سعاد خليل شعر التفعيلة كما هو معرف ومدون يعتبر أحد أشكال الشعر العربي الذي تميز بتحوّله من فكرة وحدة البيت إلى وحدة القصيدة، هذا بعد ان ضاق بعض الشعري في القرن الماضي بوحدة الوزن والقافية ، فرأوه الوزن رتابة لا تتلاءم وايقاعات العصر ، ووجدوا في القافية قيدا يحد من تدفق انفعالاتهم وتنوع تجاربهم ، ونتيجة تأثر بعضهم بالشعر الغربي وبعضهم الاخر بالموشحات والمسمطات ، راحوا يتحررون من ريقة ما سمي ( بالشعر العمودي) في هذه الدراسة سنحاول ان نتتبع العوامل الرئيسة التي مهدت للثورة الشاملة في حركة الشعر العربي الحديث، وكذلك الارهاصات الاولي لظاهرة شعر التفعيلة، ثم سنتناول هذه الظاهرة الفنية التي سادت اليوم ديوان العرب الحديث، ونعرض روادها الأوائل ممن أسس بناءها ، واقام قواعدها .
فلا غاية لنا الا ان نكشف عن عوامل روادها الأوائل ممن أسس بناءها، واقام قواعدها. فلا غاية لنا الا ان نكشف عن عوامل نشأتها الاولي وبواكيرها وروادها الأوائل، لعلنا ندرك ان لهذه الظاهرة الجديدة في ادبنا الحديث جذورا واصولا ثابته . في دراسة كتبها محمد محي الدين مينو عن اوليات شعر التفعيلة ، مبينا نشأتها وموضحا في شرحه لبعض الابيات الشعرية والترانيم الدينية كتب : عوامل نشأة شعر التفعيلة : سعي كثير من الباحثين الي تحديث العوامل الرئيسة في نشأة شعر التفعيلة ، فاختصر فريق الطريق الي هذه الظاهرة ، وراها اثرا من اثار المثاقفة التي ما زلنا رهائن لها ، وراح فريق اخر يبحث عن جذورها ، حتي كأنها وجه اصيل ، او كأنها شجرة ثابتة الأصول. 1- س.موريه : الترانيم الدينية : يرجع موريه في بحثه عن جذور الحداثة في شعرنا العربي واصولها تجربتها الاولي الي الترانيم الدينية، فقد عثر علي كتيب منها في المتحف البرطاني في لندن ، نسب الي احمد فارس الشدياق ، وطبع في مالطا عام 1830 ، واشتمل علي اثنتي عشرة ترنيمة ، لم يكن بعض نظم التقفية فيها معروفا في العروض العربي ، ويري ان الترنيمة الثانية عشرة (لاجل الهداية الإلهية ) هي اول قصيدة من الشعر ، تتغير فيها صورة القافية وطول الابيات .: ان ير الأردن طرفي فاعلاتن فاعلاتن بعد هذا المرتحل فاعلاتن فاعلن امح عني كل وجف فاعلاتن فاعلاتن واغفرن مني الزلل فاعلاتن فاعلن انت تدمير لظي وممات للأجل فاعلاتن فعلا فعلاتن فاعلن اجلسني عند قانا ، وبلغني الامل فاعلاتن فتعلن فاعلاتن فاعلن يا مريحي فاعلاتن فلك الحمد الاجل فعلاتن فاعلن ولو نظرنا الي هذه الترنيمة نظرة عروضية متأنية لراينا انها تأخذ من بحر الرمل تفعيلته الوحيدة فاعلاتن ) ثم يلجأ صاحبها الي تكرارها تكرارا غير منتظم ، واذا كان الاندلسيون قد اخرجوا من الرمل ضروب الموشحات فلاشك في ان الشدياق قد تاثر تاثر بالغا بهوء ، وكتب جملة من الموشحات في كتابه ( الساق علي لساق فيما هو الفارياق 1855) لكنه هنا حاول ان يطوع هذه الترانيم لألحان الترانيم الإنجليزية ، فقد أشار في كتيبه لي اللحن الإنجليزي لكل منها . وبعد هذا راح موريه يتتبع صور الوزن والقافية في كتب الترانيم الأخرى، ليؤكد ما خلص اليه في ضالته الاولي ، وهو ان الترنيم سواء كانت مترجمة ام مؤلفة قد تأثرت بإيقاعات الشعر الإنجليزي واعاريض الموشحات معا ، وتركت تأثيرها في جيل الشباب من الشعراء في سورية ، ومثلت اول خروج عن اعاريض الخليل وايقاعاته الراتبة . 2- سلمي الخضرا الجيوسي : الحاجة ام التغيير : تري الدكتورة الجيوسي ، ان الحداثة في الشعر العربي نتجت عن قوتين رئيستين هما : أ تأثير حركة الحداثة الغربية ن وهي حركة تبلورت بين 1910 و 1930 وورثت عدد من الأفكار والمواقف إزاء الكون والانسان وجملة من التحولات والتطورات كالثورة الصناعية وازدهار التقنية وانتشار التعليم، فكانت ردة فعل حقيقية علي نمط من الحياة وخيم ، هو اقرب ما يكون الي أنماط العصور الوسطي ولا شك في ان رياح هذه الحركة قد هبت من مختلف الجهات ، ولاسيما جهة الترجمة والصحافة والبعثات – علي عالمنا العربي الذي كان يعيش المخاض نفسه ووجدت في جنباته تربة صالحة، فكان لا بد من مواكبة حركة الحداثة الغربية . ب – الحاجة الداخلية الي التغيير وهي حاجة فرضتها علي الشعراء طبيعة الحياة الجديدة وما وصل اليه الشعر العربي من حال سيئة، جعلته نظما ممجوجا وحقلا للزخارف اللفظية والمحسنات البديعية ، ومن هنا كانت مهمة الشعراء الايحائيين والشعراء الطليعيين علي السواء هي ان ينقذوا الشعر من الجمود والموات ، ويشحنوه بقوة جديدة علي صعيد المضمون والشكل معا ، ونخص بالذكر هنا جبران خليل جبران (1883-1931 ) الذي خرج بقصيدته الي افاق من الرؤية والشكل جديدة ، وامين الريحان 187666 1940 الذي حرر قصيدته من الوزن والقافية ، فكان رائد ما سمي لاحقا بالشعر المنثور او قصيدة النثر. 3 – يعقوب صروف : الترجمة : في احدي افتتاحيات مجلة المقتطف نصح رئيس تحريرها يعقوب صروف المترجمين العرب باتباع طريقة الغرب ، عند ترجمة اشعاره ،فقال : سألنا بعض الشعراء البارزين في زماننا عن الطريق الي تحرير الشعر العربي من ربقة الاغلال التي تقيده ولبد نصحناهم بترجمة هوميروس وميلتون وغيرهما من فحول الشعراء ، فاستمعوا الي نصيحتنا . ولئن استطاعوا ان ينظموا هذا القصائد دون ان يقفدوا بلاغتهم فان شعراءنا سيغيرون فكرتهم عن الشعر والشعراء، وسيهجرون الطريقة التي اتبعوها حتي الان ، واتبعا كريقة الغربي ، وكان لهذه الدعوة تأثير في كثير من المترجمين ، وعلي راسهم سليمان البستاني الذي ترجم (الالياذة 1904) لهوميروس ، وهي في الأصل من الشعر المرسل ، ومنح نفسه الحرية في اشكال الترجمة ، فقال : سمحت لنفسي بابتكار نماذج غير معروفة ، وان كنت لم اتجاوز في أي منها قواعد الشعر واللغة ، لقد استخدمت النظم الشائع كالقصائد والتخاميس والارجاز ، واتبعت طرقا جديدة ، واطلقت علي كل منها مصطلح مناسبا ،فمن الاشكال التي استخدمها : المثني والمربع والمخمس والمثمن والمسمطات والموشحات .. وي اشكال من الشعر معروفة ومتداولة. 4 – نازك الملائكة : اجتهاد شخصي في حديثها عن ظروف نشأة ما تسميه نازك الملائكة بحركة الشعر الحر تسعي ان تؤكد ان هذه الحركة وليدة تجربتها الشخصية وتحرص حرص شديد علي أبعادها من تأثيرات عاملين مهمين من عوامل نشأتها وهما : أ الموشحات الأندلسية تقول ان المشهور المحفوظ منها يقوم علي أساس المقطوعة ، ويحافظ علي طول ثابت للأشطر ، وحتي اذا تساهل الناس بعض التساهل في الطول ، فان ذلك يجري في حدود معينة تجعل الموضح ابعد ما يكون عن الشعر الحر وانما الشعر الحر شعر تفعيلة والموشح شعر شطري ، ولكن الواقع ان الاندلسيين قد ذهبوا في الموشح مذاهب شتي بعيدا عن القصيد ، ونظموا اكثره علي الرمل ، وهومن اكثر الابحر دورانا في شعر التفعيلة ،لأنه بحر (بسيط ) ولان جوازات فاعلاتن ) المتعددة تتيح للشاعر من الايقاعات ما لا تتيحه أي تفعيلة اخري من تفعيلات العروض العربي . ب – البند تقول : اما البند فالمعروف ان اسلوب مجهول لدي الجمهور العربي لم يكتبه الا شعرا العراق ، وانا شخصيا لم اسمع به قبل عام 1953 علي قوة اهتمامي بالشعر العربي ، ولكن هذا الجهل بالبند ليس وراءه ما يثبته ولا ما يبرره فالبند فن من فنون الشعر التي ظهرت في العراق في عصور متأخرة ، وهو اقرب الي شعر التفعيلة من غيره ، لأنه يعتمد علي وحدة التفعيلة لا البحر ، ولا قوافيه متنوعة اشطره متفاوتة الطول ، والحق ان نازك الملائكة سواء اعرفت البند ام لم تعرفه ن لم تكن رائدة في كتابة شعر التفعيلة فحسب ، كما سنري وانما كانت رائدة ايضا في تقعيده وتأصيل نقده ، وذلك في مقدمة ديوانها (شظايا ورمد 1949 ثم كتابها (قضايا الشعر المعاصر 1962) الذي ظل حتي وقت قريب مرجعا مهما في دراسة أصول الشعر العربي الحديث وظواهره . ثالثا : الارهاصات الاولي : اذا كنا في دراستنا (عوامل نشاة شعر التفعيلة ) قد راينا ان بناء البند وبعض ضروب الموشحات والترانيم الدينية يتطابق تطبق النعل بالمثال – كما يقول المثل مع ظاهرة شعر التفعيلة ، فإننا هنا سنحاول ان نتتبع الارهاصات الاولي لهذه الظاهرة ،وهي تتمثل في مجموعة من الاشكال والأساليب الفنية التي اخذت تظهر في مطلع القرن العشرين علي يد بعض الشعراء الإيحائيين والشعراء الطليعيين : أ – الشعر المقطعي: هو الشعر الذي يأتي علي شكل مقاطع كمقاطع الموشحات، ويجري كل منها علي قافية، وربما تختلف اشطر كل مقطع عن الاخر في الطول والبحر ، فما يربط بينها الا الموضوع ، وممن سار علي نهجه : اديب إسحاق ، واحمد زكي أبو شادي ، وميخائيل نعيمة، وجبران خليل جبران ، وخليل طران ، وايليا أبو ماضي ، ونسيب عريضة ، والزهاوي والعقاد ، والمازني . وقد رأينا ان الشكل المقطعي للترانيم الدينية قد لفت موريه في بحثه عن جذور الحداثة في شعرنا العربي واصولها ، فراي فيه أبا روحيا لشعر التفعيلة ،ولكنه لم يقف عند هذا الاكتشاف ، بل تتبعه لدي نمن سار علي هديه من الشعراء ، ولاسيما ميخائيل نعيمة ونسيب عريضة ، ليخلص بجرأة ووضوح الي انهما قد سبقا السياب والملائكة في كتابة شعر التفعيلة ، ففي ذلك يقول : يبدو ان نعيمة وعريضة تبنيا هذه الأفكار المتحررة في الشكل العشري وتجاسرا علي دفع الشكل الجديد خطوة الي الامام في الوقت الذي كان يحافظن فيه علي الاوزان العربية وبهذا طورا الشعر المقطعي في اللغة العربية في اتجاه الشعر غير المنتظم الذي سماه بدر شاكر السياب سنة 1947 الشعر الحر بعد نقله له الي الشعر العربي . ونقلت نازك الملائكة هذا النوع من المقاطع الشعرية سنة 1947، وأطلقت عليه أيضا اسم الشعر الحر. ومما يرويه موريه لميخائيل نعيمة هذا المقطع الأول من قصيدته (من سفر الزمان 2929 ) روحي ، فكم شبت ، وشابت سنين ، من قبل ان بانت حواشيك واليوم كف ا لدهر تطويل عنا ، ومن كدري متي تنشرين ؟ روحي ، وخلينا بالأرض لاهينا ذرعي امانينا في مرح أوهام ما بين أيام واعوام تأتي ، وتمضي ، وهي سر دفين. ومما يرويه لنسيب عريضة هذا المقطع الأول من قص يدته (قبل التكوين 1915 ) الا استيقطي ، يا اشعة نفسي ولو لدقيقة ، وشقي حجب دياجير رمسي ، لالقي الحقيقة . ففي جمود علي يثور ، وشك بغير ا نتظام يدور ، وليل يعم وليل يغور ، وليل يضج كبدء الحقيقة . ويري موريه في قصيدته ( النهاية 1971 ) خطوة متقدمة في تطوير الشع المقطعي في العربية (الرمل ) كفنوه ،، ادفنوه اسكنوه ، هوة للحد العميق واذهبوا لا تندبوه فهو شعب ميت ، ليس يفيق . ويعدها عمل فذا جسورا ، يمكن ان نعده المحاولة الاولي في الشعر العربي الحديث لتكييف الشكل مع الجتجربة العشرية واتخاذ التفعيلة لا الشطر أساس لوزن الشعر . ب – الشعر المرسل هو شعر عمودي لا يتقيد صاحبه بقافية واحدة ، وانما يرسل كلمة (الضرب ) ارسالا ، يتوافق مع المعني لا مع التقفية ، وربما كانت اول محاولة لكتابة الشعر المرسل في العصور الحديثة تلك التي قام بها الشاعر رزق الله حسون (1835-1880) في القرن التاسع عشر في ترجته المنظومة للإصحاح الثامن عشر من سفر أيوب ، وذلك في ديوانه (اشعر الشعر ) لصادر في لندن عام 1869 . ومن بعده كتب جميل صدقي الزهاوي قصيدته الشهيرة (الشعر المرسل 1905 ) من ديوانه الكلام المنظوم 1909 وعدتها ستة وعشرون بيتا ، يقول مطلعها : لموت الفتي خير له من معيشة يكون بها عبدا ثقيلا علي الناس يعيش رخي العيش عشر من الوري وتسعة اعشار الانام مناكيد. اما في بني الأرض العريضة قادر يخفف ويلات الحياة قليل افي الحق ان البعض يشبع بطنه وان بطون الاكثرين تجوع . سنكتفي بهذا في هذا المقال وسنواصل في العدد القادم بقية الدراسة. بالإضافة إلى عدم الانتظام باستعمال القافية، كما دأب الشعر الحر إلى إيجاد تناسق وتوحيد بين الشكل والمضمون وتعددية التفعيلات في الأبيات الشعرية ضمن القصيدة الواحدة، هذا وساهم في استخدام التدوير وشمول القصيدة الواحدة على عددٍ من البحور الشعرية مع الانخراط في فكرة تجريب أشكال مُستحدثة من الموسيقى الشعرية.
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
كاتب صحفي: لابد من تبسيط مفهوم حقوق الإنسان خاصة الأساسية
أكد الكاتب الصحفي علاء الغطريفي، أن المجلس القومي لحقوق الإنسان يمكن أن يراقب حقوق الصحفيين والإعلاميين، متسائلا “أين نحن من قانون تداول المعلومات وحرية الصحافة”؟.
وقال علاء الغطريفي، خلال لقاء له لبرنامج “نظرة”، عبر فضائية “صدى البلد”، تقديم الإعلامي “حمدي رزق”، إنه هناك مشكلة في الإعلام الاحترافي المؤسسي في مصر.
وتابع علاء الغطريفي، أن القارئ يحتاج عرض المواد بكل شفافية برواية وطنية، ولابد من تبسيط مفهوم حقوق الإنسان خاصة فيما يتعلق بالحقوق الأساسية حتي يفهمها المواطن.