الحوار الاقتصادى الذى بدأ بدعوة من الرئيس عبدالفتاح السيسى بمشاركة الحكومة والخبراء والمتخصصين هو خطوة مهمة تأتى بالتزامن مع نجاح الحكومة فى إتمام صفقة الاستثمارات الكبرى بتطوير مدينة رأس الحكمة لتعكس الشعور بنبض الشارع المصرى والحرص على الحد من معاناته بالإسراع فى طرح حلول وسياسات يمكن أن تسهم فى حل الأزمة الراهنة وتحجيم آثار الموجة التضخمية العالمية على الأسرة المصرية البسيطة، فلا شك أن وجود ممثلين عن الحكومة فى الحوار الاقتصادى يمثل ضمانة مهمة للانتقال للتنفيذ فى أقرب وقت باعتبار أن الوزراء هم الجهة التنفيذية لتطبيق تلك المقترحات، لذلك هناك أمل فى أن جلسات الحوار تستنهض الرؤى والتشابك بين أطراف الحوار حتى التوصل لخارطة تنفيذ واضحة.
إن نجاح الحوار فى العام الأول لانطلاقه رغم أنه تجربة وطنية جديدة على المجتمع المصرى، وكان له أثره الإيجابى فى مد الجسور وتحفيز مختلف الأطراف على طرح رؤيتهم وأفكارهم لدعم الاقتصاد المصرى وخدمة مصالح الوطن والمواطن، ساعد على ذلك امتلاك مصر من الإمكانيات والفرص التى تؤهلها لأن تكون مركزاً إقليمياً مهماً للتجارة والاستثمار.
طبيعى أن عزم الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، استكمال الحوار الوطنى، يفيد الحياة السياسية والحزبية ومختلف مؤسسات الدولة، ويعمّق ويوحد الرؤى الوطنية لمواجهة مختلف التحديات الراهنة أمنية وسياسية واستراتيجية واقتصادية، لأن الحوار الوطنى حالة سياسية ناجحة فى مصر بتوجيهات الرئيس السيسى، للاستمرار فى بناء الجمهورية الجديدة، وفق رؤية مشتركة فى إطار من احترام الدستور والقانون، والسير بخطوات ثابتة نحو الحداثة والتنمية وتأكيد الرئيس على أنه صوت المصريين جميعاً مدافعاً عن حلمهم لمصر واستكمال الحوار الوطنى لشكل أكثر فاعلية وعملية.
هناك رغبة من الرئيس السيسى فى مشاركة جميع القوى السياسية فى وضع حلول للتحديات الاقتصادية الحالية لما بها من خبرات مختلفة تشارك جميعاً على طاولة حوار واحدة، وتحت هدف واحد وأسمى، لوضع حلول للتحديات التى تواجه البلاد، وأن تكون هذه الحلول بأيدى المصريين المخلصين من مختلف التيارات والاتجاهات، ما يؤكد أن مصر تسير بخطى واضحة فى تطوير المسار الديمقراطى، الهدف منه شعور المواطن بتغيير حقيقى يمس حياته بشكل مباشر، من خلال تناول عميق وشامل للأوضاع الراهنة للاقتصاد المصرى، ووضع حلول للأزمة الحالية التى تعيشها البلاد من خلال متخصصين وخبراء، فالمواطن المصرى يعتبر الركيزة الأساسية خلال هذه المرحلة وشريكاً أساسياً للدولة فى الخروج من الأزمة الاقتصادية ودعم الاقتصاد الوطنى.
من عوامل نجاح الحوار فى مرحلته الأولى، والبدء فى مرحلته الثانية التى تركز على الجانب الاقتصادى، يقين الرئيس السيسى بأن الأمة المصرية تمتلك من القدرات والإمكانات التى تتيح لها البدائل المتعددة، لإيجاد مسارات للتقدم بجميع المجالات، وأوضح ذلك من خلال كلمته إلى الجلسة الافتتاحية للحوار، مؤكداً أن مصر تمتلك من كفاءات العقول وصدق النوايا وإرادة العمل ما يجعلها فى مقدمة الأمم والدول، مذكراً بأن الأحلام والآمال تفرض علينا أن نتوافق ونصطف للعمل، ونجتمع على كلمة سواء.
لقد عبرت فكرة الحوار بالتأكيد عن رغبة الدولة والمجتمع فى إحداث حالة وفاق مجتمعى، خاصة فى هذه المرحلة من تاريخ الوطن، وهو حوار وطنى سياسى واجتماعى، وكان الهدف الرئيسى أو المحور الذى دار حوله الحوار هو مستقبل مصر اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وليس حوار نزاعات وآليات تسويتها. ويبقى الحوار الوطنى يتسع لكافة الآراء دون إقصاء لرأى أو فكر أو طرح أنباء الوصول لمساحات مشتركة يمكن البناء عليها والانطلاق منها فى مختلف المحاور لصالح الوطن.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حكاية وطن الحوار الاقتصادي الرئيس عبدالفتاح السيسي الأزمة الراهنة الحوار الوطنى
إقرأ أيضاً:
الرئيس الأمريكي يسجل هدفا في مرمى الصين بمجال «الطاقة الخضراء»
تتلاحق الأحداث بسرعة كبيرة فى العاصمة الأمريكية واشنطن هذه الأيام، لدرجة أن حرب دونالد ترامب على أجندة المناخ الخضراء مرت دون أن يلاحظها أحد تقريباً، كانت خطوات مثل الانسحاب من اتفاق باريس، وإسقاط تفويضات المركبات الكهربائية، وإنهاء التأجير البحرى لمشاريع الرياح، وتسريع البنية الأساسية للوقود الأحفورى، لتسيطر على الأخبار فى أوقات أكثر هدوءاً.
إلا أن الكاتب والسياسى الأمريكى «والتر راسيل ميد» كتب فى مقالة نشرتها صحيفة «وول ستريت جورنال» أن سياسة المناخ التى ينتهجها ترامب مهمة لأسباب تتجاوز المناقشة حول المناخ، بعدما دفعت الصين سياسة المناخ الغربية إلى أن تصبح محوراً رئيسياً لاستراتيجيتها الاقتصادية، ومن خلال سحب البساط من تحت أجندة المناخ العالمية، تضيف إدارة ترامب بشكل كبير إلى الضغوط الاقتصادية على بكين.
وأضاف الكاتب الأمريكى، فى مقالته، التى تنشر «الوطن» مقتطفات مترجمة منها، أنه يمكن أن نطلق على هذا «التخطيط الصينى العبقرى» أو «الكفاءة الغربية الفظة»، ولكن الفائز الوحيد الحقيقى من الأجندة الخضراء التى حاولت الحكومات الغربية فرضها على العالم هو الصين، فقد نجحت بكين فى ترسيخ هيمنتها بسرعة فى صناعات حيوية، مثل خلايا الطاقة الشمسية، وتوربينات الرياح، والمركبات الكهربائية، والبطاريات التى تُشغل هذه التقنيات.
وكان هذا متوقعاً إلى حد بعيد، فعلى الرغم من أن المخططين الاقتصاديين للحزب الشيوعى الصينى فى بكين يُعتبرون من أكثر التكنوقراط فاعلية فى العالم، فهم يتفوقون على أولئك الذين عانوا من الفشل، مثل التكنوقراط السوفييت، فى عهد خروشوف وبريجنيف، فبمجرد أن يتلقوا مجموعة من الأهداف، وجدولاً زمنياً، وقائمة بالتقنيات التى يجب الترويج لها، يعمل هؤلاء المخططون على تنسيق السياسات الحكومية، والإعانات المصرفية، وقوى السوق لتحقيق صناعات عالمية فى وقت قياسى، فى المقابل، كان المهندسون الأوروبيون والأمريكيون للتحول الأخضر يخلقون، دون قصد، ساحة لعب مثالية، تتناسب تماماً مع نقاط القوة الصينية، وقد استغلت بكين هذه الفرصة بأقصى قدر من الكفاءة.
لكن حتى أكثر المخططين ذكاءً يرتكبون أخطاء، فالصين اليوم هى مزيج من النجاح الاقتصادى والصناعى الاستثنائى والفشل الهائل، فالعواقب الديموغرافية المدمرة الناتجة عن سياسة الطفل الواحد، والضغوط المالية والاجتماعية المترتبة على فقاعة العقارات، والقدرة الصناعية الزائدة الناتجة عن عقود من التخطيط الحكومى العدوانى، كلها تشكل تحديات كبيرة للمستقبل. ومع ذلك فإن الانقلاب الذى يقترحه ترامب على سياسة المناخ العالمية قد يحول مساعى الصين للهيمنة على انتقال الطاقة من فوز كبير إلى فشل باهظ التكلفة بالنسبة لها.
إن أجندة الصفر الصافى، وهى مجموعة من الأهداف والاستراتيجيات التى تتبناها الحكومات الغربية ودبلوماسيو المناخ لوقف الاحتباس الحرارى العالمى من خلال الحد من الانبعاثات، تمثل الجهد الدولى الأكثر طموحاً فى تاريخ الدبلوماسية، تهدف هذه الأجندة إلى إقناع أو إجبار كل دولة على التحول إلى إنتاج الطاقة دون إضافة ثانى أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوى.
مثل هذا المشروع الطموح يتطلب دعماً سياسياً مستمراً، ومع مرور الوقت تزداد تكاليف التحول إلى الطاقة النظيفة بشكل لا هوادة فيه، مما يزيد من معارضة المشروع مع تأثر المزيد من المصالح. ولضمان استمرار التقدم نحو «صفر انبعاثات»، اعتمد المؤيدون على ثلاثة عوامل رئيسية:
أولاً: تزايد التكاليف الاقتصادية المرتبطة بتغير المناخ (مثل ارتفاع تكاليف التأمين فى المناطق المعرضة للكوارث الطبيعية)، مما يدفع المزيد من الناخبين لدعم سياسات صفر الانبعاثات.
ثانياً: ضغط الصناعات التى استثمرت فى التقنيات الصديقة للمناخ (مثل صناعة السيارات الكهربائية) على الساسة للحفاظ على اللوائح والإعانات التى تجعل هذه الاستثمارات مربحة.
ثالثاً: ازدياد العمالة فى الصناعات الصديقة للبيئة، مما يعزز دعم سياسات صفر الانبعاثات.
لكن، فى ظل الأضرار المتزايدة الناتجة عن الكوارث الجوية غير الاعتيادية، أدى نجاح الصين فى الاستحواذ على قطاع الطاقة النظيفة، إلى تقليص الدعم العالمى لتحقيق «صفر انبعاثات»، وبالرغم من استثمار الحكومات الغربية فى إنتاج السيارات الكهربائية، فإن العديد من شركات السيارات الغربية تخشى المنافسة الصينية أكثر مما تأمل فى تحقيق أرباح كبيرة فى هذا القطاع، كما أن الهيمنة الصينية فى صناعات مثل خلايا الطاقة الشمسية وتوربينات الرياح، جعلت «الوظائف الخضراء» فى الغرب أقل جذباً للناخبين، مما يقلل من الزخم نحو تحقيق «صفر انبعاثات».
ويرى الكاتب أن السياسات المناخية ستشهد تحولاً فى صفوفها، لكن فى الوقت الحالى، فإن هجمات ترامب على أجندة «صفر انبعاثات» بدأت تؤتى ثمارها، حيث يعيد الأوروبيون النظر فى أجندتهم الخضراء، بينما تواجه الصين فائضاً هائلاً فى الصناعات المرتبطة بهذه الأجندة، ويواجه منتجو الألواح الشمسية والبطاريات والمركبات الكهربائية أسواقاً مشبعة، مما يؤدى إلى انخفاض الأسعار وزيادة المخزونات، وفى الأفق تلوح التعريفات الجمركية، حيث يسعى المنافسون الأوروبيون والأمريكيون إلى الحد من المنافسة المدعومة من الدولة، من الشركات الصينية.
ويختتم «راسيل» مقالته بقوله إن التخطيط الاقتصادى يفترض وجود عالم عقلانى وقابل للتنبؤ به، لكن عودة دونالد ترامب إلى السلطة، وما يترتب على ذلك من تغييرات فوضوية، تُذكِّرنا بأن عالمنا مكان فوضوى وغير قابل للتنبؤ، وفى أوقات مثل هذه، حيث تشهد الثورة فى كل مناحى الحياة، يصبح المستقبل أكثر غموضاً من أى وقت مضى.