سودانايل:
2024-07-06@15:01:07 GMT

الحرب التي رفضها حمدوك…!!

تاريخ النشر: 4th, March 2024 GMT

إسماعيل عبد الله
في إفادته أشار خالد سلك لرفض حمدوك مقترح البرهان المتعلق بالقضاء على قوات الدعم السريع في ستة ساعات، إذا ما وافقت قوى الحرية والتغيير على منح الجنرال خليفة الدكتاتور المغرور الغطاء السياسي، وعلل حمدوك رفضه بأنهم أتوا لتحقيق السلام والاستقرار- بحسب إفادة سلك، وعليه لا يمكن أن يوافقوا على إشعال حرب من المؤكد أنها ستدوم لسنوات قادمة، في قارة موبوءة بالصراعات المسلحة ومشهورة بالحروب الطويلة الأمد، وتصديقاً لما ذهب إليه حمدوك فإنّ حرب الجنوب التي خاضها النميري والصادق المهدي والبشير، دامت فترة قاربت ربع القرن من الزمن، الشاهد في قول وزير شئون الرئاسة السابق خالد، أن كيان الحرية والتغيير كان على علم، بما سوف تؤول إليه الأوضاع بعد إشعال الحرب المخطط لها سلفاً، لذلك وقع قائد الدعم السريع في فخ الانقلاب المعد مسبقاً، والمرتب له من قبل بقايا فلول النظام البائد الذين يرأسهم البرهان قائد الجيش، وبحديث خالد أصبح من اليقين بمكان الدور السلبي الذي لعبته القوى المدنية – الحرية والتغيير – وتقصيرها في تمليك الشعب المعلومة الخطيرة في الوقت المناسب، لقد صمتت القوى المؤتمنة على ثورة ديسمبر المجيدة دهراً، ونطقت كفراً على لسان ناطقها الرسمي سلك، كيف تهيأ للحاضن السياسي لحكومة الانتقال – قحت – ان ينزلق هذا المنزلق الخطير، ويهبط لهذا الدرك السحيق؟، لماذا خشي هذا الحاضن ابتزاز وتهديد وترهيب قوى الظلام الإخوانية؟، هل جاء ذلك نتاج للوشائج الأسرية الرابطة بين بعض قادة الحاضن وشخصيات نافذة في حكومة الجبهة الإسلامية – الاخوان المسلمين؟، أم أن الأمر له علاقة بدولة ست وخمسين التي استمرأت إعادة انتاج الأزمة الوطنية جيل بعد آخر؟.


الحروب لا يعرف مآسيها إلّا الرجال الذين خاضوها، ولا يدرك كنه خطورتها إلّا الشخصيات الأممية التي واكبت أزمات وحروب القارة الإفريقية – حمدوك مثالاً، وحرب الخامس عشر من أبريل التي أشعل عود ثقابها الدباب الموتور علي كرتي وجوقته الإخوانية المتطرفة، رفضها الدكتور حمدوك الذي لا يملك ناطحة سحاب واحدة في الخرطوم، يخشى تدميرها بقذائف مدفعية الطرفين، فهو الأكثر حرصاً على عدم استنساخ تجارب الشعوب الأفريقية البائسة، التي دفعت ثمناً باهظاً حتى تعيد الحياة إلى مجاريها، ونسبة لجهالة الجاهلين من أبناء الوطن الذين ضلوا طريقهم باعتناقهم للفكر المتخلف الذي انتجه الحسنان (البنا والترابي)، دشنوا حملات مغرضة استهدفت الرجل – حمدوك – ووجهوا آلتهم الإعلامية لاغتيال شخصيته، حدث هذا دون أن يطالب أحد بسيرة ومسيرة رئيس الوزراء المجمع عليه من جمهور الثورة المجيدة، لقد صاح الرجل في وادي الصمت ولم يجد من يصغي إليه أو يقدر جهده المبذول، حتى وقعت الفأس على الرأس وبكى الشعب السوداني على اللبن المسكوب، بعد أن وجد نفسه مشرداً في بلدان العالم والإقليم، يتكفف الناس أعطوه أو منعوه، فبين ليلة وضحاها تصدرت شاشات التلفزة المحلية والعالمية، أخبار الأعداد الكبيرة من هذا الشعب المبتلى بحفنة سيئة من أبناءه، الذين غُسلت أدمغتهم بتعاليم الكتب الصفراء القادمة من الجوار، فامتلأت منصات الإعلام المرئي والمقروء بأكوام الجثث المتعفنة، المكتظة بها أزقة وحواري وأحياء المدن السودانية، التي كانت لوقت قصير قبيل تفجر فتيل الحرب، تهتف بشعار الحرية والسلام والعدالة وتحلم بالوطن الذي يسع الجميع.
الكتلة المدنية التي يقودها حمدوك بحاجة لمراجعة الأوراق وللمكاشفة فيما بين رموزها، قبل أن تخوض في شئون مستقبل العملية السياسية، فهي تحوي رموز الحكم الانتقالي – الشق المدني المسنود إليه تحقيق تطلعات ثوار ديسمبر في السلام والحرية والعدالة، على حمدوك وبحكم موقعه كقائد للكتلة أن يقيم محاكم تفتيش داخلية وحصرية بين مكونات الكتلة، للمحاسبة في التقصير الذي تم من رموز الحكومة الانتقالية المنقلب عليها كل حسب موقعه، وزراء وأعضاء مجلس سيادي وولاة وحكام أقاليم، وذلك لتصحيح المسار ومعالجة أخطاء الممارسة التي من بينها انعدام الشفافية بينهم وبين الشعب الذي استأمنهم على منجزات ثورته، ولتلافي حالة الغموض التي اكتنفت مرحلة الانتقال السالفة، فالثورة ثورة شعب وواجب من قبلوا بتحمل المسؤولية، أن يكونوا على قدر عالٍ من المصداقية والوضوح والصراحة، تلافياً لتكرار الأخطاء القاتلة التي ارتكبها غالب من تنسموا الوظيفة الدستورية بحكومة حمدوك المستقيلة، فللمضي قدماً في (تقدم) تفرض الضرورة القصوى استلهام العبرة والدرس، مما سبق من تجربة الإخفاق الانتقالي الذي أودى بحياة الناس، وأهلك الممتلكات العامة والخاصة وأفقد الوطن الأمن والاستقرار، فوقف الحرب يتطلب اجتثاث جذر المجموعة الساعية للعيش تحت ركام الجماجم، واستبعاد قاطعي الرؤوس الممثلين بالجثث أعداء الحياة، فقد كان حمدوك حكيماً حين أبان موقفه الرافض لسوق الصراع السياسي إلى العراك المسلح، من معركة مدنية وسلمية بدأت منذ فجر ثورة ديسمبر، وبما أن سيف الديمقراطية المسلول ما يزال يمثل الرغبة العارمة لغالب أفراد الشعب لا نشك أبداً في الوصول إلى وقف دائم للحرب.

إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

كيف صاغ حكام مصر ومفكروها هويتها الوطنية؟ قراءة في كتاب

الكتاب: مصر الثقافة والهوية
المؤلف: خالد زيادة
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات


يقدم خالد زيادة، الباحث في التاريخ الاجتماعي والثقافي، دراسة حول تطور السياسة في مصر، وتطور دور وعلاقة المثقف بالسياسة منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى اليوم، عبر طرح أسئلة محورية تدور حولها فصول الكتاب من نوع: ما مدى مساهمة المثقف في بناء الدولة، ومساهمته في بلورة الفكرة الوطنية؟ وهل هو الذي صاغ الهوية الوطنية أم شارك قوى أخرى في صوغها؟. وهل المثقف مستقل حقيقة عن الدولة وقادر على أن يحدد بنفسه دوره ووظيفته بمعزل عن السلطة القائمة؟  وهل يبقى دور المثقف ثابتا دون تبديل حتى مع تبدل الظروف والتطورات التي تشهدها الدولة؟ وهل تصاعد دوره السياسي أو الاجتماعي يطغى على وظيفته الأساسية، أم أن انحسار هذا الدور يخفض من شأنه؟.

ويحاول زيادة الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها باستعراض أبرز محطات التحول التاريخية التي عرفتها مصر، وما رافقها بناء الوطنية المصرية، وصراعات الهوية، وصعود دور المثقف وتحولاته وتراجعه واندثاره أمام الدولة والنظام الذي استحوذ على دور المثقف عبر إسكاته أو احتوائه، على حد وصفه.

الدولة الحديثة

يركز زيادة منهجيا على ثلاث حقبات كبرى مر بها العالم العربي وتحديدا مصر: الأولى هي مرحلة الإصلاح أو النهضة، التي شملت معظم سنوات النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والثانية هي المرحلة التي شهدت السعي إلى الاستقلال وبروز الوطنيات مع هيمنة نسبية للأفكار الليبرالية، والثالثة هي المرحلة التي استتبت فيها الأنظمة الوطنية.

ونظرا إلى كون هذه المراحل الثلاث كانت قصيرة لا يتجاوز كل منها سوى بضعة عقود، فإن الكثير من ال"المثقفين" أو من كانوا يمارسون المهن الفكرية عايشوا أكثر من مرحلة وتأثرت مواقفهم وآراءهم بهذه الحقب وبالانتقال من واحدة إلى أخرى، تبعا لما سمحت به كل واحدة من أدوار، وما وضعته من عوائق.

خلال العقدين الأخيرين من هذا القرن، نشأ مثقف غير مرتبط بخدمة الدولة، ولا هو موظف في إداراتها، وتكون رأي عام يناقض رأي الحاكم، حيث أدى كل ذلك إلى نشوء السياسة التي عبرت عن نفسها في أحزاب أو تيارات ليبرالية وإصلاحية.في مرحلة النهضة كانت الأدوار متاحة لأولئك الذين تلقوا تدريبا غربيا وأخذوا بعض علوم أوروبا حيث كانوا شركاء في مشروع الحاكم، وساهموا في بناء مؤسسات الدولة الحديثة. وخلال سنوات قليلة حدثت تطورات أنهت هذه الحقبة كان أبرزها إعلان الدستور في اسطنبول عام 1876، ثم تعليق العمل به، وقيام ثورة أحمد عرابي التي تلاها احتلال الانجليز لمصر عام 1882. وأدى ذلك إلى ظهور رأي عام يطالب بإعادة العمل بالدستور ومجابهة الاحتلال الأجنبي.

 يقول زيادة أنه خلال العقدين الأخيرين من هذا القرن، نشأ مثقف غير مرتبط بخدمة الدولة، ولا هو موظف في إداراتها، وتكون رأي عام يناقض رأي الحاكم، حيث أدى كل ذلك إلى نشوء السياسة التي عبرت عن نفسها في أحزاب أو تيارات ليبرالية وإصلاحية. لكن قبل ذلك يشير زيادة إلى ثلاثة عوامل مهدت أو أفضت إلى بناء الدولة الوطنية المصرية هي أولا بناء الجيش من المصريين في عهد محمد علي، وإنشاء جهاز إداري متخصص أصبحت العربية هي لغته الرسمية، والقوانين التي أصدرها محمد علي المتعلقة بملكية الأراضي، التي تم تطويرها بعد ذلك في عهد سعيد باشا، ومن بعده في عهد الخديوي إسماعيل، علما أن نظام الملكية العقارية، الذي كون فئة من المالكين كانوا جزءا من البيروقراطية الحكومية، هو الذي أفضي إلى تبلور الوطنية المصرية التي أخذت شكلها الدستوري في نهاية عهد اسماعيل ، و بروز خطابات الوطنية والدعوة إلى اعتماد دستور لمصر. ي

شير زيادة إلى أن بناء الدولة الحديثة كان لا بد أن يمر عبر تقليص الهيئات التقليدية أو تفكيكها التي كانت معروفة في الدولة السلطانية، ومنذ بداية الحملة الفرنسية على مصر وحتى نهاية عهد اسماعيل تغيرت مصر تغيرا كبيرا، فحل مكان العالم الأزهري الخبير المتخصص الذي يرتبط علمه بأهداف محددة مرتبطة بوظائف تتعلق بمصالح عامة. وحل مكان العسكر الذي يؤتى به من مناطق بعيدة جيش نظامي من أبناء مصر، وحل مكان المحاسبين الأقباط إداريون لا يقتصر عملهم على المحاسبة المالية وجمع أرقام الضرائب، بل تلقى على كواهلهم مهمات متعددة تتطلب معارف في الهندسة والطب والمالية، وغير ذلك.

يلفت زيادة إلى النهضة العلمية التي شهدتها مصر في عهد الخديوي إسماعيل، فيقول إن إنشاء مدرسة الحقوق ودار العلوم كان له أثر كبير في تخريج نخبة سيكون لها دورا بارزا لاحقا في الحياة السياسية والفكرية. فضلا عن افتتاح مدارس حربية وصناعية وثانوية وابتدائية، ومدارس للبنات ومدارس أوروبية، وجمعيات علمية مثل الجمعية الجغرافية الخديوية. ومن أبرز ملامح هذه النهضة نشوء الصحافة السياسية والأدبية، وقد شارك في تأسيسها مصريون ولبنانيون. ومن رواد تلك المرحلة فكريا الشيخ علي مبارك، ورفاعة الطهطاوي، ومحمد عبده، وجمال الدين الأفغاني. ويوضح زيادة أن "الطهطاوي ساهم مع مجايليه، وهو أبرزهم على الإطلاق، في بناء نموذج المثقف الذي يعمل في مؤسسات الدولة ويخدمها وينطق بمشروعها. ويعود ذلك إلى أن الدولة هي التي أوجدت هذا المثقف وأوجدت الوظائف التي يشغلها"، لكن ذلك لم يمنع من وجود نماذج أخرى لكتاب وصحفيين مستقلين عبروا عن وجهات نظر معارضة للحكم.

مصر الليبرالية

شكلت ثورة 1919فاصلا في تاريخ مصر الحديث، وقد عبرت عن التطور الذي أحرزته مصر خلال قرن من الزمان في المجتمع والسياسة والثقافة، بحسب زيادة. وبينما كانت الثورة على الفرنسيين قد اقتصرت على مجموعة من أبناء الأحياء القاهرية، وبقيت ثورة عرابي موضع نزاع ولم تحصد أي إجماع، فإن ثورة 1919 وحدت المصريين في المدن والأرياف وصاغت الوطنية المصرية، وشكلت الزعامة الشعبية. أما النخبة التي أخذت على عاتقها المطالبة بالاستقلال فقد تكونت من مجموعة كان معظم أعضائها من خريجي مدرسة الحقوق، وذوي باع في الحياة العامة وأعضاء في الجمعية التشريعية.

بينما كانت الثورة على الفرنسيين قد اقتصرت على مجموعة من أبناء الأحياء القاهرية، وبقيت ثورة عرابي موضع نزاع ولم تحصد أي إجماع، فإن ثورة 1919 وحدت المصريين في المدن والأرياف وصاغت الوطنية المصرية، وشكلت الزعامة الشعبية.اعتبرت العقود الثلاثة التي أعقبت ثورة 1919 بمنزلة المرحلة الليبرالية في تاريخ مصر الحديث، وقد شملت نطاقات قانونية ودستورية وثقافية وفنية. وحفزت الثورة الكتابة التاريخية المستندة إلى مصادر ومراجع ووثائق، وبرز في هذا الحقل كتاب مثل محمد صبري وعبدالرحمن الرافعي وشفيق غربال، تبعهم جيل آخر من المؤرخين، وقد اهتموا جميعا بتاريخ مصرالقديم والحديث، وساهمت كتاباتهم بإرساء أسس القومية المصرية. وقد نشأت في هذه الفترة أحزاب تعبر عن اتجاهات متباينة تحت سقف المواطنة، وتؤمن أن تقدم المصريين يكون عبر التربية وعبر الممارسة الدستورية. لكن هذه المرحلة لم تستمر طويلا، إذ شهدت الثلاثينيات تحولات اجتماعية وسياسية وأيديولوجية، تمثلت في صعود الطبقة الوسطى، وبروز جيل جديد من طلاب المدارس الذين تشكل وعيهم بعد مرور أكثر من عقد على الثورة، فكانوا أقل تأثرا بالأيديولجيا الوطنية، وما عادوا متأثرين بأفكار الأمة المصرية ذات التاريخ الفرعوني، خصوصا أن النزعة الفرعونية كانت قد أخذت في التراجع أمام صعود التيارات التي تقول بانتماء مصر إلى رابطة شرقية إسلامية وعربية.

إعادة النظر بالتاريخ

ينتقل زيادة بعد ذلك للبحث في علاقة النظام الناصري بالمثقفين، ويرى أنه لا يمكن اختصار هذه العلاقة ،فقط، بإخضاع المثقفين من خلال تأميم جميع وسائل التعبير، من صحف ومجلات إلى دور نشر، وصولا إلى فرض الرقابة على المقررات الجامعية، وتحديد مجالات الكتابة التاريخية، بل أن هذه العلاقة تمثلت كذلك بانتزاع أي نفوذ للمثقف، وأي حرية في التعبير عن فهمه ووعيه لدور مصر وهويتها، فقد كان على المثقفين أن يصمتوا حين يتعلق الأمر بدور الدولة وهوية مصر، لأن الدولة في نظام يوليو هي التي تحدد هوية مصر، على حد قول زيادة. ويضيف إن جمال عبدالناصر لم يكن معاديا لليبرالية السياسية فحسب، بل كان معارضا للأفكار الليبرالية أيضا، فالحرية هي فقط حرية الوطن من الاستعمار، والمساواة تعني أن المواطنين كلهم سواسية من دون أحزاب وجماعات وفرق. وبالإضافة إلى ذلك فقد نظر إلى تجربة مصر الحديثة منذ مطلع القرن التاسع عشر باعتبارها تجربة مليئة بالأخطاء والإخفاقات.

يقول زيادة بسبب كل ما سبق لا يمكننا اعتبار ثورة يوليو امتدادا لتجربة مصر التحديثية، ولا امتدادا لثورات شعب مصر، من عمر مكرم إلى أحمد عرابي إلى سعد زغلول، وقد عمدت إلى تصفية الإرث التحديثي، وقضت على التعددية التربوية والثقافية والسياسية، أي كل ما منح مصر دورها الريادي في العالم العربي خلال ثلاثة أرباع قرن سابقة على ثورة يوليو. يشير زيادة إلى أن كتابة التاريخ بعد نهاية الحقبة الناصرية عبرت عن الحاجة إلى إعادة النظر بتاريخ الحقبات والثورات والشخصيات التي حجبها نظام يوليو. ولم تعد هويات مصر التاريخية المتخيلة(الفرعونية ، والمتوسطية، أو الهويات ذات الصفة الأيديولوجية، عربية أم إسلامية) الشغل الشاغل للمؤرخين، فهوية مصر الواقعية هي نتاج التحديث ونظام الدولة المركزية.

في الفصلين الأخيرين من الكتاب يتناول زيادة أبرز التحولات الاجتماعية والثقافية التي شهدتها مصر في عقود السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، وصولا إلى ثورة يناير. ويسجل ملاحظة حول غياب دراسات اجتماعية، ماقبل ثورة يناير، تتعرض للمشكلات العميقة في المجتمع ـ مع استثناءات محدودة ـ إذ غلب على ما توافر منها طابع وصفي وإحصائي، بينما تناولت العديد من الأعمال الأدبية هذه التحولات وإفرازاتها بشكل لافت، فكان الروائي، كما يقول زيادة، بمثابة الشاهد على مجتمعه. ويضيف:" ربما يكون جلال أمين الشخص الوحيد الذي درس التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، خلال فترة زمنية تمتد عقودا، واستطاع أن يفسر أسس السياسات الحكومية الاقتصادية على الحراك الاجتماعي والطبقي."

وقد واصل أمين هذا النهج عندما أصدر كتابه "ماذا حدث للثورة المصرية" في العام 2012 الذي تناول فيه أحوال المصريين قبل الثورة، وأحوال أبرز الأحزاب السياسية في مصر، منتقدا صمت المثقفين على تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ومشيرا إلى أن أغلبيتهم تحول إلى أدوات في يد السلطة، فلا يعوّل على مواقفهم قبل الثورة أو بعدها. كما يستعرض زيادة مواقف كتاب ومثقفين آخرين من أحداث الثورة مثل طارق البشري والسيد ياسين، ويشير إلى أنه بالرغم من الحماسة والتفاؤل الذين أباهما المثقفون بشكل عام في بداية الثورة فإن التطورات المتلاحقة أظهرت انقساما واضحا بينهم، فوجدوا أنفسهم "عاجزين عن التأثير في الأحداث، فآثر بعضهم الانسحاب والصمت، واكتفى بعضهم الآخر بإبداء النصائح بينما انحازت الغالبية إلى النظام خوفا من الفوضى".

مقالات مشابهة

  • حمدوك لـ«الوطن »: مصر جمعت فرقاء كان من الصعب جلوسهم على طاولة مفاوضات
  • عبد الله حمدوك: نعول على مصر كثيرًا في المساعدة لحل الأزمة بالسودان
  • حمدوك للبرهان: لو كنت في الخرطوم لجئتك!
  • حالة إنسداد!!
  • ماذا بعد غزة جنوبًا؟
  • حماس تعلن رفضها دخول قوات أجنبية لقطاع غزة تحت أي مسمى
  • حماس تؤكد رفضها أي خطط تتجاوز الإرادة الفلسطينية بشأن مستقبل غزة
  • كيف صاغ حكام مصر ومفكروها هويتها الوطنية؟ قراءة في كتاب
  • نهاية الفيلم الإنقلابي ستكون مثل فيلم ديكويجو !
  • ثورة ( عشر جنود ) والقائد عريف !!