مسؤولية التعذيب بحرب الجزائر.. نقاش فرنسي وملف إلى الإليزيه
تاريخ النشر: 4th, March 2024 GMT
طالبت منظمات غير حكومية وجمعيات، لا سيما من المحاربين القدامى، الاثنين، بأن تعترف الدولة الفرنسية بـ"مسؤوليتها" عن ممارسة التعذيب خلال حرب الجزائر (1954-1962) في مبادرة لـ"تهدئة" التوتر بين البلدين.
وكتبت نحو 20 منظمة في ملف أرسل إلى الإليزيه، تم تقديمه في مؤتمر صحفي أن "سلوك طريق فهم الدوامة القمعية التي أدت إلى ممارسة التعذيب، الذي شكل الاغتصاب أداته الأساسية (.
ومن بين هذه المنظمات رابطة حقوق الإنسان و"المجندون السابقون في (حرب) الجزائر وأصدقاؤهم ضد الحرب".
واتخذت الرئاسة الفرنسية خطوة أولى في هذا الاتجاه قبل عامين، خلال تكريم المحاربين القدامى الذين شاركوا في حرب الجزائر.
وجاء في بيان أصدره الإليزيه في 18 اكتوبر الفائت "نعترف مُدركين بأنه في هذه الحرب" قامت "أقلية من المقاتلين بنشر الرعب وممارسة التعذيب".
واعتبر نيل أندرسون، رئيس منظمة "العمل ضد الاستعمار اليوم" في تصريح لوكالة فرنس برس أن هذا اعتراف "مهم" و"شجاع"، لكنه غير مكتمل لأنه لا يحدد سلسلة من المسؤوليات، خصوصا في أعلى هرم الدولة.
وقال إن "الأمر لا يتعلق بالإدانة ولا بالحكم على أحد، بل بالنظر إلى التاريخ وجها لوجه، بهدف التهدئة" مما "سيسمح لنا بالانتقال إلى الخطوة التالية، وهي فهم كيف أمكن حصول ذلك ثم المضي قدما في العيش معا. وهذا مهم لأن المسألة الجزائرية حساسة في الرأي الفرنسي".
وبحسب المنظمات الموقعة على النداء فإنه خلال ما سمّي لفترة طويلة "أحداث" الجزائر "تم التنظير للتعذيب كنظام حرب وتعليمه وممارسته والتستر عليه وتصديره من قبل الحكومات الفرنسية، الأمر الذي ينطوي على مسؤولية الدولة الكاملة".
"انتهاكات فظيعة"والدليل الذي قدمته المنظمات أن التعذيب "تم تدريسه منذ عام 1955" في المدارس العسكرية الكبرى مثل "سان سير"، وأن أولئك الذين عارضوه خلال حرب الجزائر "دينوا" في المحاكم.
ومنذ عام 1958، قدم الكاتب الصحفي والمناضل الشيوعي هنري أللاغ شهادته على التعذيب الذي تعرض له من جانب الجيش الفرنسي، في كتاب صادم تم حظره على الفور عنوانه "السؤال".
وبعد أكثر من أربعة عقود، اعترف الجنرال بول أوساريس بممارسة التعذيب. ولدعم مبادرتها نشرت المنظمات غير الحكومية والجمعيات، التي استنكرت عدم استقبالها في الإليزيه، عشرات الشهادات لأشخاص تعرضوا للتعذيب خلال الحرب التي أدت إلى استقلال الجزائر.
وفي هذا السياق، قال حور كبير، الذي وصف اعتقاله في أكتوبر 1957 في رسالة إلى المدعي العام في ليون: "لقد عانينا من أفظع الانتهاكات"، لافتا الى "التعذيب بالإغراق في حوض الاستحمام" أو "الصعقات الكهربائية" في "الأعضاء التناسلية".
واضاف هذا السجين السابق "مع نهاية هذه الجلسة (من التعذيب)، مشينا لفترة طويلة وأقدامنا في أحذية داخلها مسامير حادة اخترقت أقدامنا".
من جانبها أوضحت غابرييل بينيشو جيمينيز لمحاميها أنها تعاملت مع هذه المحنة "بكل ثقة في الذات" في أكتوبر 1956، بعد أن تعرضت للتعذيب بالفعل خلال حرب الجزائر، علما انها تعرضت للممارسات نفسها في الحرب العالمية الثانية عام 1941.
وأكدت تعرضها "للجلد"، و"الإجبار على الاستحمام بالماء البارد في فصل الشتاء" و"اللكمات"، دون أن "تنطق بكلمة" عن المعلومات التي كان يريدها الجلاّدون. واضافت "لا بد أنني تسببت بخيبة أمل. فبعد إحدى عشرة ساعة من هذا التعذيب، لم يعد بإمكاني الصمود".
ومنذ عام 2022، كثفت باريس والجزائر جهودهما لإعادة بناء علاقة أكثر هدوءا، من خلال إزالة العقبات تدريجاً من المسائل المتعلقة بفترة الاستعمار الفرنسي وحرب استقلال الجزائر. وتم إنشاء لجنة من المؤرخين الفرنسيين والجزائريين في العام نفسه، من قبل رئيسي الدولتين من أجل "فهم متبادل بشكل أفضل والتوفيق بين الذكريات الجريحة"، كما جاء في بيان الرئاسة الفرنسية.
ولم تجب رئاسة الجمهورية الفرنسية الى الآن على طلب توضيحات تقدمت به وكالة فرنس برس.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: حرب الجزائر
إقرأ أيضاً:
رحلة البحث عن 150 ألف سوري في “أرخبيل التعذيب”
يمن مونيتور/ بلومبيرغ
جلست فاتن رمضان على سرير في شقتها تشاهد فيديوهات على هاتفها المحمول واحدًا تلو الآخر لرجال منهكين ومُبللين بالدموع يتم تحريرهم من السجون في حماة بعد سيطرة الثوار على المدينة السورية.
اظهر أحد المقاطع لفترة وجيزة رجلًا يرتدي نظارة، بثوب بني تقليدي وسترة رمادية ثم أعادت تشغيله مرات عدة للتأكد قبل ان تصيح “أبي، أبي، أبي ما زال حيًا!”.
بينما يحاول السوريون استيعاب نهاية نظام استمر لأكثر من 50 عامًا، يسعون لفهم كل شيء، بدءًا من من سيحكم البلاد وصولًا إلى مكان ثروة عائلة الأسد، لكن لا قضية أكثر حساسية من مصير عشرات الآلاف من الأشخاص الذين اختفوا على يد أجهزة الأمن التابعة لبشار الأسد وأبيه حافظ من قبله.
بالنسبة لرمضان، البالغة من العمر 39 عامًا والتي تم اعتقالها وتعذيبها في عام 2013، فإن هدفها هو معرفة ما حدث لوالدها، محمد، فقد تم اعتقاله قبل عقد من الزمن وأُعلن لاحقًا وفاته، رغم أن جثمانه لم يُسلَّم أبدًا.
تحطمت فرحة ابنة محمد رمضان عندما اتصل بها الرجل الذي ظهر في الفيديو من سوريا ليخبرها أنه ليس الشخص الذي ظنت هي ووالدتها وشقيقاتها أنه قد يكون، ومع ذلك، عاد بصيص الأمل مرة أخرى بعد أن سيطر الثوار على دمشق، واندفع الناس نحو سجن صيدنايا سيئ السمعة شمال العاصمة للبحث عن أحبائهم.
اظهر أحد مئات الفيديوهات التي وثّقت اقتحام صيدنايا أسماء مدينتها ووالدها وشقيقها أنور — الذي اعتقل أيضًا وأُعلن وفاته على الورق فقط من قبل النظام — محفورة على جدران زنزانة في السجن.
قالت رمضان، وهي طبيبة حصلت على حق اللجوء في فرنسا عام 2020، عبر الهاتف من مدينة روان: “سأواصل البحث عن أبي وكل مفقود”، وأضافت وهي التي فقدت زوجها وابنتها في الحرب الأهلية السورية : “أريد أن أجمع كل الأدلة لمحاسبة المجرم بشار وضباطه وشبيحته”.
وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش الشبكة المعقدة لأجهزة الأمن التابعة لعائلة الأسد بأنها “أرخبيل التعذيب”، حيث كانت هذه الأجهزة تدير أو تسيطر على أكثر من 100 مركز اعتقال في جميع أنحاء سوريا، تعتقل وتعذب بشكل تعسفي معارضي النظام ومنتقديه.
كما تورطت تلك الأجهزة في نظام حكومي “لمعالجة وإخفاء الأعداد المتزايدة من المحتجزين الذين قتلوا أثناء الاعتقال”، وفقًا لتقرير صدر في 6 ديسمبر عن الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، وهي جهة أنشأتها الأمم المتحدة لجمع الأدلة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سوريا.
ستحدد مسالة محاسبة النظام ما إذا كانت الفصائل المتحاربة والطوائف والعرقيات المختلفة في سوريا ستتصالح مع الماضي أو تغرق في دورة جديدة من الانتقام.
وتمتلك الدول الأوروبية ودول الشرق الأوسط، التي واجهت موجات من اللاجئين وهجمات إرهابية سابقة مرتبطة بسوريا، مصلحة مباشرة في استقرار هذه الدولة ذات الموقع الاستراتيجي في شرق البحر الأبيض المتوسط.
يقول فضل عبد الغني، مؤسس ورئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، التي حققت في الفظائع وجمعت بيانات تتعلق بالحرب الأهلية السورية المستمرة منذ 13 عامًا ونصف: “ملف المفقودين هو قضية هائلة معقدة تضم العديد من العوامل والمتغيرات”.
من الصعب معرفة عدد الأشخاص الذين اختفوا، لكن تقديرًا حديثًا للجنة الدولية للمفقودين وضع العدد عند حوالي 150,000 شخص.
قدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن هناك ما لا يقل عن 160,000 شخص تعرضوا للاعتقال التعسفي والاختفاء القسري منذ مارس 2011، عندما قمع الأسد الاحتجاجات السلمية ضده، مما أشعل حربًا متعددة الطبقات شارك فيها أطراف داخلية وخارجية، وحتى أغسطس الماضي.
لكن ليس جميعهم عانوا على يد نظام الأسد، فمن بين هؤلاء، حوالي 87% اعتقلهم النظام، بينما البقية احتجزتهم أطراف أخرى منخرطة في النزاع، بما في ذلك هيئة تحرير الشام، الفرع السابق لتنظيم القاعدة، التي قادت الإطاحة بالأسد وسيطرت على دمشق.
ويقدّر فضل عبد الغني أن حوالي 31,000 شخص أُطلق سراحهم منذ أن بدأ الثوار هجومهم الخاطف الشهر الماضي.
ومع اكتشاف المزيد من السجون المؤقتة والمقابر الجماعية، سيكون العدد الإجمالي للمعتقلين والمفقودين أعلى في النهاية.
في بداية الصراع، كان يُعتقد أن النظام يتبع منهجية لدفن جثث من أُعدموا شنقًا في السجون، أو عُذبوا حتى الموت، أو أُعدموا خلال مداهمات مناطق المعارضة، إضافة إلى الجنود الذين عصوا الأوامر، في مقبرة واقعة على طريق مطار دمشق الدولي.
لكن رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا وغيرها من الجهات استخدمت صور الأقمار الصناعية لتوثيق التوسع السريع في موقعين آخرين شمال العاصمة.
يقول دياب سريّة، المؤسس المشارك للرابطة وسجين سابق في صيدنايا: “ريف دمشق عمليًا أصبح مقبرة جماعية كبيرة”.
ويخشى سريّة، المقيم في تركيا ولديه فريق يعمل على الأرض في سوريا، أن تضيع بعض الأدلة وسط الفوضى أثناء بحث الناس عن أقاربهم وأصدقائهم.
في شقتها في برلين، شاهدت فدوى محمود المشاهد من صيدنايا بصدمة، فهي تبحث عن ابنها ماهر وزوجها عبد العزيز الخير.
كان الخير معارضًا قديمًا لعائلة الأسد، وقد سُجن على يد حافظ الأسد في التسعينيات، ثم أُطلق سراحه من قبل بشار في عام 2005، ليعاد اعتقاله مرة أخرى في عام 2012.
اعتُقل الخير مع شخصين آخرين فور وصولهم إلى مطار دمشق بعد زيارة إلى بكين، ولم يُسمع عنهم شيء منذ ذلك الحين.
تقول فدوى “هذه القضية تهم كل سوري”، ثم اضافت “إنها في صميم الحقيقة والعدالة التي نتوق جميعًا إليها”.
بعد اقتحام سجن صيدنايا، توجهت أُمية خنشو، الناشطة المعارضة ومنظمة الاحتجاجات من مدينة دوما قرب دمشق، إلى المساجد التي نُقل إليها المعتقلون المحررون وإلى مشارح المستشفيات التي أودعت فيها جثث الموتى، بحثًا عن “أصدقاء الثورة”.
تم اعتقالهم جميعًا في السنوات الأولى للانتفاضة وأُفرج عنها لاحقًا، لكنهم اختفوا.
وقالت خنشو، البالغة من العمر 51 عامًا: “هم بالتأكيد ماتوا لأن النظام كان انتقاميًا بشكل خاص تجاه دوما، لكن الناس ما زالوا يريدون إغلاق هذا الملف”.
يقول مالك سليم، الموظف المدني، إنه يشعر بنشوة لرؤية النظام يسقط بعد معارضته سرًا لعقود.
ولكنه يخشى كسوري علوي مثل عائلة الأسد، من العقاب لأن أجهزة الأمن كانت تتألف إلى حد كبير من أفراد من الطائفة ذاتها.
فقد سليم شقيقه وابن أخيه عندما شن مسلحون إسلاميون، بما في ذلك جبهة النصرة، السلف لهيئة تحرير الشام، هجوما عنيفا على قريته وبلدات أخرى قريبة في أغسطس/آب 2013، ولا يزال العديد من القتلى الذين بلغ عددهم نحو 200 شخص والمختطفين الذين تجاوز عددهم 100 شخص في عداد المفقودين حتى يومنا هذا.
وقال سليم: “نحن أيضا نتألم”.