يُعرّف النمو الشامل، بأنه نمو يضمن شمول جميع أفراد المجتمع في العملية الإنتاجية وضمان مشاركتهم الفعالة فيها وزيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي، وذلك من خلال ضمان تقديم فرص متساوية لهؤلاء الأفراد للمشاركة في سوق العمل من خلال استهداف هذه الفئات ورفع قدراتهم الإنتاجية بالتعليم والتدريب، وخاصة الفئات المهمشة.

ويعد النمو الاقتصادي الشامل هدفا عالميا لجميع الاقتصادات، سواء كانت متقدمة أو نامية، غنية أو فقيرة، وإن تحقيق النمو الاقتصادي الشامل هو التحدي المحوري أمام الاقتصاد المصري. فعلى الرغم مما حققته مصر من تقدم على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي خلال الفترة الماضية، فإنها تعاني ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وضعف برامج الحماية الاجتماعية، وتذبذب معدلات النمو، وعدم استقراره، ويرجع ذلك الى تباطؤ الاستثمار الخاص وارتفاع كل من معدل التضخم والبطالة، وهما من أهم علامات الخلل الهيكلي في الاقتصاد المصري، هذا بالإضافة إلى الاستعانة بالقروض والمساعدات الخارجية، والعجز المزمن في الميزانية العامة للدولة إضافة إلى التفاقم في حجم الدين العام المحلي والخارجي، وكذلك في الميزان التجاري، حيث تعجز الصادرات السلعية عن تغطية التصاعد المستمر للواردات السلعية ومن هنا تظهر بوضوح حاجة مصر إلى سياسات اقتصادية تعمل على توفير فرص عمل لائقة ومنتجة، وبناء اقتصاد متنوع وقادر على المنافسة، يعزز الاحتواء الاجتماعي ويرتفع فيه مستوى الثقة في الحكومة وعدالة توزيع الدخل والثروة، ويرتفع فيه مستوى الشفافية والمساءلة، ورفع كفاءة الحكومة لتعزيز الاستثمار والنمو، الذي يقوده القطاع الخاص.

وتقوم السياسة الاقتصادية الملائمة لتعزيز النمو الاقتصادى الشامل فى مصرعلى مجموعة من العوامل أهمها: العمل على زيادة الإنتاجية كإحدى آليات زيادة معدل النمو والأجور الحقيقية من خلال سياسة التدريب لتنمية المهارات، وإصلاح سوق المنتجات لخفض تكلفة ممارسة الأعمال وسياسات ومؤسسات سوق العمل، لتقاسم أكثر عدلا لمكاسب الإنتاجية، وتطوير آلية التمويل الصناعى، والزراعي والخدمي ودعم الابتكار ونشر التقنيات الجديدة وإعادة توزيع عادلة وفعالة لثمار النموعبر سياسات ضريبية أكثر شمولا وتحقيق إيرادات مستدامة وتعزيز أنظمة الحماية الاجتماعية، وتحفيز دور القطاع الخاص، لخلق فرص عمل جديدة. وتشجيع الاندماج في سلاسل القيمة العالمية، لدعم القدرة التنافسية للصادرات المصرية، وتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتصبح قادرة على التصدير، وتشجيع النشر السريع والعميق للتكنولوجيا وريادة الأعمال.تعزيز الاسواق الشاملة من خلال خلق وظائف جديدة ذات نوعية جيدة للجميع وتعزيز الحوار المجتمعى وتحسين التوافق بين العرض والطلب على العمالة وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة وتوفير حوافز لريادة الأعمال، تعزيز التعلم واكتساب المهارات والنمو الأخضر والاستثمار في الرعاية الصحية وإنشاء مجتمعات شاملة، وتحفيز القطاع الزراعي وتعزيز الشمول المالي وتوفر وسائل نقل ومساكن لائقة، تعزيز المساءلة والشفافية والحوكمة متعددة المستويات وتقديم خدمات أفضل ووضع سياسات أكثر استجابة للمواطن وتحقيق المساواة بين الجنسين مكونات السياسة الاقتصادية الملائمة لتعزيز النمو الاقتصادي الشامل في مصر.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: النمو الاقتصادی من خلال

إقرأ أيضاً:

من التوازن المالي إلى الاستدامة الاقتصادية

حاتم الطائي

 

◄ المواطن تحمَّل ضغوط التوازن المالي وينتظر انفراجة اقتصادية

◄ ضرورة اتخاذ إجراءات ناجعة وفاعلة لضمان النمو الاقتصادي

◄ لا بديل عن دعم القطاع الخاص وتمكينه من قيادة الازدهار الاقتصادي

شهدت السنوات الماضية قيام حكومتنا الرشيدة بتنفيذ خطة "التوازن المالي" والتي رغم ما صاحبها من تحديات اقتصادية، إلّا أنها نجحت في تحقيق المُستهدف منها، والمُتمَثِّل في خفض الدين العام وتقليص العجز المالي في الميزانية العامة للدولة؛ الأمر الذي يستدعي ضرورة الإسراع في ضمان بلورة خطط واستراتيجيات تضمن الاستدامة الاقتصادية.

فمنذ أن أطلقت الحكومة خطتها لتحقيق التوازن المالي في أعقاب الأزمة المزدوجة الناتجة عن التراجع الحاد في أسعار النفط وتداعيات جائحة كورونا، شهد اقتصادنا الوطني العديد من التحديات والتقلبات، كان أشدها الانخفاض الشديد في سعر برميل النفط، الذي وصل لمستويات تاريخية مُتدنية، ما أثر بالسلب على الإيرادات العامة للدولة، والتي ما زال النفط والغاز يمثلان حوالي 70% من مجموع هذه الإيرادات. وألقى ذلك بظلال سلبية على أوضاعنا المعيشية والاقتصادية؛ حيث لجأت الدولة إلى الاستدانة لتغطية النفقات الأساسية، والتي تمثلت بصورة رئيسية في رواتب موظفي الدولة ودعم الطاقة، مع تنفيذ بعض المشاريع العاجلة والمحدودة. في حين ظلت الأوضاع الاقتصادية تمضي نحو الركود المحتوم، ونتج عن ذلك غلق الآلاف من الشركات، وتسريح العديد من العاملين، وتراجع لافت في مختلف القطاعات، وعلى رأسها قطاع التشييد والبناء وقطاع العقارات وقطاع السياحة، علاوة على تراجع القوة الشرائية. ومع استمرار خطة التوازن المالي وما أفرزته من زيادة الضرائب ورسوم الخدمات، ورفع الدعم جزئيًا عن الوقود والخدمات الأساسية (الكهرباء والمياه)، وغيرها من الإجراءات التي أثرت بالسلب على دخل المواطن، دخل اقتصادنا الوطني في حالة من الركود لا سيما مع استمرار تراجع الناتج المحلي الإجمالي، ثم تحول هذا الركود مع مرور الوقت إلى كساد اقتصادي، في ظل عدم قدرة المواطن على الشراء، وغياب المبادرات المُحفِّزة للنمو الاقتصادي.

وقد تحمَّل الجميع، حكومةً ومواطنين، هذه الضغوط رغبةً في الخروج من شرنقة الأزمة، وقد نجحت خطة التوازن المالي بالفعل في جني ثمار الضوابط الاقتصادية الصارمة، واستطاع اقتصادنا أن ينعتق من براثن تلك الأزمة الطاحنة، وأخذ يتحول تدريجيًا نحو التعافي الاقتصادي، خاصةً مع نجاح جهود خفض الدين العام وكذلك تقليص عجز الميزانية وتحويله إلى فائض مالي خلال السنتين الماليتين الأخيرتين، علاوة على ذلك، استعادة الجدارة الاستثمارية بفضل رفع التصنيف الائتماني السيادي لسلطنة عُمان، أكثر من مرة، حتى وصل إلى أعلى مستوى في سبع سنوات.

مثل هذه النتائج الإيجابية المُتحققة تفرض على الحكومة ضرورة تبنّي نهج استراتيجي مُغاير يتواكب مع الاستدامة المالية، لكن من منظور آخر، ألا وهو الاستدامة الاقتصادية. وثمّة فارق بين الاستدامة المالية والاستدامة الاقتصادية، فالأولى تَعني ضمان تدفق الموارد المالية للدولة لتدبير الإنفاق العام وخفض العجز المالي إن وُجِد، وهي عملية مُحاسبية تعتمد بصورة أساسية على الإدارة المالية الحصيفة، دون أن تنظر إلى الأبعاد الاقتصادية الأخرى. وهذه الأخيرة تُركِّز عليها الاستدامة الاقتصادية، والتي تهتم بصورة أساسية بآليات تعزيز النمو الاقتصادي، بغض النظر عن الظروف المالية للدولة، وذلك من خلال تبني مبادرات لتحفيز نمو القطاعات المختلفة، وعلى رأسها القطاعات الإنتاجية، مثل الصناعة والزراعة والخدمات، علاوة على تقديم التسهيلات المالية اللازمة لنمو هذه القطاعات، عبر برامج تمويلية مُيسَّرة توفر القروض منخفضة التكلفة للشركات، لضمان توسيع الأنشطة. كما أن الاستدامة الاقتصادية توفر البيئة اللازمة لنمو القطاع الخاص، وتمكينه من أداء أدواره بما يضمن توفير المزيد من فرص العمل، وزيادة مداخيل الأفراد العاملين في القطاع الخاص، سواء عبر الحوافز أو العمولات أو الزيادات السنوية القائمة على تقييم مستويات الأداء.

وما يواجهه اقتصادنا من تحديات، وما ينتظره أيضًا من فرص واعدة، يُتيح المجال أمام مؤسسات الدولة الفاعلة لاتخاذ إجراءات وقرارات حاسمة ومُحفِّزة للنمو الاقتصادي، تساعد على تعميق الاقتصاد وتوسيع قاعدة القطاع الخاص، وبصفة خاصة الإنتاجي منه، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بإنعاش اقتصادنا الوطني، والعمل بكل طاقتنا من أجل زيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، والأهم من ذلك كله منح القطاع الخاص الفرصة ومساعدته على تحمل مسؤوليات في قيادة النمو الاقتصادي، وهي أهداف جميعها تتوافق وتتماشى تمامًا مع الرؤية المستقبلية "عُمان 2040".

ولن يتحقق أي نمو اقتصادي بعيدًا عن القطاعات الحيوية والواعدة التي تزخر بها عُمان، وفي المقدمة قطاعات: التعدين والسياحة والثروة السمكية والصناعات التحويلية؛ حيث إن هذه القطاعات قادرة على أن تقود اقتصادنا لمستويات مرتفعة من النمو، والحقيقة أننا في هذا السياق لا نريد النمو الذي يتوقعه لنا صندوق النقد الدولي أو المؤسسات الدولية، نحن نبحث عن معدلات نمو قياسية كتلك التي حققتها النمور الآسيوية في تسعينيات القرن الماضي، أو ما نجحت في بلوغه بعض اقتصادات أفريقيا؛ إذ نتحدث عن معدلات نمو تتجاوز 7%، أما غير ذلك فنحن "محلك سِرْ"! ولا ينازعني شك في قدرتنا الاقتصادية على تحقيق هذه المعدلات، إذا ما أُتيحت الفرصة أمام الاستثمارات الوطنية والأجنبية لتنفيذ المزيد من المشاريع في تلك القطاعات. ولا يجب الحديث في هذا السياق عن مشروع أو اثنين؛ بل نتحدث عن عشرة مشاريع في القطاع الواحد، مع التوسع في دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتسريع وتيرة الإحلال، من أجل تخفيف حدة أزمة الباحثين عن عمل، بالتوازي مع توليد وظائف جديدة للعُمانيين.

إن الاستدامة الاقتصادية التي نطالب بها تمثل الرديف الحقيقي لخطط التنويع الاقتصادي، الذي نسعى لتحقيقه منذ عقدين من الزمن على الأقل، ورغم ما تحقق من نتائج إيجابية، إلّا أن مقوماتنا وطبيعة الفرص المُتاحة، تؤكد أننا قادرون على تحقيق المزيد أضعافًا مُضاعفة، فقط نحتاج إلى قرارات جريئة تُنعش الاقتصاد، وتساعد في توفير التمويل اللازم، وهنا أتحدث بصورة أساسية عن دور القطاع المصرفي، الذي -مع الأسف- ما زال يُركز على إقراض الحكومة لمساعدتها في دفع الرواتب عبر أذون الخزانة، وإقراض الموظف الحكومي عبر قروض استهلاكية يُفاقِم التضخم ولا يعكس أي نمو اقتصادي حقيقي. لذلك لا بديل عن برامج تمويلية مُيسَّرة تستهدف بالمقام الأول القطاع الخاص الإنتاجي، وبمعدلات فائدة منخفضة، علاوة على منح المؤسسات الصغيرة والمتوسطة منحًا مالية لا تُسترد، تساعد رائد العمل في مستهل حياته العملية على بدء مشروعه الصغير أو المتوسط؛ إذ لا ينبغي أن يُفرض على رواد الأعمال الجُدد أي أعباء مالية، في وقت يتملس طريقه وسط تحديات اقتصادية متعددة المستويات.

ويبقى القول.. إنَّ أي نمو اقتصادي لا يُتيح فرص التوسع أمام القطاع الخاص وزيادة الإنتاجية والصادرات، لن يُسهم في تحقيق النتائج المرجوة، وسيظل يتأرجح بين 2% و3%، ما يعني استمرار الركود، ولذلك نحن في أمسِّ الحاجة إلى حلول ناجعة وفاعلة تعكس حيوية الاقتصاد وقدرته على التجدد والتعافي، من أجل ضمان الاستقرار المعيشي للمواطن والرخاء في مختلف جوانب الحياة.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • روشتة برلمانية لتعزيز النمو المستدام واستقرار الاقتصاد الكلي
  • القاهرة للدراسات: تحفيز القطاع الخاص يزيد معدلات النمو الاقتصادي
  • استثمارات جديدة لتعزيز قطاع التكنولوجيا والاتصالات في السوق المصري
  • التخطيط: إعداد خطة تنفيذية لتعزيز النمو المستدام واستقرار الاقتصاد الكلي.. نواب: مصر فى مرحلة بناء وتنمية شاملة.. الدولة تدفع بالاقتصاد الوطني للقضاء على التضخم
  • من التوازن المالي إلى الاستدامة الاقتصادية
  • التخطيط: إعداد خطة تنفيذية لتعزيز النمو المستدام واستقرار الاقتصاد الكلي
  • توصيات "منتدى الرؤية الاقتصادي 2025"
  • المشاط خلال أعمال اللجنة الحكومية المصرية البحرينية: حريصون على تعزيز الشراكة الاقتصادية مع المملكة في مختلف المجالات
  • رئيس وزراء باكستان يدعو إلى تبني إستراتيجية فعالة لتعزيز الصادرات
  • هزاع بن زايد يؤكد أهمية تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في منطقة العين