تعقدت الأزمة السودانية وبلغت ذروتها في فشل المبادرات الإقليمية والدولية وعدم قدرتها على إنهاء الصراع بين قوات التمرد بزعامة محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي، والجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة فريق أول عبد الفتاح البرهان ولم يعد أمام ممثلي القوى السياسية والعسكرية في البلاد إلا طرق أبواب الدول المجاورة والبعيدة للبحث عن حل.
وفي هذا الإطار تعددت زيارات المسؤولين السودانيين لعواصم هذه الدول وعادت مرة أخرى الزيارات المتعاقبة التي يقوم بها قائد الدعم السريع حميدتي عقب زيارة البرهان للدول العربية والأفريقية، وهو ما كان قائمًا قبل اندلاع التمرد في 15 أبريل الماضي عندما كان يتعمد محمد حمدان دقلو زيارة كل دولة يقوم رئيس مجلس السيادة بزيارتها وهو ما عرف في ذلك الحين بالنظام السوداني ذى الرأسين.
حيث كان يتعمد حميدتي أن يقوم بنفس الدور الذي يقوم به البرهان باعتباره رئيسًا مساويًا للبرهان في السلطة، ومن الملاحظ أن زيارة البرهان الأسبوع الماضي إلى ليبيا تبعتها زيارة لحميدتي، وتم استقبال الرجلين من رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، وخرجت تصريحات حميدتي عقب الزيارة، وكأنها تصريحات رئيس دولة التقى مع نظيره في دولة أخرى.
حميدتي إذًا يحاول إعادة الأمور في البلاد إلى ما قبل الخامس عشر من أبريل الماضي باعتباره شريكًا في الحكم، ومنازعًا للبرهان في إدارة البلاد، وهو ما يعكس إصراره على تأزيم الموقف، وعدم الاعتراف بالبرهان رئيس لمجلس السيادة وأن الفريق أول عبد الفتاح البرهان مجرد قائد للجيش فقط.
ومن جهة أخرى يرى المراقبون أن الزيارتين المتعاقبتين تشيران إلى حقيقة أن هناك مبادرة ليبية للمصالحة بين الرجلين، وهو ما أكدته تصريحات عبد الحميد الدبيبة التي قال فيها إنه يسعى لإطلاق مبادرة سلام للحل في السودان.. ويبدو أن نجاح الدبيبة في عقد هذه اللقاءات مع قائد الدعم السريع ورئيس مجلس السيادة السوداني قد حظيت بتوافق، ويمكن تطويرها إلى مبادرة للحل الشامل خاصة أن ليبيا لها دور محوري في إنهاء الصراع، أو إشعاله حيث ينطلق المتمردون والأسلحة من الأراضي الليبية إلى داخل السودان، وهو ما يشكل جسرًا لدعم النزاعات المسلحة في إقليم دارفور خاصة والسودان عمومًا، وكانت قيادة القوات المسلحة السودانية قد أعلنت عن ضبط كميات كبيرة من الأسلحة والمتمردين على الحدود مع ليبيا.. وفي كل الأحوال بدت جميع المبادرات الإقليمية أقرب إلى الحل، ولكنها اصطدمت بحالة التنازع التاريخي المرتبط بتوافق، أو شراكات مع الخارج وهو ما أبطل مفعول جميع المبادرات السابقة الساعية لوقف التمرد، وإنهاء الحرب في البلاد.
وهكذا يبدو أن قادة السودان يصرون على أن حل مشاكلهم في خارج البلاد وليس بداخلها، ومن ثم تتعدد زيارات الوفود السياسية والعسكرية إلى عواصم المدن العربية والإفريقية بحثًا عن إنهاء الصراع العسكري الدائر الآن في البلاد بين قوات التمرد بقيادة حميدتي والجيش السوداني من ناحية، وبين مختلف القوى السياسية التي تدعم أي من الطرفين من ناحية ثانية، وهو ما يعني أن هناك قناعة شبه كاملة لدى جميع الفاعلين في السودان أن حل مشاكل بلادهم لن تأتي من الداخل بل من الخارج، وبضغط من هذه الدول على أطراف العمليتين العسكرية والسياسية.
ويرصد المتابعون للشأن السوداني هذه الزيارات لممثلي تلك الأطراف والتي تعدت العشرات وتضمنت أيضًا عشرات المبادرات التي فشلت جميعها حتى الآن في وقف القتال أو حتى تحييد المدنيين في النزاع العسكري وحماية ممتلكاتهم من النهب والتدمير ولم تفلح الوساطات الإقليمية أو الدولية في إقناع أطراف النزاع في الوصول إلى الحد الأدنى من التوافق على الإبقاء على مؤسسات الدولة خارج دائرة التدمير أو فتح ممرات إنسانية لإيصال المساعدات أو نقل الجرحى والمصابين للعلاج خارج مناطق النزاع أو حتى إبقاء وسائل الاتصال مستمرة، وقد دمرت قوات الدعم السريع شركات الاتصال واستولت على مخازن الأغذية المحلية والدولية واحتلت بيوت مدنيين واعتقلتهم وفق مزاعم سياسية في محاولة مكشوفة لكسب الدعم الدولي الذي أصبح يعطي مكافأة لكل من يقول إنه يقاتل الإسلاميين
اختيار الخارج لحل الأزمة إذا هو محاولة للهروب من الحقيقة التي أصبحت معلنة بأن التمرد على الجيش السوداني هو محاولة للقضاء على الدولة السودانية، وتغيير تركيبتها السكانية وإيجاد نظام يعمل وكيل للوكلاء الإقليميين الذين يعملون في بلاط الإدارة الأمريكية والغربية ومحاولة صياغة شكل جديد للسودان يتوافق مع المزاج الغربي بوجود شعب سوداني ممزق وتائه بين هويات ثقافية مختلفة ومتناقضة تجعله دائمًا في حالة حروب أهلية أو استعداد دائم لها.
وعلى الرغم من مئات المؤتمرات والندوات والمبادرات التي أنتجتها النخبة السودانية عقب قيام ما يسمى بثورة الشباب في أبريل 2019م، إلا أنها لم تتوافق حتى الآن على وضع تصور للخروج من أزمة السودان الحالية وإنهاء حالة التناقض والتنازع المستمرة منذ إعلان الاستقلال في يناير 1956.
ولا يبدو أن السودان يمكن أن يتحرك خطوة واحدة نحو إنقاذ الدولة والحفاظ عليها إلا إذا توافق الفاعلون السياسيون والعسكريون على روشتة علاج سياسية واقتصادية وتنموية وإعلامية واحدة تتعاطاها النخبة في البلاد أولاً والشعب السوداني من بعدها ثانيًا.
ويبقى أن البحث خارج السودان عن تلك الروشتة هو إدخال البلاد في حالة سراب لا يمكن أن يصل بهم إلى شيء.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: خالد محمد علي فی البلاد وهو ما
إقرأ أيضاً:
قوات الدعم السريع السوداني يسيطر على قاعدة عسكرية شمال دارفور
قالت قوات الدعم السريع في السودان، إنها استعادت السيطرة على قاعدة عسكرية رئيسية في شمال دارفور، اليوم الأحد، بعد ساعات من إعلان الجيش السوداني والفصائل المتحالفة معه السيطرة عليها.
ماكرون يدعو طرفي النزاع في السودان إلى إلقاء السلاح برنامج الغذاء العالمي: مقرا للأمم المتحدة بجنوب شرق السودان تعرض لقصف جوي
وبحسب"روسيا اليوم"، أضافت قوات الدعم السريع في بيان لها إنها "استعادت السيطرة على قاعدة الزُرُق التي تمثل أكبر قاعدة عسكرية لها غرب السودان.
واتهمت قوات الدعم السريع "مقاتلي الجيش والقوات المتحالفة معه بارتكاب تطهير عرقي بحق المدنيين العزل في منطقة الزُرق وارتكاب جرائم قتل لعدد من الأطفال والنساء وكبار السن وحرق وتدمير آبار المياه والأسواق ومنازل المدنيين والمركز الصحي والمدارس وجميع المرافق العامة والخاصة".
وقد فنّد الناطق الرسمي باسم القوة المشتركة المتحالفة مع الجيش، أحمد حسين مصطفى، بيان قوات الدعم السريع بتحرير منطقة الزُرق بولاية شمال دارفور.
وقال حسين في تصريحات صحفية اليوم الأحد، إن "حديث مليشيا الدعم السريع عن استعادة منطقة الزرق غير صحيح، وقواتنا ما زالت موجودة بالمنطقة".
وأضاف: "بقايا المليشيا هربت من الزُرُق جنوبا باتجاه كُتم وكبكابية".
وتابع: "نتوقع هجوما من مليشيا الدعم السريع في أي وقت بعد ترتيب صفوفها، ونحن جاهزون لها تماما".
وكان الجيش السوداني قد أعلن أمس السبت، السيطرة على قاعدة الزُرُق الاستراتيجية بشمالي دارفور بعد معارك عنيفة مع قوات الدعم السريع.
وقال في بيان له إنه "تمكن بمساعدة الفصائل المتحالفة معه من السيطرة على القاعدة العسكرية، بعد معارك استمرت عدة ساعات"، مشيرا إلى أنهم "كبدوا من قوات الدعم السريع خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد العسكري".
وتقع قاعدة الزُرق العسكرية في منطقة صحراوية، على الحدود المشتركة ما بين السودان وتشاد وليبيا، وتم تأسيسها عام 2017، وتعتبر من أهم القواعد العسكرية لقوات الدعم السريع، حيث تستقبل الإمدادات العسكرية واللوجستية القادمة من دولتي تشاد وليبيا.
وقد انزلق السودان إلى صراع في منتصف أبريل 2023 عندما اندلع التوتر بين جيشها والقادة شبه العسكريين في العاصمة الخرطوم وامتد إلى دارفور وغيرها من المناطق. وأجبر أكثر من 13 مليون شخص على الفرار من منازلهم.