سواليف:
2024-10-05@14:04:56 GMT

موقف عمومي

تاريخ النشر: 4th, March 2024 GMT

#موقف_عمومي

د. #هاشم_غرايبه

من قصص العرب، يحكى أنه كان هنالك رجل شهم كريم من بني عجل بن لجيم يدعى “أبو دلف”، وكان له جارٌ جارَ الزمان عليه وتراكمت ديونه حتى بلغت عشرة آلاف درهم، فقال لدائنه: ليس لدي غير هذا البيت أتأخذه مقابل دينك؟، فرد عليه: لكن بيتك هذا لا يساوي أكثر من خمسة آلاف، فقال: صحيح لكن جيرة أبي دلف بالخمسة آلاف الأخرى، فرفض المشتري، ولما سمع أبودلف بذلك تأثر كثيرا، وقال وأنا لا أفرط في جيرة من جعل جيرتي عدل ماله، فدفع عنه ديْنه وأبقاه في بيته.


فيما مضى، كانت قصص الشهامة والمروءة والكرم، سيرة معتادة، وأعرافاً جاريةً، لدرجة أن الناس كانت تخشى أن تعرف بغيرها، وتتجنب الأفعال التي تصف الفاعل بنقيضها، مهما بلغت الكلفة وغلت التضحيات.
فهذا المتنبي وقد عرض له في الطريق عصابة قاطعون لها، لما رأى كثرتهم وأيقن أنه لا حيله له بهم، نوى الهرب بجلده، فقال له خادمه: ألست القائل “الخيل والليل والبيداء تعرفني..”، فقال : قتلتني قاتلك الله، وعاد يقاتلهم حتى قتل.
وظل الحرص على بقاء قيم الشهامة وإغاثة الملهوف، مهما كان الثمن، فهذا الذي وجد في الصحراء رجلا متمددا في طريقه حسبه جريحا أو مريضا، فتوقف وأركبه فرسه وسار الى جانبه، لكنه ما أن تمكن من اللجام حتى وكز الفرس وانطلق بها، فإذ به لص مخادع، لكن المخدوع إذ أيقن استحالة اللحاق به، صرخ به لا ليستعطفه فقد أيقن بالهلاك في بطن الصحراء وحيدا، بعد إذ فقد الراحلة والزاد، بل مستحلفا إياه أن لا يذكر هذا الحدث للناس، مخافة أن تنقطع المروءة بينهم.
لم تنقرض هذه القيم في عصرنا هذا كما يعتقد من حرصوا على (تطوير) ثقافتنا الجمعية باتجاه العلمنة، بدعوى التخلص من القيم (التي يدعونها بالية ولا تناسب العصر)، وما ذاك إلا لأنها قيم يفتقدها الغرب الذي يريدون اتباعه شبرا بشبر، والدليل هو ما نراه في القطاع المستهدف يوميا بالتدمير، فدائما ما يهب الشباب فور تعرض بيت للقصف الى محاولة انقاذ من هم تحت الركام، أو لإطفاء الحريق، غير عابئين بخطر استهدافهم هم أيضا، وغير منتظرين حضور الدفاع المدني والمسعفين، الذين قد لا تستطيع آلياتهم الوصول.
في الغرب أقصى ما يفعله الناس في مثل هذه الحالة الإتصال بالدفاع المدني، ثم ينشغلون بتصوير المشاهد المؤلمة لبيعها كسبق صحفي مثير.
قبل فترة أقدم لص تحت تهديد السلاح على سرقة محل للذهب في عمان، وركض صاحب المحل خلف السارق عبثا، وشاهده رقيب للسير فجازف بحياته وأمسك بالسارق رغم أن ذلك ليس من وظيفته، في أمريكا ينصح الناس بعدم اعتراض اللص والإبتعاد عن طريقه حفاظا على حياتهم.
بر الوالدين.. المروءة.. إغاثة المكروب.. إصلاح ذات البين.. مساعدة المحتاج.. مواساة أهل الميت.. عيادة المريض.. اكرام الضيف..الإحسان الى الجار.. مودة ذي القربى، كل هذه المفاهيم لم تعد موجودة في الغرب، لأنها في نظر النظام العالمي الليبرالي قيما بالية، إذ لا قيمة فيه إلا لما يحقق ربحا، لكنها في مجتمعاتنا ما زالت قيما عليا، نعتز بالإنتماء لها، ونتمسك بها، ليس لأنها مجرد عادات اجتماعية متوارثة، بل لأنها جزء من عقيدتنا الإيمانية، فعلها فيه أجر، وتركها فيه وزر، فبيت العزاء للمتوفى يسمى عندنا بيت الأجر، وكل عمل خير نسعد به الآخرين يسعدنا لأننا نعتبره في سبيل مرضاة الله.
هذه البقية الباقية من قيمنا التليدة، ما زالت في النفوس، نتمسك بها لأنها من صلب عقيدتنا، ونلوذ بها احتماء، تحمي نفوسنا التي أتعبها الكد والشقاء في الركض وراء لقمة العيش، فتواسينا في هذا الزمان الصعب، الذي ما جعله صعبا إلا فساد الفاسدين الذين هم أيدي الطغاة الناهبين المستترة، أكلوا السنبلات الخضر واليابسات، فجعلوا السنين كلها علينا عجافا، وفاقمه جورهم واستبدادهم، وماهم في حقيقتهم إلا أيدي المستعمرين المستترة.
نعتز بكل ما ورثناه من حميد السجايا ونبل الطوايا، لأن تسيّد القيم العليا هي السمة التي تعلي من شأن الحضارة، فهذا هو الرقي الحضاري، وليس التطاول بالبنيان ولا التكاثر في الأموال والاختراعات.

مقالات ذات صلة كلام حساس عن الحملات ضد الأردن 2024/03/04

المصدر: سواليف

إقرأ أيضاً:

بري: ننتظر إخواننا في المعارضة ليقترحوا والجوّ منيح!

مواقف لافتة أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بوي من الاستحقاق الرئاسي، عكست مرونة أكبر لئلا يقال تراجعاً أو تنازلاً، لا يمكن عدم ربطها بعامل الحرب الاسرائيلية المستجدة والمستمرة من دون هوادة منذ أسبوعين.
 
وكتب سابين عويس في" النهار":تأتي هذه المواقف غير المسبوقة لرئيس المجلس متزامنة مع حركة سياسية تكثفت في الأيام القليلة الماضية، بعد صمت ثقيل فرضه اغتيال الأمين العام ل" حزب الله" السيد حسن نصرالله، فضلاً عن ترقب ما ستكون عليه خطوات الحزب بعد هذا الاغتيال، والمسار الذي ستسلكه، سواء على محور الجبهة الجنوبية ومدى استمراره على الخط الذي رسمه نصرالله نفسه بإبقاء جبهة الإسناد لغزة هدفاً محورياً للحزب في حربه ضد إسرائيل، أو على المحور الداخلي لتبيّن ما إذا كان الحزب أصبح جاهزاً للسير بتسوية سياسية تفضي إلى انتخاب رئيس للبلاد يستتبع بتأليف حكومة جديدة، بعدما أنهكت حكومة تصريف الأعمال بأعباء وأثقال تعجز عن مواجهتها، وهي في جانب منها مبتورة بمقاطعة وزراء "التيار الوطني الحر"، ومكبّلة بواقع كونها مستقيلة، فضلاً عن عجزها الآن عن الانعقاد إذا استمر غياب وزراء الثنائي عن الصورة، وبالتالي عن المشاركة في أي نشاط سياسي.
 
أطلق بري أكثر من موقف، إما مباشرة، وإما عبر ما نقله زواره أخيراً، فُهم منها أنها تحمل تنازلاً في الشروط السابقة التي أعاقت عملية الانتخاب.
لكن هل كل هذه التنازلات صحيحة؟ وهل تعكس فعلاً موقف رئيس المجلس؟

عن هذا السؤال يجيب بري "النهار" بأن موقفه الثابت هو ما أعلنه عقب الاجتماع الذي عقد في عين التينة وصدر عنه بيان تلاه رئيس الحكومة. ويقول: "منذ عام وأنا أنادي بالحوار من أجل التوافق على الاستحقاق الرئاسي، ثم شذبنا آلية الحوار ولم تقبل معي المعارضة. واليوم وصلنا إلى ما نحن عليه، وقد خلصنا في الاجتماعات الأخيرة إلى العمل للتوافق على شخصية يرضى عنها الجميع".
 
ولكن فهم من هذا الكلام أنه تنازل عن مرشح الثنائي؟ يردّ: "غير صحيح، نحن تحدثنا عن رئيس توافقي. من قال إن مرشحنا لا يحظى بالتوافق؟ كل شيء معقول".
 
ويضيف رداً على سؤال عن موقف المعارضة، أنه طلب "إلى إخواننا في المعارضة أن يقترحوا أسماء قابلة لأن تحظى بالحلحلة والتوافق لدى الجميع، ونحن في الانتظار"، كاشفاً أن الأجواء جيدة.
 
مواقف بري، على إيجابيتها، دونها عائقان وفق مصادر سياسية، يمكنهما أن ينسفاها ويعيدا الأمور إلى مربعها الأول، ربما عن قصد. فبري اشترط أن يحظى الرئيس المقبل بأصوات 86 نائباً، أي أكثرية الثلثين التي للمفارقة، لا يمتلكها أي فريق. وهذا يقود إلى الاعتقاد أن كل الجهود الداخلية لن تؤدي إلى إنضاج تسوية رئاسية تحظى بثلثي أصوات النواب، ما لم تأتِ من ضمن التسوية الدولية التي تسعى إليها باريس وحيدة في ظل انشغال واشنطن، وإلى جانبها الغرب، برصد الحرب.
 
أما العائق الثاني فيكمن في لجوء بري إلى رمي كرة اختيار المرشح في مرمى المعارضة عموماً والمسيحيين خصوصاً، عندما قال للنواب الذين زاروه أول من أمس واقترحوا عليه تحديد اسمين أو ثلاثة يمكن السير بها، "ليش بدكم تبلشوا فينا، بلشوا من عندكم!"
 
وقد أثار هذا الكلام خشية في أوساط مسيحية أن يكون بري في صدد رمي الكرة عند المسيحيين، لعلمه أنهم لن يتفقوا على اسم، بحيث يبقى اسم فرنجية المرشح الأقرب إلى الثنائي!

مقالات مشابهة

  • وصف النبي في القرآن.. صدر مشروح وقلب أقوى من الجبال
  • “التربية”: للمعلم دور حيوي في التعليم والبناء وغرس القيم
  • حمدالله في موقف صعب .. والسومة في مأمن
  • الأهلي يحسم الجدل حول موقف علي معلول
  • انتحار القيم
  • بري: ننتظر إخواننا في المعارضة ليقترحوا والجوّ منيح!
  • 4 أعضاء شريفة لرسول الله وصفها الله في القرآن الكريم
  • موقف الإمارات.. نقطة مضيئة
  • نحو نظرية إسلامية عالمية لبناء القيم والأخلاق والهوية
  • الطرفان يكذبان.. خبير سياسي يعلق على خسائر إسرائيل من الضربة الإيرانية (فيديو)