لا حديث في وسائل الإعلام الموريتانية سوى عن الاتفاقية التي تقضي بوقف مراكب الهجرة من موريتانيا نحو أوروبا ومراقبة شواطئها من قوات حرس الحدود الإسبانية ومن دول الاتحاد الأوروبي الأخرى في مقابل تمويلات بقيمة ٦٠٠ مليون يورو وتصل إلى مليار يورو خلال سنتين. فما حقيقة هذه الاتفاقية وما صحة هذا الحديث المتداول حولها؟
رغم عدم تصديق الرئيس الموريتاني والبرلمان على اتفاقية من هذا النوع، إلا أن الجدل احتدم بعد زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فإن دير لاين إلى نواكشوط برفقة رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في ٨ فبراير الماضي.

ورغم نفي موريتانيا في حينها، على لسان مسئول كبير في وزارة الداخلية، أن تكون الاتفاقية لتوطين المهاجرين الأفارقة في أراضيها، إلا أنَّ تصريحات المسؤولين الأوروبيين في نهاية الزيارة أعلنت عن تقديم مساعدات بقيمة ٥٢٢ مليون يورو لموريتانيا لعدة أغراض منها تعزيز تنميتها الاقتصادية والتصدي للهجرة غير النظامية. وفي حين ذكر سانشيز أن إسبانيا ستخصص ٣١٢ مليون يورو لموريتانيا في السنوات المقبلة، كشفت فون دير لاين أن الاتحاد الأوروبي سيمنح نواكشوط أكثر من ٢١٠ ملايين يورو، لمساعدتها في إدارة الهجرة ودعم اللاجئين، بعد أن منحتها في السنتين الماضيتين حوالي ٦٠٠ مليون يورو. ومن هنا تسربت بعض التفاصيل حول الاتفاقية إلى الصحافة المحلية، مصدرها في الغالب وسائل إعلام أوروبية.
ذكرت صحيفة لوموند أنَّ الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي ستُمْضى تحت عنوان كبير وهو "شراكة معززة مع موريتانيا من أجل مكافحة الهجرة غير الشرعية وتعزيز الأمن على الحدود". وأكدت الصحيفة أيضًا أن اختيار موريتانيا لهذه الشراكة ليس من قبيل الصدفة، حيث شهدت أعداد الوافدين غير النظاميين إلى جزر الكناري الإسبانية ارتفاعًا ملحوظًا بزيادة ٤٨٪، في مقابل انخفاض بنسبة ٧٠٪ للوافدين من سواحل تونس وليبيا.
الإعلام الفرنسي ربط بين إبرام الاتحاد الأوروبي هذا الاتفاق مع نواكشوط ونجاح الاتفاق المبرم مع تونس في صيف ٢٠٢٣، عندما زارتها أورسولا فون دير لاين في يوليو الماضي مع رئيسي الوزراء الإيطالي والهولندي. وقد أثار ذلك الاتفاق أيضًا جدلًا واسعا بين التونسيين في حينه مدفوعًا بمخاوف توطين الأفارقة على أراضيهم. وتؤكد وسائل الإعلام الفرنسية أن رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي ستكون في نواكشوط مرة أخرى في ٧ مارس الجاري لتوقيع الاتفاقية بشكل نهائي. 
تتلخص مخاوف السياسيين والرأي العام في موريتانيا في التغيير المحتمل للخارطة الديموغرافية، إضافة إلى العبء على خزينة الدولة وتوقعات بنشوب أزمة اجتماعية واقتصادية. البعض يرى أيضا أن الأموال الأوروبية مقابل توطين آلاف المهاجرين الأفارقة "لن يفرمل أحلامهم للعبور إلى الفردوس الأوروبي". ولم تخف بعض النخب احتمال أن يكون الاتفاق مكافأة لنواكشوط على التطبيع مع إسرائيل، وقد لا يقف الأمر عند هذا الحد بل قد يدفعها لاستقبال فلسطينيي غزة إذا ما تم التوصل إلى اتفاق دولي بهذا الشأن.
في المقابل، يرى البعض الآخر أن الاكتشافات الجديدة لحقول الغاز في موريتانيا وإعلانها عن بدء تصديره قريبًا إلى أسواق أوروبا قد يغري الكثير من المهاجرين الأفارقة بالبقاء في موريتانيا حيث سيخلق فرصًا جيدة للعمل والعيش في هذا البلد الذي يشهد طفرة تنموية غير مسبوقة مع تعداد سكاني يقلُّ عن ٥ ملايين ساكن فقط. 
كانت موريتانيا تُعدُّ معبرًا رئيسيًا للمهاجرين الأفارقة، ليس فقط نحو إسبانيا وأوروبا بل أيضًا الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تحولت مدينة نواذيبو (أقصى الغرب)، على سبيل المثال، إلى وجهة مفضلة للراغبين في العبور إلى تلك الوجهات. وقد زاد عدد اللاجئين المتدفقين على موريتانيا من منطقة الساحل التي تشهد توتّرات أمنية بسبب الانقلابات العسكرية والحركات الانفصالية. ويتجمع في ولاية الحوض الشرقي داخل "مخيم أمبرة"، على بعد نحو ١٤٠٠ كيلومتر شرق العاصمة نواكشوط، أكثر من ١٠٠ ألف لاجئ من دولة مالي، مع توقعات بوصول أكثر من ١٠٠ ألف آخرين في الشهور المقبلة. وهناك حوالي ٢٠ مليون شخص من منطقة الساحل والصحراء على أهبة الاستعداد للهجرة، بعد أن شهدت ثلاث دول، مالي وبوركينا فاسو والنيجر، انقلابات عسكرية منذ ٢٠٢٠. ومع تشكل مجالس حكم مناهضة للوجود العسكري الفرنسي التقليدي في هذه الدول وزيادة النفوذ الروسي، مالت الكفة حاليا في مجموعة دول الساحل لصالح-التي تأسست برعاية فرنسية في ٢٠١٤- للدول الثلاث المناهضة للنفوذ الفرنسي على حساب موريتانيا وتشاد.
وفي ضوء هذه النتائج تسعى فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي لتعزيز شراكتها الاستراتيجية مع موريتانيا ليس فقط لكبح جماح الهجرة غير الشرعية المتدفقة نحو أوروبا من أراضيها وإنما أيضا لتعزيز وجودها العسكري ونفوذها في الساحل الغربي لإفريقيا.
ألفة السلامي: كاتبة صحفية متخصصة فى الشؤون الدولية

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: مراكب الهجرة موريتانيا الاتحاد الأوروبي الرئيس الموريتاني وسائل إعلام أوروبية الاتحاد الأوروبی فی موریتانیا ملیون یورو

إقرأ أيضاً:

بولندا تحصل على موافقة الاتحاد الأوروبي لإنشاء مصنع لشرائح إنتل

تقدمت خطوة أخرى نحو إنشاء مصنع جديد لشركة إنتل في بولندا بعد أن أعطت المفوضية الأوروبية الضوء الأخضر للحكومة البولندية لتقديم مساعدات حكومية للمشروع.

أعلن وزير الشؤون الرقمية كريستوف جاوكوفسكي في مؤتمر صحفي الجمعة: "أبلغت المفوضية الأوروبية بولندا أنها أعطت الضوء الأخضر لإخطار الحكومة بتقديم مساعدات لشركة إنتل".

 وقال إن حجم المساعدات سيتجاوز 7.4 مليار زلوتي (1.7 مليار يورو) بين عامي 2024 و2026.

وأضاف جاوكوفسكي أن التكلفة الإجمالية لمشروع إنتل تجاوزت 25 مليار زلوتي، ووصفه بأنه "أكبر استثمار في بولندا منذ عقود"، حسبما ذكرت قناة تي في إن.

وقال الوزير إن المصنع، الذي سيقع بالقرب من مدينة فروتسواف وسيقوم بتجميع واختبار شرائح أشباه الموصلات، سيساعد في "ضمان التنمية الاقتصادية الأفضل والأمن الأكبر في بولندا". ومن المتوقع أن يخلق 2000 وظيفة جديدة.

تم الإعلان عن خطط المشروع لأول مرة في يونيو من العام الماضي، في ظل حكومة القانون والعدالة البولندية السابقة. قبل وقت قصير من تركها لمنصبها في ديسمبر، وافقت حكومة القانون والعدالة على أكثر من 7 مليارات زلوتي من الدعم الحكومي لإنتاج رقائق أشباه الموصلات.

يجب أن يوافق الاتحاد الأوروبي على مثل هذه المساعدات الحكومية، وقد أشرفت الحكومة الائتلافية الجديدة التي حلت محل حزب القانون والعدالة على هذه العملية هذا العام.

قال جوكوفسكي اليوم: "عادة ما تستغرق مثل هذه العمليات في المفوضية الأوروبية عامين". "لقد تمكنا من تقصير وتسريع هذه العملية بشكل كبير. استغرق الأمر ثمانية أشهر فقط".

وأضاف نائب وزير الشؤون الرقمية داريوش ستاندرسكي أن الحكومة تأمل الآن في توقيع اتفاقية نهائية مع إنتل بحلول نهاية هذا العام، مما يمهد الطريق لبدء بناء المصنع.

وسوف يصبح المصنع جزءًا من سلسلة توريد أشباه الموصلات على مستوى الاتحاد الأوروبي التي طورتها شركة إنتل، بما في ذلك منشأة تصنيع رقائق موجودة في أيرلندا ومنشأة مخطط لها في ألمانيا.

سيستقبل الموقع في بولندا الرقائق المصنعة على رقائق السيليكون في المصانع الأيرلندية والألمانية، ويجمعها في منتجات نهائية، ثم يختبرها من حيث الأداء والجودة.

وقالت الشركة إنها اختارت بولندا بسبب "بنيتها التحتية وقاعدة المواهب القوية وبيئة العمل الممتازة". وقال الرئيس التنفيذي لشركة إنتل بات جيلسنجر، الذي أشار إلى أن الشركة تعمل بالفعل في بولندا منذ 30 عامًا، إن البلاد "تنافسية للغاية من حيث التكلفة مع مواقع التصنيع الأخرى على مستوى العالم".

وأضافت إنتل، التي قالت إن الوظائف "ذات الأجر الجيد" في المنشأة الجديدة ستشمل المهندسين ووظائف دعم الأعمال ومشغلي المصانع وفنيي المعدات، "تقدم بولندا قاعدة قوية من المواهب الفنية والعديد من الجامعات الممتازة مع برامج هندسية قوية".

وقد أطلقت عدد من شركات التكنولوجيا الدولية الكبرى مؤخرًا استثمارات كبيرة في بولندا. وفي العام الماضي، أعلنت فيزا عن إنشاء مركز عالمي للتكنولوجيا والمنتجات.

في عام 2020، أعلنت شركة مايكروسوفت عن استثمار بقيمة مليار دولار لإنشاء أول مركز بيانات لها في المنطقة في وارسو وفي العام التالي تعهدت جوجل بجعل المدينة "عاصمة السحابة في أوروبا" من خلال إنشاء أكبر تطوير لتكنولوجيا السحابة في القارة هناك.

في يونيو من هذا العام، شجع نائب رئيس شركة مايكروسوفت والرئيس براد سميث شركات التكنولوجيا العالمية على الاستثمار في بولندا، قائلاً إن البلاد لديها الفرصة لتأسيس نفسها كـ "وادي الذكاء الاصطناعي" الرائد في تطوير الذكاء الاصطناعي.

مقالات مشابهة

  • «اتش اي جي» تستثمر 50 مليون يورو في «تسيجرت» الألمانية للتطوير العقاري
  • وزير المالية: فرص كبيرة لتعميق التعاون مع الاتحاد الأوروبي
  • وزير المالية: نتطلع إلى زيادة استثمارات دول الاتحاد الأوروبي في مصر
  • بوريل: تقييد كييف بعدم ضرب عمق روسيا يزعزع الثقة في الاتحاد الأوروبي
  • عملات نادرة بـ 14.8 مليون يـورو
  • بولندا تحصل على موافقة الاتحاد الأوروبي لإنشاء مصنع لشرائح إنتل
  • هكذا وصف الاتحاد الأوروبي نظام مادورو بعد الانتخابات الأخيرة
  • مع تفاقم الأزمات.. هل ستعود بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي؟
  • فتح تدعو الاتحاد الأوروبي إلى تبني بيان مدريد وتطبيقه
  • انخفاض عائدات الصادرات الأمريكية من الغاز إلى الاتحاد الأوروبي