أعجبني قول أحد السياسيين، وهو المعروف عنه ميله إلى خلط المزح بالجدّ، والعكس بالعكس، عندما فاجأني ردًّا على سؤالي عن مدى امكانية نجاح مبادرة كتلة "الاعتدال الوطني"، باختصاره لمشهدية الحراك الرئاسي منذ أن وقع الشغور في الكرسي الرئاسي، قائلًا: "مش ظابطة". "كيف ما برمتها مش ظابطا". "لا عَالحاطط ولا عَ الطاير".

فما جّمع في العام 2016 لن يتكرّر، أي أن يتوافق كل من "القوات اللبنانية" و"حزب الله" مرّة جديدة كما توافقا، ومن دون أن يتفقا، على انتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية، هو أمر لن يحصل، لأن كلاهما يعتبرانه من سابع المستحيلات. فما كان جائزًا قبل ثماني سنوات لم يعد كذلك اليوم. وقد يكون الخلاف اليوم بين "معراب" و"حارة حريك" أعمق من أي يوم مضى، إذ لكل منهما توجها معاكسا للتوجه الآخر بما يوازي 180 درجة اختلافًا، أو كأنهما خطّان متوازيان لا يلتقيان ابدًا.
وفي رأي كثيرين ممن تعاطوا في السابق ويتعاطون اليوم بالملف الرئاسي فإن ظرف انتخاب رئيس للجمهورية لم ينضج بعد، خصوصًا أن التعقيدات الإقليمية بفعل ارتدادات الحرب على غزة على الداخل اللبناني لا تسمح بأن يتوافق اللبنانيون، ولو بالحد الأدنى، على خيار ثالث للرئاسة الأولى في لبنان، على رغم الجهود التي تبذلها "اللجنة الخماسية"، وعلى رغم التباين في وجهات النظر بين أعضائها بالنسبة إلى الخيارات المتاحة والممكنة، وذلك بعد الورقة الفرنسية حيال الوضع في جنوب لبنان وشمال إسرائيل.
ولا يخفي هؤلاء ما تناهى إليهم من تمكّن أعضاء "اللجنة الخماسية" من الحصول على ضمانات من "حزب الله" بالتحديد عبر عدد من الوسطاء بفصل ما يجري في الجنوب عن الملف الرئاسي، وهذا ما بدا واضحًا في الرسائل السياسية، التي تضمّنتها الكلمة الأخيرة لأمينه العام السيد حسن نصرالله، الذي أكد في الوقت ذاته أن "الحزب" لن يستخدم الميدان للضغط في الاستحقاق الرئاسي. وهذا ما اعتبرته اللجنة مؤشرًا يمكن البناء عليه في الوقت المناسب، أي حين تنضج التسوية الإقليمية، والتي من دونها لا يمكن تحقيق أي تقدّم في إيصال أي مرشح إلى قصر بعبدا عبر أقصر الطرق.
ولكن نجاح هذه المساعي لن يوصل إلى أي نتيجة عملية إن لم تتمكّن "اللجنة الخماسية"، مجتمعة أو في شكل فردي، من الضغط على الأفرقاء اللبنانيين لكي ينزلوا عن أشجار الشروط والشروط المضادة، وأن يقبلوا بـ "الخيار الثالث"، الذي لا يزال غير واضح المعالم حتى بين أعضاء "الخماسية".
على القوى المسيحية أن تقتنع بأنها وحدها غير قادرة على انتاج رئيس "صنع في لبنان"، ولكن على الآخرين الاعتراف بأنه من المستحيل الاتيان برئيس لا يحظى برضى الأكثرية المسيحية. فأي رئيس لا يتمتع بموافقة كل من الكتل المسيحية، وهي "لبنان القوي" و"الجمهورية القوية"،و"كتلة الكتائب اللبنانية" لن يستطيع أن يحكم، وستبقى سلطته محصورة بقصر بعبدا. وهذا ما يجب أن يفهمه "الثنائي الشيعي" المطَالب بأن يتخّلى عن أي مرشح لا توافق عليه الأكثرية المسيحية، وبمباركة من مرجعيتهم الروحية الممثلة ببكركي وبما ترمز إليه.
ولكن على الأكثرية المسيحية أن تقتنع بأن أي رئيس لا يكون منسجمًا بخلفيته السياسية مع نظرة "الثنائي الشيعي" وهواجسه لن يستطيع أن ينجح في تحقيق أي انجاز حتى ولو تمكّنت هذه الأكثرية من تأمين الأصوات التي تسمح لمرشحها بالفوز الرئاسي في حال سلمنا جدلًا أن نواب "الثنائي الشيعي" وحلفاءه سيؤمنون نصاب الجلسات المتتالية، وهو أمر غير وارد في قاموس الرئيس نبيه بري، الذي يحرص على تأمين أفضل ظروف النجاح لرئيس تيار "المردة" الوزير السابق سليمان فرنجية.
ولكن هل يكفي بأن ترضى الأكثرية المسيحية وبأن يكون "الثنائي الشيعي" مطمئنًا، وماذا عن المكونين السني والدرزي في المعادلة الرئاسية، وهل يمكن انتاج أي تسوية لا يكون فيها دور فاعل لهذين المكونين الأساسيين في التركيبة المجتمعية اللبنانية؟ المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: الثنائی الشیعی

إقرأ أيضاً:

بارولين غادر لبنان...وهذا ما حمله معه من انطباعات

عاد أمين سر حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين إلى مركز عمله بعد زيارة له للبنان استمرّت خمسة أيام وفي جعبته الكثير من المعلومات الجديدة – القديمة، التي سيضمّنها تقريره، الذي سيرفعه إلى قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس. وفي ضوء هذا التقرير وما سيليه من نقاشات جانبية سيتمّ تحديد الزيارة البابوية للبنان، التي كانت مقررة قبل ثلاث سنوات تقريبًا وقد ألغيت لأسباب صحية كما قالت الدوائر الفاتيكانية المعنية بالبرتوكول البابوي في حينه.
وما سيتضمّنه تقرير الكاردينال بارولين ينقسم إلى قسمين: الأول يتعلق بالوضع السياسي في لبنان مع كل تشعباته وتعقيداته في ضوء ما سمعه من المسؤولين الرسميين ومن رؤساء الأحزاب المسيحية في لقاءات عُقدت في السفارة البابوية، وقد استغرق بعضها أكثر من ساعتين بالنسبة إلى قضيتين محوريتين، وهما: الوضع المتفجّر في الجنوب المترافق مع كلام كثير عن فرضية قيام إسرائيل بشنّ حرب واسعة على لبنان، مع ما تعنيه هذه الحرب من تدمير ما تبقّى من مقومات هذا البلد، الذي ينازع أساسًا قبل الحرب، فكيف سيكون عليه حاله خلالها وبعدها.
وقد عُلم في هذا الإطار أن البابا فرنسيس سيواصل مساعيه الدولية على خطّي وقف الحرب على غزة المثخنة بالجراح والمثقلة بالمآسي، وتوازيًا بذل أقصى الجهود لمنع الحرب على لبنان، الذي يعني الكثير لقداسة الحبر الأعظم، وهو الحريص على أن يبقى محافظًا على صيغته الفريدة والنموذجية على رغم كل ما تتعرّض له هذه الصيغة من محاولات تشويهية.
أمّا القضية الثانية، والتي قد يكون لها بعض الارتباطات الموضعية بالقضية الأولى فهي ملف الاستحقاق الرئاسي، خصوصًا في ضوء ما صرّح به الكاردينال الزائر في هذا الخصوص، والذي أعرب عن قلق الكرسي الرسولي لجهة الفراغ الحالي في سدة رئاسة الجمهورية، "لأنه من المهم جدا لكل بلد ان يكون هناك رئيس، فهذا الامر ليس فقط امكانية، بل هو ضرورة وفي لبنان هو ضرورة ملحة. إن الرئيس هو وحده رئيس الدولة ورمز وحدة البلد، وهو من يحفظ احترام الدستور واستقلال البلد وسلامة أراضيه. امل ان تتمكن الاطراف السياسية من ان تجد حلا في أقرب وقت ممكن، من خلال احترام الدستور وكرامة الشعب اللبناني المتعب والقلق والذي يشعر قليلاً بالإذلال نتيجة لهذا الفراغ الدستوري".
وقد كان كلامه في هذا الخصوص شديد الوضوح من خلال الكلمات القليلة التي قالها وهو خارج من لقائه الرئيس نبيه بري عندما تحدّث عن المسؤولية المشتركة لإتمام هذا الاستحقاق، والتي تبدأ من "عين التينة". وقد فسّر البعض هذا الكلام بأنه بمثابة رسالة واضحة المعاني عن دور رئاسة المجلس في المبادرة إلى الدعوة إلى جلسات متتالية وبدورات مفتوحة كما ينصّ عليه الدستور، خصوصًا أن هذا الكلام جاء بعد اللقاءات غير المعلنة، التي عقدها الكاردينال بارولين مع عدد من رؤساء الأحزاب المسيحية، الذين يطالبون بتطبيق ما ورد في الدستور بالنسبة إلى الاستحقاق الرئاسي لا أكثر ولا أقلّ.
أمّا الموضوع الثاني، الذي استحوذ على اهتمام الكاردينال بارولين، بطلب مباشر من قداسة البابا، فهو الوضع المسيحي الداخلي، بدءًا بالخلافات المسيحية – المسيحية، التي لم تعد مقبولة، وذلك نظرًا إلى ما لهذه الخلافات من انعكاسات على هجرة الشباب، الذين فقدوا حماسة البقاء في وطن لا مستقبل لهم فيه، فضلًا عمّا تتسبب به من تداعيات على سير العمل السياسي والوطني. فلو كانت القوى المسيحية بكل تلاوينها السياسية واتجاهاتها متوافقة على الخطوط العريضة لما يمكن أن تكون عليه الحال في لبنان لما كانت الجمهورية من دون رئيس بعد سنة وأكثر من نصف سنة من مغادرة الرئيس السابق ميشال عون قصر بعبدا.
فالكاردينال الزائر لم يأتِ إلى لبنان لجمع الأقطاب الموارنة، وهو يعرف كما يعرف غيره أن هذا الأمر هو من سابع المستحيلات، لكنه يعود بانطباع، وهو أن عدم توافق هؤلاء الأقطاب يأتي في رأس أسباب انهيار لبنان.
ويضاف إلى هذا الانطباع غير المشجّع انطباع آخر عن الواقع المسيحي، لا يقّل خطورة عن الانطباع الأول، ويتعلق بالوضع الداخلي للكنيسة، الذي فيه من الخلافات ما يفوق خطورة الخلافات السياسية. وهذا ما يؤثّر على الأداء العام للمسيحيين ومدى التزامهم بما يصدر عن الكنيسة من توصيات ونصائح يرون أنها مجافية للواقع، خصوصًا عندما ينظرون إلى الواقع التربوي للمدارس والجامعات الكاثوليكية أو المستشفيات التابعة ادارتها لعدد من المراجع الدينية.
فما حمله الكاردينال بارولين من تقارير أعدّها مصلحون من داخل الرهبانيات عن واقعها المتقهقر سيحفزّ قداسة البابا على تسريع زيارته للبنان، مستعيدًا بذلك المشهد الذي دفع السيد المسيح إلى طرد التجار من هيكل أبيه المعدّ للصلاة وقد جُعل مغارة للصوص. المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • مساع بين بكركي والمجلس الشيعي الاعلى.. الخازن عن الراعي: يرفض وصف حزب الله بالارهاب
  • الخماسية تتحرّك قريباً وزيارة مُنتظرة للموفد القطري... فرنسا للنواب: إنتخاب الرئيس ضروري جداً
  • السفير حسام زكي يرد على حزب الله ويناشد بحل الشغور الرئاسي في لبنان
  • بارولين غادر لبنان...وهذا ما حمله معه من انطباعات
  • ماذا قال بارولين للقيادات اللبنانية؟
  • لبنان في مواجهة التحديات.. زيارة "حسام زكي" لتحقيق الاستقرار وحسم الشغور الرئاسي
  • بخاري زار دريان: مساعي الخماسية لم تتوقف في مساعدة اللبنانيين لانتخاب رئيس
  • لاختيار مرشحهم الرئاسي... الرعايا الايرانيون في لبنان يقترعون في السفارة الإيرانية
  • باسيل يحمل إلى بري الإثنين مقترحاً للحوار الرئاسي.. الجامعة العربية: حزب الله ليس منظّمة إرهابية
  • الفاتيكان يدعو إلى حوار بين المكوّنات المسيحية ومع كل الأطراف الأخرى في البلد