يقول الروائي الكبير جمال الغيطاني:فى السعى إلى مراقد أهل البيت فى القاهرة، نمر بشوارع تفيض بالحياة، ويتدفق عبرها البشر فكأنهم يستأنسون بهم، ويطوفون باستمرار حول مراقدهم الشريفة الطاهرة ومن هذه المراقد مرقد السيدة عائشة، اسم إذا سمعه الإنسان تتداعى إلى ذهنه معان عديدة، فهى من بيت النبوة، وأيضا اسم لمسجد شهير.

. واسم لمنطقة كاملة تماما مثل سيدنا الحسين، والسيدة زينب، والسيدة نفيسة.


يطالعنا مسجدها وتطاول مئذنته مآذن أخرى قريبة مثل، السلطان حسن والرفاعي، وابن طولون، وشيخون، ومآذن مسجد محمد على التى تقوم فوق القلعة وتشكل خلفية للقاهرة القديمة والحديثة .


على الطرف الآخر وفي الجوار والمواجهة ترى  قباب الخلفاء العباسيين، وأضرحة الأمراء المماليك.

 
لذلك فإن الساعى إلى مراقد آل البيت فى هذا المسار لا يرى فقط أضرحتهم الطاهرة، إنما سيمر بأغنى منطقة فى مصر مزدحمة وثرية بالآثار الإسلامية من مختلف العصور.. أينما اتجه البصر لا بد أن يقع على قبة منقوشة، أو مئذنة رشيقة التكوين، أو آيات بينات محفورة بخط لا نظير له على الجدران أو ابيات من الشعر العربي الأصيل مثلما كتب على مرقد السيدة عائشة هذا البيت الشهير الذي يحفظه ويترنم به زوارها جيلا بعد جيل:
بمقام عائشة المقاصد أرخت 
سل بنت جعفر الوجيه الصادق 
نتوقف أمام مسجد السيدة عائشة، نتأهب للدخول إلى فضائه الجميل، المهدئ للنفس.. الباعث على الطمأنينة والأمن الروحى.. تلك سمات تميز كل مراقد آل البيت فى مصر، ولذلك ستلحظ العين وجوه مريدين جاؤوا من شتى الأماكن. من الريف و من الحضر، يسعون لزيارة هذا المرقد الشريف ... فمن صاحبته؟وما هي حكايتها؟
هي السيدة عائشة بنت جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن مولانا الإمام الحسين .
ولدت في عام ١٢٢ هجرية وانتقلت إلى الرفيق الأعلى في عام ١٤٥ من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام  .
ينتهي نسبها إلى البيت النبوي الشريف فهي من القوم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .
أبيها/الإمام جعفر الصادق أحد ائمه أهل البيت عليهم السلام وبلغ من علمه وفقهه أن تتلمذ على يديه الإمام ابو حنيفه النعمان_إمام المذهب_ ولازمه سنتان وقال الإمام أبو حنيفه قولته الشهيره متحدثا بفضل ذلك وبفضل ملازمته للإمام جعفر الصادق(لولا سنتان لهلك النعمان)!
وقد أثنى عليه الإمام  مالك إمام دار الهجرة فقال:(ما رأت عين ولا سمعـت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلاً وعلماً وعبادة وورعاً).
وقد رفض الإمام جعفر الصادق أن يتولى الخلافة بعد سقوط الدولة الأموية  .
وبتصفح بطون الكتب نرى أن السيدة عائشة هي أخت أمير وزوجة أمير فأخوها إسحاق المؤتمن والي المدينة المنورة وأميرها وهو في ذات الوقت زوج كريمة الدارين سيدتنا السيدة نفيسة رضي الله عنها .
وزوجها هو عمر بن عبدالعزيز بن عبدالله بن عمر بن الخطاب وكان هو الآخر والي المدينة المنورة وأميرها رضي الله عنه .
ورغم ذلك فهناك قول يذهب إلى أنها لم تتزوج .
كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تلازم أبيها جعفر طوال حياتها؛ لذا اتسمت بجميع صفاته، واكتسبت منه العلم فهى من أكثر السيدات في عصرها زهدًا وفقهًا؛ حيث كانت تشارك أبيها الجلسات الأدبية التي كان يرتادها .
كان الصراع مشتعلا بين العباسيين أحفاد العباس والعلويين أحفاد الإمام علي حول الخلافة إلى أن كان التمرد الأكبر والأخطر الذى حدث على يد «أبومسلم الخراسانى» فى عهد «أبوجعفر المنصور» الخليفة العباسي وقد التف حوله آلاف المناصرين لحق الفرع العلوى من بيت النبوة فى الحكم ولم يجد «المنصور» بداً من المرواغة فاستدرج الخراساني إلى قصر الحكم بعيداً عن مناصريه، واغتاله، وألقى بجثته فى ماء دجلة!
بعد مقتل «الخراسانى» بترت الذراع العسكرية التى كانت تنافح عن أحقية بني علي وبدأت رحلة اضطهاد أخرى لأحفاد الإمام على بن أبى طالب!
فى ظل هذه الغيوم المانعة للرؤية انسحب الإمام جعفر الصادق من العمل السياسى وتفرغ للمدرسة الفقهية، وبرع فيها أيما تميز، سواء على مستوى علوم الدين أو علوم الدنيا، وأسس مذهبه الفقهي الشهير .
لكن الحياة كطبيعتها لم تخل من منغصات ومطاردات وفتن كبيرة حلت بالبيت العلوي الشريف حيث تربص بهم المتربصين وسعوا في الكيد لهم والوشاية بهم لدى أبو جعفر المنصور فساقت كل هذه الأحداث السيدة عائشة، رضى الله عنها، إلى الهجرة إلى مصر، فعاشت بها عدة أشهر، ثم توفاها الله، واحتضنها تراب المحروسة .
وكأن مصر أعدت منذ القدم لاستقبال واحتواء الثلة المباركة من آل بيت المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لحكمة يعلمها الله جل في علاه .
إن نزول هؤلاء الأطهار في هذا البلد العامر وتمركزهم بقبابهم المنيرة وقوة جذبهم الروحانية بأفئدة من الناس تهوي إليهم لدليل على أن مصر بهم محفوظة وما سميت محروسة إلا بهم .
كيف لا وهم المجد الخالد والكتاب الناطق والاسم المحبب لسيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  .
فهم بذلك العنوان المضئ والأسوة الحسنة لكل نفس أحبت الرسول الكريم وسارت على دربه وهداه .
وستظل ديار هؤلاء القوم قبلة كل باحث عن الحقيقة ووجهة كل سائر نحو الحق والفضيلة إلى أن يرث الله الأرض عليها وهو خير الوارثين .
نلاحظ أن حكاية السيدة عائشة فى مصر تشبه حكاية السيدة زينب بنت على، إذ لم تكمل العام بالبلاد حتى وافتها المنية، وقوبلت عند وصولها بما تعوّد عليه المصريون من احتفاء وابتهاج  بأهل البيت عليهم السلام  .
فإليها ينسب الحي الشهير بقاهرة المعز لدين الله الفاطمي(حي السيدة عائشة) .
عاشت في مصر عشرة أشهر و توفيت وعمرها ٢٢ عاما و سميت بعروس آل البيت  .
وتمر الأيام وتدور دورتها ويأمر صلاح الدين الأيوبي ببناء مدرسة ومسجد بجوار ضريحها ثم أمر بأن يكون لها بابا مفتوحاً في سور القاهرة العظيم والذي بناه حفاظا على مصر من الهجمات الصليبية.
لقد عرفت مصر لذرية النبي حقهم حبا كبيرا واجلالا وتقديراً منذ أن دخلت السيدة زينب رضي الله عنها البلاد من أبواب بلبيس الشرقيه يستقبلها أهل مصر يتقدمهم والي البلاد مسلمة بن مخلد الأنصاري حافي القدمين  .
حتى أن حكام مصر عبر العصور تراهم يتناوبون على الإهتمام بهم وبمراقدهم ليقينهم التام أن هؤلاء هم معصم قوى البلاد الروحانية ونقطة ارتكاز الوسطية وتلاقي النورانية بين الأرض والسماء .
وأخيرا وليس هذا بالآخر ما أجمل هذه المناجاة التي أثرت عن مترجمتنا رضي الله عنها في قولها للحق جل في علاه في مقام الحب والدلال:(وعزتك وجلالتك لئن عذبتني بعد هذا الحب الذي أحببته لك لآخذن توحيدي بيدي ولأطوفن به على أهل النار وأقول لهم اشهدوا،وحدته فعذبني)!

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: رضی الله عنها السیدة عائشة

إقرأ أيضاً:

50 صورة ترصد المشهد.. آلاف المُحبين يحيون الليلة الختامية لمولد السيدة زينب

احتفل الآلاف من مريدي واتباع الطرق الصوفية ومحبي آل البيت في مصر والعالم الإسلامي، بمولد السيدة زينب رضي الله عنها، حيث توافدوا أفواجا إلى ساحة الاحتفال المجاورة لمسجد السيدة زينب وممارسة الطقوس الخاصة بهم في هذه المناسبات المحببة إلى قلوبهم.

واحتفل أتباع الطرق الصوفية، بالليلة الختامية لمولد السيدة زينب، في أجواء تملؤها البهجة والفرحة والسرور، وفي هذا التقرير نرصد 50 صورة لاحتفالات الصوفية في الليلة الختامية لمولد السيدة زينب.

معلومات عن السيدة زينب

كما نشير أيضا إلى معلومات مهمة عن السيدة زينب بنت السيدة فاطمة رضي الله عنهما.

هي السيدة زينب الكبرى رضي الله عنها، وأمها: السيدة فاطمة البتول، بضعة سيدنا الرسول، وأبوها: سيف الله الغالب سيدنا عليُّ بن أبي طالب رضى الله عنه، وجدتها: السيدة خديجة بنت خويلد رضى الله تعالى عنها، وأخواها الشقيقان: الإمام أبي محمد الحسن، والإمام أبي عبد الله الحسين رضي الله عنهم جميعًا.

وُلدت السيدة زينب، بعد مولد الحسين بسنتين، ويقال أن كلاهما ولد في شهر شعبان، أمَّا هي ففي السنة الخامسة أو السادسة للهجرة، فعاصرت إشراق النبوة عِدَّةَ سنوات، وسَمَّاهَا الرسول «زينب»؛ إحياءً لذكرى ابنته (السيدة زينب) ومعنى زينب: الفتاة القوية المكتنزة الودودة العاقلة.

واشتهرت السيدة زينب بجمال الخِلقة والخُلُقِ، اشتهارها بالإقدام والبلاغة، وبالكرم وحسن المَشُورَةِ، والعلاقة بالله، وكثيرًا ما كان يرجع إليها أبوها وإخوتها في الرأي، ويأخذون بمشورتها؛ لبُعْدِ نظرها وقوة إدراكها.

تزوجت بابن عمها عبد الله بن جعفر (الطيَّار) بن أبي طالب، وكان عبد الله هذا فارسًا شهمًا نبيلًا كريمًا، اشتهر بأنه (قطب السخاء)، وهو أول طفل ولد أثناء الهجرة الأولى بأرض الحبشة، وهو يكبُر (زينب) بخمس سنوات؛ أي إنه عاصر إشراق النبوة عشر سنوات، ومنه أنجبت ذكورًا وإناثًا، ملئوا الدنيا نورًا وفضلًا، وهم: جعفر، وعلي، وعون الكبير، ثم أم كلثوم، وأم عبد الله، وإليهم ينسب الأشراف الزَّيَانِبَة، وبعض الأشراف الجعافرة.

ولمَّا خرج الإمام الحسين رضى الله عنه في جهاد الغاصب الفاسد (يزيد بن معاوية) شاركته السيدة زينب في رحلته وقاسمته الجهاد، فكانت تثير حَمِيَّةَ الأبطال، وتشجع الضعفاء، وتخدم المقاتلين، وقد كانت أبلغ وأخطب وأشعر سيدة من أهل البيت خاصة، والنساء عامة في عصرها.

ولما استشهد سيدنا الحسين وساقوها أسيرة مع السبايا، وقفت على ساحة المعركة، تقول: «يا محمداه! يا محمداه! هذا الحسين في العراء، مزمَّل بالدماء، مقطع الأعضاء، يا محمداه! هذه بناتك سبايا، وذريتك قتلى، تسفي عليها الرياح»، فلم تبقَ عين إلا بكت، ولا قلب إلا وجف.

كما كان لها مواقفها الجريئة الخالدة مع ابن زياد ومع يزيد، وبها حمى الله فاطمة الصغرى بنت الحسين من السبي والتَّسَرِّي، وحَمَى الله عليًّا الأصغر زين العابدين من القتلِ، فانتشرت به ذرية الإمام الحسين، واستمرَّت في الثورة على الفساد ولا تزال، ولقبت زينب بلقب (بطلة كربلاء زينب).

رحلتها السيدة زينب إلى مصر

وَلَمَّا أعادوها رضي الله عنها إلى المدينة المنورة بعد أن استبقَوا رأس الحسين بدمشق ليطوفوا به الآفاق؛ إرهابًا للناس، أحسُّوا بخطرها الكبير على عَرْشِهِم، فاضطروها إلى الخروج، فَأَبَتْ أن تخرج من المدينة إلا محمولة، ولكن جمهرة أهل البيت أقنعتها بالخروج، فاختارت مصر لما علمت من حب أهلها وواليها لأهل البيت.

فدخلتها في أوائل شعبان سنة 61 من الهجرة، ومعها فاطمة وسكينة وعلي أبناء الحسين، واستقبلها أهل مصر في (بُلْبَيْس) بُكَاةً معزِّين، واحتملها والي مصر (مسلمة بن مخلد الأنصاري) إلى داره بالحمراء القُصوى عند بساتين الزهري (حي السيدة الآن).

وكانت هذه المنطقة تسمى (قنطرة السباع) نسبة إلى القنطرة التي كانت على الخليج المصري وقتئذ، فأقامت بهذه الدار أقل من عام عابدة زاهدة تفقه الناس، وتفيض عليهم من أنوار النبوة، وشرائف المعرفة والبركات والأمداد، حيث توفيت في مساء الأحد (15 من رجب سنة 62هـ)، ودفنت بمخدعها وحجرتها من دار (مَسْلَمَةَ) التي أصبحت قبتها في مسجدها المعروف الآن. وقد توفيت، وهي على عصمة زوجها (عبد الله)، وأمَّا قصة طلاقها منه فكذب من وضع النواصب (خصوم أهل البيت)، أو هي على أحسن الأحوال وَهْمٌ واختلاط وتشويش على أهل البيت من المتمسلفة.

كان المسجد الزينبي الذي هو بيت أمير مصر مَسْلَمَةَ بن مخلد قائمًا على الخليج المصري، عند قنطرة على الخليج كانت تسمى (قنطرة السباع)؛ لأنها كانت مُزَيَّنَةً من جوانبها بسباع منحوتة من الحجر، ولما رُدِمَ الجزء الذي عليه القنطرة من الخليج زالت القنطرة فاتَّسَعَ الشارع، وظهر مسجد السيدة بجلالِه وتوالت التجديدات عليه، وقد أنشئ هذا المسجد في العهد الأموي، وزاره كبار المؤرِّخِين وأصحاب الرحلات.

ومشهدها ترياقٌ مجرَّبٌ، ترفع فيه التوسلات إلى الله، وتستجاب فيه الدعوات، وأمَّا ما قد يكون فيه أحيانًا -كما يكون في غيره- من بعض المخالَفَات لظاهر الشرع الشريف؛ فهو من أثر الجهل، الذي يخفف من سوئه حسن نية أصحابه وسلامة اعتقادهم، والحمد لله.

ويجب أن تسمى الأشياء بأسمائها، فلا يُسَمَّى الجهل شركًا ولا كفرًا، وأمَّا من ينكرون وجود قبرها بمصر فهم خصوم أهل البيت الذين يكرهون أن يحيا لهم ذكر، أو يعرف لهم قبر، ولا اعتبار لأقوالهم على الإطلاق بعد أن ألزمناهم الحُجَّةَ التي لا تدفع بالتهريج والغل الدفين.

مقالات مشابهة

  • الأطفال يسألون لماذا خلق الله بعضنا فقراء وبعضنا أغنياء؟ الإمام الأكبر يجيب
  • هل الدعاء في أول ليلة من شعبان مستجاب؟.. تعرف على ما قاله الإمام الشافعي
  • بيان الأعضاء التي يجب السجود عليها في الصلاة
  • 50 صورة ترصد المشهد.. آلاف المُحبين يحيون الليلة الختامية لمولد السيدة زينب
  • تزامنا مع الاحتفال بمولدها.. معلومات مهمة عن السيدة زينب ورحلتها إلى مصر حتى وفاتها
  • معنى الظلم في دعاء سيدنا يونس: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)
  • حكم قول "سبوح قدوس رب الملائكة والروح" في الركوع
  • احمد دسوقي.. يكتب: «علي معلول» إرث خالد في تاريخ النادي الأهلي
  • عثمان جلال يكتب: وتتوالى بشارات معركة الكرامة
  • د.حماد عبدالله يكتب: حياتى فى منطقة "المغربلين" !!