الجزيرة:
2025-03-10@16:25:38 GMT

الإنزالات الجوية في غزة وجه آخر للعجز الدولي

تاريخ النشر: 4th, March 2024 GMT

الإنزالات الجوية في غزة وجه آخر للعجز الدولي

بعد ستة أشهر على الحرب المدمّرة التي تشنها إسرائيل على غزة، وسياسة العقاب الجماعي، والتجويع والتهجير، التي تُمارسها بحق الفلسطينيين، فإن أي تحركات دولية تُساعد في الحد من آثار الكارثة الإنسانية في القطاع، حتى لو كانت متواضعة ولا ترتقي إلى حجم الكارثة، هي محل ترحيب إذا كانت تُحقق هذا الغرض بالفعل.

مع ذلك، فإن الإنزالات الجوية التي نفذتها بعض الدول مؤخرًا في غزة؛ لإيصال المساعدات الغذائية إلى المنكوبين، ومن بينها الولايات المتحدة، هي في الواقع وجهٌ آخر لفشل المجتمع الدولي في إظهار استجابة إنسانية وقوية لهذه الكارثة الإنسانية، ولعجزه غير المُبرر في الضغط على إسرائيل لوقف حرب الإبادة ضد سكان غزة.

هذه الآلية تُحقق أهدافًا بعيدة المدى لإسرائيل، وأكثر أهمية لها، وتتمثل في تقويض عمل منظمات الإغاثة الإنسانية على الأرض، وإنهاء وجود منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا

تعكس الاستعاضة عن فكرة تعزيز إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر المعابر البرية بإنزالات جوية، الجانبَ الأكثر سوءًا في قضية المساعدات، وهو أنَّ الدول الأكثر قدرة على ممارسة الضغط على إسرائيل، مثل الولايات المتحدة، تُقارب هذه المسألة من منظور يتماهى بشكل واضح مع أهداف آلة الحرب الإسرائيلية.

إن مُجرد الاستسلام للقيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة- عبر إسقاط المساعدات المحدودة للغاية من الجو- لا يؤدي، فحسب، إلى تعميق المأساة الإنسانية للفلسطينيين، بل يُضفي أيضًا مشروعية على سياسة العقاب الجماعي الإسرائيلية، ويُشجع إسرائيل على مواصلة إستراتيجية التجويع الشامل للفلسطينيين؛ لتحقيق ما تعجز عنه من خلال القتل العشوائي للمدنيين، وتهجيرهم.

والسبب ببساطة أن آلية إيصال المساعدات عبر الجو- بدلًا من المعابر البرية الأكثر فاعليّة- تُساعد إسرائيل في تحسين صورتها أمام العالم؛ كون عمليات الإنزال الجوي تجري بالتنسيق معها.

كما تُساعدها في التحكم بشكل كبير في هذه المساعدات لمنع استفادة الفلسطينيين منها بشكل مناسب، بالنظر إلى أن غالبية هذه المساعدات ينتهي بعضها في البحر، أو خارج غزة، ولا يستطيع الأشخاصُ الأكثر حاجة إليها الوصولَ لها بأي حال من الأحوال.

علاوة على ذلك، فإن هذه الآلية تُحقق أهدافًا بعيدة المدى لإسرائيل، وأكثر أهمية لها، وتتمثل في تقويض عمل منظمات الإغاثة الإنسانية على الأرض، وإنهاء وجود منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا.

وحتى لو كان هدفُ إسرائيل منع الحكومة التي تُديرها حركة حماس – في قطاع غزة من الإشراف على توزيع المساعدات الإنسانية للمنكوبين – مشروعًا من وجهة نظر الولايات المتحدة، وبعض الدول الغربية، التي شاركت في عمليات الإنزال الجوي للمساعدات كالمملكة المتحدة، فإن منع منظمات الإغاثة المحلية، ووكالة الأونروا من لعب الدور المنوط بها في ملف المساعدات، يخدم الأهداف الإسرائيلية بتصفية وكالة الأونروا بشكل أساسي، ويُكرس سابقة خطيرة في التعاطي الدولي مع الآثار الإنسانية للحروب والصراعات.

وحقيقة أن بعض الدول الغربية قرّرت مؤخرًا وقف تمويلها للأونروا؛ بذريعة المزاعم الإسرائيلية بمشاركة موظفين فيها بالهجوم الذي شنته حركة حماس على مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي، تُعزز الاعتقاد بأن هذه الدول تتماهى مع الأهداف الإسرائيلية الساعية إلى تقويض دور وكالة الأونروا كمقدمة لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين.

إضافة إلى ذلك، فإنه أصبح من الواضح أن إسرائيل تستخدم سياسة التجويع كوسيلة ضغط على المقاومة الفلسطينية في مفاوضات التوصل إلى وقف جديد لإطلاق النار.

إذا كانت الدول الغربية جادّة بالفعل في العمل على الحد من آثار الكارثة الإنسانية التي لا يُمكن تصورها في غزة، فإن هناك طريقتَين أكثر تأثيرًا وأقل تكلفة لتحقيق هذا الغرض بدلًا من إلقاء المساعدات عبر الجو بشكل عشوائي، الذي يظهر أنه مُصمم بشكل أساسي لأغراض دعائية وسياسية بقدر أكبر من أغراضه الإنسانية.

وتتمثل هاتان الطريقتان بالضغط على إسرائيل لفتح معبرَي كارني وإيريز مع غزة، والوصول غير المُقيد لمنظمات الإغاثة، فضلًا عن تقديمها ضمانات صريحة بعدم التعرض للمساعدات التي تدخل القطاع عبر معبر رفح البري مع مصر، بالإضافة إلى استخدام الدبلوماسية والمساعدات العسكرية والاقتصادية لإسرائيل كأداة ضغط لإجبارها على تغيير سلوكها في الحرب والوصول إلى وقف فوري وطويل الأمد للحرب.

مع ذلك، يظهر بشكل جلي أن الغرب لا يزال غير مستعد لممارسة نفوذه، كما ينبغي على الاحتلال الإسرائيلي، لعزل ملف المساعدات الإنسانية عن موقفه السياسي من الحرب.

لقد أظهر المجتمع الدولي، عمومًا، والدول الغربية، على وجه الخصوص- كونها تتحمل المسؤولية الأساسية في الانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة للقانون الدولي والإنساني- فشلًا أخلاقيًا ذريعًا في التعاطي مع الآثار الإنسانية للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

ولن يكون بمقدور الدول الغربية- وعلى رأسها الولايات المتحدة- التعويضُ عن هذا الفشل أو إخفاؤُه عبر الانخراط في عمليات الإنزال الجوي لإيصال المساعدات إلى غزة؛ لأن مثل هذه العمليات- علاوة على أنها لا تُلبي ولو بشكل ضئيل الاحتياجات الإنسانية في القطاع – تعكس التماهي الغربي مع التوظيف الإسرائيلي لملف المساعدات من أجل تحقيق أهداف الحرب بوسائل أكثر قذارة كالتجويع.

كما أن هذا العجز في ملف المساعدات (إذا ما أحسنا الظن بالنوايا الظاهرية لعمليات الإنزال الجوي التي قامت بها بعض الدول الغربية)، يُعزز في الواقع قدرة إسرائيل على الإفلات من العقاب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات المساعدات الإنسانیة الولایات المتحدة الإنزال الجوی الدول الغربیة أهداف ا التی ت

إقرأ أيضاً:

تفاقم الأزمة الإنسانية «جنوب الحزام» وسط انهيار الخدمات الصحية والأمنية

على الصعيد الأمني، تعاني المنطقة من انفلات خطير مع تكرار عمليات النهب والاعتقالات التعسفية وتهجير الأسر تحت تهديد السلاح، ما زاد من تدهور الظروف المعيشية.

الخرطوم: التغيير

تشهد منطقة جنوب الحزام أوضاعًا إنسانية متدهورة مع استمرار تردي الأوضاع الصحية والأمنية والمعيشية، مما يهدد حياة آلاف السكان ويستدعي تدخلًا عاجلًا لتخفيف المعاناة.

وأفادت غرفة طوارئ جنوب الحزام في بيان صحفي بأن المنطقة تعاني من انهيار شبه كامل في القطاع الصحي، بعد خروج المستشفى الوحيد عن الخدمة وإغلاق معظم العيادات بسبب النهب والتخريب، الأمر الذي حرم المرضى من الرعاية الطبية الأساسية.

كما أدى النقص الحاد في الأدوية، مثل الأنسولين وأدوية الضغط، إلى تفاقم معاناة المصابين بالأمراض المزمنة، مما اضطر البعض لاستخدام الأعشاب كبدائل علاجية. وفي ظل غياب الرقابة، انتشرت تجارة الأدوية في السوق السوداء بأسعار باهظة، ما جعل الحصول على العلاج أمرًا صعبًا لكثير من المواطنين.

على الصعيد الأمني، تعاني المنطقة من انفلات خطير مع تكرار عمليات النهب والاعتقالات التعسفية وتهجير الأسر تحت تهديد السلاح، ما زاد من تدهور الظروف المعيشية.

ورغم تحسن طفيف في توفر بعض السلع، فإن ارتفاع الأسعار وتوقف بعض المطابخ الخيرية أدى إلى تفاقم معاناة السكان، في حين تواصل بعض التكايات تقديم المساعدات رغم شح الموارد وغياب الدعم.

وأمام هذه الأوضاع الكارثية، ناشدت غرفة طوارئ جنوب الحزام المنظمات الإنسانية والجهات الفاعلة بالتدخل العاجل لإيصال المساعدات الطبية والغذائية، كما دعت إلى فتح ممرات آمنة لضمان وصول الإغاثة وإنقاذ حياة المدنيين المحاصرين في ظروف قاسية.

الوسومآثار الحرب في السودان الأزمة الإنسانية في السودان جنوب الحزام جنوب الخرطوم

مقالات مشابهة

  • علماء المسلمين يحذر من الكارثة الإنسانية في غزة ويدعو لتحرك عاجل
  • ألمانيا تحذر: وقف المساعدات وقطع الكهرباء عن غزة يفاقم الأزمة الإنسانية
  • وزير الخارجية يشدد على ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بدوره لإنهاء الكارثة الإنسانية بغزة
  • تفاقم الأزمة الإنسانية «جنوب الحزام» وسط انهيار الخدمات الصحية والأمنية
  • إسرائيل تشدد الحصار على غزة بوقف الكهرباء والمياه والمساعدات الإنسانية
  • إذ أراد الجيش انتصار بالخرطوم عليه التصدي بشكل حاسم لظاهرة الشفشفة في المناطق التي يستعيدها
  • عاجل | هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤول: إحراز تقدم معين في المحادثات التي أجرتها الولايات المتحدة مع حماس
  • الأمم المتحدة: منع دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة جريمة حرب
  • الأمم المتحدة: منع دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة يرقى لجريمة حرب
  • السيد القائد يعلن 4 أيام مهلة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة