جدل علمي حول تشخيص مبكر للزهايمر لدى البالغين الأصحاء
تاريخ النشر: 3rd, March 2024 GMT
أثار علماء وأطباء جدلا واسعا بسبب مقترحات مثيرة للجدل تقضي بتشخيص البالغين الأصحاء في منتصف العمر بمرض ألزهايمر - حتى لو لم تظهر عليهم أي أعراض وقد لا يصابون بالمرض أصلا.
تتضمن الخطط، الصادرة عن لجنة مؤثرة تابعة لجمعية ألزهايمر الأمريكية، توسيع تعريف المرض بشكل كبير ليشمل ملايين الأشخاص الذين لا يعانون من أي مشاكل في الإدراك أو الذاكرة.
ولكن يمكن إخبار الأشخاص الذين لديهم مستويات غير طبيعية من بروتين سام يسمى "الأميلويد" - والذي يتراكم في الدماغ ويرتبط بتطور مرض ألزهايمر - بأنهم في "المرحلة الأولى" الجديدة للمرض، على الرغم من كونهم بصحة جيدة ظاهريًا.
تم طرح هذه الخطط، التي نُوقشت في مؤتمر دولي للخرف، جزئيًا بسبب توفر اختبارات دم جديدة وسهلة يمكنها الكشف بسهولة عن مستويات عالية من الأميلويد قبل ظهور الأعراض بوقت طويل.
ويشير العلماء المؤيدون لهذه الخطوة أيضًا إلى عقاقير جديدة رائدة مثل "ليكانوماب" و "دونانيماب" - التي تمت الموافقة عليها بالفعل في الولايات المتحدة ومن المقرر أن تحصل على الضوء الأخضر في المملكة المتحدة قريبًا - والتي ثبت أنها تطهر الدماغ من الأميلويد ولها تأثير بسيط في إبطاء المرض.
في التجارب، لوحظت الفوائد المتواضعة لهذه العلاجات فقط لدى أولئك المصابين بألزهايمر في مرحلة مبكرة جدًا.
يجادل العلماء بأنها قد تثبت فعاليتها أكثر إذا قدمت قبل ظهور الأعراض.
وقالت ماريا كاريو، رئيسة قسم العلوم في جمعية ألزهايمر، وهي إحدى أعضاء اللجنة: "الغرض من هذه المبادرة هو النهوض بعلم الاكتشاف المبكر والعلاج، من أجل الوقاية من الخرف، نحتاج إلى اكتشاف المرض وعلاجه قبل ظهور الأعراض".
لكن المقترحات أدت إلى رد فعل عنيف، حيث حذر الأطباء البارزون من مخاطر "خطيرة للغاية" المتمثلة في تشخيص البالغين الأصحاء بمرض يغير حياتهم والذي قد لا يصابون به أبدًا.
يقول روبرت هوارد، أستاذ الطب النفسي لكبار السن في معهد الصحة العقلية التابع لجامعة لندن، إن هناك حاجة إلى فهم أكثر تفصيلاً للدور المحدد الذي يلعبه الأميلويد في تطور مرض ألزهايمر.
ويشير إلى الأبحاث التي تشير إلى أن العديد من كبار السن لديهم تراكم كبير من الأميلويد في أدمغتهم ولكنهم لا يظهرون أي علامات خارجية للمرض.
ويقول الأستاذ هوارد: "معظم الأشخاص الذين لا توجد لديهم أدلة على ضعف الإدراك والذين تكون نتيجة اختبار الأميلويد لديهم إيجابية لن يصابوا بالخرف أبدًا. وإذا أخبرتهم أنهم مصابون بالزهايمر، فسوف يقلقون لبقية حياتهم.
وسيقوم البعض منهم باتخاذ قرارات بشأن حياتهم بناءً على فرضية خاطئة. وتظهر الأدلة أن البعض قد يصاب بالاكتئاب أو حتى ينتحر".
يقتل الخرف 60 ألف شخص في المملكة المتحدة كل عام، والزهايمر هو النوع الأكثر شيوعًا. لا يزال سبب حدوثه غير واضح، على الرغم من أن النظرية الرئيسية هي أن البروتينات السامة تسمى الأميلويد وتاو تتراكم وتتكتل معًا في الدماغ، مكونة لويحات وتؤدي إلى التهاب.
وما زال الجدل قائمًا حول ما إذا كانت اللويحات تسبب المرض أم أنها عرض من أعراضه أم كلاهما.
على الرغم من ذلك، اقترحت اللجنة مراجعة تشخيص مرض ألزهايمر لتشمل ست مراحل للمرض، بناءً على وجود اللويحات والأعراض.
تشمل المرحلة الأولى أولئك الذين ليس لديهم أعراض ولكن لديهم مستويات عالية من الأميلويد. سينتقلون إلى المرحلة الثانية إذا أصيبوا بمشاكل عصبية مثل القلق أو الاكتئاب، حتى لو لم تكن هذه بالضرورة مرتبطة بالخرف.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
أستاذة مقارنة الأديان بجامعة الزقازيق لـ "البوابة نيوز": الحضارة الإسلامية قدمت نموذجًا مبكرًا لاحترام التعددية الثقافية.. ورمضان فرصة للتقارب والتسامح
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
فى ظل الصراعات الفكرية والثقافية التى يعيشها العالم حالياً، يظل الحوار بين الأديان هو المفتاح لفهم الآخر وبناء جسور من التفاهم والتسامح. حول مفهوم الحوار الدينى والتعايش السلمي؛ التقت "البوابة نيوز" الدكتورة هدى درويش، أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الزقازيق، والعميد الأسبق لمعهد البحوث والدراسات الآسيوية.
وإلى نص الحوار..
■ فى البداية، حدثينا عن ذكريات رمضانية خاصة لا تزال عالقة فى الذهن؟
- كان لشهر رمضان طابع روحانى واجتماعى قوي، حيث كانت العائلات تجتمع على مائدة الإفطار دون انشغال بالهواتف أو التكنولوجيا. كان الأطفال يفرحون بالفانوس اليدوى المصنوع من النحاس والزجاج الملوّن، وكانت الشوارع تكتسى بزينة يدوية بسيطة. المسحراتى كان يجوب الأحياء بطبلته، يوقظ الناس للسحور، وكان لهذا طقوس خاصة تدخل البهجة فى القلوب.
الطعام أيضا كان مختلفاً؛ كانت الأمهات والجدات يعددن الوجبات التقليدية بطرق طبيعية دون إضافات صناعية، وكانت موائد الرحمن منتشرة، لكنها كانت تعتمد على الجهود الفردية وليس المؤسسات الكبرى. التراويح كانت مشهداً مهيباً، وكان الناس يقضون أغلب وقتهم فى المساجد أو فى حلقات الذِّكر والتلاوة.
اليوم، رغم أن بعض التقاليد لا تزال موجودة، إلا أن التكنولوجيا غيرت الكثير من العادات. التواصل الاجتماعى أصبح افتراضياً أكثر من كونه حقيقياً، حيث يجلس البعض على موائد الإفطار منشغلين بهواتفهم. الفوانيس تحولت إلى أشكال إلكترونية وموسيقى مسجلة، وزينة الشوارع أصبحت أكثر احترافية لكنها فاقدة للروح.
حتى المأكولات أصبحت تعتمد على الأطعمة الجاهزة والمطاعم أكثر من الطبخ المنزلي، بسبب ضغوط العمل والحياة السريعة. ومع ذلك، لا يزال هناك بريق خاص لرمضان، حيث تحاول الأسر الحفاظ على روح التجمع والعبادات رغم التغيرات.
كان لرمضان فى الماضى نكهة خاصة، وكان للصوت الإذاعى دور كبير فى تشكيل الذاكرة الرمضانية، خاصة لدى الأجيال التى نشأت على البرامج الإذاعية قبل انتشار التليفزيون والمنصات الرقمية. كان صوت الإذاعية القديرة أبلة فضيلة من العلامات المميزة فى بيوت المصريين، حيث ارتبط الأطفال وكثير من الكبار ببرنامجها الشهير "حكايات أبلة فضيلة".. بصوتها الدافئ وحكاياتها المليئة بالحكمة، كانت تقدم قصصاً تعلّم القيم والأخلاق، وكانت مقدمة البرنامج وحدها كافية لبث مشاعر الألفة والطمأنينة.
فى ذلك الزمن، كانت الإذاعة هى الوسيلة الأساسية للترفيه والتثقيف، فكان الناس يستمعون إلى برامج مثل "على الناصية" لآمال فهمى، و"قال الفيلسوف" لأحمد سالم، إلى جانب الابتهالات الدينية وآيات الذكر الحكيم التى تبث قبل الإفطار، وأهمها صوت الشيخ نصر الدين طوبار والشيخ محمد رفعت، اللذان كانا يبثان الروحانية فى الأجواء.
كما كنا نتابع فوازير رمضان والتمثيليات الإذاعية التى كانت تذاع يومياً فى رمضان، ومنها المسلسلات الكوميدية والاجتماعية التى تناقش قضايا الناس فى قالب خفيف.
■ ماذا عن علم مقارنة الأديان؟ وما أهميته فى فهم العلاقة بين الديانات المختلفة؟
-علم مقارنة الأديان ببساطة هو مجال يهتم بدراسة الأديان المختلفة من حيث العقائد، النصوص المقدسة، الشعائر، والتاريخ. وأهميته تأتى من كونه وسيلة لفهم الآخر بشكل علمي، بعيدًا عن الصور النمطية أو الأحكام المسبقة. وعندما نفهم التشابهات والاختلافات بين الأديان، نستطيع التعامل مع بعض بطريقة أكثر احترامًا وتسامحًا، وهذا يجعلنا نواجه التطرف الفكرى الذى ينشأ بسبب الجهل بالأديان الأخرى.
ومن خلال تقديم رؤية علمية محايدة، يمكن لهذا العلم أن يساهم فى حل النزاعات الناشئة بسبب الاختلافات الدينية، من خلال تعزيز ثقافة الحوار والتفاهم. ويوضح الأسباب التاريخية والاجتماعية للنزاعات الدينية، ويقترح حلولًا مبنية على الدراسة الأكاديمية الدقيقة.
والحقيقة فإن دراسة الأديان تعد لونًا من ألوان الدعوة الواجبة وعاملا من عوامل إقامة الحجة ودفع الباطل وتبيان الحق. ومن أهدافها التوصل إلى تحقيق درجة من التعايش السلمى فى ظل وجود أديان متعددة سواء داخل المجتمع الواحد أو الشعوب الأخرى. وهو علم يسهم فى تعميق الشعور بالتعدد والتنوع بين بنى البشر وقبول الاختلاف. طبقاُ لما ورد فى القرآن الكريم فى قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ فعلم الأديان يهتم بمراقبة الظواهر الدينية والطقوس العملية فى كل دين بعيداً عن أى تأثير أو هدف.
■ وكيف يساهم هذا العلم فى نشر ثقافة التسامح الديني؟
-عندما يعرف الإنسان أن الأديان كلها تشترك فى قيم مثل العدل، الرحمة، والسلام، سيرى الآخر بشكل مختلف. علم مقارنة الأديان يساعدنا على التخلص من الصور السلبية الذى أحيانًا الإعلام والسياسة يحاولان أن يزرعاها بين الشعوب، وبدل أن يكون الدين وسيلة للفرقة، يتحول لجسر للتواصل.
■ هل يمكن أن يكون لشهر رمضان دور فى تعزيز الحوار والتواصل بين أتباع الديانات المختلفة؟
-شهر رمضان هو الرمز المقدس لدى مسلمى العالم فى التكافل، ورعاية المحتاجين، وجبر الخواطر، وفيه تعزز قيم التسامح والعفو وهى قيم نجدها فى العديد من الديانات الأخرى، مثل المسيحية والتى تُسهم فى خلق بيئة إيجابية للحوار بين الأديان.
وفى رمضان تكثر الأنشطة الخيرية التى تجمع الناس مثل موائد الرحمن، وتوزيع الطعام على المحتاجين، وتفتح المجال للتعاون بين المسلمين وغير المسلمين فى خدمة المجتمع، مما يعزز العلاقات الإيجابية بينهم، ودائمًا فى رمضان نرى ونشاهد مشاركة الإخوة المسيحيين فى موائد الرحمن ونشاهد بعض رجال الدين المسيحى يحتفلون مع المسلمين فنجدهم يقفون فى الطرقات ليطعموا الصائمين وهو مظهر حضارى يتكرر كل عام يعطينا البهجة والسرور والتعايش الراقى بين المسلمين والمسيحيين ويدل على الوحدة الوطنية بيننا.
وتُعد موائد الإفطار الجماعية فرصة لتلاقى الناس من شتى الأجناس والأديان المختلفة، الأمر الذى يسهم فى بناء علاقات إنسانية قائمة على الاحترام والتفاهم. كما نجد فى العديد من الدول الإسلامية، موائد الإفطار التى تجمع المسلمين وغير المسلمين لتعزيز التعايش والتفاهم الثقافي.
■ كيف يمكن للقيم الروحية للصيام أن تكون نقطة التقاء بين البشر؟
- يمكن للقيم الروحية للصيام أن تكون نقطة التقاء بين البشر من أتباع الديانات المختلفة، فالصيام يعكس مبادئ روحية وإنسانية مشتركة. منها التقرب إلى الله ففى الإسلام، صيام رمضان يُعزز التقوى ويُعد وسيلة للتقرب إلى الله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة: ١٨٣).
وهذا المفهوم موجود فى المسيحية، حيث يُمارس الصيام كوسيلة لتطهير النفس والاقتراب من الله فنجد الصوم الكبير الذى يستمر ٤٠ يومًاً، ويتضمن الامتناع عن اللحوم وبعض الأطعمة الأخرى وصوم الأربعاء والجمعة، وفى بعض التقاليد، يصوم المسيحيون كل يوم أربعاء وجمعة، كذكرى لما تعرض له السيد المسيح يوم الأربعاء، وصلبه يوم الجمعة.
أما الصيام فى الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية فيشمل صيامًا أكثر صرامة يمتد لفترات طويلة مع الامتناع عن اللحوم ومنتجات الألبان وأحيانًا الزيوت والأسماك. وكذلك فى اليهودية فمن أهم أيام الصيام يوم الغفران الذى يعتبر أهم وأقدس يوم صيام، يستمر ٢٥ ساعة، ويمتنع فيه اليهود عن الطعام والشراب وأى نوع من الأعمال.. ولا تنسى أنه حتى فى البوذية والهندوسية يوجد صيام بأنواع مختلفة، وهذا يجعل الفكرة مفهومة ومتقبلة عند الكل.
والصيام يُعلم الإنسان التحكم فى شهواته ورغباته، وهو أمر مشترك بين الأديان، حيث إن الامتناع عن الطعام وغيره من الملذات يعد نوعًا من الزهد والتأمل بين الأديان.
وفى الإسلام نجد قسمين من الصيام صوم العوام وصوم الخواص. كما أن هناك قيما أساسية للصيام فى الإسلام وتعد من المبادئ المشتركة بين الأديان وهى الشعور بجوع الفقراء وتعزيز التعاطف معهم، مما يدفع إلى العمل الخيري.
■ فى رأيك، هل الحوار الدينى ممكن أن يكون وسيلة فعالة للحد من الصراعات الطائفية؟
- طبعًا، لأن أغلب الصراعات الدينية فى العالم ليست ناتجة عن الدين نفسه، لكن عن سوء الفهم أو الاستغلال السياسى للدين. وعندما يكون هناك حوار جاد وصادق بين رجال الدين والمفكرين من مختلف الطوائف، يساعد على توضيح الحقائق، وإزالة اللبس الذى يؤدى للصراعات.. فالحوار الدينى يلعب دورًا مهمًا فى الحد من الصراعات الطائفية والتعايش السلمى بين أتباع الديانات والمذاهب المختلفة. ويؤدى إلى بناء الثقة والتسامح.
وفى حالات النزاعات الطائفية، يمكن للحوار الدينى أن يكون وسيلة فعالة لحل المشكلات عبر التفاهم والتفاوض بدلاً من اللجوء إلى العنف. ولكى يكون الحوار الدينى ناجحًا، يجب أن يكون صادقًا وموضوعيًا، وأن يتم دعمه من قبل القادة الدينيين والمجتمعات المحلية، إضافةً إلى وجود إرادة سياسية لتعزيز التعايش ونبذ الطائفية.
وهناك العديد من الأمثلة التى توضح كيف ساهم الحوار الدينى فى الحد من الصراعات الطائفية وتعزيز التعايش السلمي. على سبيل المثال مبادرات مجلس حكماء المسلمين عن طريق المؤتمرات واللقاءات التى تجمع قيادات دينية مختلفة، مثل قمة البحرين للحوار التى عقدت عام (٢٠٢٢) التى جمعت رجال دين من مختلف الطوائف لتعزيز التفاهم ونبذ التعصب. ومنها أيضًا وثيقة الأخوة الإنسانية (٢٠١٩) التى تم توقيعها بين شيخ الأزهر أحمد الطيب والبابا فرنسيس فى أبوظبي، وهدفت إلى تعزيز الحوار بين الأديان، ونبذ العنف والكراهية، والدعوة إلى التعايش السلمى بين المسلمين والمسيحيين.
■ وكيف ينظر الإسلام للشرائع الأخرى وفق النصوص الدينية والتراث الإسلامي؟
- الإسلام لديه رؤية واضحة جدًا تجاه الأديان الأخرى، وهو يعترف بالديانات السماوية السابقة، ويؤكد على وحدة الرسالات التى تدعو كلها للتوحيد. القرآن الكريم ذكر المسيحية واليهودية، وسمى أهلها بـ"أهل الكتاب"، وهذا معناه أن الإسلام يقر بوجودهم وبحقوقهم. حتى أن التاريخ الإسلامي، كان فيه تعايش كبير بين المسلمين وغير المسلمين، وهذا دليل على أن العلاقة ليست عدائية، مثل ما يصورها البعض، لكن الحقيقة أن الإسلام عنده اختلافات عقائدية معهم، التاريخ الإسلامى فيه نماذج كثيرة للتعايش، مثل ما حدث فى الأندلس.
■ يرى البعض أن الإسلام لا يعترف بحرية الاعتقاد، ما ردك على ذلك؟
- هذا كلام غير دقيق، لأن الإسلام أكد على حرية الاعتقاد فى أكثر من موضع، مثل الآية {لا إكراه فى الدين}، و{لكم دينكم ولى دين}. الإسلام لايفرض العقيدة بالقوة، لكن فيه تنظيم فقهى لمسألة تغيير الدين داخل المجتمعات الإسلامية، وهذا يختلف من عصر لعصر حسب الظروف الاجتماعية والسياسية.
■ كيف نفعّل الحوار بين الأديان لمواجهة التطرف والإرهاب؟
- لابد أن يكون الحوار حقيقياً، وليس مجرد لقاءات رمزية بين رجال الدين. ولابد أن تكون فيه برامج تعليمية تدرس الأديان بشكل علمى ومحايد، ويجب أن يلعب الإعلام دوراً إيجابياً فى نشر ثقافة التفاهم بدلا من التركيز على النزاعات والخلافات.
كما أن المؤسسات الدينية، مثل الأزهر والفاتيكان، لها دور كبير فى تقريب وجهات النظر، لكن المشكلة أن الجهود أحيانًا تكون محدودة التأثير، وهذا بسبب غياب الدعم الإعلامى أو السياسى ولا بد أن تكون فيه مبادرات مستمرة، وليس مجرد بيانات رسمية وقت الأزمات. كما أن الأمم المتحدة عندها برامج للحوار بين الأديان، لكنها محتاجة تفاعل أكثر.
■ ما أهم الشبهات التى تقال عن الإسلام، وكيف نرد عليها؟
- من أكثر الشبهات انتشاراً أن الإسلام دين عنف، وأنه ضد المرأة، وأنه متعصب ضد الأديان الأخري، لكن الحقيقة أن كل الادعاءات نتيجة لتفسيرات خاطئة أو ممارسات لا تمثل الدين بشكل حقيقي، ولابد من الرد عليها بالعلم والتاريخ، وليس بالانفعال أو الرفض المطلق.
لكن المشكلة أن الإعلام الغربى يبرز الصور السلبية أكثر، خاصة عندما يربط الإسلام بالتطرف والإرهاب، وهذا يجعل الناس تأخذ فكرة مشوهة عنه. فلابد أن يكون فيه إعلام عربى وإسلامى محترف قادر على عرض الصورة الحقيقية للدين بعيداً عن الصور النمطية.
■ هل يوجد تقصير فى تقديم الإسلام فى الغرب؟
- للأسف، لأن الغرب يعتمد فى معلوماته عن الإسلام على مصادر سطحية، ولايوجد جهد كافٍ من المؤسسات الإسلامية لتقديم صورة صحيحة ومتوازنة عن الدين والثقافة الإسلامية. وأود القول هنا إن التفاهم بين الأديان ليس رفاهية، لكنه ضرورة لبناء مجتمعات متماسكة وسلمية. وأن يكون فيه حوار حقيقي، على مستوى القادة الدينيين، وبين الشعوب، لبناء عالم قائم على الاحترام والسلام.
■ كيف تعاملت الحضارة الإسلامية تاريخيًا مع أتباع الديانات الأخرى؟
- تبنّت الحضارة الإسلامية نهجًا متسامحًا فى التعامل مع غير المسلمين، حيث منحتهم حقوقًا واضحة، ووفرت لهم الحماية، وسمحت لهم بممارسة شعائرهم الدينية بحرية. اعتمد هذا النهج على مبادئ إسلامية تحث على العدل والتعايش السلمي، وهو ما انعكس فى التشريعات الإسلامية والممارسات الفعلية عبر مختلف العصور.
وقد أكدت النصوص الإسلامية على مبدأ العدل وحسن المعاملة مع غير المسلمين. فقال الله تعالى: "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" (الممتحنة: ٨).
فمع قيام الدولة المحمدية، عاشت مجتمعات متعددة الأديان تحت حكمها، وتم تنظيم العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين وفق ما يُعرف بـ"أهل الذمة"، حيث تمتعوا بحقوق واسعة مقابل التزامات محددة.
وكان لليهود والمسيحيين، بل وحتى لبعض الديانات الأخرى مثل الزرادشتية (ديانة أهل فارس القديمة) حرية ممارسة شعائرهم وإدارة شئونهم الخاصة. وكانت الكنائس والمعابد اليهودية قائمة فى مختلف المدن الإسلامية دون اضطهاد أو تضييق. وفى تعامل النبى صلى الله عليه وسلم مع وفد نجران، لم يُجبرهم على الدخول فى الإسلام، بل أقرّ لهم بحرية العبادة.
وفى العصرين الأموى والعباسى احتل غير المسلمين مناصب مهمة فى الدولة، مثل الترجمة والطب والإدارة، وكان لهم دور فى النهضة الفكرية. وقد ازدهرت الترجمة على أيدى علماء مسيحيين ويهود فى بيت الحكمة ببغداد، حيث تم نقل المعارف من الإغريقية والفارسية والهندية إلى العربية. وكان للفيلسوف اليهودى موسى بن ميمون تأثير وتبادل فى الفكر الفلسفي، وعمل فى خدمة الحكام المسلمين. ونقل الكثير من العبادات إلى اليهودية.
ولم يجبر المسلمون الشعوب التى فتحوها على اعتناق الإسلام، بل استمرت الديانات الأخرى فى الوجود والتطور داخل الدولة. وبذلك، يمكن اعتبار الحضارة الإسلامية نموذجًا مبكرًا لاحترام التنوع الدينى والتعددية الثقافية.