ضياع القضية الفلسطينية في اتفاق أوسلو
تاريخ النشر: 4th, March 2024 GMT
عرض/ خليل المعلمي
شهد اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني انتقادات واسعة ومعارضة من قبل مختلف المنظمات العربية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، لما فيها من إجحاد وضياع لحقوق الشعب الفلسطيني خلال أكثر من مائة في الحصول على حريته وتقرير مصيره، فبنود الاتفاق تتحدث عن أمن الكيان الإسرائيلي ولم يأت ذكر الأمن للفلسطينيين أمام الهجمات الإسرائيلية ولم يطلب تعويضهم.
يعترض إدوارد سعيد في كتابه “غزة –أريحا سلام أميركي” الصادر عن دار المستقبل العربي على خطة السلام التي أبرمتها منظمة التحرير الفلسطينية مع “الكيان الإسرائيلي”، لأنها وضعت الطرف الفلسطيني في الجانب الأدنى من حيث الأمن والحقوق، وبالوقت ذاته استحوذ هذا الكيان على القدس الشرقية والمستوطنات والسيادة والاقتصاد، فالاتفاق ينص على الاعتراف المتبادل والحكم الذاتي والنقل المبكر للسلطات، والمقصود هنا الفلسطينيون في قطاع غزة ومدينة صغيرة هي أريحا، ويقوم بعض المئات من جيش التحرير الفلسطيني بمهام الشرطة وبإشراف إداري على قضايا الصحة والتعليم وخدمات البريد والسياحة.
أما الإشراف على الأراضي والمياه والأمن العام والشؤون الخارجية، فهو مسؤولية إسرائيلية، وسيبقى هذا الكيان مسيطرا على الضفة الغربية والمعبر الذي يربط غزة بأريحا.
يقول سعيد إنّ المنظمة بهذه العملية حولت نفسها من حركة تحرر وطني إلى ما يشبه حكومة بلدية صغيرة وأغلقت مكاتبها في الخارج، وهذا لا يتناسب مع مصلحة الفلسطينيين المهجرين في سوريا ولبنان وسائر الدول الأخرى، تلك الحقوق التي أقرتها مواثيق الأمم المتحدة وجاءت نتيجة كفاح طويل، ولا يوجد حديث حول الحرية والمساواة ولا عن المعتقلين المسجونين في سجون الاحتلال.
سلسلة تراجعات
يحمل إدوارد سعيد الموقعين على هذا الاتفاق المسؤولية في الوقوع بسلسلة من التراجعات أهمها: تراجع عن نصوص الميثاق الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية ونبذ المقاومة التي اصطلح على تسميتها بالعنف والإرهاب، وإهدار لجميع قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية باستثناء القرارين “242 و338” اللذين لا يحويان أي كلمة عن الفلسطينيين وتطلعاتهم وقضيتهم، كما نسفت العديد من القرارات التي أعطت حقوقاً للاجئين الفلسطينيين وإدانة الجرائم التي يقترفها الاحتلال بحقهم وإقامة المستوطنات. باختصار، يعتبر الاتفاق أداة الاستسلام الفلسطيني، لأن الاتفاقية بذلك وضعت حداً للانتفاضة التي لم تكن إرهاباً، وإنما حق شعب بالمقاومة.
الاتفاق تحدث عن أمن “إسرائيل”. وفي المقابل، لم يأت أي ذكر عن أمن الفلسطينيين أمام الهجمات الإسرائيلية، بالإضافة لحفاظها على حدودها السابقة، ولم يطلب إليها تعويض لضحايا الاحتلال كما طلب من العراق بعد احتلاله للكويت، كما تجاهل الاتفاق سرقة “الكيان الإسرائيلي” للمياه وضمها المزيد من الأراضي وبناء المزيد من المستوطنات ناهيك بأن الكثير من المعلومات أخفيت عن أصحاب العلاقة.
مائة عام من التضحيات
يأسف إدوارد سعيد لمئة عام من التضحيات والكفاح البطولي ذهبت هدراً مع هذا الاتفاق، وظهر الاتفاق للعالم وكأن الفلسطينيين ليسوا أصحاب حق، وأنهم نادمون على ما اقترفوه. أما الآلاف الذين قتلتهم “إسرائيل” خلال كل ذلك التاريخ وغزو أراضيهم وتهجيرهم كل ذلك إرهاب يجب على الفلسطينيين لا الإسرائيليين التوقف عنه، وبهذا يصبح دور منظمة التحرير مساعدة “الكيان الإسرائيلي” في تثبيت أمنها ونفوذها.
أما موضوع التنمية، فباعتبار أن “الكيان الإسرائيلي” يسيطر على الاقتصاد بالتالي ستسيطر على حركة الصادرات والواردات وحركة العمالة، وبالتالي ستبقى الحدود مفتوحة بين الأراضي المحتلة و”اراضي 48”.
تجميع جديد للفلسطينيين
ويدعو صاحب الاستشراق إلى تجميع جديد للفلسطينيين على مستوى العالم في الداخل والخارج من خلال إحصاء حقيقي لا بيروقراطي، والدعوة لاقتراع في اختيار ممثليهم ونوع القيادة التي تحقق مصالحهم عبر جهد مكثف للمثقفين والمفكرين والمناضلين، وهو يلحظ ذلك التفاوت العجيب في الحقوق. مثلاً أن يُترك اللاجئون ليتعفنوا في بلدان الشتات وتتعفن قضيتهم، في الوقت الذي يسمح لأي يهودي من أي مكان في العالم في أن يكون مواطناً إسرائيلياً متى أراد ويمنع هذا الحق على الفلسطيني المهجر من أرضه.
حدود التعاون الدولي
ينقل لنا إدوارد سعيد بعض الاجتماعات التي جرى لقاء فيها بين عدد من الأميركيين العرب وشخصيات إسرائيلية بهدف تخفيف العداء بين فلسطين و”الكيان الإسرائيلي”، وكان هو الفلسطيني الوحيد الموجود، ابتدأت بمؤتمر هارفرد عام 1969، تبعه العديد من اللقاءات غير الرسمية، ولم يغطِ الجانب الفلسطيني، ولم يستثمر هذه الحوارات، ولم يشارك إسرائيليون من غير الصهاينة فيها، مثل البروفيسور إسرائيل شاحاك الذي وقف بوجه السياسة الإسرائيلية أو مثل مفكرين مثل نعوم تشومسكي، وكانت فرصة بهذه اللقاءات لمعرفة الآخر وإظهار حقنا وقضيتنا له، كما لم يبادر العرب أو الفلسطينيون لمبادرات من هذا النوع وترك المجال للأوروبيين والأميركيين لتزعم هذه المبادرات واستثمارها في تحويل الأنظار عن القضية المركزية بأن الصراع نوع من سوء الفهم الذي يتضمن عوامل نفسية وسواها المتضمنة تقليل حجم الكوارث الحاصلة في الواقع.
ويعتبر في الوقت ذاته أن مؤتمر مدريد كان ذروة التنازل الرسمي الفلسطيني لمصلحة “الكيان الإسرائيلي” التي لم تتنازل عن شيء.
حقائق مريرة عن غزة
يرى إدوارد سعيد أن غزة والقدس هما مفاتيح المستقبل الفلسطيني، القدس نظراً للمشاريع الاستيطانية فيها، وغزة لكونها المكان الجهنمي للمضطهدين والمحرومين الذين كانوا وما زالوا دينامو المقاومة التي انطلقت منها انتفاضة 1987، وغزة هي من تكرهها “إسرائيل” بشدة. وقد أوضح من خلال تصريحات الصحفية “سارة روى” كيف كانت “إسرائيل” تجهض إمكانيات التنمية في غزة والحفاظ على الوضع الاقتصادي المتدني فيها من خلال ربط اقتصادها بها وممارسة الحصار عليها.
ويلفت النظر أن أغلب من رحب بالاتفاق لم يطلع على بنوده، وهذا يفسر خيبة الأمل التي شعر بها سكان القطاع الذين توقعوا انسحاب الجيش الإسرائيلي وتدفق الأموال وانتعاش الوضع الاقتصادي، إلا أن العكس هو ما جرى، والواقع يشهد تفجر العنف بين الأفراد لا ضد “إسرائيل” والسكان يشغلهم الواقع المعيشي بالدرجة الأولى.
السلام الأمريكي
السلام الأمريكي في الشرق الأوسط يعني تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” والدول العربية وفتح الباب لاختراق الاقتصاد الإسرائيلي للأسواق العربية وعدم السماح بحيازة سلاح الدمار الشامل إلا لـ”للكيان الإسرائيلي”.
يستغرب سعيد مع كل الهيمنة الأميركية والإسرائيلية على المنطقة عدم تنطح الجامعات العربية لتخصيص أقسام لدراسة العقل والمجتمع الأميركي والإسرائيلي لمعرفة آليات التفكير لديهم، وبالتالي سبل مواجهتها على مبدأ اعرف عدوك.
ولأنَّ النضال لإيقاف بناء المستوطنات لا يشكل مهمة استراتيجية للمنظمة، فالأمر مهيأ لتصاعد العنف وتكرار مجزرة الخليل، وكل ممارسات “إسرائيل” تدل على أن ما تريده محمية إسرائيلية، وليس حكماً ذاتياً، فقد استفادت “إسرائيل” من عملية السلام بالحصول على اعتراف رجعي بكل ممارساتها غير القانونية السابقة مثل ضم القدس ومصادرة الأراضي الفلسطينية والسيطرة الاقتصادية على حياة الفلسطينيين، ويلفت إدوارد سعيد إلى أن الكثير من بنود الاتفاق بقي سرياً لا يعرفه الكثيرون من أصحاب النية الحسنة، ولكن السؤال: ما العمل الآن بعد كل هذا؟
استمرار القضية
ويؤكد الأديب إدوارد سعيد أن نهاية الصراع لا تزال بعيدة، وأن القضية تعني الشعب الفلسطيني كله، وليس سكان الأراضي المحتلة فقط، والسعي لتأمين منبر إعلامي يوضح للعالم أن قضية فلسطين مستمرة ولا يمثلها ذلك الاتفاق. ومن كل ما تقدم، يهدف إدوارد سعيد إلى معرفة المجدي من غير المجدي من تضحيات الشعب الفلسطيني وربط تاريخ الكفاح بحاضرنا ومستقبلنا والرصد الأمين لآثار التغيرات الكبرى في العالم في منطقتنا، وأن يؤدي جهده دوراً متواضعاً في إثارة نقاش واسع حول مستقبلنا العربي الجماعي.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: الکیان الإسرائیلی التحریر الفلسطینی إدوارد سعید
إقرأ أيضاً:
هيرست: بإمكان إسرائيل حظر كل الأفلام.. الصوت الفلسطيني لن يُخمد
نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا لرئيس تحريره الصحفي البريطاني ديفيد هيرست، تحدث فيه عن تأثير الاحتلال الإسرائيلي على الإعلام الغربي فيما يتعلق بالرواية حول حرب الإبادة في قطاع غزة.
وقال هيرست بعد حذف هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" فيلما بعنوان " "غزة: كيف تنجو في محور الحرب"، إنه "بإمكان إسرائيل أن تحظر كل الأفلام التي تريد. لا يمكن للصوت الفلسطيني أن يُخمد".
وتابع أنه "في وسط تراجع هائل في الدعم العالمي، ينتاب إسرائيل وأنصارها حالة من الهلع، فراحوا يعملون على مدار الساعة لإخفاء الدليل على جرائمها".
وتاليا الترجمة الكاملة للمقال:
في كل الضجة التي أثيرت حول وثائقي البي بي سي بعنوان "ٌغزة: كيف تنجو في ساحة حرب" لم تُكتب كلمة واحدة حول ما الذي يقوله لنا هذا الفيلم حول الطريقة التي ينجو بها الفلسطينيون من حرب ظلت تدور رحاها لسنة ونصف.
لا يبدو أن أياً من الأصوات التالية سُمعت في خضم النزاع الذي نشب حول عرض هذا الفيلم.
امرأة تهرب وهي تحمل في يدها قارورة ماء فارغة، بعد صدور أمر إسرائيلي آخر بالإجلاء، تصيح بأعلى صوتها دون أن توجه كلامها إلى أحد بعينه: "لعنكم الله جميعاً. الله يلعنك يا [قائد حماس يحيى] السنوار.
غلام يقول للكاميرا بصوت متجهم: "رأينا الناس أمواتاً أمام أعيننا. أحدهم أمعاؤه تتدلى من بطنه. هل نحن في مكان آمن؟"
زكريا، ولد في الحادية عشرة من عمره يحصل على قوت يومه من العمل في غسيل سيارات الإسعاف في مستشفى الأقصى، يشرح كيف يعمل جنباً إلى جنب مع الإعلاميين والأطباء والمسعفين قائلاً: "أحب أن أعمل متطوعاً. أود أن أتطوع في إحدى وحدات الإسعاف."
مسعف يضع سماعات على رأس كوسيلة لعزل نفسه عن الجحيم الذي يتأجج من حوله، يقول متأملاً: "أحتاج لغسل هذا القميص. الأطفال أنقياء وأبرياء. رؤيتهم وهم جرحى من أصعب الأمور التي يشهدها المرء. السماعات هي أهم شيء على الإطلاق. إنها تساعدني على الهرب من الحرب، وبؤس المستشفى، والتفجيرات، والموتى، والجرحى".
رفع محمد طاهر، جراح العظام والأعصاب من لندن، ذراعاً بترها من ولد عمره عشر سنين، وقال: "انظر إلى ما يفعله الإسرائيليون بالأطفال في غزة. هذا ما وصل إليه الحال. لا حول ولا قوة إلا بالله."
ولكن هذا، بالطبع، هو الغرض من إلغاء وثائقي كهذا ينال سمعة إسرائيل.
ولا يقتصر الأمر على إلغاء الوثائقي، بل وأي وسيلة يتمكن الفلسطينيون من خلالها من التعبير عن الوحشية غير العادية التي يعانونها على أيدي أمة تأسس وجودها على التظلم – على كونهم ضحايا قرون من معاداة السامية الأوروبية، وضحايا المحرقة، وضحايا الهجوم الذي شنته حماس يوم السابع من أكتوبر 2023.
جماعة البي بي سي
تركز الغضب مثل شعاع الليزر على عبد الله اليازوري، راوي الفيلم الذي يبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، وذلك أنه في نظر آلة الدعاية الإسرائيلية ارتكب ثلاث خطايا كبرى: أما الأولى والأهم فهي أنه مازال على قيد الحياة. أكثر من 14،500 طفل لم يبقوا على قيد الحياة.
أما خطيئته الثانية فهو أن يتحدث الإنجليزية بطلاقة، مما يكسبه صدقية لدى الجمهور الغربي. هذا أمر يحتكره أنصار إسرائيل، ولابد من إبقائه كذلك.
خطيئة عبد الله الثالثة هي أنه موضوعي وغير سياسي. فهو الذي يبلغ البيانات التي تصدر عن الجيش الإسرائيلي بعد كل مذبحة يرتكبها جنوده ضد المدنيين.
العبارة الوحيدة التي ينطق بها عبد الله ولا تكاد تجد أحداً خارج غزة يختلف معها هي: "هل خطر ببالك ما الذي ينبغي أن تفعله إذا ما تعرض عالمك للتدمير؟"
الإنقاذ، ووضع حد لكابوس ظهور أصوات ذات مصداقية من غزة ضمن برامج ساعات الذروة في تلفزيون البي بي سي، جاء من خلال معلومة تفيد بأن والد عبد الله كان يشغل منصب نائب وزير الزراعة في الحكومة التي تديرها حماس.
تداعت البي بي سي كما لو كانت علبة من الورق.
والد الغلام، واسمه أيمن اليازوري، تكنوقراط، ومع ذلك تم الترويج على نطاق واسع من قبل المعلقين والمنصات الإخبارية في بريطانيا بأنه مسؤول كبير في حماس، أو زعيم في الإرهاب.
ولكن، وكما كشف عن ذلك موقع ميدل إيست آي الشهر الماضي، لليازوري خلفية علمية وليس خلفية سياسية. كان قد عمل من قبل في وزارة التعليم الإماراتية – والتي لا تحب ولا توظف أي شخص يرتبط من قريب أو بعيد بالإخوان المسلمين. واليازوري حاصل على الدكتوراه من جامعة بريطانية.
لو تشكلت أي حكومة في غزة بعد هذه الحرب، فإنها سوف تدار من قبل تكنوقراط من مثل اليازوري.
بالنسبة للجيش الإسرائيل، كل من يعمل في غزة – سواء كان تكنوقراط أو أستاذ جامعي، أو مسعف، أو صحفي، أو موزع إغاثة – فهو هدف. لقد تعمد جنوده قتل أصحاب هذه المهن. والأدلة التي تثبت ذلك وفيرة.
ولكن بالنسبة للمجتمع الدولي، والذي يتضمن بريطانيا، يعتبر التكنوقراط من مثل اليازوري الحل الوحيد لحكم غزة ما بعد الحرب. لا البي بي سي ولا القناة الرابعة، لو كانوا صادقين في التزامهم بمواثيق الخدمة العامة، يجوز لهم اعتماد الدعاية والأخبار الكاذبة التي تبثها الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في ضبط سياستهم التحريرية.
زعم سخيف
لا تعتبر أي من المؤسستين الإعلاميتين المذكورتين جميع الفلسطينيين في غزة مذنبين وينبغي أن يبادوا، وإن كان ذلك هو الرأي السائد داخل إسرائيل. ينبغي أن تكون المؤسستان قادرتين على التمييز بين موظف حكومة وعضو في حماس، وكذلك من هو بالفعل عضو في الجناح العسكري، كتائب القسام، المنظمة التي تحظرها بريطانيا وبلدان أخرى باعتبارها جماعة إرهابية.
قامت القناة الرابعة أيضاً بإجراء مقابلة مع عبد الله.
جاء في بيان صادر عن القناة هذا الشهر ما يلي: " في صيف عام 2024 تنامى إلى علم فريق مراسلي الشؤون الخارجية المتمرس في القناة الرابعة أن والده يشغل منصباً تكنوقراطياً في حكومة حماس واتخذوا قراراً بعدم ظهوره على شاشة القناة مرة أخرى."
وأضاف البيان: "بمجرد أن تنامى ذلك مؤخراً إلى علم فريق كبار المسؤولين في القناة الرابعة، تم اتخاذ إجراء بتوفير سياق إضافي إلى النسخة المحفوظة في الإنترنيت للتقارير الذي ظهر فيها عبد الله."
وبهذا يتم التعامل مع عبد الله ومع والده كما لو كانا رائحة كريهة. ولكن لم يصدر عن أي منهما ما هو خطأ.
كما لا يوجد ما يثبت أن حماس تدخلت بأي شكل من الأشكال للتأثير على وثائقي البي بي سي، والذي كتب نصه في لندن. لو أن حماس كان لها أي علاقة به لربما لم يظهر فيه المقطع التالي: "لقد قتلوا أطفالنا، وقتلوا نساءنا، بينما [السنوار] مختبئ تحت الأرض."
لا نعرف ما هي آراء الأب حول حركة حماس. ولكن دعونا نفترض أنه يدعم أهدافها. هل يعني ذلك تلقائياً أن ابنه غير مؤهل للظهور في برنامج الغاية منه هي تقديم الرواية الفلسطينية، وخاصة أن الرواية الإسرائيلية يتم التعبير عنها يومياً بشكل كامل ومتكرر؟
من الحقائق المعروفة جيداً في المجتمع الفلسطيني أن الأبناء لا يتبعون بشكل تلقائي المعتقدات السياسية لآبائهم، ومن الشائع أن تجد الأبناء في فتح والآباء في حماس.
شقيق الزعيم الفتحاوي جبريل رجوب، واسمه نايف رجوب، من رموز حماس، وابن الزعيم الحمساوي البارز حسن يوسف، واسمه مصعب يوسف، يُحتفى به من قبل الإسرائيليين لانقلابه على الحركة، وكثيراً ما يقتبسون أقواله بحرية.
ولذلك من السخافة أن يزعم أحد أن الابن يحمل أوزار والده.
معايير مختلفة
من واجب البي بي سي والقناة الرابعة تحري الحياد في جميع ما يصدر عنهما من مادة تحريرية. وهذا يعني تطبيق نفس المعايير التحريرية على الإسرائيليين والفلسطينيين.
ولكنهما لا يفعلان ذلك.
في الذكرى السنوية الأولي لهجوم حماس يوم السابع من أكتوبر، عرضت البي بي سي برنامجاً وثائقياً حول شهادات الناجين من مهرجان نوفا للموسيقى. كان الوثائقي، وعنوانه "لسوف نرقص ثانية" يدمي قلب من يشاهده.
ولكن لم يكن أحد ليجرؤ على التشكيك بصدقية الشهادات التي قدموها من خلال الإشارة إلى ما فعلته عائلاتهم أو فعله آباؤهم. ولم يُسأل أي من الشهود الذكور، وهم في سن الخدمة العسكرية، عما فعلوه كجنود.
بدلاً من ذلك، قيل ما يلي: "ما يقرب من 3500 مشارك ذهبوا إلى مهرجان نوفا الموسيقي، والمعروف باسم يونيفيرسو باراليلو، قتل من بينهم 364 بينما أخذ منهم 44 رهائن."
استخدام كلمة "قتل" صياغة مبررة بالكامل لوصف ما جرى يوم السابع من أكتوبر لمدنيين عزل كانوا يحضرون مهرجاناً موسيقياً، ولكن الوثائقي الذي عن غزة يقول فقط إن أكثر من 46،800 فلسطيني ماتوا في غزة.
وهكذا يتم تطبيق معايير تحريرية مختلفة تماماً، ناهيك عن أن وثائقي "غزة: كيف تنجو في ساحة حرب" لم يبق سوى أربعة أيام على الهواء ثم سُحب.
دعونا نكون واضحين إزاء هذا الذي يجري.
يستحيل أن تكون إسرائيل قد تمكنت من شن حرب تضمنت بشكل منتظم ومفتوح وجريء ارتكاب جرائم حرب – مثل منعها حالياً دخول المساعدات الإغاثية، وقطعها للكهرباء والماء عن غزة بهدف إجبار حماس على إطلاق سراح جميع الرهائن – بدون التزام وسائل الإعلام الرئيسية بالصمت.
تشتري إسرائيل هذا الصمت من خلال ما لم تزل منذ عقود تقدمه من رعاية وامتيازات لأعداد كبيرة من المحررين، رجاء أن ينتهي المطاف بواحد أو اثنين من هؤلاء في مواقع مهمة داخل غرف التحكم بالمحتوى. وهي تفعل نفس الشيء مع جميع النجوم السياسية الصاعدة في كل واحد من الأحزاب السياسية الكبرى.
ولا تتورع عن ممارسة التخويف والترهيب معهم كلما تمكن الصوت الفلسطيني من اختراق الحجب التي تفرضها.
في الحالات النادرة التي يحدث فيها ذلك، فإن الصوت الفلسطيني لا يقل فصاحة واتزاناً وصلاحاً عن صوت أي شعب مضطهد عبر التاريخ.
"ليس لدينا أرض أخرى"
لقد كتبت تقارير من مسافر يطا، تلك القرى الواقعة جنوب تلال الخليل في الضفة الغربية المحتلة، والتي أعلنها الجيش الإسرائيلي ميداناً للرماية، مثلها مثل مناطق أخرى كثيرة، عندما لم يحظ خبر الطرد الجماعي المستمر للفلسطينيين بانتباه العالم.
بعد أن تدمر الجرافات بيوتهم، يلجأ سكان القرى في مسافر يطا إلى الكهوف يتخذونها سكناً.
تطلب جذب الاهتمام بما يجري لهذه القرى فيلماً وثائقياً بعنوان "لا أرض سواها" من إنتاج فريق يتضمن المخرج الفلسطيني باسل أدرى والصحفي الإسرائيلي يوفال آبراهام. فاز فيلمهم بجائزة في مهرجان برلين للأفلام ثم مؤخراً فاز بأوسكار.
استغرق إخراج هذا الوثائقي إلى النور سنين، وهو فيلم يوثق شهادات على التصميم السلمي والهادئ لما يقرب من ألف فلسطيني (نصفهم من الأطفال) في ثمان قرى على البقاء في قراهم. بدأ العمل في الفيلم في عام 2019.
تقف النساء في مواجهة الجنود. ويجلس الأطفال التلاميذ في فصلهم الدراسي عندما تهجم جرافات الجيش على كوخهم، فتجبرهم على القفز من الشبابيك للنجاة بأنفسهم.
تسأل امرأة فلسطينية جندياً إسرائيلياً ألا يشعر بالخزي وهو يهدم بيتها، فيرد عليها قائلاً: "هذا هو القانون. ولماذا أشعر بالخزي."
تُسأل قروية أخرى لماذا لا تغادر، فتجيب: "ليس لنا أرض أخرى."
تم تسجيل الفيلم قبل هجوم حماس في أكتوبر 2023. كل العنف الذي يظهر فيه هو عنف تمارسه الدولة الإسرائيلية. لا يوجد لدى الفلسطينيين في جنوب تلال الخليل سوى الكلمات وحقهم الأخلاقي في أن يبقوا على أرضهم لمواجهة التمدد المستمر للدولة الإسرائيلية داخل الضفة الغربية المحتلة.
إخفاق الدعاية
ما تفعله إسرائيل ينتهك جميع القوانين الدولية.
ومع ذلك، حينما فاز هذا الفيلم بإحدى الجوائز الكبرى في مهرجان برلين، أثار عاصفة سياسية في ألمانيا.
بررت وزيرة الدولة للثقافة في ألمانيا، كلوديا روث، تصفيقها لمخرجي الفيلم حينما تسلما الجائزة بالقول إنها كانت تصفق للإسرائيلي فقط، وليس للفلسطيني. سرعان ما تحول موقفها العنصري ذلك باعترافها إلى كارثة في العلاقات العامة.
أنهى أبراهام خطاب تسلمه للجائزة بالدعوة إلى وقف لإطلاق النار في غزة وإلى "حل سياسي لإنهاء الاحتلال" – فقط لا غير.
وصف عمدة برلين كاي فيغنر الخطابات التي ألقيت في ختام مهرجان برلين بأنها "مغرقة في النسبية لدرجة لا تحتمل". وأضاف في حسابه عبر منصة إكس: "إن المسؤولية الكاملة عن المعاناة الشديدة في إسرائيل وفي قطاع غزة تتحملها حماس."
طالب موفد من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كلوديا روث بالاستقالة، بينما اقترح سياسي من الحزب الديمقراطي الحر بأنه ينبغي ألا يتلقى مهرجان الأفلام تمويلاً من الدولة بعد اليوم.
انتقد مدير المهرجان المنتهية ولايته، الإيطالي كارلو تشاتريان، المؤسسة السياسية الألمانية متهماً إياها باستخدام خطاب معاداة السامية سلاحاً من أجل تحقيق مكاسب سياسية. كما واجه مهرجان برلين لهذا العام دعوات بالمقاطعة بسبب صمته إزاء غزة وبسبب الطريقة التي تعامل بها مع ردود الفعل المناهضة لفيلم "لا أرض سواها".
الخبر السار هو أن الدعاية الإسرائيلية لم تعد تجدي نفعاً. فالرأي العام في جميع البلدان الغربية التي تمارس وسائل إعلامها ومهرجاناتها هذه الرقابة يتحول سريعاً ضد إسرائيل ولصالح الفلسطينيين.
يبدو هذا التوجه أكثر حدة في الولايات المتحدة حيث يتعاطف 59 بالمائة من الديمقراطيين مع الشعب الفلسطيني – ما يمثل ارتفاعاً قدره 16 نقطة عن السنة الماضية – بينما يتعاطف 21 بالمائة مع إسرائيل، ما يمثل انخفاضاً قدره 14 نقطة. في الولايات المتحدة ككل، ارتفعت النسبة المئوية للأمريكيين الذين يتعاطفون مع الفلسطينيين ست نقاط عما كانت عليه في العام الماضي لتصل إلى 33 بالمائة، بينما وصل الدعم الذي تحظى به إسرائيل إلى أدنى معدلاته خلال 24 سنة. 46 بالمائة فقط من الأمريكيين الذين استطلعت آراؤهم قالوا إنهم يتعاطفون مع إسرائيل.
إن التبدل في الدعم الشعبي غير مسبوق في كل العقود التي شهدها هذا الصراع. لا عجب إذن أن تصاب إسرائيل وجيشها وداعموها بالهلع. إنهم في الجانب الخطأ من التاريخ.
عندما ينتهي هذا الصراع في آخر المطاف ويكون للفلسطينيين دولتهم التي يستحقونها عن جدارة، سوف ينظر إلى هذه الحقبة الزمنية باعتبارها أحلك ساعات إسرائيل ووسائل الإعلام الغربية الليبرالية.
أين كنتم وماذا كنتم تفعلون عندما كانت غزة والضفة الغربية المحتلة تتعرض للسحق وتُحول إلى رماد. هذا ما سوف يسأله أبناء الجيل القادم لآبائهم. سوف يكون مثيراً للاهتمام أن نسمع الإجابة.
للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)