأعمال الخسيسة.. وبالخيانة أكثر من الشجاعة أو أي من أشكال التفوق، وهذه الخيانة تغذت دائما على نبل الهنود الأميركيين وكرمهم".

لذلك اختلطت المذابح بالمعاهدات، بحسب ما يقول جولان، التي لم تحترم يوما، وبموجبها احتفظ الهنود الأصليون بالقليل جدا من الأراضي التي صارت تعرف ب"المحميات". لكن القتل لم يكن سوى مرحلة أولى من "إكراه" يسعى لتدمير الحضارات الهندية الأصلية، وبعد ذلك إدماج من يتبقى من الهنود في عالم الرجل الأبيض. وقد انتهت عمليات الإبادة الجماعية إلى قتل نحو 150 مليون هندي أميركي أصلي في أميركا الجنوبية، ونحو 50 مليون في أميركا الشمالية، بطرق وحشية.

فرنسا التي تأخذ كل شيء

يتضمن الجزء الأخير من الكتاب دراسة عن الأساليب التي تقدم عبرها كتب التاريخ المدرسية في فرنسا صورة ازدرائية للحضارات غير الغربية. ويرى جولان أن ذلك يحقق ثلاث وظائف أساسية؛ "الأولى الإسهام في الاستدامة الأبدية لأنماط التفكير العنصرية، والثانية تطوير التعصب وعدم التسامح إزاء الآخرين، والثالثة "تسليح" مواطني المستقبل من أجل إشراكهم في حركة إنكار الحضارات الأخرى".

ويضيف أن ما وجده في الكتب المدرسية هذه ينسحب على ميادين أخرى مثل الصحف والمجلات والإذاعات، ما يفسر، بحسب ما يقول، حالة اللامبالاة الغربية أمام ما يجري في العالم من قتل ثقافي للكثير من الشعوب. ومن خلال سرد قصة الاستعمار، وعبر محورين أساسيين هما إضفاء القيمة وتبخيس القيمة بالنسبة إلى ثنائية المستعمِرين والمستعمَرين، سعت كتب التاريخ هذه إلى تخليص فرنسا من أي مسؤولية في غزو مناطق أخرى، والحديث عن أن هذا الغزو أو الاستيطان تحول إلى حرب يلقى فيها اللوم على الخصم. ويبدأ ذلك بإضفاء الشرعية على هذا الاستعمار والاستيطان، وتقديم ذرائع واهية له، ثم إضفاء شرعية أخرى على توسع الصراع، وتقديم الفرنسي على أنه المنقذ الذي يحاول إدخال الآخرين في مسار الحضارة. وبينما يمنح العسكري الفرنسي صفاتا نبيلة ينال الآخر(المقاوم وصاحب الأرض) أحط الصفات وأخبثها.

يقول جولان إن مفهوم الحضارة في هذه الكتب يجري ربطه بالتقدم كما هو متعارف عليه في الحضارة الغربية، وبالتالي فإن كل مجتمع أو شعب لا يعيش وفق هذا المعيار متخلف. "ولا يجري أبدا الاعتراف بخصوصية الحضارات الأخرى وأصالتها، بل يجري إرجاع كل شيء إلى المقارنات". أما المستوطنون فيساهمون إلى جانب العسكريين والمستكشفين والمبشرين في جعل البلاد المستعمرة دولا حقيقية، تمتلك مدنا وطرقا ومصانع ومدارس ودساتير. " ومع هذا التراكم للهبات الكاذبة، نجد أنفسنا في مواجهة مفارقة صادمة ومثيرة للسخط، إذ يجري تقديم فرنسا باعتبارها الحضارة التي تمنح كل شيء، في حين أنها تأخذ كل شيء، وإن منحت شيئا فهو البؤس والاستغلال".

مقالات مشابهة

  • حين تُزهِر الكلمة.. "معرض الكتاب" بوابة نحو وعيٍ جديد
  • الإبادة العرقية.. وجه الغرب الخفي في تدمير الحضارات.. قراءة في كتاب
  • حميد برادة يكشف أسراره في لقاء في معرض الكتاب بمناسبة صدور كتابه "انطولوجيا الحوارات الصحافية"
  • إقبال جماهيري على معرض الكتاب بجامعة الأزهر في أسيوط
  • كتاب بغلاف مصنوع من جلد قاتل أُعدم قبل نحو 200 عام.. ما قصته؟
  • “بودكاست من أبوظبي”.. مبادرة مبتكرة لنشر المعرفة في معرض الكتاب
  • "الوثائق والمحفوظات" تصدر كتاب "منظومة المرأة العُمانية"
  • الدورة الـ30 من معرض الكتاب الدولي بالرباط تحتفي بالشاعر المغربي بنطلحة
  • بودكاست من أبوظبي.. مبادرة مبتكرة لنشر المعرفة في معرض الكتاب
  • هيئة الكتاب تشارك في معرض مسقط الدولي بمجموعة متميزة من إصداراتها المتنوعة