مديرة مركز «زاي» في جامعة زايد لـ«الاتحاد»: «العربية» لغة المستقبل وبوابة الاستثمار في الاقتصاد اللغوي الجديد
تاريخ النشر: 4th, March 2024 GMT
دينا جوني (دبي)
أخبار ذات صلة مجلس شباب اللغة العربية يقدِّم ورشة تدريبية عن المحتوى الرقمي «أبوظبي للغة العربية» يوفر سلسلة «نتكلم العربية» لمسافري «الاتحاد للطيران»تطوّر جامعة زايد ثلاث أدوات ذكية في تشخيص صعوبات التعلّم والقراءة عند طلبة الجامعات المدارس والأطفال، بالإضافة إلى إطلاق منصة إلكترونية تتضمن الكثير من الأدوات التعليمية القيّمة من أدب الأطفال وفيديوهات تربوية وتدريبية للمعلمين وأدوات تشخيص ومعلومات بيانية متعددة.
وقالت الدكتورة هنادا تامير، مديرة مركز «زاي» لبحوث اللغة العربية وأستاذ كرسي في جامعة زايد في حوار مع «الاتحاد»: إن تدريس اللغة العربية لمدة 45 دقيقة، خلال يوم كامل يكون فيه التعليم باللغة الإنجليزية أو أي لغة أخرى كما هو حال كثير من المدارس، لن يخرّج طلبة ناطقين بـ«العربية»، لافتة إلى أن المطلوب هو تغيير بعض التشريعات لدعم اللغة الأم.
وأكدت أن مجلس التعليم يمكن أن يشكّل الكيان الثابت في تقديم الحلول الجذرية في تطوير تدريس اللغة العربية في الدولة، من خلال سياسة واضحة مبنية على بحوث ورؤية.
واعتبرت أن اللغة العربية هي لغة المستقبل، واقتصادها لم تُطرق أبوابه بعد، وستفتح آفاقاً جديدة في أعمال التجارة والاقتصاد والفنون والهندسة والتجارة والإعلام، مشيرة إلى أهمية استقطاب الصنّاع والأدمغة لدراسة جميع الاحتمالات الضخمة للغة سيصل عدد المتكلمين بها إلى حوالي 750 مليون بحلول عام 2030.
وشرحت تامير أنه عوضاً عن التفكير فيما يمكن أن نقدّمه للغة العربية، لا بدّ من النظر في الاحتمالات الكبيرة التي تحملها، في زمن الذكاء الاصطناعي والإعلام الرقمي الجديد، لافتة إلى أن الناطقين باللغة العربية يبلغ عددهم اليوم حوالي 500 مليون، ومتوقع في عام 2030 أن يصل إلى 750 مليون عربي، وهو ما يمثّل فئة مستهدفة متصاعدة في عالم الأعمال والاستثمار.
واعتبرت أن هذا الرقم قد يشكّل همّاً اقتصادياً، لكن في الوقت نفسه يفتح أبواباً جديدة في المنطقة والعالم مع تغيّر التركيبة السكانية في العديد من الدول، مشيرة إلى أن الاقتصاد اللغوي يشمل الكثير من القطاعات، منها التجارة إلى الفنون، الإعلام، الكتابة، التعليم والهندسة وغيرها.
وأضافت: ماذا يوجد أفضل من اللغة العربية بكل تجلياتها في زمن اقتصاد المعرفة لتأخذ مكانتها عالمياً، ولتتحول إلى اللغة التي تدرّ المكاسب على المستثمرين في مختلف المجالات؟
ولفتت إلى أن المنطقة فقدت لقرون عنصر الإبهار، إلا أن ما حصل في السنوات الأخيرة وما قدّمته المنطقة وخصوصاً دولة الإمارات في «إكسبو 2020» و«كوب 28»، وبعدها قطر في كأس العالم، يحوّل أنظار الشباب العربي إلى اللغة العربية وجمالياتها وإمكاناتها والاعتزاز بها، بعدما انبهر طويلاً بالثقافة الغربية وماكينتها الإعلامية.
وقالت: إن الزمن بطيء و«استئناف الحضارة» يحتاج إلى وقت، وقد بدأت بالفعل دولة الإمارات في تحقيق ذلك.
تحديث التشريعات
أوضحت د. تامير أنه لا يوجد تشريع لغاية اليوم يلزم تدريس «العربية» قبل عمر الست سنوات، الأمر الذي يعطي الطالب فكرة ورسالة ضمنية أن لغته الأم غير مهمة، وأكدت أن تدريس 45 دقيقة في النهار باللغة العربية، وتوزيع بقية الحصص على مواد اللغة الإنجليزية لن يخرّج طلبة ناطقين بـ«العربية»، واصفة الأمر بـ«الأسطورة».
كما أكدت أنه المطلوب تغيير بعض التشريعات بالاعتماد على نتائج الدراسات والبحوث، فتوصيات البحث العلمي الرصين تقول إنه لغاية الصف الرابع يجب أن تكون كل المواد باللغة الأم مع حصة واحدة باللغات الأخرى، على أن تطرح المدارس بعد ذلك مواد اللغة الثانية.
وأشارت إلى أهمية تقديم دروس اللغة العربية للناطقين بغيرها في المؤسسات الحكومية والخاصة، وعدم منح ترخيص لحضانة أطفال أو مدرسة روضة ما لم تقدّم ما لا يقل عن 10 ساعات لغة عربية أسبوعياً، وقالت إنه عالمياً، الوقت المخصص للغة الأم في المدارس يبلغ 242 ساعة في السنة، 30% منها للقراءة، والواقع هنا يقول إن المدارس تقدّم 140 ساعة في السنة للغة العربية، يخصص القليل منها للقراءة.
وقالت: إن جامعة زايد أطلقت مبادرة لتدريب الطلبة على الحديث العلني باللغة العربية الفصحى، وخلال ساعة واحدة تقدّم للمشاركة نحو 200 طالب وطالبة، واعتبرت مقولة أن الشباب لا يحب اللغة العربية غير صحيحة، وخصوصاً في منطقة الخليج العربي.
تدريب
لفتت د. تامير إلى ضرورة تغيير أساليب تدريب المعلمين التي غالباً ما تعتمد على استيفاء عدد ساعات محدد خلال العام، من دون الغوص في المحتوى وما يدعو إليه البحث العلمي.
ودعت إلى أهمية التدريب على مفهوم لغوي واحد كل عام، مثل الفهم القرائي والتهجئة والسجع وغيرها، ليكون التدريب مركزاً ومكثفاً، فيتمكّن المعلم من مهاراته بنهاية كل عام دراسي.
مكنز لغوي
حاز «مركز زاي» منحة من مركز أبوظبي للغة العربية للعمل على تصنيف مستويات الكلمات، بالتعاون مع جامعة نيويورك أبوظبي، وسيقدّم هذا المشروع مكنزاً من 10 ملايين كلمة مرتبة، بحسب صعوبتها، وتوزيعها على المراحل التعليمية كمخرجات لا بد للطالب من إجادتها بنهاية كل صف دراسي.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: جامعة زايد المدارس الأطفال اللغة العربية اللغة الإنجليزية اللغة العربیة للغة العربیة جامعة زاید إلى أن
إقرأ أيضاً:
المسرح واللغة
«إن العداء المتسلّط على اللغة العربية متجذّر فـي الثقافة الغربية. تجلت مخالبه واستشرت مخاطره أواخر القرن التاسع عشر مع عتّو الهجمة الاستعمارية التي استندت إلى خطاب كَيدي مخاتل تحت عباءة تمدين الشعوب البدائية، وقد اعتمد الكيد خطابا ناسفا لمقومات الانتماء اللغوي، ومن أعتى مكائده أنه انبرى فـي صورة الغيور على العرب والمتحمس لنهوضهم الحضاري، ومن أجل ذلك لم يدعهُم إلى ترك لغتهم والانخراط فـي اللغة الأجنبية، وإنما دعاهم إلى ترك العربية الفصحى وتبني العاميّة بإعلائها إلى منزلة اللغة الرسمية كي تصبح حاملة لأعباء المعرفة والعلم والتقدم».
بهذه الكلمات البليغة والرسالة الهادفة الواضحة التي كتبها الدكتور عبدالسلام المسّدي -أطال الله فـي عمره- نقول بكل هدوء، مرّ اليوم العالمي المخصص للاحتفال باللغة العربية فـي الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، مرور التابعين والباحثين عن الأمل والعمل. المتأمل والفاحص فـي كلمات المسدي يجده ربط النهوض العربي باللغة العربية، فهي بهذا المعنى تعني أن وجودنا فـي العالم ينطلق من وجود اللغة التي نتكلم بها، لا يقتصر كلامنا فـي الوقت الراهن بل يمتد إلى الماضي السحيق. فإذا اللغة هي بيتنا وثقافتنا وهُويتنا ومجال تقدمنا وخطابنا إلى العالم، فلماذا هانت علينا؟
والفاحص فـي الفقرة السابقة، يلاحظ أن حرب الغرب المتقدم بأسلحته وأمواله وخططه وبرامجه، الحرب الموجهة إلينا، ظاهرها تنويرنا وتعليمنا وتحديثنا، وباطنها إبادتنا ونسفنا وتأكيد عبوديتنا وإذلالنا. وإلا كيف نفهم مجريات الأحداث الكبيرة التي عصفت بالمنطقة العربية منذ ما سُمي بالربيع العربي؟ كيف نستطيع أن نفهم أن الإطاحة برئيس دولة ما، هو نصرةٌ للغتنا وهُويتنا؟ وفـي ظل حرب الإبادة الممتدة من طوفان الأقصى إلى اليوم فـي فلسطين وغزة وأكناف بيت المقدس وما حدث بعدها فـي الوطن العربي وما يجري مناقشته فـي وسائط التواصل الافتراضي من سيناريوهات تهاجم لغتنا وثقافتنا وجغرافـيتنا، كيف نستطيع أن نستبعد مفهوم المؤامرة ضدنا؟
مرّ يوم الثامن عشر من ديسمبر مرور العربي الذي باع نخلته، وطَمَر بئره، ورَهَن سيفه لدى المغول. مَر وكل شيء من حولنا يدعو إلى افتعال النسيان لا التذّكر، الاحتفال والذبح للضيف الغريب، لا للوقوف عند التأسي والحزن والخذلان. فهذه كلمات يُخطط لحذفها من معاجم اللغة العربية وقواميسها، كما خُطط لشطب ومحو قراها وبلدانها وشوارعها من الجغرافـيا!
مرّ يوم الثامن عشر من ديسمبر والأسئلة القديمة تتجدد صاعدة من كل فجّ عميق: ماذا يعني مناسبة الاحتفال باللغة العربية؟ ما العلاقة الجدلية بين المسرح واللغة؟ أي اللغات أفضل للعرض المسرحي، اللغة العربية أم اللهجات المحلية؟ هل اللهجة الدارجة لغة أصلية أم مجرد لهجة! هل الكتابة باللهجة المحلية فـي نص أدبي مكتوب باللغة العربية الفصحى عيب أنه مصدر انتماء وقوة للنص الأدبي؟ هل يعد نقصا تقديم عرض مسرحي بلهجة غارقة فـي المحلية أمام جمهور عربي؟ لماذا يُستعان بمعقبين لغتهم الرسمية الفرنسية للتعليق على عرض محلي خليجي لغة أهله الأساسية الإنجليزية بعد اللغة العربية؟ لماذا يتحدث المسؤولون فـي اجتماعاتهم باللغة الإنجليزية أو الأوردية، فـي حين يؤكدون فـي خطاباتهم الرسمية على إيلاء اللغة العربية الاهتمام الأول؟ لماذا يصرّ بعض المتنفذين (وهم من السياسيين التابعين) على إقصاء اللغة العربية من الأقسام العلمية وجعل اللغات الأجنبية هي لغة العلم والامتحان والمقابلة والتفوق؟
عندما احتل العدو؛ -وأعرّفه هنا حصريًا بذلك الذي يعتدي على أرض وشعب يهدف إلى استعباده وفرض وصايته عليه- الشعوب التي فـي معياره هي الأقل والأضعف والأشد جهلا، بهدف تنويرها وتعليمها مبادئ الانفتاح والحريّات المَدنية، دخل عليها عن طريق خلخلة شعورها بلغتها وثقتها بنفسها، وقلة تقديرها لأعرافها وتقاليدها. عُرف هذا النوع من الاحتلال الممنهج بالغزو الثقافـي، وتجلى أظهر مظاهر الغزو فـي انسلاخ الشعوب المحتَلَة من مكونها اللغوي أو اللهجي، وهذا من خصائص الجوانب السلبية للعولمة الثقافـيّة.
فـي سياق الدراما، فإن الدراما المصرية الأكثر انتشارا وتوسعا وتمددا فـي بلادنا العربية، يشكو بعض نقادها من تغلغل بعض المفردات الدخيلة عليهم والمنتشرة بين مجموعات من الشباب، وكذلك تشهد الدراما الخليجية من تلك الظواهر التي تتعامل مع مفردات الماضي كأنها مُتحف أو سجل لحفظ الألفاظ التاريخية، دون إعمال العقل فـيما يقف وراء هذا الانسياق.
لا شك يقف وراء تراجع الشعور بقوة اللغة العربية، وعدّها لغة صالحة للاحتفال فـي المناسبات، هم أهل اللغة أنفسهم ومعاجم لغتهم وقواميسهم ومدارسهم وجامعاتهم وإعلامهم. ينطلقون من أن اللغة العربية لا تصلح إلا للمتاحف، وأنها عصية على التعلّم ومن ثم الفهم. وهذه واحدة من مشكلات التعامل مع اللغة، حينما ينظر إليها أبناؤها على أنها لغة صعبة وقاسية ومتخلفة ورجعية، وأن الآخر لغته قوية ومهيمنة ومسيطرة وبها عذوبة وغيرها من صفات المديح.
فـي سياق التخلف الحاصل اليوم لتعلّم اللغة العربية، ومخرجات المعلمين لها، وواقع إنجازهم التعليمي المعاصر، فإن عدد الناطقين بها فـي العالم يزداد بنسب مرتفعة، ويبشر ذلك لدى الغيورين بالخير على اللغة، على نحو من الأنحاء. إذ يبلغ اليوم عدد المتكلمين باللغة العربية فـي العالم نحو النصف مليار، أو يزيد متكلما. فما الذي يدفع هؤلاء إلى تعلمها؟ على سبيل الشاهد، فـي المؤتمر الدولي الأول (توظيف التراث فـي الأدب العماني) الذي أقامته جامعة الشرقية فـي ولاية إبراء بمحافظة شمال الشرقية للفترة من 8-10 أكتوبر 2024م، تحدث الباحثون المشاركون من جمهورية الهند عن شغفهم باللغة العربية وضرورة معرفتها وتعلّم قواعدها لقراءة الأدب المكتوب بها، وكذلك أشار الباحث الأذربيجاني، إلى إعجابه باللغة العربية وقراءة الشعر والروايات والمسرحيات التي ساعدته على حبّ اللغة واكتساب مهارات التواصل. فلم يقل هؤلاء عنها إنها لغة مستعصية، أو تمنع التقدم الحضاري للعرب، بل رأوا فـيها جمالا أخاذا وانفتاحًا ومنطقًا. إنّه جمال فـي اللغة؛ حيث يراه أغلب من تعرضت بلاده ولغته وموسيقاه وأغانيه إلى الاحتلال من طرف عدو يريد الاستئثار بالنعم وحده.
فهل نظل نُعيد ونكرر مع (المخربين، والمُطبعين، والمستفـيدين) أن ما يهدد لغتنا العربية إنّها ليست لغة علمية، وليس لديها فقه تكنولوجي، وأن الغرب الاستعماري الذي يصفه عبدالسلام المسّدي، بالماكر والخبيث، ترمي خططه إلى تخريب لغتنا العربية بصمت داخلي كبير غير معلن. لا شك فـي أن الأخطار التي تُهدد لغتنا العربية اليوم كبيرة وشنيعة، ظاهرة وباطنة، خارجية وداخلية. وما الاحتفال بها فـي يومها إلا شكلٌ من أشكال محاولة إنعاش الجثة قبل أن تموت.
هناك سؤال مهم أيضًا: هل تهديد اللغة العربية طريق لتهديد مسرحنا وكتابتنا؟ هل تهدف الرقمنة إلى وضع مخطط يهدم مشاعرنا الذاتية الخالصة تجاه الكلمة العربية؟ هل سينجح مصطلح ما بعد الدراما فـي القضاء على عناصر تراتبية بنية الحكاية التقليدية؟ ماذا نقول عن السيل العارم من الكتابات ذات الهذيان والضياع وجحود العلاقات الاجتماعية لدى الأسرة الواحدة؟ ماذا نقرأ وراء اللاوعي الساكن فـي مسرحيات شخصوها مريضة وممزقة فـي عوالمها الداخلية، تعاني إرهاصات متراكمة من الأمراض القاتلة، وتذهب إلى عيادة الطب النفسي، ثم لا تجد حلا إلا فـي الانتحار؟ أسئلة كثيرة تُعاد وأخرى تتجدد والاحتفال باليوم العالمي للغة العربية يمضي بنا إلى نفق مظلم جدا.