المراد بيوم الشك المنهي عن صيامه
تاريخ النشر: 4th, March 2024 GMT
أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"ما المراد بيوم الشك الذي نهى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن صومه؟".
لترد دار الإفتاء موضحة: أن الراجح عند جمهور العلماء أنَّ يومَ الشك هو يوم الثلاثين من شهر شعبان إذا تَحَدَّث الناس بالرؤية ولم تثبت، فإن لم يتحدَّث أحدٌ برؤية الهلال فليس يومَ شكٍّ.
هذه المسألة فيها ثلاثة أحاديث شريفة:
الأول: عن صِلَةَ بْنِ زُفَرَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنه، فَأُتِيَ بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ فَقَالَ: كُلُوا، فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ فَقَالَ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ عَمَّارٌ: "مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ النَّاسُ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وآله وسلم" رواه أبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والحاكم، قَال الترمذي: [حَدِيثُ عَمَّارٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ؛ كَرِهُوا أَنْ يَصُومَ الرَّجُلُ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ، وَرَأَى أَكْثَرُهُمْ إِنْ صَامَهُ فَكَانَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أَنْ يَقْضِيَ يَوْمًا مَكَانَهُ] اهـ.
والثاني: حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ» رواه الجماعة، قال الترمذي: [حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ كَرِهُوا أَنْ يَتَعَجَّلَ الرَّجُلُ بِصِيَامٍ قَبْلَ دُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ لِمَعْنَى رَمَضَانَ، وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يَصُومُ صَوْمًا فَوَافَقَ صِيَامُهُ ذَلِكَ فَلا بَأْسَ بِهِ عِنْدَهُمْ] اهـ.
والثالث: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا؛ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» متفق عليه.
اختلاف العلماء في تحديد يوم الشك
وبناء على ذلك: فقد اختلف العلماء في تحديد يوم الشك؛ فعند جمهور العلماء من الحنفية والشافعية: يوم الشك هو اليوم الثلاثون من شهر شعبان إذا تَحَدَّث الناس بالرؤية ولم تثبت، أو شهد بها من رُدَّت شهادتُه لفسقٍ ونحوه، فإن لم يتحدَّث بالرؤية أحدٌ فليس يومَ شكٍّ حتى لو كانت السماء مُغيمة؛ وذلك عملًا بظاهر قول عمار بن ياسر رضي الله عنه: "الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ النَّاسُ" من غير التفات إلى وجود غيمٍ أو انتفائه.
أما المالكية فإنهم يجعلون مناط الشكّ هو الغيم، فلو كانت السماء مُصْحِيَة فليس يومَ شكٍّ؛ لأنه إن لم يُرَ الهلالُ كان من شعبان جزمًا، ويجعلون قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» تفسيرًا ليوم الشك، واعترض ذلك ابن عبد السلام من المالكية بأنَّ قوله عليه الصلاة والسلام: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» -أي: أكملوا عدة ما قبله ثلاثين يومًا- يدلُّ على أنَّ صبيحة الغيم من شعبان جزمًا.
ويقابلهم الحنابلة الذين يوافقون الجمهور، لكنهم يرون في ظاهر المذهب عندهم أنَّ وجود الغيم ينفي كونَه يومَ شكٍّ؛ لأنه حينئذٍ يُعَدُّ من رمضان، ويجعلون قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ». مَسُوقًا لبيان التفرقة بين حكم الصحو والغيم؛ فإذا كانت رؤية الهلال شرطًا للصوم في الصحو فالمغايرة تقتضي عدم كون الرؤية شرطًا في الغيم، ومعنى «فَاقْدُرُوا لَهُ» عندهم؛ أي: فضيِّقوا له وقدِّروه تحت السحاب؛ عملًا بمذهب راوي الحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في ذلك.
تفسير قوله عليه السلام: «فَاقْدُرُوا لَه»
توارُدُ رواياتِ الحديث الصحيحة الصريحة على تفسير «فَاقْدُرُوا لَه» بإكمال عدة شعبان ثلاثين يُرَجِّحُ مذهبَ الجمهور في ذلك؛ حملًا للمُطْلَق على الـمُقَيَّد، والسُّنَّة هي أَوْلى ما تُبَيَّنُ به السُّنَّة؛ ولذلك اختار كثيرٌ من محققي الحنابلة والمالكية مذهب الجمهور، قال الإمام النووي في "المجموع" (6/ 270، ط. دار الفكر): [فالصواب ما قاله الجمهور، وما سواه فاسد مردود بصرائح الأحاديث السابقة] اهـ.
أهم ما صُنف في المراد بيوم الشك
قد صنف بعض العلماء في تحديد يوم الشك، كما فعل مفتي مكة المكرمة العلامة الشيخ إبراهيم بن حسين بن بيري الحنفي [ت: 1099هـ] في رسالته التي سَمَّاها "إزالة الضنك في المراد من يوم الشك".
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: صلى الله علیه وآله وسلم یوم الشک رضی الله ر م ض ان الله عن
إقرأ أيضاً:
عقوبة عقوق الوالدين معجّلة في الدنيا
قال إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ د. عبدالله بن عبدالرحمن البعيجان -في خطبة الجمعة-: احذر عبدالله من عقوبة الله نتيجة العقوق، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “كل الذنوب يؤخر الله تعالى ما شاء منها إلى يوم القيامة إلاّ عقوق الوالدين فإن الله تعالى يعجله لصاحب به في الحياة قبل الممات”، وبعد عباد الله فبر الوالدين حق يجب أداؤه ودين يجب قضاؤه، وباب من أبواب الجنة، فلا تفرطوا فيه، ولا تستكثروا ما تبذلوا فيه، فهما سبب الوجود، والله تعالى يقول: “هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان”.
وأضاف: عقوق الوالدين ذنب عظيم، شؤمه وخيم، وعاقبته عذاب الجحيم، ولا يدخل الجنة عاق لوالديه، ولا ينظر الله إليه يوم القيامة، ولعن الله من عق والديه، فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا بلى يا رسول لله؟ قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور، قال فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت”. وشدّد على أنه بلغ من تأكيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على حق الوالدين أن جعله مقدماً على الجهاد في سبيل الله، فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد فقال: أحي والداك، قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد. وتابع: بر الوالدين لا ينقطع بموتهما، بل يستمر بالوفاء بعهدهما وقضاء الدين عنهما، والصدقة والدعاء لهما والإحسان والود ووصل صلتهما، فعن أبي أسيد رضي الله عنه قال: بينما أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله هل بقي علي من بر أبوي شيء بعد موتهما أبرهما به؟ قالنعم، خصال أربعة: الصلاة عليهما أي الدعاء لهما، وإنفاذ عهدهما وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلاّ من قبلهما، فهو الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما”، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن العبد ليموت والداه أو أحدهما وإنه لهما لعاق، فلا يزال يدعو لهما ويستغفر لهما حتى يكتبه الله بارا
صالح التويجري